رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    فاتورة استيراد الطاقة لا تطاق .. هل تعود تونس إلى مشروعها النووي؟    في علاقة بالجهاز السرّي واغتيال الشهيد بلعيد... تفاصيل سقوط أخطبوط النهضة    مذكّرات سياسي في «الشروق» (5) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم الصادقية حاضنة المعرفة والعمل الوطني...!    أخبار المال والأعمال    تقديرات بانحسار عجز الميزانية الى 6.6 ٪ من الناتج المحلي    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    مزاد دولي يبيع ساعة أغنى راكب ابتلعه الأطلسي مع سفينة تايتنيك    الرابطة الثانية (ج 7 إيابا) قمة مثيرة بين «الجليزة» و«الستيدة»    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    ترشح إلى «فينال» رابطة الأبطال وضَمن المونديال ...مبروك للترجي .. مبروك لتونس    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    تنديد بمحتوى ''سين وجيم الجنسانية''    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    نبيل عمار يؤكد الحرص على مزيد الارتقاء بالتعاون بين تونس والكامرون    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف لطيران الاحتلال لمناطق وسط وجنوب غزة..#خبر_عاجل    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    ماذا في لقاء وزير الخارجية بنظيره الكاميروني؟    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    البطولة الافريقية للجيدو - ميدالية فضية لعلاء الدين شلبي في وزن -73 كلغ    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    نابل: الاحتفاظ بشخص محكوم بالسجن من أجل "الانتماء إلى تنظيم إرهابي" (الحرس الوطني)    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيدين للفلسطينيين    مواطن يرفع قضية بالصافي سعيد بعد دعوته لتحويل جربة لهونغ كونغ    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب؟    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    يلاحق زوجته داخل محل حلاقة ويشوه وجهها    عاجل/ إصابة وزير الاحتلال بن غفير بجروح بعد انقلاب سيارته    القلعة الصغرى : الإحتفاظ بمروج مخدرات    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    عاجل/ تحذير من أمطار وفيضانات ستجتاح هذه الدولة..    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    التشكيلة المنتظرة للترجي في مواجهة صن داونز    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين معاقبة أئمة المساجد والسكوت عن أئمة المناكر والمفاسد (1)
نشر في الفجر نيوز يوم 10 - 08 - 2010

نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ علي بن حاج الفجرنيوز
طالع ايضا:بين معاقبة أئمة المساجد والسكوت عن أئمة المناكر والمفاسد (2)
بين معاقبة أئمة المساجد والسكوت عن أئمة المناكر والمفاسد (3)
بسم الله الرحمن الرحيم
* الحمد لله القائل في كتابه العزيز "فلو لا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم""هود116، وذم قوما فقال "كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كان يفعلون"المائدة79، ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين القائل في الحديث الصحيح"يا أيها الناس مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا الله فلا يستجيب لكم وقبل أن تستغفروا الله فلا يغفر لكم، إن الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى لما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم ثم عمهم بالبلاء" ومدح قوما فقال عليه الصلاة والسلام "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء، قيل ومن الغرباء يارسول الله، قال الذين يصلحون إذا فسد الناس" وفي رواية، ناس صالحون قليل في ناس كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم" وعلى آله وصحبه أجمين.
* ما زالت وزارة الشؤون الدنيوية أو الدينية مصرة على إصدار العديد من التعليمات والإجراءات بهدف تشديد الخناق على المساجد والأئمة إلى أن وصل بها الأمر –في الأيام الأخيرة- إلى إصدار تعليمات إلى أئمة المساجد عبر القطر تحدد لهم كيفية صلاة التراويح بطريقة لا سند لها من الكتاب ولا من السنة ولا نصّ عليها الأئمة الأربعة ومنهم مالك رحمه الله، فضلا على منع الناس من الصلاة خارج المسجد وصحنه وإلاّ تعرض الإمام إلى سلسلة من العقوبات الرادعة الزاجرة وليكون الإمام الخارج عن المدونة الغُلامية عبرة لكل إمام عبر القطر، ولو أطلع الرأي العام على فحوى بعض التعليمات لجزم أن أئمة المساجد –إلا ما رحم ربي- ما هم إلا مجرد آلة طيّعة في يد الوزارة لتمرير سياسة تخدم النظام المتعفن وتساهم في تخذير الشعب وتنويمه، وأما سطوة الوزارة الغلامية التي تهين الأئمة، وتضيع حقوقهم المادية والمعنوية، لا يملكون حولا ولا قوة، فهل يعقل أن يتحول الإمام إلى مخبر للأجهزة الأمنية يقدم التقارير الأمنية ؟!!! ولو ذهبنا نقارن بين موظف في مصنع الخمر أو دور الملاهي والمراقص لوجدناهم ينعمون بحقوقهم كاملة غير منقوصة وكثير منهم –رغم جرمه وكبيرته- يتصف بالأنفة وشموخ الأنف خلافا لكثير من الأئمة الذين يعانون من هضم حقوقهم ونقلهم من ولاية إلى ولاية أخرى عقوبة لهم لأمر من الأمور الكثيرة لسنا الآن بصدد شرحها وبيانها، وكلنا يعلم أنه منذ مدة عندما امتنع بعض أئمة المساجد عن القيام للعلم والنشيد الوطني وذلك لقناعة فقهية اقتنعوا بها –وذلك من حقهم- قامت قيامة وزارة الشؤون الدينية وقال أول موظف كبير في الوزارة كلاما لا يقوله عاقل، وبسرعة البرق تم اتّهام أئمة النظام في دينهم ووطنيتهم وعقولهم وأصبحوا لعقة على كل لسان وعقدت لهم مجالس التأديب التي أرهبت قلوب بعضهم فشهدوا على أنفسهم بالضلالة نعوذ بالله من الحور بعد الكور، وتراجع بعضهم عما أقدم عليه-تقية- خوفا على منصبه أو ضياع منزله أو رد السيارة التي نالها بالتقسيط أو نقله خارج ولايته أو الخصم من مرتبه، ولم نسمع أن أحدا من هؤلاء الأئمة الذين رفضوا القيام للنشيد الوطني واجه وزير الشؤون الدينية أو أعضاء مجلس التأديب وعرض حجته دون خوف أو وجل أو أفهم هؤلاء الحمقى أن الوطنية الحقة لا يمكن حصرها في القيام للنشيد من عدمه!!! فما غلام الله أو حتى رئيس الجمهورية بأكبر من أن يُرد عليهما إذا وقعا في خطأ اجتهادي أو سياسي أو تقديري أو معصية معلن بها، وقصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع إحدى النساء أشهر من أن تذكر، فما أكثر من وقف للنشيد الوطني من السياسيين أو العسكريين أو رجال السلطة وهم يعملون على تخريب صياصي الوطنية الحقّة والأدلة الشرعية والسياسية والقانونية والواقعية على ذلك فوق الحصر، قلنا لقد تم بسرعة البرق تقريع وتوبيخ وتأنيب هؤلاء الأئمة بشكل مهين، وخصمت رواتب بعضهم وهي زهيدة وتم إيقاف آخرين عن الخطابة والإمامة والتدريس وتناولتهم بعض الألسنة والأقلام بالسوء وكأنهم بعدم وقوفهم للنشيد ارتكبوا منكرا وذنبا لا يغتفر كما قال أكبر موظف في وزارة الشؤون الدينية، وهكذا بين عشية وضحاها أصبح هؤلاء الأئمة مادة دسمة لمختلف الجرائد وبعناوين عريضة وطاروا بخبرهم كل مطار وأعجب العجب أن الجرائد التي طالما رفعت شعار الاستقلالية والمهنية والموضوعية والاحترافية وتمكين الرأي العام من الإطلاع على مختلف الآراء ولم تتشجع جريدة واحدة من فسح المجال لهؤلاء الأئمة لإبداء وجهة نظرهم في المسألة والإطلاع على حججهم الشرعية التي دفعت بهم لعدم الوقوف للنشيد الوطني ومما زاد الطين بلة أن بعض زعماء الزوايا وأدعياء الصوفية اهتبل الفرصة السانحة طالبا من السلطة والقائمين عليها اتخاذ إجراءات قاسية بحق هؤلاء الأئمة الذين يحملون فكرا خطيرا وافدا من وراء البحار وراحوا يزايدون على وطنية هؤلاء ويعرضون أنفسهم كبديل لهؤلاء الأئمة المارقين عن "الوطنية" ولا بد من تطهير المساجد من هؤلاء الأئمة وتعويضهم بغيرهم وهكذا أصبحت الحجة الشرعية عند هؤلاء القول الذي تدعمه قوة السلطة لا قوة الدليل والبرهان أو مقارعة الحجة بالحجة ومتى كانت السلطة من المرجحات الشرعية عند التعارض والاختلاف في عرض الأدلة؟!!! وهذا