اعتصم أمس أمام مقر وزارة العدل بالعاصمة عدد غفير من المساجين السياسيين الذين أفرج عنهم مؤخرا مطالبين بضرورة تشريك المجتمع المدني في صياغة مشروع قانون العفو التشريعي العام الذي قررته الحكومة باعتباره قرارا مصيريا فاصلا بين عهدين اثنين هما عهد الاستبداد والفساد وعهد منشود وهو عهد الحرية والكرامة والعدالة ونبذ الاقصاء حتى تصبح تونس لكل التونسيين كما دعوا الى أن يكون العفو التشريعي العام للمساجين السياسيين بلا قيد ولا شرط بحيث لا يستثنى أحد ممن حوكموا لأجل أفكارهم ومعتقداتهم السياسية لأن حرية التفكير هو حق لا يخضع للاستثناء أو التقييد أو التلوين بحسب الانتماء. وقد اعتصم هؤلاء أمام وزارة العدل سعيا منهم الى مقابلة وزير العدل الذي رفض المقابلة لأسباب يجهلها جميعهم رغم تشكيلهم لجنة عن هذا الاجتماع حسب ما صرح به السيد عبد الكريم الهاروني الكاتب العام لمنظمة الحرية والانصاف للشروق مضيفا أنه لا بد من تحديد موعد للمصادقة على قانون العفو التشريعي العام الذي تأخر وأطال معاناة المضطهدين الذين يطالبون باسترداد حقوقهم المدنية والسياسية كاملة بما في ذلك العودة الى الشغل وجبر الأضرار المعنوية والمادية الحاصلة لهم كما طالب المساجين السياسيون بضرورة أن يكون النص التشريعي العام مشتملا على فصل يؤكد على إعادة الاعتبار لهم والتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم حتى يكون هذا القرار له معنى مؤكدين أن المطلوب بالنسبة إليهم ليس فقط التحقيق في الجرائم المرتكبة طيلة أيام الثورة وانما التحقيق في كل الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت في ظل حكم الطاغية على امتداد 23 سنة والتي شملت مختلف التيارات السياسية وأصحاب الرأي المخالف وفي مقدمتها جرائم التعذيب والقتل. ودعوا الى ضرورة مراجعة ملفات مساجين الحق العام لإنصاف المظلومين منهم لأنهم ضحايا دولة الاستبداد والفساد وبحل جهاز البوليس السياسي ومراجعة وضعية القضاء حتى يصبح قضاء مستقلا بقضاة نزهاء نظيفي الضمير واليد ولضمان حياد الادارة وتطهيرها من عناصر الفساد. كما طالب هؤلاء بضرورة محاكمته الرئيس الهارب زين العابدين بن علي من أجل جرائم ارتكبها في حق الانسانية وليس من أجل تهريب الأموال، مؤكدين على ضرورة أن يقبل الوزير الأول محمد الغنوشي أن يكون شاهدا على تلك الجرائم والا فإنه سيعتبر شريكا له وسيعاقب مثله مثل «بن علي» الذي حرمهم من مجرد اقامة مظاهرة مساندة لغزة، معتبرين أن قضيته هي قضية التفاف على مطالب الشعب. رفع المظالم من جهة أخرى اعتبر المساجين السياسيون أن مصداقية الحكومة المؤقتة مرتبط بمدى جديتها في رفع المظالم السابقة والسعي الى تكديس الحرية والعدالة الانسانية دون اقصاء أو تهميش وليس في مجرد تفسير الأسماء ارضاء لبعض عناصر الثورة. وتوجهوا بنداء ملح الى العاملين في قطاع الاعلام ليساعدوا على نجاح الثورة وتحقيق أهدافها وأولها حرية التعبير للجميع دون استثناء أو اقصاء لأن الاعلام هو شر أساسي لنجاح الثورة ولبناء الديمقراطية محيين بالمناسبة كل الاعلاميين المناضلين في هذا الاتجاه. ضد الكرامة عبد العزيز الكحلاوي (أستاذ علوم اسلامية) هو واحد من بين المساجين السياسيين تحدث ل«الشروق» عن تقنيات التعذيب التي مورست عليه داخل السجن والتي اعتبرها جرائم ضد الانسانية وضد الكرامة التي لا تخضع للمس مهما كان نوع العقوبة حتى ولو كانت من صنف قضايا الحق العام ليقول: «تم ايقافي سنة 1992 في جربة مقر عملي من طرف فرقة أمن الدولة ثم تم نقلي الى وزارة الداخلية بالعاصمة أين وقع