لأن الوضع الذي يعيشه البلد هذه الأيام، يجب معاينته على أرض الواقع، بعيدا عن خطابات «التنظير» والنظرة «من فوق»... فإن ما لا يرقى اليه أدنى شك هو أننا نعيش «فوضى عارمة» تتصاعد وتيرتها بمرور الأيام، ليتساءل المواطن البسيط من يقف وراء هذه الفوضى؟ والذي سيجبر يوما ما على خلاص «فاتورتها» ولو بعد حين. وبعيدا عن منطق «اركب لا تمنك» أو «سب الآخر حتى تستر نفسك» وهما قولان شائعان بقوة هذه الأسابيع فإن ما هو ثابت أن شعب هذا البلد الطيب مر من حالة اختناق... ناتج عن قمع حريته، الى مرحلة تتميز باختناق... ناتج عن وضع فوضوي بدأ يبلغ ذروته لا قدر الله. والفوضى التي نتحدث عنها تتجسم على «الأرض»، وهي تكاد تكون شاملة فالمشهد العام للبلاد يؤكد غياب احدى أهم نعم الله تعالى على عباده، وهي نعمة الأمن والسكينة، ونقولها بصراحة أن المواطن التونسي، لم يعد مؤتمنا على حرمته الجسدية ولا على ذمته المالية، وغياب الأمن، والتخريب والنهب والرعب، يوحي لنا بأن هناك من يريد فرض قانون الغاب على أبناء هذه البلاد. و«من» هذا أضحى كالشبح، الذي يتحرك في كل مكان ولا تجد له أثرا غير الخراب والفوضى!! فالأمر نسب بداية الأمر الى «السرياطي وجماعته»، وبعدها الى ميليشيا الطرابلسية، ثم الآن الى ميليشيات التجمع!! لكن لا أحد قدم لنا دليلا قاطعا عما ينسبه وهذا «الدليل» يبقى من أهم ركائز «الادانة»، وحتما هنا لا أدافع عن أي طرف، ولا أعمل على ابعاده من تحمل المسؤولية عما يحدث لكن ما هو ثابت أن الأمور غامضة جدا!! فوضى خانقة!! ونواصل الحديث عما نعيشه من فوضى حيث أن من يتجول بشوارع العاصمة فإنه يعاين «الفضلات» متناثرة في كل مكان!! والروائح النتنة المنبعثة منها واذا طال الأمر قد يتحول الى أمراض لا قدر الله، ومصدرا لتكاثر الجرذان وخطورتها على بني البشر!! وعند مرورك من أمام مختلف المؤسسات والوزارات فإنك تشاهد آلاف المحتجين والغاضبين كما للمتجول أن يشاهد الانتصاب الذي عم جميع شوارع وسط العاصمة، وهنا أكبر في كل شخص يعمل بشرف ولا يمد يديه طلبا لصدقة لكن التنظيم يبقى محمودا بدوره. وعندما تزيد التجوال، فإنك تعاين أثار حرق على عديد المقرات الأمنية والادارية، وآثار خلع على محلات تجارية نهبت!! نعم للاحتجاج... لا لقطع الطريق من جملة المشاهد التي عاينتها يوم أمس، كان أمام مقر وزارة التربية على مستوى شارع 9 أفريل وسط العاصمة، فقد كان محتجون على الوزارة منادين بضرورة تشغيلهم بعد ان طالت بهم أعوام البطالة، ومرارتها ورفعوا لافتات عبروا بواسطتها عما يخالجهم من شعور بالقهر والظلم، وهذه أبسط حقوق التعبير الحر، لكن هذه الحرية انحرفت عن مسارها عندما توجه عدد من المحتجين الى وسط الطريق، ومنعوا مرور وسائل النقل العمومية والخاصة، فما ذنب المارين في بطالة شاب تحصل على الأستاذية منذ أعوام؟!! وشاهدت سائق سيارة يتوسل بضرورة فسح الطريق، لأنه ينقل معه حريفة وهي امرأة حامل!!! فالطريق يمر منه المريض وصاحب حاجة أكيدة ولا أظن أنه يتجول على متن سيارته لسبب بسيط وهو أن مشهد البلاد هذه الأيام لا يعطي للمرء رغبة في «التجول» بين أرجائها!! وعبر هذه الأسطر أجدد دعوتي، بأن يسود التحابب أبناء هذا الوطن العزيز علينا وحتى وان تزاحموا فيجب أن «يتراحموا» فجميعنا اخوة من أبناء عائلة واحدة. الاكتواء بنار الفوضى وأعود الى ما أوردته في مطلع هذه الأسطر حيث أشرت الى وجود فوضى شبه عارمة، وغموض من يقف وراءها ويشجع عليها، والأمر مفتوح على كل الاحتمالات بلغة لعبة «البروموسبور»، لكن ما هو ثابت أن هناك من يتعمد اشعال نار الفوضى، لمصالح خسيسة ودنيئة لكن ما هو ثابت كذلك أنه سيأتيه يوم ويكتوي «بلظاها» ولو بعد حين!! وهؤلاء سيكشفهم التاريخ وسيحاسبهم هذا الشعب الطيب على تلاعبهم واستهزائهم بأمنه وكرامته واللعب بمشاعره!!!