الصنيع الانتهازي يذكرنا ببعض شيوخ الزوايا الذين كانوا يستغيثون بالسلطة الفرنسية المستعمرة لمنع رجال جمعية العلماء الجزائريين من الدعوة بدعوى أن الشيخ عبد الحميد بن باديس سلفي وهابي يخدم جهات أجنبية، واستطاعت الإدارة الفرنسية تسخير بعض شيوخ الزوايا الموالين لفرنسا وأسّست لهم جمعية علماء السنة وهي جمعية ضرار هدفها محاربة جمعية العلماء المسلمين بدعوى أنها جمعية وهابية عبداوية سلفية لا تلتزم بمذهب الإمام مالك وفقه الشيخ خليل، ومن درس حجم الصراع الذي دار بين جمعية العلماء وبعض شيوخ الزوايا وأدعياء التصوف الزائف، وهكذا عرفت قوى الاستعمار القديم والأنظمة الفاسدة في الحديث كيف تستغل بعض الحركات والمساجد لتصنع منهم حركات ضرار أو مساجد ضرار أو أئمة ضرار!!! فما أشبه الليلة بالبارحة، ومن المعلوم أن فاقد الحجة والبرهان يعتمد على قوة السلطة لا قوة الحجة، وما أكثر المذاهب العقائدية والفقهية والفكرية بل وحتى النحوية ما كانت لتقوم بالدليل لو لم تكن السلطة الحاكمة في صفها ودعمها، وتصفية خصمها سياسيا وللأسف الشديد أن بعض هؤلاء الأئمة –عفا الله عنا وعنهم- ضعف أمام ضغوط الوزارة الوصية وأمام الحملة الإعلامية التي شنتها عليهم بعض الجرائد التي حجبت وجهة نظرهم عن الرأي العام مما يدل على مدى الشك في استقلالية هذه الجرائد التي تزعم الموضوعية والمهنية؟!!! لقد قامت وزارة غلام الله بتأميم المساجد فأصبحت مجرد مؤسسات إدارية أو أشبه بالثكنات العسكرية تسير بالقرارات الفوقية وليس بالأدلة الشرعية وأصبح الإمام مجرد موظف خاضع للوظيف العمومي ويتم التحكم فيه عبر شبكة من المفتشين المخبرين وبعضهم عملاء أخفياء للمخابرات هذا الجهاز الذي له شبكة عملاء مغروسة في جميع مفاصل أجهزة الدولة وبين أفراد الشعب بما في ذلك الجامعات والمدارس والمساجد والنقابات وأجهزة الإعلام والصحافة والمستشفيات والإدارات ومنظمات المجتمع المدني، فضلا عن الرقابة الأمنية داخل المساجد من طرف الأجهزة الأمنية وأصبح الإمام ملزما بتقديم التقارير للجهات الأمنية المختصة مما عرض بعض الأئمة إلى الوشاية وتصفية الحسابات والعياذ بالله، ولسنا الآن بصدد تحرير القول في مسألة "حكم الوقوف للنشيد الوطني" فهذا أمر نتركه للأئمة الذين يرون عدم جواز الوقوف للنشيد الوطني، لأن النشيد يفتتح بالقسم لغير الله والرسول صلى الله عله وسلك يقول "من حلف بغير الله فقد أشرك" والتأليف فيها وبيان الأدلة الشرعية في ذلك، وعسى أن يكون ذلك قريبا ليعرف الرأي العام حكم الشرع في هذه المسألة التي أخذت أبعادا خطيرة وعرضت مستقبل هؤلاء الأئمة للخطر وربما للفصل أو الإحالة على الجهات القضائية بدعوى المس بالرموز الوطنية. والسؤال المطروح، ما موقف وزارة الشؤون الدينية ممن يسب الله تبارك وتعالى ويقف منتصفا للعلم والنشيد الوطني وهو كافر بالله تعالى ولا أحد يعاقبه عل جرمه هذا في ظل غياب قانون يجرم سب الله تبارك تعالى؟!!! ألا يعلم غلام الله أن مسألة الوقوف للراية ليس واجبا شرعيا ولا تشمله الأحكام التكليفية الخمس بل هو عند هؤلاء الأئمة أقرب للبدعة منه لمباح والذي لا يلزم من تركه أي عقوبة أو ملامة، أما سب الله تعالى فأمر مجمع على أنه كفر وردة وأن من سب الله تعالى فهو مرتد يجب قتله، فسب الله أو سب رسوله كفر ظاهرا أو باطنا، سواء أكان الساب يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحلا له أو كان ذاهلا عن اعتقاده، فهذا مذهب سائر الفقهاء وسائر أهل السنة، وقد حقق القاضي عياض رحمه الله مسائل قطع بتكفير أصحابها زادت على العشرين، منها سب الله تعالى وهذا مسألة ليست من فتاوى حركة طالبان ولا القاعدة أو الحركة الوهابية، وإنما هي مسألة مجمع عليها من الأئمة الأربعة وعلى رأسهم الإمام مالك رحمه الله كما حكى ذلك عنه الإمام القاضي عياض في كتابه الشفا، فماذا فعلت وزارة الشؤون الدينية لظاهرة سب الله تعالى؟ وهل هناك قانون يعاقب الذي يسب الله تعالى أو رسوله أو يستهزئ بحكم من أحكام الشريعة القطعية؟!!! وهل عدم الوقوف للنشيد الوطني أعظم جرما من سب الله تعالى "ما لكم كيف تحكمون" وأظن أن غلام الله لن يتهم الإمام مالك رحمه الله بالتشدد أو التطرف وأنه حامل لفكر إرهابي وافد من وراء البحار؟!!!.
* تلك وقفة وزارة الشؤون الدينية الحاسمة والحازمة بشأن الأئمة الذين امتنعوا من الوقوف للنشيد الوطني والعلم، فما هي وقفة هذه الوزارة المسؤولة عن حفظ دين الأمة أما سيل مناكر الصيف التي ترعاها السلطة القائمة وتروج لها وتدافع عنها وتصرف عليها من أموال الأمة دون رضاها وإذا كانت مسألة الوقوف للنشيد الوطني محل أخذ ورد لاسيما وحجة هؤلاء الأئمة أن الوقوف للراية أو النشيد الوطني لم يجر عليها العمل عند القرون المفضلة الأولى ولم يكن عليه العمل عند أهل المدينة إذ عمل أهل المدينة حجة عند الإمام مالك رحمه الله، وإنما هو من تقليد الغرب الكافر، ويقولون كل خير في إتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف، ولهم أدلة أخرى ربما قام أحدهم بالتأليف المفصل في هذه المسألة لاسيما وبعض هؤلاء الأئمة متخصص في التأليف في مثل هذه المواضيع الحادثة، والتي لم تكن في العقود المفضلة الأولى، قلنا فإذا كانت مسألة الوقوف للنشيد والراية محل أخذ ورد، فإن المناكر والكبائر والفضائح الأخلاقية التي ترعاها السلطة القائمة هي محل إجماع بين أهل العلم قديما وحديثا، بل هي محرمة قطعا لأنها من المعلوم بالدين بالضرورة لا يعذر أحد بجهلها في ديار الإسلام، والسؤال المطروح، لماذا يلتزم وزير الشؤون الدينية الصمت إزاء هذه المناكر ولا يحرك ساكنا وهي تزايد يوما بعد يوم، وكان الواجب من الناحية الشرعية على وزير حفظ الدين وشيخ زاوية متوارثة أبا عن جد أن يقول لرئيس الجمهورية وبكل صراحة إما أن تحارب هذه المناكر التي تخالف الكتاب والسنة وإما سأضطر لتقديم استقالتي، هذا من ناحية ومن ناحية لأنها تخالف المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن دين الدولة الإسلام، والمادة 09 منه تنص على أنه لا يجوز للمؤسسات أن تقوم يما يلي:
- الممارسات الإقطاعية والجهوية والمحسوبية.
- إقامة علاقات الاستغلال والتبعية.
- السلوك المخالف للخلق الإسلامي وقيم ثورة نوفمبر.
ولا يمكن لوزير الدين أن يسكت على هذه المناكر ولا يقف لها بالمرصاد، فكيف إذا كانت مؤسسات الدولة تشرف على هذه المناكر؟!!!، وهو تصرف مخالف للدستور فضلا عن أحكام الشريعة، والإسلام يحرم كل هذه المناكر ويتوعد مرتكبيها من العامة بأوخم العقوبات في الدنيا والآخرة فكيف بولاة الأمر إذا شجعوا عليها وقاموا بحمايتها والصرف عليها من أموال الأمة؟!!!
ثم لماذا لا تعقد وزارة غلام الله مجالس تأديبية لأصحاب هؤلاء المفاسد والمناكر والفواحش كما عقدت -بلمح البصر- لبعض أئمة المساجد الذين امتنعوا عن الوقوف للنشيد الوطني لقناعة فقهية؟!!! فلماذا هذا الإستقواء على الأئمة المساكين الأجراء والتخاذل أمام عتاة المجرمين ممّن يعدّون دعاة على أبواب جهنم، المجاهرين بكبائر الإثم والفواحش وأمام نظر السلطة القائمة وتحت رعايتها وتحول بعض المهرجانات وشواطئ البحار إلى أماكن فساد ودعارة على الكشوف؟!!!
* ليعلم وزير الشؤون الدينية والقائمين على هذه الوزارة وكبار الموظفين فيها أنه ما إن يدخل فصل الصيف حتى تأخذ الكبائر والمناكر في التمدد والاتساع والانتشار فتتوالد الحفلات الماجنة الراقصة والمهرجانات ويعم الاختلاط شواطئي البحار وكشف العورات دون حياء أو حشمة وتصرف الأموال بلا رقيب ولا حسيب من أموال الأمة ويتم كل ذلك برعاية السلطة ودعمها وتحت رعاية رئيس الجمهورية ووزارة الإعلام والثقافة وهي ظاهرة ليست خاصة بالجزائر وإنما تتم في سائر الدول العربية والإسلامية برعاية الملوك والأمراء ورؤساء الجمهوريات وكل هذه المخازي تقابلها وزارة شؤون "الدين" بصمت رهيب كصمت أهل القبور!!! فلم نسمع ولو لمرة واحدة أن عقد غلام الله ندوة صحفية ندد فيها بالمناكر والكبائر المخالفة لأحكام الشريعة!!! ففي الجزائر مثلا يمكن ذكر بعض تلك الحفلات والمهرجانات الماجنة الراقصة والتي تتم تحت رعاية السلطة وبدعمها وحمايتها أمنيا ومعاقبة من يتعرض لها بالإنكار!!!