ايداعي داخل مخازنها السفلية ووجهت لي تهمة الانتماء لجمعية غير مرخص فيها فتعرضت الى أبشع أنواع التعذيب بداية بالضغط النفسي قصد تدمير معنويات السجين وذلك بالمداهمات الليلية لعنابر الحجر حيث يسمع السجين صرير السلاسل فيتخيل أنه هو المستهدف لعملية التحقيق الليلي وهو ما يترتب عنه الأرق والخوف وعدم القدرة على النوم والأكل، أما المرحلة الثانية فهي التعذيب الجسدي والذي يبدأ من الساعة الثامنة صباحا الى غاية الساعة الثانية صباحا بحيث أن الفرد (السجين) لا يدري لحظة زجه داخل غرف التعذيب وأولها ما يسمى ب«البانو» وهو حوض مائي به كل أنواع القاذورات حيث يقع تعليق الضحية (السجين) من القدمين ورأسه الى أسفل ويقع تغطيسه في الماء الى حد العنق وتعاد الكرة مرات متواصلة حتى يوافق على التوقيع على جملة التهم الملفقة اليه. وبعض السجناء يوضع لهم داخل «البانو» حامض حارق فيؤثر على الجهاز العصبي وخاصة العينين». «قط شرس» للتعذيب شكل آخر من أشكال التعذيب حدثنا عنه عبد العزيز وهو أنه يعطى للسجين «سروال عربي» (باللية) ويوضع داخله قط يضرب الى حد الشراسة ليهاجم السجين في مناطق حساسة من جسده حتى تتدفق منه الدماء. هذه الجروح المترتبة عن خدوش القط يستغلّها الجلادون فيما بعد للإطاحة بمعنويات السجين. هذا الى جانب أمر السجين بالجلوس على قارورة زجاج مكسورة العنق وصعقه بالكهرباء واطفاء السجائر على جسده. وحتى بعد مغادرة السجين للسجن يبقى رهين المراقبة الادارية لمدّة 5 سنوات مع منعه من ممارسة شغله. ضرب أما عبد الفتاح الحسناوي وهو ضابط في الجيش التونسي في سلاح المدرّعات قبل أن يصبح سجينا سياسيا فقد أكّد أنه وفي سنة 1987 وجهت له تهمة الانتماء الى جمعية غير مرخص فيها والتحضير للانقلاب على أمن الدولة. فتم إيقافه صحبة مجموعة من ضباط الصف من قبل وزارة الدفاع ثم توجهوا الى وزارة الداخلية، هناك تلقوا أشد العقاب والتعذيب على حد قوله حيث يقول: «ضربونا ضربا مبرحا بالهراوات وتم تعليقنا في وضع «دجاج مصلي» مع التهديد بالاعتداء علينا بالفاحشة واغتصاب بناتنا وزوجاتنا بغية أخذ معلومات تديننا. وقد وصل بهم الامر الى ادخال أسلاك حديدية في الاجهزة التناسلية للمساجين الى جانب تعريتهم ووضعهم في الهواء الطلق داخل قاعات مبلّلة بالماء لمدّة يوم كامل. وخلال فترة التعذيب هذه تتم مراجعة ملف السجين من قبل الاجهزة المختصة إن وجد فيه ثغرة يعيدون السجين للتعذيب ثانية حتى يمضي على ما يحلو لهم». ويضيف قائلا: «إن المساجين السياسيين يعتبرون من الدرجة الثانية أي في درجة وضيعة داخل السجن حيث تستباح كرامتهم ويعتدى عليهم من طرف مساجين الحق العام بالعنف وعند رفع المظالم لادارة السجون يقع التنكيل بهم حيث يصبح المعتدى عليه هو المعتدي». أما عما بعد خروجه من السجن فقد أكّد عبد الفتاح الحسناوي قائلا: «إن فترة خروجي من السجن هي أشد تنكيلا من السجن ذاته حيث ذقت المرارة بسبب المداهمات اليومية لمنزلي من طرف البوليس السياسي وكذلك المداهمات من طرف لجان اليقظة المتموقعة في نوادي الشعب التابعة بالنظر الى «التجمع» أسلحتهم الهراوات والقضبان الحديدية والسكاكين. وحتى بعد سقوط النظام البائد تم استنطاقي مجددا حول نفس التهم طالبين مني الانضمام الى حزب التجمّع الدستوري الديمقراطي». سجين آخر يدعى محسن الجندوبي عبّر لنا بكل أسف عن الظلم الذي تعدّاه ليطال والديه المسنين بعد مكوثه هو داخل زنزانة السجن حيث تم اقتيادهما الى منطقة الأمن واثناء استنطاقهما تم استعمال مكواة حارقة لأخذ معلومات منهما عنوة مستغلين أمتيهما.