البحث العلمي في تونس. ملف أخر من الملفات الشائكة والمعقدة التي وجب التطرق إليها خاصة في ظل المتغيرات الجذرية التي تشهدها البلاد. هل بقي هذا المجال بمعزل عن الفساد المالي والإداري؟.هل نأى مسؤولوه ذووالمستويات العلمية المرموقة بأنفسهم عن السقوط في هذه الآفة؟ أم أن أيدي العبث قد طالته وتلاعبت بأروقته؟. أسئلة مشروعة يطرحها المنتسبون إلى هذا القطاع من طلبة وعملة وتقنيين وحتى أكاديميين. نتعرض في معرض حديثنا لهذا القطاع الحيوي للمؤسسة بحثية عريقة ألا وهي معهد المناطق القاحلة بمدنين( أنشأت منذ 1976) لعدة اعتبارات موضوعية لعل أهمها أن هذا المعهد يمثل وجها من أوجه اللامركزية ونيل الجهات نصيبها من مثل هذه المؤسسات ذات الأهمية القصوى. فمعهد المناطق القاحلة بمدنين إلى جانب دوره الأكاديمي في إجراء البحوث وتأطير الطلبة (من بحوث ختم الدروس لشهادة التقنيين السامين وصولا للرسائل الماجستير والدكتوراه) يضطلع بادوار تنموية من خلال مساهمته في تثمين نتائج البحث العلمي والإشعاع على عدة مؤسسات اقتصادية في كل من ولايات مدنين وتطاوين وقابس وقبلي. بالإضافة إلى الأسباب الموضوعية المذكورة آنفا نتطرق لهذا المعهد من منطلق العارف بكواليسه فقد انتسبت شخصيا لهذه المؤسسة البحثية لمدة أربع سنوات وذلك في إطار الإعداد لشهادة الدكتوراه.ومن هذا المنطلق يمثل هذا المقال شهادة على العصر بعيدا عن الذاتية وعن منطق تصفية الحسابات ويصب في إطار المحاولات الجادة المبذولة الهادفة لكشف الحقيقة يدفعنا حبنا الجارف لهذا الوطن العزيز فلا نخاف في الله لومة لائم. من بين التجاوزات الصارخة في هذه المنارة العلمية نورد على سبيل الذكر لا الحصر الاستغلال الفاحش لإمكانات المعهد من أسطول سيارات ودار ضيافة ومطعم ووحدة إعلام وتوثيق بما تحويه من كفاءات ومعدات تقنية لأغراض حزبية وحرمان الطلبة من حقهم في توظيف هذه المقدرات في بحوثهم. فالمعروف عند القاصي والداني في الجهة أن مسؤولي معهد المناطق القاحلة بمدنين تربطهم صداقات حميمة بالعديد من رموز النظام السابق من وزراء وولاة وكبار مسؤولين أمنيين في الجهة. وهوما جعل المعهد بمثابة الحديقة الخلفية لحزب التجمع فتدار منه الحملات الانتخابية وتطبع النشريات الحزبية في انتهاك صارخ لدور المؤسسة العلمي. وتعد المحسوبية وغياب الشفافية القاعدة في جل تعاملات المعهد فالكفاءة العلمية ليست مهمة إذا تعلق الأمر بانتداب أوترقية أوتحسين وضعية ممن يحسبون على مسؤولي المعهد. بالإضافة إلى ذلك يتم تسخير جميع إمكانيات المخابر المادية والبشرية في الغالب تحت تصرف شخص واحد أومجموعة أشخاص ممن يدورون في فلك مديري البحث وكبار مسؤولي المعهد.وقد وصل تنفذ هذه الزمرة حد السيطرة على سير البحوث العلمية وسرقة نتائج بحوث بعض الطلبة. وجه آخر من أوجه الاختلال في هذا المعهد يبرز في توزيع منح المخابر وعقود العمل والتربصات العلمية بالخارج وحلقات التكوين والملتقيات العلمية وفق المحسوبية واللامساواة إذ يتمتع بهذه الامتيازات قلة من الطلبة الذين تربطهم صلة قرابة أومن ذوي الحظوة لدى رؤساء المخابر. كما يتم استغلال الطلبة كيد عاملة مختصة وإدراج أسمائهم كأعضاء مشاركين في مشاريع البحث دون علمهم وحرمانهم من الامتيازات المادية كمتعاقدي بحث والتعدي على حقوقهم الفكرية بحذف أسمائهم من الأبحاث المنشورة أوتأخير تواترها في أحسن الحالات. ويتعامل المشرفون على مشاريع البحث بسياسة تكميم الأفواه وذلك بمناولة بعض الأشخاص جزءا من مستحقاتهم نقدا.كما تجري حاليا وبشكل يومي مساومات مع الطلبة ووعود بتسوية وضعياتهم كل على حدة وهوما يعد تواصلا لسياسة تكميم الأفواه في إطار سعي هؤلاء المسئولين الى حجب الحقائق والتستر على ما يجري في هذه المؤسسة البحثية العريقة. كما نشير إلى أن النظام الداخلي للمخابر تسوده العديد من التجاوزات الأخلاقية من طرف رؤساء المخابر وصلت إلى حد التحرش الجنسي ببعض الطالبات وإعاقة أبحاثهن عند تمسكهن بعفتهن. تجاوزات حصلت في هذا المعهد وقفنا على بعضها عايشنا بعضها وبلغنا صدى بعضها وما خفي كان أعظم. فهل حان الوقت للمحاسبة هؤلاء المسؤولين؟ أم أن متانة علاقة هؤلاء ستعفيهم كالعادة من المساءلة؟. أسئلة معلقة تستحق الإجابة قد لا يتأخر السادة وزراء الفلاحة والبيئة من جهة والتعليم العالي والبحث العلمي من جهة أخرى في الرد عليها.