-مهرجان أغنية الراي الطبعة3 بسيدي بلعباس
-مهرجان تيمقاد الطبعة32 بباتنة
-مهرجان جميلة الطبعة6 بسطيف
-مهرجان الأغنية والموسيقى الوهرانية الطبعة3 بوهران
-مهرجان الأغنية الأمازيغية ببجاية
-المهرجان الوطني للمالوف الطبعة4 بقسنطينة
-مهرجان الأيام الأندلسية الطبعة6 بشرشال
-مهرجان الأغنية الشعبية الطبعة5 العاصمة
-المهرجان الدولي لموسيقى الديوان الطبعة3 رياض الفتح
-المهرجان الدولي للرقص الشعبي الطبعة6 ببلعباس
-المهرجان العربي الإفريقي للرقص الفلكلوري الطبعة5 تيزي وزو
-المهرجان الوطني للراب والهيب هوب الطبعة10 الشلف
-المهرجان الدولي الثقافي لموسيقى الحوزي تلمسان
-مهرجان مسرح الهواة الطبعة43 مستغانم
-مهرجان جوه الدولي بجاية
-المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي المدية
-أيام المونولوج والفكاهة المنظم الطبعة3 البرج
-الأيام المسرحية الطبعة18 سكيكدة
-الأيام المسحية المغاربية الطبعة3 باتنة
-ليالي شرشال الحوزي شرشال
-سهرات المالوف بعنابة
-سهرات الكازيف مسرح الهواء الطلق بسيدي فرج
-سهرات فندق الرمال الذهبية
والقائمة طويلة ولا أحد من المواطنين الجزائريين يعرف حجم الأغلفة المالية المخصصة لهذه المهرجانات والسهرات ولا أحد يعرف حجم الأغلفة المالية التي أعطيت للفرق الأجنبية الزائرة، ولا أحد يعرف كم تقاضى كل من الفنانين الأجانب أمثال ماجدة الرومي وعاصي الحلاني وعلى الديك ولطيفة رأفت وصابر الرباعي ووعد السعودية...الخ. والقائمة طويلة، وكم تقاضى كل فنان جزائري؟!!!.
فما هو موقف وزير الشؤون الدينية من هذه المخازي والمناكر التي تزداد انتشارا في فصل الصيف وتحت رعاية رئيس الجمهورية ووزارة الإعلام والثقافة والديوان الوطني للثقافة والإعلام، حتى قال قائلهم، أنه ما إن يقدم فصل الصيف حتى تتحول الجزائر وبعض ولاياتها إلى معهرة على المكشوف أو بيت دعارة في الهواء الطلق، وكان الواجب أن تتصدى وزارة الشؤون الدينية بكل إطاراتها ورجالها، علمائها ودعاتها إلى رجال حسبة شرعية على العامة والخاصة وخاصة الخاصة، وضد أهل المناكر وكبائر الإثم والفواحش لأن جوهر رسالة الإسلام القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عوض أن تصبح وزارة الشؤون الدينية مقصلة للأئمة الذين يخالفونها في الرأي؟!!! ولذلك كان لزاما علينا تذكير الأمة في هذا الصيف الحار الفاتن للأمة بمكانة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام، لاسيما ونحن مقبلون بعد يوم أو يومين على شهر الصيام الذي يحاول دعاة الفساد والإفساد تحويله إلى شهر حفلات ومهرجانات وسهرات ليلية في الوقت الذي تضيق وزارة غلام الله على الدعاة والأئمة والمصلين بمنعهم من الصلاة خارج المساجد؟!!! وفي هذا البيان المستعجل سوف نتطرق إلى النقاط التالية نصحا وتذكيرا والله الموفق لكل خير، آمين.
1-بيان شرط خيرية الأمة الإسلامية:
* مما لا شك فيه عند عامة المسلمين وخاصتهم أن من أعظم خصائص الأمة الإسلامية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لقوله تعالى: "كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" آل عمران 110. فهذه الآية الكريمة تحتاج إلى وقفة طويلة من أهل الذكر وأرباب التفسير لما تحتويه من معاني عظيمة وحكم وأحكام ولطائف لو وعاها المسلمون حق الوعي لما كانوا اليوم في مؤخرة الركب على أكثر من صعيد ولن تقوم للمسلمين قائمة إلا بشرط الله تعالى لهذه الأمة، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "أيها الناس من سرّه أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله منها" وهو القائل: "من ابتغى العزة في غير الإسلام أذله الله" وقال مجاهد رحمه الله: "كنتم خير الناس للناس على هذا الشرط أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر وتؤمنوا بالله" وقال القرطبي رحمه الله "مدح لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به، فإذا تركوا التغيير وتواطئوا على المنكر - كما هو حال عموم المسلمين حكاما ومحكومين - زال عنهم إسم المدح ولحقهم إسم الذم وكان ذلك سببا لهلاكهم" والحق يقال ولا يخال أن هذه الأمة الإسلامية لن تعود إلى سابق عهدها وعظيم مجدها إلا إذا قامت بهذه الفريضة العظيمة الصعبة والتي بفضلها قادت أمم الأرض قاطبة بواسطة القيم الإسلامية العليا التي عز نظيرها بين أمم الأرض وكلنا يعلم أن الأمة اليهودية لم تسقط إلى أسفل السافلين بعد ان اختارهم الله على علم على العالمين إلا بعد أن تخلت عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالتالي استحقت لعنة الله والملائكة والناس أجمعين قال الله تعالى: "لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون" المائدة 78/79. ونصوص الكتاب والسنة وآثار السلف الأوائل ومن نهج نهجهم من الأواخر في بيان مكانة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فوق الحصر.
* هذا البيان - المستعجل - ليس القصد منه - هذه المرة - الإفاضة في شرح فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان الضوابط الشرعية لهذه الفريضة وإنما القصد منه بالدرجة الأولى بيان حجم تفريط ولاة القهر في ديار المسلمين من ملوك وأمراء ورؤساء في القيام بمقصد من أهم مقاصد الحكم في الشريعة الإسلامية ألا وهو مقصد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح أخلاق الرعية والعمل على نظافة المجتمع المسلم وحمايته من مظاهر الرذائل الخلقية المحرمة بنص الكتاب والسنة بحكم أن الحكام هم اقدر الناس على القيام بهذا الواجب الشرعي وتذكير العام والخاص بانحراف هؤلاء الحكام عن نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين الذين جمعوا بين الدعوة إلى الفضيلة بالدعوة الحسنة وحاربوا الرذيلة بما يملكون من سلطان رادع ولكن رغم ما سبق ذكره والإشارة إليه فسوف نشير إلى جملة من النقاط على وجه الاختصار والإيجاز رفقا بجمهور القراء في ظل حرارة الصيف اللاهبة، وضعف الهمم على المطالعة في ظل ارتفاع الحرارة وقضاء إجازة الصيف هنا وهناك.
2-تعريف المنكر والمعروف:
* كل ما خالف أحكام الشريعة الإسلامية فهو منكر يحب ان ينكر قال الامام الجصاص رحمه الله في تعريف المنكر: "المنكر هو ما نهى الله عنه" وقال المفسر الشهير الالوسى رحمه الله "المنكر المعاصي التي أنكرها الشرع" وقال ابن الاثير رحمه الله: "المنكر ضد المعروف وكل ما قبحه الشرع وحرمه وكرهه فهو منكر" والحاصل ان المنكر كل ما نهى عنه الشرع من اعتقاد أو قول أو فعل على سبيل التحريم أو الكراهة ورأس المنكر الشرك بالله بجميع أنواعه.
وكل ما أمرت به الشريعة الإسلامية فهو معروف وقيل هو اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى الناس بكل ما ندب إليه الشرع.، وقيل المعروف إسم لكل ما أمر به الشرع من قول أو عمل أو اعتقاد ورأس المعروف توحيد الله تعالى بجميع أنواعه.
3-مكانة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام:
* لقد حرص سلفنا الصالح الأوائل ومن نهج نهجهم عبر القرون والعصور على بيان مكانة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام مستندين إلى نصوص الكتاب والسنة ولو جمعنا أقوالهم لجاءت في مجلد ضخم، ولا بأس بالتذكير ببعضها من باب إن الذكرى تنفع المؤمنين، لا سيما ونحن في فصل الصيف الذي تتكاثر فيه المناكر في البحر والبر والجو وبدعم من الأنظمة الفاسدة قال الحسن البصري رحمه الله: "من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه" وقال الضحاك رحمه الله: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة من فرائض الله التي كتبها الله على عباده المؤمنين" قال الجصاص رحمه الله: "أكد الله تعالى فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مواضع من كتابه وبينه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أخباره المتواترة عنه فيه واجمع السلف وفقهاء الأمصار على وجوبه" وقال ابن حزم رحمه الله: "اتفقت الأمة كلها على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف من أحد منهم" وقال الإمام النووى رحمه الله: "قد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأئمة وهو أيضا من النصيحة التي هي الدين..." وقال الإمام المالكي ابن العربي رحمه الله: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب عظيم هو ابتداء الدين والإسلام وهو أيضا انتهاؤه" وقال أيضا: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو أصل الدين وخلافة المسلمين" وقال الامام الشوكاني رحمه الله: "وجوبه ثابت بالكتاب والسنة وهو أعظم واجبات الشريعة وأصل عظيم من أصولها وركن مشيد من أركانها وبه يكمل نظامها ويرتفع سنامها"، وقال أيضا:"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما العمادان العظيمان من أعمدة هذا الدين والركنان الكبيران من أركانه وهو مجمع على وجوبهما إجماعا من سابق هذه الأمة ولاحقها..." وقال الإمام الغزالي رحمه الله وهو من أفضل من تكلم في دقائق فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كتابه الإحياء: "فان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين ولو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة وعمت الفترة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة واستشرى الفساد واتسع الخرق وخربت البلاد وهلك العباد ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد وقد كان الذي خفنا أن يكون فإنا لله وإنا إليه راجعون، إذ قد اندرس من هذا القطب عمله وعلمه وانمحق بالكلية حقيقته ورسمه، فاستولت على القلوب مداهنة الخلق وانمحت عنها مراقبة الخالق واسترسل الناس في إتباع الهوى والشهوات استرسال البهائم وعزّ على بساط الأرض مؤمن صادق لا تأخذه في الله لومة لائم، فمن سعى في تلافي هذه الفترة وسد هذه الثلمة إما متكفلا بعملها أو متقلدا لتنفيذها مجددا لهذه السنة الداثرة ناهضا بأعبائها ومستثمرا من بين الخلق بإحياء سنة أفضى الزمان إلى إماتتها ومستبدا بقربة تتضاءل درجات القرب دون ذروتها". تلك بعض نقول أهل العلم في بيان مكانة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذلك ان مقاصد الشريعة والضرورات الخمس لا يمكن ان تتحقق في واقع الأمة المسلمة إلا بهذه الفريضة وحماية العقيدة وصيانة الفضائل والقيم الإسلامية السامية وأن عزّ الأمة وفلاحها منوط بالقيام بهذا الواجب الشرعي ولذلك نص العلماء قديما وحديثا ان هذه الفريضة من أعظم شرائع الإيمان. ولذلك ذكر بن أبي الدنيا رحمه الله: "...لقى عالم عالما هو فوقه في العلم فقال يرحمك الله ما الذي اخفي من عملي؟ قال ما يظن بك أنك لم تعمل حسنة قط إلا أداء الفرائض، قال يرحمك الله فما الذي أعلن من عملي؟ قال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فانه دين الله الذي بعث الله به أنبياءه إلى عباده وقد اجتمع الفقهاء على قول نبي الله "وجعلني مباركا أين ما كنت" ما بركته تلك؟ قال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أينما كان".
