بقلم : عبد الواحد براهم بين صلاة الصبح وصلاة الظهر ينتصب بمكتبه رجل أعمال لطيف،أظهر للناس حبّا للعبادة والتّقوى. وهو وإن لم يتقدّم به العمر فقد تقدّم به المركز والجاه. أليس هو زوج ابنة رئيس البلاد، المقرّب من حماته، ووكيل شؤونها ؟ فما إن صاهر هذا الشابّ القادم من لامكان عائلة الرئيس حتى طالت يده، وعلت كلمته، ومن ثمّ انقلبت حاله، وكثرت أعماله، وتكدّست أمواله. يجمع حوله معاونيه متعدّدي الاختصاصات، فهذا مسؤول الإعلام يشيد بانتشار الصحف المشتراة، نتيجة تجميلها، وتدعيمها برجال الموالاة. و عن إذاعة المؤسسة يقول أن دائرة مستمعيها اتّسعت، وأنه ملأها بالخطباء والوعّاظ ومفسّري الشريعة ممّن يجمعون بين الولاء وذلاقة اللسان، مما يبعث الاطمئنان إلى أدائهم، وقدرتهم على استمالة القلوب، و إلهائها بذكر الآخرة عن ذكر الدّنيا. تكلّم بعده مسؤول الفلاحة عن استصلاح الأراضي المستولى عليها، وطلب التوسّع لاحتواء بعض القطع المشتّتة حولها. وبيّن بعده مدير النيابات التجارية للسيارات ما حققته من أرباح بفضل طريقته المبتكرة في الضغط على شركات النقل ووكالات السياحة، حتى تغيّر سياراتها بالنّوعيات الكوريّة المستوردة حديثا. وجاء دور مدير البنك الإسلامي فشرح سياسته في تطبيق «المرابحة» في العقود، الجائز شرعا، وفي استعماله طرقا مقتبسة من المشرق، يطمئنّ بها الحرفاء على أنّ « المرابحة» نشاط تجاري استثماري حلال، وليس قرضا ربويا، رغم أن الفوائض واحدة. وهنا تدخّل المدير المؤسس ليوصي بتحاشي مفردات القرض والفوائض المزعجة، وبالإكثار من كلمات التنمية وترفيه المجتمع بتيسير شراء المنازل والسيّارات، لاجتذاب زبائن جدد ممّن يحرجهم النظام البنكي التقليدي وذكر الفوائض. و نبّه المدير : «لا تنس في كل الأحوال أننا لسنا بنك تنمية، وإنما بنك وساطة ومضاربات، لكن ليس من الضروريّ إعلان هذا من فوق السطوح». ثم تحدّث مسؤول خطوط الهاتف المشترى ربعها حديثا، وطلب اغتنام رئاسة مجلس إدارتها لمنافسة الخطوط الأخرى بمساعدة أجهزة الدولة. وتوالى آخرون للحديث عن المضاربات العقارية، واستيراد الموادّ دون الخضوع للضّرائب، وكل منهم يذكر معوّقات أدائه لمهامّه، سواء من طرف المنافسين، أو من أجهزة الإدارة. كلّ هذا ورجل الأعمال يسجّل في دفتره أسماء و ملاحظات من وحي ما يسمع. فإذا جاء وقت الظّهر صرف جماعته، بعد تزويدهم بالتوجيهات ، وقام إلى الوضوء والصّلاة. ولمّا عاد إلى مكتبه بعد ذلك اختلى بنفسه واشتغل على الهاتف، مراجعا ما بدفتره الأنيق من أسماء وملاحظات. وتتنوّع اتصالاته، فبعضها لمكاتب دراسات الأعمال، وبعضها للمصارف المموّلة، وبعضها لتليين صلابة مدير أو وزير، وربما لتهديده إن عاند كثيرا. أحيانا تتمّ مساومات على ارتشاء أو إسداء خدمات، أو استعداء الإدارة على بعض المنافسين. وتتم المكالمات جميعها بلباقة ولطف، وقد لا تلفظ فيها أسماء بعينها، بل يكفي أحيانا مجرّد التّلميح. ثم تحين صلاة العصر، فيؤدّيها رجل الأعمال في مكتبه، مكتفيا بقراءة الفاتحة وسورة « إنا أعطيناك الكوثر «، متحاشيا كالعادة أن ترد على لسانه آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهما ليسا من مهامّه، وإنما هو مطالب بأداء الفرض والسعي في الأرض، بما يرضي الله وأولي الأمر الذين كلّفوه فقط بتطمين النفوس، وتعطيل ما في الرّؤوس، مع تحقيق الكسب، والمزيد من الكسب، مهما كان مأتاه. بعد صلاة المغرب يزور رجل الأعمال حماته في القصر الرّئاسي، حيث تسبقه زوجته إليه، وفي اللقاء العائلي الحميم يستعرض الشابّ النشيط مجريات يومه، منوّها بمن ساعدوه، وواشيا بأسماء من عاندوا أو اعترضوا أو تردّدوا في تلبية طلباته.وكلّما توتّر أو احتار تطمئنه سيدة القصر بأن مستشاريها سيتولّون متابعة القضايا بأساليبهم الخاصّة ولهم فيها باع وذراع. ثم تبسط له مشاريعها المقبلة وهي تتناول فاكهة ما بعد العشاء، وتداعب صغار العائلة من حين إلى حين. في خضمّ المناقشات، وبين مداعبة وأخرى يحين وقت صلاة العشاء، فيستأذن رجل الأعمال ببشاشة ولطف من زوجته وحماته، ويفرش سجادته في أحد أركان الصالون الكبير، مردّدا بصوت خفيض : «إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين...» ولا يرفع صوته إلا عند قراءة الفاتحة تتلوها سورة الفلق، متحاشيا كالعادة أن ينزلق لسانه فيقرأ « إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر...».