كلما تحدثنا الى شيوخ البلاد العزيزة علينا جميعا وفي أي شبر منها إلا وأكدوا أن جهة المناجم الفسفاطية كانت في أرغد عيش بفضل جهود أبنائها وما أنعم اللّه عليهم من ثروات باطنية مهمة حيث تمتعوا في العهد الاستعماري الفرنسي المقيت بنسب جزئية صغيرة كانت مع ذلك كافية لتؤكد أن حياتهم كانت أفضل بكثير من العهد البائد بعد استغلال ما بعد 1956 الذي قيل إنه «استقلال»، وأعتقد مجاهدو المناجم ومناضلوها أن بمساهماتهم الكبيرة في الحركة الوطنية سيكون حالهم أفضل وأرقى فكانوا سباقين لصعود الجبال والقيام بواجبهم الوطني المقدس. ولكن جرت الرياح بما لا يشتهي عمال المناجم الذين ضاعفوا من مجهوداتهم وحفروا الدواميس ومنهم من ذهب شهيدا وضحية في نفس الوقت من أجل بناء وتشييد تونس والمساهمة في ما أسماه بورقيبة بالجهاد الأكبر للتعمير دون أن ينالوا غير التدمير وحتى «التحقير» فقط لأنهم أوفياء للوطن وأنقياء لكل الشعب التونسي ومعه مؤكدين أن التونسيين أشقاء وصف واحد وبكل التحام وصفاء عازمون على التكامل بعيدا عن كل النزعات الضيقة والجهويات المقيتة المريضة.. متناسين ما قيل عن المجاهدين حين أسموهم «الفلاڤقة» ومنتظرين لحظة الوحدة الوطنية الحقيقية والتوازن الجهوي والعدالة والانصاف.. ولكن دون أن ينالوا حقوقهم في شيء سواء على مستوى التنمية أو حتى على مستوى أبسط حق في التشغيل دون التحدث عن التعيينات في المسؤوليات الوطنية على مختلفها إذا تمّ استثناء الاتحاد العام التونسي للشغل بتعلة أن أبناء الحوض المنجمي «معارضون» و«رؤوسهم كاسحة» وأيضا نقابيون ولا ينصهرون في المنظومة التي ترغب «السلطة» التمشي فيها. ولذلك تمّ اقصاؤهم وتهميشهم قبل أن تزيد الادارة العامة لشركة فسفاط قفصة الطين بلّة وتعمق الجراح بشكل كبير جدا وتعبث بالعمال وبالمناطق المنجمية وذلك على كل الواجهات دون أن تدرك أن القيد لا بد أن يأتي اليوم الذي ينكسر فيه ولا بدّ لليل أن ينجلي ولا بد أن تشرق شمس الحقيقة لتكشف التجاوزات المتعددة التي ساهمت في تردي الوضع الاجتماعي بشكل مريب وتهميش الأوضاع الأخرى الصحية منها والثقافية وأيضا السياسية كما دمرت البنى التحتية أو ما تبقى منها فضلا عن ابرام إدارتها للصفقات المشبوهة والوهمية التي استفادت منها عصابات الاستبداد والفساد واستفادت منها بعض أطراف الشركة أيضا. وهو ما جعل المواطنين يحتجون في أكثر من مناسبة وخاصة بعد عملية اقصاء بعض الشغالين وطردهم التعسفي دون أن ينالوا حقوقهم ولا أي شيء بتعلة «التطهير» الذي ترجم اعتبار الشركة للعمال المطرودين في شكل تقاعد وجوبي بمثابة الشوائب التي فرضت تطهير الشركة منهم فضلا عن غلق أبواب التشغيل أمام أبنائهم من أصحاب الشهائد وغيرها وفرض البطالة وتعميق الفقر المدقع الذي أجبر هؤلاء الشباب على التضحية بحياتهم وذلك من خلال «الحرقان» الذي ذهب ضحاياه العشرات منهم مقابل غموض مصير الآلاف الآخرين الذين قضوا السنوات العديدة وهم يرزحون في دائرة البطالة التي فرضت على الحوض المنجمي التحرك سنة 2008 وبالتالي الردّ على ذلك بالتعذيب والتنكيل والزج بالعشرات من كل مدينة منجمية (المتلوي والرديف وأم العرائس والمظيلة) في السجون التي تعرضوا فيها «ضحايا» الانتفاضة الى كل أشكال التهديد والضرب والتحقير لمجرد أنهم انتفضوا على النظام البائد وطالبوا بحقهم في الحياة.. الاعتصام ونصب الخيام والآن وبعد ثورة 14 جانفي التي ساهم عمال وعاطلو وكل مواطني الحوض المنجمي في صنعها قبل تعرضهم الى مظلمة القصبة التي ذهب ضحاياها الكثيرون منهم واصل أبناء الحوض المنجمي الاعتصام ونصبوا الخيام في كل مكان ليؤكدوا اصرارهم على التمسك بحقوقهم في التشغيل وفي الحياة ككل وأيضا في ارجاع المطرودين الى عملهم قبل تكوين لجان منهم للتفاوض مع شركة فسفاط قفصة التي يطالب الكثيرون بمحاسبتها ومقاومة الفساد فيها غير أن إدارة هذه الشركة وعبر مديرها العام المساعد (ولا حتى الرئيس المدير العام) لم تستجب إلا للتفاوض وقبول المقترحات والاعلان عن امكانية تشغيل (1700) من كل المناطق المنجمية الأربع مقابل إرجاء موضوع المطرودين وإرجاعهم الى سالف عملهم الى مناسبة أخرى لربح الوقت وربما وضع مسكنات وبعض الحلول الترقيعية التي تعودت شركة الفسفاط على تجسيدها كلما شعرت بالخطر وبكشف حقائق تجاوزاتها غير أن أعضاء اللجان رفضوا ذلك وأصرّوا على مواصلة اعتصاماتهم واحتجاجاتهم باعتبار أن عدد المعطلين عن العمل مضاعف لما تم اقتراحه خمس مرات وأكثر فضلا عن محاولة اقتراحهم لتشغيل فرد واحد من كل عائلة في انتظار تشغيل الآخرين.. الترسيم والتأميم أما عن شركات المناولة التي صنعتها شركة الفسفاط المنصهرة في خيارات «الطرابلسية» ومناباتهم منها فإن عمالها يتذمرون ويطالبون باقحامها لشركة الفسفاط حتى تعود الأمور الى نصابها شأنهم شأن عمال البلدية وغيرهم الذين تجلت الحقائق أمامهم وأدركوا أن الحضائر الوهمية لم يستفد منها إلا بعض المسؤولين الذين تعاونوا مع بعض أطراف الحزب الحاكم وغيرهم وبالتالي لا بدّ من ترسيمهم بعد سنوات الفساد والاستبداد.