4- أثر الفساد الخلقي على كيان المجتمع الإسلامي:
* لقد نصت نصوص الكتاب والسنة وأثار السلف الصالح ان تفشي الفساد بجميع ألوانه وأشكاله ومظاهره يؤدي - طال الزمن أم قصر - إلى انحلال المجتمع أخلاقيا وتدميره اجتماعيا قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه "ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمّهم الله بالبلاء" والصديق هنا يذكر الأمة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يلعنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا..." وقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إياكم وتحكيم الشهوات على أنفسكم فان عاجلها ذميم وآجلها وخيم". وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "إذا ظهر الربا والزنا في قرية إذن الله عز وجل بهلاكها"، أما الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرى أن الزلازل من أثار المعاصي فعندما تزلزلت الأرض بالناس في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه قام يقول: "أيها الناس ما كانت هذه الزلزلة إلا على شيء أحدثتموه والذي نفسي بيده لئن عادت لا أساكنكم فيها أبدا" فأكثر الكوارث والزلازل والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة بشكل لم يسبق من قبل، مردها إلى أمرين اثنين، كثرة المعاصي والذنوب والتمرد على أوامر الله تعالى، وعبث يد الإنسان الأناني بالطبيعة وتخريبها وقال ابن تيمية رحمه الله: "المعاصي سبب لنقص الرزق والخوف من العدو كما يدل عليه الكتاب والسنة فإذا أقيمت الحدود ظهرت طاعة الله ونقصت معصية الله تعالى فحصل الرزق والنصر".
5-العقوبات الإلهية لمن ترك فريضة الأمر والنهي:
*يجب أن نعرف أن الأمة الإسلامية إذا تخلت عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنها تتعرض إلى ألوان كثيرة من العقوبات العامة منها على سبيل الإيجاز والتذكير:
أ-عدم استجابة الدعاء: لقوله عليه الصلاة والسلام: "يا أيها الناس إن الله تعالى يقول لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر قبل ان تدعوا فلا يستجاب لكم".
ب-تسليط الأشرار على الناس: قال الصحابي الجليل أبو الدرداء: "لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم سلطانا ظالما لا يجل كبيركم ولا يرحم صغيركم ويدعو عليه خياركم فلا يستجاب لهم وتستنصرون فلا تنصرون وتستغفرون فلا يغفر لكم".
ج-العقاب العام الشامل: قرأ أبو بكر هذه الآية: "يا أيها الذين امنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" المائدة 105 ثم قال: "إن الناس يضعون هذه الآية على غير موضعها ألا واني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن القوم إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه والمنكر فلم يغيروه عمهم الله بالعقاب". وقال عليه الصلاة والسلام: "ما من قوم يعملون بالمعاصي وفيهم رجل أعز منهم وامنع لا يغيرون إلا عمهم الله عز وجل بعقاب أو قال أصابهم العقاب". وقال أيضا: "ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على ان يغيروا عليه فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل ان يموتوا" وعندما قالت له زوجه زينب بنت جحش رضي الله عنها: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث". ولذلك قال الخليفة الراشد الخامس رضي الله عنه: "إن الله لا يعذب العامة بذنب الخاصة ولكن إذا عمل المنكر جهارا استحقوا العقوبة كلهم".
د-موت القلوب: لقوله عليه الصلاة والسلام: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي المسيء ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض وليلعنكم كما لعنهم...".
ه-غرق سفينة المجتمع : وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: "إن قوما ركبوا البحر في سفينة فاقتسموا فأصاب كل رجل مكانا فاخذ رجل منهم الفأس فنقر مكانه فقالوا ما تصنع؟ قال مكاني اصنع به ما شئت فان أخذوا على يديه نجوا ونجا وان تركوه غرقوا وغرق فخذوا على أيدي سفهائكم قبل ان تهلكوا". وهناك رواية أخرى للبخاري فأنظرها هناك.
6-صعوبة القيام بفريضة الأمر والنهي عند فساد الزمان:
* دلت النصوص الشرعية وأثار السلف الصالح الأوائل أن فريضة المر بالمعروف والنهي عن المنكر تعد من التكاليف الصعبة لأنها من العبادات والفرائض المتعدية وتزداد هذه الفريضة صعوبة ومشقة كلما عم الفساد وخاصة عند فساد الزمان أو أخر الزمان كما جاء في أحاديث أشراط الساعة وعند ذلك يصبح الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر غريبا ومبغوضا ومنبوذا وتكال له الاتهامات المتنوعة وإذا كان الصحابة رضي الله عنهم شعروا بصعوبة هذه الفريضة زمن رسول الله صلى الله عيه وسلم فكيف بآخر الزمان؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعن رجلا هيبة الناس ان يقول بحق إذا علمه أو شهده أو سمعه" قال راوي الحديث أبو سعيد الخذري رضي الله عنه: "وددت أني لم أكن سمعته" وقال أبو نضرة: "وددت أني لم أكن سمعته" وقال ابو سعيد: "فما زال بنا البلاء حتى قصرنا وإنا لنبلغ في السر". ولقد علق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله على هذا الحديث بقوله: "النهي المؤكد عن كتمان الحق خوفا من الناس أو طمعا في المعاش فكل من كتمه مخافة إيذائهم إياه بنوع من أنواع الإيذاء كالضرب والشتم وقطع الرزق أو مخافة عدم احترامهم إياه ونحو ذلك فهو داخل في النهي ومخالف للنبي صلى الله عليه وسلم وإذا كان هذا هو حال من يكتم الحق وهو يعلمه فكيف يكون حال من لا يكتفي بذلك، بل يشهد بالباطل على المسلمين الأبرياء ويتهمهم في دينهم وعقيدتهم مسايرة منه للرعاع أو مخافة ان يتهموه هو أيضا بالباطل إذا لم يسايرهم على ضلالهم واتهاماتهم؟ فاللهم ثبتنا على الحق وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين".
ولا بأس أن نذكر بعض أثار السلف الأوائل في بيان صعوبة هذه العبادة وخاصة في ظل فساد الزمان أو آخر الزمن قال حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه: "يأتي على الناس زمان لان تكون فيهم جيفة حمار أحب إليهم من مؤمن يأمرهم وينهاهم" وهو الذي سئل ذات يوم عن ميت الإحياء فقال: "الذي لا ينكر المنكر عن بيده ولا بلسانه ولا بقلبه" وقال علي ابن ابي طالب رضي الله عنه: "أول ما تغلبون عليه من الجهاد والجهاد بأيديكم ثم الجهاد بألسنتكم ثم الجهاد بقلوبكم فإذا لم يعرف القلب المعروف ولم ينكر المنكر نكس فجعل أعلاه أسفله" وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "يوشك من عاش منكم ان يرى منكرا لا يستطيع فيه غير ان يعلم الله من قلبه انه له كاره" وقال أويس القرني رضي الله عنه: "إن قيام المؤمن بحق الله لم يبق له طريقا والله إنا لنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر فتتخذونا أعداء ويجدون على ذلك من الفساق أعوانا حتى رموني بالعظائم والله لا يمنعني ذلك من أن أقوم لله بحق" وهو القائل ان أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر لم يترك له صديقا تماما مثل ما حدث لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه الذي كان يتخير من الحق أمره لصدق لهجته وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمشي وحده ويموت وحده ويبعث يوم القيامة وحده، ولذلك لما قال كعب الأحبار رحمه الله لأبي مسلم الخولاني رحمه الله: "كيف منزلتك من قومك؟ قال حسنة، قال كعب: ان التوراة لتقول غير ذلك قال وما تقول؟ قال تقول ان الرجل إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ساءت منزلته عند قومه فقال صدقت التوراة وكذب أبو مسلم". وقال أبو سعيد الخذري رضي الله عنه: "يأتي على الناس زمان خيرهم لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر" ويروى أن عبد الله بن عباس رضي الله عنه كان يقول: "يأتي على الناس زمان يذوب فيه قلب المؤمن كما يذوب الملح في الماء". وقال سفيان الثوري رحمه الله: "إذا رأيت العالم كثير الأصدقاء، اعلم أنه مخلط لأنه لو نطق بالحق لأبغضوه" وسبب صعوبة الأمر والنهي عند فساد الزمان وانتشار الفساد انتشار النار في الهشيم مرده ان الأمرين بالمعروف والناهين عن المنكر لا يجدون على الحق أعوانا قال صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داود: "وأما النهي عن المنكر بين ظهور المسلمين وإظهار شعائر الإسلام فان ذلك شاق على المتأخرين لعدم المعين وكثرة المنكر فيهم كالمنكر على السلطان الجائر ولذلك قال عليه السلام ''يكون القابض على دينه كالقابض على الجمر'' لا يستطيع دوام ذلك لمزيد المشقة فكذلك المتأخر في حفظ دينه، وأما المتقدمون فليسوا كذلك لكثرة المعين وعدم المنكر فعلى هذا ينزل الحديث انتهى". ولا بد ان نعلم ان تغير المنكر أصعب من الأمر بالمعروف لذلك ذهب العلماء إلى تغيير المنكر أولى من الأمر بالمعروف لان دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح.
7-خطورة الأمر والنهي على أئمة الجور:
* إذا كانت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صعبة وشاقة كما سبق ذكره خاصة عند فساد الزمان فهي اشد خطورة ومشقة وصعوبة إذا كانت على ذوي السلطان وولاة القهر وأصحاب السطوة والنفوذ والرقاب الغليظة من أئمة الجور والطغيان وبعض طلبة العلم وأهل العلم يسهل عليهم نقد مناكر العامة والتنديد بها كتابة وخطابة ولكنهم - إلا ما رحم ربي - يلتزمون الصمت المطبق أما مناكر ولاة القهر وأئمة الجور والطغيان الذين يشجعون جميع ألوان المفاسد والمناكر بل يوظفون القانون لحماية المناكر والدفاع عنها رغم مخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية وقد أشارت النصوص الشرعية إلى أن إنكار منكر الخاصة أصعب من إنكار منكر العامة وإن كان لا يخلو هو الآخر من صعوبة كما سبق الإشارة إليه، وجاء في الحديث: "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى تعمل الخاصة بعمل تقدر العامة أن تغيره ولا تغيره فذاك حين يأذن الله تعالى في هلاك العامة والخاصة" وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا رأيت أمتي تهاب الظالم ان تقول له أنت ظالم فقد تودع منها" ولذلك يقول الفقيه بن النحاس رحمه الله: "... إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الجهاد المفترض على المسلمين وأنه في الأئمة الجائرين والأمراء والظالمين أفضل أنواعه...".
8-قاعدة الأجر على قدر المشقة:
* لقد تقرر شرعا وعقلا وواقعا صعوبة القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على العامة وخاصة على ذوي السلطان والنفوذ فانه يجب ان يعلم انه قد تقرر أيضا في الشريعة الإسلامية أن الأجر على قدر المشقة وان اجر الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من أعظم الأجور عند الله تعالى ولذلك قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: "التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين" التوبة 112- "كل ما سبق من الصفات عبادات يأتي بها الإنسان لنفسه ولا تعلق بشيء منا بالغير أما النهي عن المنكر فعبادة متعلقة بالغير". ولا شك ان العبادات المتعدية نفعها أعظم وأجرها أعظم وأعظم لمن اخلص النية ومحض الإتباع المشروع، ولقد تطرق فحول علماء الأصول إلى ذكر بعض الحالات التي تتقدم فيه فروض الكفاية على فروض الأعيان ويصير ما كان فرضا على الكفاية متعينا بالملابسة ويصبح أجر فرض الكفاية أعظم أجرا من فرض العين وهي مسألة مغفول عنها عند الكثير من طلبة العلم الشرعي وحبذا لو تفرد بالتأليف في بحث عميق ودقيق يجمع شتات هذه المسالة ويأتي على جميع جوانبها وإزالة ذلك الوهم الذي ساد بين كثير من العامة والخاصة وخاصة الخاصة ان فروض الأعيان مقدمة على فروض الكفاية بإطلاق وليس الأمر كذلك عند أهل التدقيق والتحقيق من فحول علماء أصول الفقه ومقاصد الشريعة، وعسى أن يتولى احد طلبة العلم النجباء هذه المسالة بالبحث الفاحص، آمين. أما الدليل على ان الأجر على قدر المشقة فتشهد له عشرات النصوص الشرعية منها قوله عليه الصلاة والسلام: "إن من أمتي قوما يعطون مثل أجور أولهم ينكرون المنكر". قال الإمام المناوي رحمه الله: "... إن من أمتي قوما - أي جماعة لهم قوة في الدين يعطون مثل أجور أولهم - أي يثيبهم الله مع تأخر زمانهم مثل إثابة الأولين من الصدر الأول الذين نصروا الإسلام وأسسوا قواعد الدين قيل من هم يا رسول الله؟ قال هم الذين ينكرون المنكر". وقال عليه الصلاة والسلام: "إن من ورائكم فتنا كقطع الليل المظلم للمتمسك فيها بمثل الذي انتم عليه أجر خمسين منكم، قيل بل منهم يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم، لا بل منكم لأنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون عليه أعوانا...". و في رواية أصح سندا: "إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم قالوا يا نبي الله أو منهم قال بل منكم". وفي رواية خمسين شهيدا منكم، وهذا دليل على عظم أجر الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أثناء فساد الزمن وظهور الفساد في البر والبحر والجو وقال عليه الصلاة والسلام: "بدا الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدا فطوبى للغرباء قيل ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال الذين يصلحون إذا فسد الناس". وجاء في تفسير كلمة طوبى قوله عليه الصلاة والسلام: "طوبى شجرة في الجنة مسيرة مائة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها". وهذا الأجر العظيم لان الأعمال تشرف بثمراتها والغريب في أخر الإسلام كالغريب في أوله ومن العلماء الذين تحدثوا صفات الغرباء وعظيم أجرهم وأنواعهم الإمام ابن القيم في كتابه مدارج السالكين وهو الذي كان يشعر بالغرابة في زمانه وهو المتوفي سنة 751ه حيث قال عن زمانه: "هو اليوم اشد غربة - أي الإسلام- منه في أول ظهوره وان كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة فالإسلام الحقيقي غريب جدا وأهله غرباء اشد الغربة بين الناس". ومن صفات الغرباء "الذين يزيدون إذا نقص الناس" أي الذين يزيدون خيرا وإيمانا وتقوى إذا نقص الناس من ذلك وتارة تكون غربة الآمر الناهي وسط بلده وقريته وربما بين أقاربه وأهل بيته نسأل الله الثبات إلى الممات آمين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى سبع مرات لمن لم يرني وآمن بي". وقال أيضا: " طوبى لمن رآني وطوبي لمن رأى من رآني ولمن رأى من رأى من رآني وآمن بي".
* ولا شك أن الصحابة رضي الله عنهم آمنوا بالله وباليوم الأخر غيبا وآمنوا بالنبي شهودا لأنهم رأوا الآيات وشاهدوا المعجزات أما آخر هذه الأمة فامنوا غيبا فقط ولذلك قال ابن عبد البر رحمه الله: "انه يوجد فيمن يأتي بعد الصحابة من هو أفضل من بعض الصحابة". وأما قوله عليه الصلاة والسلام: "خير الناس قرني" أن الأفضلية للمجموع لا للأفراد قالوا والسبب في كون القرن الأول أفضل، لأنهم كانوا غرباء في زمانهم لكثرة الكفار وصبرهم على أذاهم وقبضهم على دينهم وكذا غيرهم إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على الطاعة حين ظهور المعاصي والفتن كانوا عند ذلك أيضا غرباء وقد زكت أعمالهم في ذلك الزمن كما زكت أعمال أولئك وهذه المسألة تحتاج إلى مزيد من الشرح والإيضاح ولسنا الآن بصدده. وأجر الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر إنما يعظم عند الله تعالى لفساد الزمان وقلة أهل الخير وقلة الأعوان وعموم الجهل بأحكام الشريعة وقد اخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك عندما قال "إنكم أصبحتم في زمان كثير فقهاؤه قليل خطباؤه قليل سؤاله كثير معطوه العمل فيه خير من العلم وسيأتي زمان قليل فقهاؤه كثير خطباؤه كثير سؤاله قليل معطوه العلم فيه خير من العمل" في حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنكم اليوم في زمان - يقصد زمانه- كثير علماؤه قليل خطباؤه من ترك عشر ما يعرف فقد هوى ويأتي من بعده زمان - كما هو حال زماننا هذا- كثير خطباؤه قليل علماؤه من استمسك بعشر ما يعرف فقد نجا". وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لإنسان: "انك في زمان - أي زمن الصحابة- كثير فقهاؤه قليل قراؤه تحفظ فيه حدود القرآن وتضيع حروفه قليل من يسأل كثير من يعطي يطيلون فيه الصلاة ويقصرون الخطبة يبدون أعمالهم قبل أهواءهم وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه كثير قراءه تحفظ فيه حروف القرآن وتضيع حدوده - كما هو حال زماننا هذا - كثير من يسال قليل من يعطي يطيلون فيه الخطبة ويقصرون الصلاة يبدون فيه أهواءهم قبل أعمالهم". ولا شك أن من يعمل للإسلام زمن الفساد والغربة أعظم أجرا عند الله تعالى لان الأجر على قدر المشقة. لذلك قال الامام الغزالي رحمه الله: "لولا بشارة المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه سيأتي زمان من تمسك فيه بعشر ذلك نجا لكان جديرا بنا ان نقتحم - والعياذ بالله- ورطة اليأس والقنوط مع ما نحن عليه من سوء أعمالنا فنسأل الله ان يعاملنا بما هو أهله وان يستر قبائح أعمالنا كما يقتضيه فضله وكرمه وقال بعض الحكماء: "معروف زماننا منكر زمان مضى ومنكر زمننا معروف زمان لم يأتي".
9-أجر المنكر على ذوي السلطان أعظم من المنكر على العامة وفي كل خير:
* إذا كان منكر المنكر على العامة عند فساد الزمان وقلة الأعوان على الخير عظيما كما سبق ذكره فان منكر المنكر على ذوي السلطان وأئمة الجور لاشك ان أجره عند الله أعظم وأكرم إذا أخلص النية وتحرى الصواب والدليل على عظيم اجر المنكر على ذوي السلطان والرقاب الغليظة الطاغية بمالها أو بسلطانها أو بنفوذها أو بتأييد اليهود والنصارى لهم كما هو حال الملوك والأمراء والرؤساء الذين تدعمهم قوى الطغيان والعلو في الأرض.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" قال الامام المناوي رحمه الله: "فحمزة سيد شهداء الدنيا والآخرة والرجل المذكور سيد شهداء الآخرة لمخاطرته بأنفس ما عنده وهي نفسه في ذات الله تعالى". وقال عليه الصلاة والسلام: "أفضل الجهاد كلمة عدل وفي رواية كلمة حق عند سلطان جائر" وفي رواية أخرى أعظم الجهاد... وإنما استحق ذلك الأجر العظيم لأكثر من سبب منها انه يواجه صاحب سلطة قادرة على إلحاق الضرر به وهو أعزل من القدرة والسلاح إلا صدق العزيمة وقوة الإرادة والنصح للحاكم والمحكوم معا قال صاحب عون المعبود: "جعله أفضل الجهاد ليأسه من حياته". وقال صاحب تحفة الأحوذي: "و إنما كان أفضل لأن ظلم السلطان يسري في جميع من تحت سياسته وهو جم غفير فإذا نهاه عن الظلم فقد أوصل النفع إلى خلق كثير بخلاف قتل الكافر" والمراد بكلمة الحق أو العدل هو ما أفاد أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر من لفظ أو ما في معناه كالكتابة ونحوها وقال الإمام الخطابي رحمه الله: "إنما صار ذلك أفضل الجهاد لان من جاهد العدو كان مترددا بين الرجاء والخوف لا يدري هل يغلِب أو يُغلب وصاحب السلطان مقهور في يده فهو إذا قال الحق وأمره بالمعروف فقد تعرض للتلف وأهدف نفسه للهلاك فصار ذلك أفضل أنواع الجهاد من اجل غلبة الخوف...". ولعظيم اجر قول كلمة حق أما سلطان جائر كان خيرة السلف الصالح الأوائل ومن اقتدى بهم عبر العصور يسعون إلى تحصيل ذلك الفضل العميم والأجر العظيم ولو كلفهم حياتهم قال الإمام الغزالي رحمه الله: "ولما علم المتصلبون في الدين ان أفضل الكلام كلمة حق عند سلطان جائر وإن صاحب ذلك إذا قتل فهو شهيد كما وردت به الأخبار قدموا على ذلك مواطنين أنفسهم على الهلاك ومحتملين أنواع العذاب وصابرين عليه في ذات الله تعالى ومحتسبين لما يبذلونه من نهجهم عند الله". وبعد ان سرد جملة من مواجهة العلماء للحكام الجائرين قال: "فهذه كانت سيرة العلماء وعادتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقلة مبالاتهم بسطوة السلاطين لكونهم اتكلوا على فضل الله تعالى ان يحرسهم ورضوا بحكم الله تعالى ان يرزقهم الشهادة فلما اخلصوا لله النية أثّر كلامهم في القلوب القاسية فلينها وأزال قساوتها وأما الآن - أي زمانه وهو المتوفى سنة 505ه- فقد قيدت الأطماع السن العلماء فسكتوا وإن تكلموا لم تساعد أقوالهم أحوالهم فلم ينجحوا ولو صدقوا وقصدوا حق العلم لأفلحوا، ففساد الرعايا بفساد الملوك وفساد الملوك بفساد العلماء وفساد العلماء باستيلاء حب المال والجاه ومن استولى عليه حب الدنيا لم يقدر على الحسبة على الأراذل فكيف على الملوك والأكابر؟ والله المستعان على كل حال... وليعلم المسلمون حيث كانوا أن هذه الأمة مهما انتشر فيها من فساد وانحلال جميع ألوان المناكر فان الخير لا ينعدم من هذه الأمة وإن قلّ أهله وأنصاره وأتباعه والمدافعين عنه قال عليه الصلاة والسلام: "مثل أمتي كمثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره". وعن سلمة بن نفيل الكندي قال: "كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل يا رسول الله أذال الناس الخيل ووضعوا السلاح وقالوا لا جهاد فقد وضعت الحرب أوزارها فاقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه وقال كذبوا الآن الآن جاء القتال ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق ويزيغ الله لهم قلوب أقوام ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة وحتى يأتي وعد الله..." وقال أيضا: "لا يزال هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة". وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته...". وقال علية الصلاة والسلام: "لا تزال أمة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس" وفي رواية "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله لا يضرها من خالفها" وفي رواية أخرى "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال" وفي رواية "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى ابن مريم رضي الله عنه فيقول أميرهم تعال صل لنا، فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة". ولقد تنازع البعض من هي الطائفة المنصورة فذهب البعض إلى أنهم أهل الحديث وهذا لون من التحكم لا دليل عليه وان كان أهل الحديث من جملة الطائفة المنصورة وأهل الحديث أنواع منهم من هو بحر في علم الحديث رواية ودراسة ولكنه يناصر البدع والأهواء الباطلة ومنهم من يظن أن أهل الحديث كل من اشتغل بالتصحيح والتضعيف والتخريج وهذا فهم غير مستقيم ولذلك قال الإمام المناوي رحمه الله في المقصود بالطائفة المنصورة: "وهم جيوش الإسلام أو العلماء الناكرون بالمعروف والناهون عن المنكر" وقال الامام البيضاوي في شرحه: "قوامه على أمر الله" "أراد بالأمة أمة الإجابة وبالأمر الشريعة والدين وقيل الجهاد وبالقيام به والمواظبة عليه" وقال غيره: "والطائفة هم المجتهدون في الأحكام الشرعية والعقائد الدينية أو المرابطون في الثغور والمجاهدون لإعلاء كلمة الله" فحصر الطائفة المنصورة في أهل الحديث فقط إنما هو ضرب من الاحتكار لا دليل عليه قال الإمام النووي رحمه الله: "يحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون ومنهم فقهاء محدثون ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير ولا يلزم ان يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض" وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو يشرح معنى أهل الحديث: "ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه أو كتابته أو روايته بل نعني بهم كل من كان أحق بحفظه ومعرفته وفهمه ظاهرا أو باطنا وكذلك أهل القرآن وأدنى خصلة في هؤلاء محبة القرآن والحديث والبحث عنهما وعن معاينتها والعمل بهما... ففقهاء الحديث اخبر بالرسول من فقهاء غيرهم وصوفيتهم لتبع للرسول من صوفية غيرهم وأمراؤهم أحق بالسياسة النبوية من غيرهم وعامتهم أحق بموالاة الرسول من غيرهم".
10- هل الصلاة والصيام تغنيان عن واجب القيام بفريضة الأمر والنهي؟!!!
* يظن الكثير من الناس ان مجرد إقامة الصلاة وصوم رمضان وأداء الزكاة وحج البيت والإكثار من العمرة يجعله في حل! من القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متجاهلين أن تفريط في هذا الأمر يعرض صاحبه إلى العقاب وموت القلب والعياذ بالله وإنما نال السلف الأوائل الدرجات العلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح وسلامة القلب قال أبو بكر المزني رحمه الله: "ما فاق أبو بكر رضي الله عنه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بصوم ولا صلاة وإنما بشيء كان في قلبه"، قال ابن علية رحمه الله: "الذي كان في قلبه حب الله عز وجل والنصيحة في خلقه" ولا شك ان النصيحة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل ان الدين نصيحة. وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: "ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس وسلامة الصدور والنصح للأمة" فيجب على المسلم ان لم يقدر على تغيير المنكر ان يعبس في وجه العصاة إذا أصروا على المعاصي بعد الدعوة والبيان قال عبد الله بن مسعود: "جاهدوا المنافقين بأيديكم فان لم تستطيعوا فبألسنتكم فان لم تستطيعوا إلا أن تكفهروا في وجوههم فاكفهروا". وقال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يغلبونا على ثلاث ان نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونعلم الناس السنن". وقال الإمام علي رضي الله عنه: "الجهاد على أربع شعب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في المواطن، شنأن الفاسقين فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن ومن نهى عن المنكر أرغم انف المنافق ومن صدق في المواطن قضى ما عليه ومن شنا الفاسقين وغضب لله غضب الله له فقام إلى علي رضي الله عنه فقبل رأسه". وإذا كان الإنسان على عبادة من صلاة وصيام غير انه لا يغير المنكر فان العقوبة تشمله وقيل ان الله تعالى بعث ملكين إلى أهل قرية أن دمراها بمن فيها فوجدا فيهما رجلا قائما يصلي في مسجد فقال احدهما يا رب إنا وجدنا فيها عبدك فلانا يصلي في مسجده فقال الله عز وجل دمّراها ودمّراه معها فانه ما معّر وجهه فيّ قط". وعندما أوحى الله عز وجل إلى يوشع بن نون أني مهلك من قومك أربعين ألف من خيارهم وستين ألفا من شرارهم قال يا رب هؤلاء الأشرار ما بال الأخيار؟ قال إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يؤاكلونهم ويشاربونهم". وأوحى الله عز وجل إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن قل لقومك لا يدخلوا مداخل أعدائي ولا يطعموا مطاعم أعدائي ولا يلبسوا ملابس أعدائي ولا يركبوا مراكب أعدائي فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي". قال ابن القيم رحمه الله: "وقد غرّ إبليس أكثر الخلق بأن حسن لهم القيام بنوع من الذكر والقراءة والصلاة والصيام والزهد في الدنيا والانقطاع وعطلوا هذه العبوديات فلم يحدثوا قلوبهم بالقيام بها وهؤلاء عند ورثة الأنبياء من أقل الناس دينا فان الدين هو القيام لله بما أمر به فتارك حقوق الله التي تجب عليه أسوأ حالا عند الله ورسوله من مرتكب المعاصي فان ترك الأمر أعظم من ارتكاب النهي من اكثر من ثلاثين وجها ذكرها شيخنا ابن تيمية رحمه الله في بعض تصانيفه. ومن له خبرة بما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وبما كان عليه هو وأصحابه رأى أن أكثر من يشار إليهم بالدين هم اقل الناس دينا والله المستعان. وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها وهو بارد القلب ساكت اللسان شيطان اخرس كما ان المتكلم بالباطل شيطان ناطق؟، وهل بلية الدين إلاّ من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياستهم فلا مبالاة بما جرى على الدين؟
وخيارهم المتحزن المتلمظ ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذل وجد واجتهد واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة حسب وسعه. وهؤلاء - مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم- قد بلوا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون وهو موت القلوب فان كلما كانت حياته أتم كان غضبه الله ورسوله أقوى وانتصاره للدين أكمل.
وقال العلامة حمد بن عتيق رحمه الله: "فلو قدر ان رجلا يصوم النهار ويقوم الليل ويزهد في الدنيا كلها وهو مع ذلك لا يغضب لله ولا يتمعر وجهه ولا يحمر فلا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر فهذا الرجل من ابغض الناس عند الله وأقلهم دينا وأصحاب الكبائر أحسن عند الله منه وقد حدثني من لالتهم عن شيخ الاسلام ومجدد القرن الثاني عشر محمد بن عبد الوهاب رحمه الله انه قال مرة: "أرى ناسا يجلسون في المساجد على مصاحفهم يقرؤون ويبكون فإذا رأوا معروفا لم يأمروا به وإذا رأوا المنكر لم ينهوا عنه، وأشوف أناسا يعكفون عندهم يقولون هؤلاء لحى غوانم وأنا أقول أنهم لحى فواين - جمع فاين أي المرأة البغي- فقال السامع: أنا ما أقدر أقول: أنهم لحى فواين فقال الشيخ أنهم من الصم البكم ويشهد لهذا ما جاء عن بعض السلف ان الساكت عن الحق شيطان اخرس والمتكلم بالباطل شيطان ناطق فلو علم المداهن الساكت انه أبغض الناس عند الله وان كان يرى انه طيب لتكلم وصدع ولو علم طالب رضا الخلق بترك الإنكار عليهم أن صاحب الكبائر أحسن حالا عند الله منه وان كان عند نفسه صاحب دين لتاب من المداهنة ونزع و لو تحقق من نجل بلسانه عن الصدع بأمر الله انه شيطان اخرس وإن كان صائما قائما زاهدا لما اتباع مشابهة الشيطان بأدنى طمع".
11-التذكير ببعض مقاصد الحكم في الإسلام:
* في هذا البيان المستعجل لن نفصل القول في مقاصد الحكم ضوء الشريعة الإسلامية الدينية منها والدنيوية وإقامة الدليل على كل مقصد من مقاصد الحكم في الإسلام فهذا أمر يطول شرحه وإيضاحه وان كانت الأمة الإسلامية بأمس الحاجة إلى التعرف على هذا الفقه المهجور نظرا لقلة من يتحدث عنه بتفصيل من العلماء والدعاة وطلبة العلم الشرعي وليس هناك على كثرة الفضائيات فضائية متخصصة في تفقيه الأمة سياسيا وان كان أصول هذا الفقه مبثوثة في بطون الكتب ولولا تحاشي كثير من العلماء والدعاة الخوض في موضوع الفقه السياسي في الإسلام لما كانت الأمة في مؤخرة الركب والله المستعان وقبل ان نفيض في ذكر مقصد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نرى وجوب التذكير ببعض مقاصد الحكم في الإسلام على وجه الإيجاز.
1.مقصد حفظ الدين: مقصد حفظ الدين من أهم مقاصد الحكم في الإسلام وهو على رأس مقاصد الشريعة المعروفة وعند التعارض يقدم مقصد الدين على ما سواه من المقاصد وهذه مسألة محل إجماع بين أهل السنة والجماعة بل بين سائر الفرق الإسلامية قال الإمام الماوردي رحمه الله وهو يعدد مقاصد الحكم في الإسلام: "حفظ الدين على أصوله المستقرة وما اجمع عليه سلف الأمة فان نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة أوضح له الحجة وبين له الصواب واخذ بما يلزمه من الحقوق ليكون الدين محروسا من الخلل والأمة ممنوعة من الزلل". وقال ابن خلدون رحمه الله: "الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا".
2.مقصد تحكيم الشريعة: ولا يمكن حفظ مقصد الدين إلا بتحكيم الشريعة الإسلامية قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "ألا واني ما وجدت صلاح ما ولاني الله إلا بثلاث أداء الأمانة والأخذ بالقوة والحكم بما انزل الله". قال صديق حسن خان رحمه الله: "وأما الحكام من أهل الرياسة والدولة، فحكمهم أيضا حكم هؤلاء في إمضاء الأوامر والنواهي بما انزل الله، وهو الكتاب المنزل من السماء على الرسول عليه الصلاة والسلام، والحديث المنزل من قلب الرسول ولسانه على الأمة. ولكن فسد الزمان فسادا بالغا وظهر الشر في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، فلا يوجد واحد في ألف من الولاة والقضاة وأهل الفتوى يحكم بذلك أو يعرفه أو يعلمه بل اكثر الرؤساء تابعون للفرق الضالة لا يجدون بدا من طاعتهم في الحكم الطاغوتي والقضاء الجبتي وان كان عالما بما انزل الله والآية الشريفة تنادي بالكفر، وتتناول كل من لم يحكم بما انزل الله، اللهم إلا ان يكون الإكراه لهم عذرا في ذلك أو يعتبر الاستخفاف أو الاستحلال لان هذه القيود إذا لم تعتبر فيهم لا يكون احد منهم ناجيا من الكفر والنار أبدا". فالحاصل من مجموع الكلام على هذا المقام ان الحكم بالكتاب والسنة الصحيحة واجب مفترض محتم على كل احد من الولاة والرؤساء والملوك والحكام، وعلى أتباعهم المأمورين من قبلهم والفتيا بعد معرفة الحق. ومن لم يحكم بهما في الامور العبادية والأحوال السياسية وما يليها مع العلم بها من الكتاب والسنة ومع القدرة على إمضاءها في الأقوياء والضعفاء فهو من أهل هذه الآية أعاذنا الله منه".
3.مقصد إصلاح دين الخلق: على الحاكم المسلم إشاعة الأخلاق الإسلامية الفاضلة التي تعود على الأفراد والأسرة والمجتمع بالخير العميم وتجنيب المجتمع الإسلامي ويلات ومآلات الانحرافات الأخلاقية التي تدمر كيان الأمة طال الزمن أم قصر فالدين بعقائده وعباداته وأحكامه يرمي إلى مكارم الأخلاق ولذلك مدح الله تبارك وتعالى رسوله بالخلق الحسن فقال تعالى: "وانك لعلى خلق عظيم" القلم4، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتم مكارم الأخلاق" وحدد الإمام الجويني رحمه الله إحدى مهام الحاكم المسلم بقوله "استصلاح الأمة" وقال ابن تيمية رحمه الله: 'المقصود من الواجب بالولايات إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانا مبينا ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به في أمور دنياهم" فالسلطة عند أهل السياسة الشرعية تعتبر أداة إصلاح وتربية للأمة والحاكم الذي يجمع بين الحفاظ على دين الأمة والقيام بالشؤون الدنيوية التي تحتاج إليها الرعية فهو من خيرة المجاهدين قال ابن تيمية رحمه الله : "فإذا اجتهد الراعي في إصلاح دينكم ودنياكم بحسب الإمكان كان من أفضل زمانه وكان من أفضل المجاهدين في سبيل الله". ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لولاته: "إنما بعثت عمالي عليكم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم ويقيموا بينكم دينكم". وكان يقول للولاة: "واعلموا ان خير أعمالكم عندي الصلاة فمن حفظها كان لما سواها أحفظ ومن ضيعها كان لما سواها أضيع" ولذلك لا يجوز تولية المناصب من لا يجمع بين الصلاح والكفاءة في مجال اختصاصه وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "من استعمل رجلا على عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله وخان رسوله وخان جميع المؤمنين" وفي الأثر: "لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ولكن ابكوا إذا وليه غير أهله" وفي الحديث "إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة". فالحاصل ان السلطة عند فقهاء السياسة في الإسلام أداة من أدوات إصلاح أخلاق الأمة. وقد دلت الدراسات المتقدمة في مراكز الدراسات الغربية في أمريكا ولأوروبا واليابان أن تدهور القيم الأخلاقية الإنسانية التي هي محل إجماع بين سائر الأمم والشعوب والأديان سوف يترتب عليه تدمير المجتمعات، وهاهم يفكرون الآن في الحد من الواقع الإباحية عبر الانترنت خوفا من آثاره المدمرة على المستوى المتوسط والبعيد على حياة الأفراد والأسرة والمجتمع، وقد عجزت أمريكا والدول الغربية بكل أجهزتهم الأمنية الفائقة التقنية عن التحكم في المارد التي خرج من قمقمه والذي رفض العودة إليه ثانية رغم جميع المحاولات، وأصبحت الجريمة الالكترونية تهدد أمن الدول فضلا عن أمن المجتمعات، وخلصت تلك الدراسات على أن سلم القيم الإنسانية التي هي محل إجماع بين سائر أبناء البشرية أصبح في خطر وهو أشبه بالسيدا التي تصيب الأمم في مقتل والأخطر من هذا وذاك أن الأجهزة الأمنية في تلك الدول أصبحت عرضة لفساد المريع، وصدق الشاعر إذا يقول:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت * فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وتدمير أخلاق الأمة وقيمها عند بعض المفكرين اليابانيين أشد من تدمير القنابل النووية، ذلك أن ما تدمره القنابل من منشآت مادية يمكن تعويضه بينما إذا دمّر سلم القيم الإنسانية المجمع عليها فإن البشرية تصبح فاقدة للمناعة الأخلاقية.
4.مقصد القيام بالأمر المعروف والنهي عن المنكر: وهذا المقصد أشارت إليه الآية الكريمة: "الذين ان مكنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة واتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور" وهذه الآية مخاطب بها الحكام بالدرجة الأولى ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ عندما أرسله إلى اليمن: "يا معاذ ان أهم أمرك عندي الصلاة" وإقامة الصلاة في الأمة بدعوتهم إليها ومحاسبتهم على تركها وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنا لا نوليكم على إشعار المسلمين ولا ابشارهم وإنما نوليكم لتقيموا الصلاة وتعلموهم القرآن". قال الإمام الطبري رحمه الله: "إن مكناهم في الأرض ان وطنا لهم في البلاد فقهروا المشركين وغلبوهم..." أي حقق لهم النصر والاستقلال وقال ابن العربي رحمه الله: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو أصل الدين وخلافة المسلمين". وقال ابن تيمية رحمه الله: "وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سواء كان ذلك في الولايات الكبرى مثل سلطنة وولاية الحرب أو الولايات الصغرى مثل ولاية الشرطة وولاية المال وولاية الدواوين وولاية الحسبة". وقال أيضا: "وولي الأمر إنما نصب ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر". وقال أيضا: "وصلاح أمر السلطان بتجريد المتابعة لكتاب الله وسنة رسوله ونبيه وحمل الناس على ذلك فانه سبحانه جعل صلاح أهل التمكين في أربعة أشياء إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" الحاصل ان من أهم مقاصد الدولة الإسلامية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
12-واجب ولاة الأمر في القيام بفريضة الأمر والنهي:
* نص العلماء على أن اقدر الناس على القيام بهذه الفريضة هم الحكام وولاة الأمر وذوي السلطان لأنهم هم أصحاب السلطة السياسية وكما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" وبعض النفوس كما يدل الشرع والعقل والواقع تحتاج إلى ردع خارجي وهذه ظاهرة عامة في جميع المجتمعات البشرية ولذلك ما من مجتمع إلا وفيه سلطة قانونية رادعة لهؤلاء الأشرار الذين لا ينفع معهم الرادع الديني الإيماني ولا تؤثر فيهم المواعظ والرقائق لقسوة قلوبهم وجفاء طبعهم، وإنما يجدي معهم الرادع السلطاني، مع العلم أن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة على جميع المسلمين ولكن تتفاوت المسئولية من طرف إلى آخر ولكن أعظمهم مسئولية في ذلك أمام الله ثم أمام الناس هم الحكام وولاة الأمر لأنه واجب سياسي شرعي بحكم المنصب والقدرة والاختصاص فهو واجب على الأفراد والعامة وعلى العلماء ولكنه بحق الحكام أوجب وأوكد قال ابن تيمية رحمه الله: "ذوو السلطان أقدر من غيرهم وعليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم فان مناط الوجوب هو القدرة فيجب على كل إنسان بحسب قدرته" وقال أيضا: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية فان الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن وإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور وذلك يحصل بالعقوبات على ترك الواجبات وفعل المحرمات" وقال ابن القيم رحمه الله: "فان مناط الوجوب هو القدرة فيجب على القادر ما لا يجب على العاجز". وإذا تخلى الحاكم المسلم عن هذا الواجب الشرعي والذي هو محل إجماع بين العلماء قديما وحديثا ومن جميع الفرق الإسلامية كان إثمه أعظم وجرمه أقبح لأنه اقدر من غيره ولان الشريعة وكلت إليه إقامة الحدود والتعزيز وتنفيذ أحكام الشريعة وحماية البيضة وحماية الفضائل والأخلاق وأجره أعظم إذا قام بالواجب لقوله عليه الصلاة والسلام: "إقامة حد بأرض خير لأهلها من مطر أربعين صباحا" وأفضل قربات وعبادات الحاكم المسلم هي تنفيذ أحكام الشريعة ويوما منه يعدل عبادة ستين سنة كما جاء في الحديث، قال الإمام الشوكاني رحمه الله "من كان أقدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان ذنبه اشد وعقوبته ومعصيته أفظع..." ولذلك قال الإمام الطرطوشي المالكي رحمه الله مخاطبا احد الحكام وهو ابن تاشفين: "واعلم يا أبا يعقوب انه لا يزني فرج في ولايتك ومدى سلطانك طول عمرك إلا كنت المسئول عنه والمرتهن بجريرته ولا يشرب فيها نقطة مسكر إلا وأنت المسئول عنها ولا ينتهك فيها عرض مسلم إلا وأنت المطالب به ولا يتعامل فيه بالربا إلا وأنت المأخوذ وكذا سائر المظالم". فكل معصية تحدث في طول البلاد وعرضها مسئول عليها الحاكم إلا ما خفي عليه ولذلك قال مالك بن دينار قال قرأت في التوراة من كان له جار يعمل بالمعاصي فلم ينهه فهو شريكه" فكيف إذا كان ولاة الأمور هم حماة الرذيلة بسن قوانين تخالف أحكام الشريعة؟ قال ابن خلدون رحمه الله: "أما الحسبة فهي وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين ويعين لذلك من يراه أهلا له فيتعين فرضه عليه ويتخذ الأعوان على ذلك ويبحث عن المنكرات ويؤدب على قدرها أو يحمل الناس على المصالح العامة في المدينة" بل ذهب بعض العلماء إلى أن الحاكم يجب عليه إنكار المنكر بقوة السلطان، وقال بعضهم الحاكم له حق الإنكار في المختلف فيه إذ لا يد فوق يده وعموم ولايته، كما في البحر الزخار. ونقول أهل العلم في هذا المعنى فوق الحصر.
13-واجب العلماء والدعاة والأئمة في القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
* إذا كان الحكام أقدر الناس على القيام بواجب الحسبة الشرعية كما سبق ذكره فالعلماء الربانيون هم أقدر الناس على القيام بهذه الفريضة لما يملكون من قوة الحجة والدليل والبرهان ونحن كدعاة إلى الله تعالى نقدم الحجة والبيان والدعوة على استعمال القوة إلا عند الحاجة والاضطرار أو دفاعا على النفس، لأن الأصل في غرس الفضائل الأخلاقية الإلزام الذاتي النابع عن المجاهدة وحمل النفس على مرضاة الله تعالى ورياضة النفس لقوله تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" العنكبوت 69 فعلى كل مسلم ومسلمة مجاهدة نفسه ذاتيا دون إلزام أو إكراه خارجي رادع يصدر عن السلطان بحكم المنصب ووجوب ردع بوادر الشر المستحكمة في بعض النفوس الشريرة التي لا تريد الخضوع لسلطان الحجة والبرهان والدعوة بالتي هي أحسن ولا شك ان مهمة العلماء والدعاة تقوم على الجهاد بالقرآن كما قال الله تعالى: "وجاهدهم به جهادا كبيرا" أي بالقرآن كما في سورة الفرقان ولأنهم أهل القدرة العلمية الشرعية فهم يغيرون المناكر بعلمهم وبصدعهم بكلمة الحق سواء في وجه العوام أو وجه الحكام الطغاة لقدرتهم على بيان الأحكام والوعظ وترقيق القلوب والإرشاد لأقوم السبل فهم أهل البينات والحجج الشرعية والفتوحات الربانية بخلاف الحكام فهم أهل القدرة السياسية قال الله تعالى: "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس" الحديد 25 والآية القرآنية قدمت البيان على الحديد أي الدعوة على الردع ولذلك قال الإمام القرطبي رحمه الله : "فالمنكر إذا مكنت إزالته باللسان للناهي فليفعل وان لم يمكنه إلا بالعقوبة أو القتل فليفعل فإن زال بدون القتل لم يجز القتل...". فقوة الحجة والدعوة والبلاغ مقدمة شرعا على قوة الحديد والردع والواجب شرعا اتفاق أهل القدرتين العلمية والسياسية لإصلاح شأن الرعية ولن يقوم هذا الدين إلا بالكتاب والميزان والحديد الناصر وذهب البعض إلى أن مسئولية العلماء أعظم من مسئولية الحكام والأفراد والعامة من الناس لأنهم قلب الأمة النابض واستدلوا بقوله تعالى: "لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون" المائدة 62، وقالوا: "ما في القرآن أشد توبيخا للعلماء من هذه الآية ولا أخوف عليهم منها" قال الإمام الشوكاني رحمه الله: "فوبخ سبحانه الخاصة وهم العلماء التاركون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما هو اشد وأعظم من توبيخ فاعل المعاصي" وقال: "انه لا يكفي للعالم ان يكف هو نفسه عن المعاصي بل يجب عليه الإنكار على العصاة لأن كفهم أنفسهم عن المعاصي مع ترك إنكارهم على أهلها لا يسمن ولا يغني من جوع بل هم أشد حالا وأعظم وبالا من العصاة...". ومن أراد التبحر في معاني هذه الآية الكريمة فليعد إلى كتب التفسير قديما وحديثا يرى عجبا عجابا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.