نحو تنقيح الأمر المنظم لمشاركة الأجانب في الأنشطة الثقافية: التفاصيل    النفطي يؤدي زيارات عمل إلى فنلندا والدّنمارك والنّرويج    وزير الداخلية يتصل بنظيره الفرنسي و"يشجب" جريمة قتل تونسي يقيم بفرنسا    اكتظاظ أقسام الاستعجالي بالمستشفيات ونقص الأدوية محور الجلسة العامة لتوجيه أسئلة لوزير الصحة    المسبح البلدي بالبلفيدير يفتح أبوابه للعموم بداية من غدا الثلاثاء    أسعار خيالية في نقاط البيع المنظمة للأضاحي: «القشّارة» أرحم من الحكومة !    رئيس غرفة القصّابين ل«الشروق»... اليوم انطلاق بيع لحوم الضأن الروماني وهذه أسعارها    إلى غاية 1 جوان 2025: تجميع حوالي 566 ألف قنطار من الحبوب    خطر يهدّد الجزر التونسية    تونس بوركينا فاسو (2 0) فوز معنوي في انتظار امتحان المغرب    البعثة الصحيّة التونسيّة للحجّ تؤمن قرابة 900 عيادة طبية يوميا بمكّة    القيروان.. 6898 مترشحا وأكبر مترشح عمره 71 سنة    نابل: ارتياح في جميع الشعب    اليوم الملتقى العربي لأدب الطفل    المدرسة الابتدائية أولاد عباس بحاجب العيون: تظاهرة مسرح الطفل بالوسط الريفي    الكوتش وليد زليلة يكتب: إشارات تستحق الانتباه في كل عمر: كيف نفهم مراحل الطفولة؟    أولا وأخيرا .. من بنزرت لبن قردان    خطورة الغش في الامتحانات وآثاره السلبية    مباراة ودية - المنتخب التونسي يفوز على نظيره البوركيني 2-صفر    عاجل/ حجز سجائر مهرّبة بقيمة 655 ألف دينار    جندوبة: السيطرة على حريق اندلع بآلة حاصدة    عاجل: قناة التاسعة: لم نقم بحذف أي محتوى من الموقع على 'يوتيوب' وخاصة مسلسل 'الرئيس'    توقف ظرفي لقطار نقل المسافرين على الخط الدولي تونس – عنابة من 3 إلى 14 جوان 2025    كيف سيكون الطقس هذه الليلة؟    عاجل/ ما حقيقة توريد خرفان من رومانيا؟.. شركة اللحوم توضّح    وزير الصحة: ضرورة اعتماد سياسة جديدة للتشجيع على الإنجاب في تونس    التشكيلة المحتملة لنسور قرطاج    فرنسا.. التحقيق في مقتل تونسي بالرصاص في جريمة عنصرية    الفيلم الفلسطيني "إلى عالم مجهول" في القاعات التونسية انطلاقا من 4 جوان 2025    قابس: إقرار تكوين فرق مشتركة بين ولايات قابس وقفصة وسيدي بوزيد لرصد واستكشاف الجراد الصحراوي    بطولة تايلر الامريكية للتنس : عزيز دوقاز يفتتح مشواره غدا الثلاثاء بملاقاة الامريكي اندريس مارتن    شركة الخطوط التونسية للخدمات الأرضية تطلق برنامجا شاملا لتحديث معداتها    وزير التربية يتابع ظروف انطلاق الدورة الرئيسية لباكالوريا 2025 بعدد من المؤسسات التربوية بولايتي تونس وبن عروس    عاجل/ إندلاع حريقين في هذه الولاية..    ماذا تفعل في يوم عرفة؟ إليك الأعمال المستحبة    ماذا يحدث لجسمك عندما تأكل لحم العيد بهذه الطريقة؟ نتائج صادمة لا يعرفها أغلب ''التوانسة''    بعد توقفه لأكثر من 5 سنوات: عودة نشاط هذا الخط الحديدي.. #خبر_عاجل    فلّاح من باجة: عديد التونسيين لن يتمكنوا من شراء اضحية العيد    انقطاع الماء في أريانة اليوم: الصوناد توضّح وتحدد موعد العودة    السعودية تضبط 75 ألف مخالف لأنظمة الحج وتصدر توصيات    في سابقة هي الأولى... 22 سجينا يشاركون في امتحان الباكالوريا 2025    أريانة: انطلاق الحملة الجهوية لمكافحة الإدمان تحت شعار ''لا للإدمان'' وتستمر حتى هذا الموعد    عاجل : فتح باب الترشّح لرئاسة وعضوية الهيئة المديرة للنادي الإفريقي...تفاصيل    المغرب يستخدم ''الدرون'' لمنع ذبح الأضاحي خلال عيد الأضحى    موجة حرّ مرتقبة في تونس خلال عطلة عيد الأضحى...التفاصيل    تعرف على سُنن الأُضحية...الوضع الشرعي والوزن المناسب    متى تبدأ عطلة عيد الأضحى 2025 في الدول العربية؟ إليكم التفاصيل حسب كل دولة    ماهر الكنزاري يوضح حقيقة المناوشة مع رئيس الملعب التونسي    المؤرخ عبد الجليل التميمي يفوز بجائزة العويس للدراسات الإنسانية المستقبلية    الفراولة سلاح طبيعي ضد هذه الأمراض: دراسة حديثة تكشف الفوائد    رقم صادم.. "الأونروا" تكشف عدد الضحايا من الأطفال في غزة    إنتقالات: نادي برشلونة يستبعد التعاقد النهائي مع نجم المنتخب الإنقليزي    بقيادة معين الشعباني: نهضة بركان يتأهل إلى ربع نهائي كأس المغرب    زلزال بقوة 6,3 درجات يضرب هذه السواحل..#خبر_عاجل    دعوة الى حظر منتجات التبغ المنكهة    قابس: انطلاق فعاليات الدورة السادسة للمهرجان الدولي للسينما البيئية    ''السوشيال ميديا خطيرة''...نوال غشام تحذّر من انهيار الذوق الفني!    مُنتشرة بين الشباب: الصحة العالمية تدعو الحكومات الى حظر هذه المنتجات.. #خبر_عاجل    









من نافذتي: هنشير الوالد
نشر في الشروق يوم 12 - 02 - 2011

ما أحسن حظّ الشعب التونسي. لقد عثر بسرعة على توازنه، واستعاد مرحه وروح الدّعابة التي غابت بسبب عقدين من الكبت وكتم الصّوت. ها هو اليوم يسخر من حكّامه القدامى، ويستنبط من مثالبهم ، بل و من عسفهم الظالم، آلاف الحكايات السّاخرة، والدّعابات المضحكة. وقد أبدع شبّان الانترنات في ذلك وتفنّنوا. ففي احدى الصّور المركّبة أظهروا زعيمهم « الأوحد» السابق وعلى رأسه شماغ سعودي وعقال، وأنبتوا له لحية كثّة، وسمّوه «الهاجّ»، ومعه « حلاّقة تونس الأولى» ترتدي حجاب المتديّنات وسمّوها «الهاجّة». ولا تخفى هنا احالة الزّيّ المستعار على مكان لجوء الزّوجين الهاربين، كما توحي الكلمتان بمعنى « الهجّة»، أي الفرار والهروب. تلك صورة مما تفنّن شباب ال«فايس بوك» في إبداعه، متابعة لنتائج الثورة وآثارها، مقتفين آثار موسيقيي الرّاب الذين سبقوهم بقصائد لاذعة ناقدة للنظام البائد، محمّلين اياه جريمة اهتراء الدولة، وما أصاب الناس من ظلم بن علي وأتباعه.
الا أنني لم أشاهد، ولم أسمع تنكيتا أو تبكيتا لبقية أعضاء «القبيلة البنعليّة» الفاسدة، ربّما لانصباب الهمّ الأوّل على الكبير الذي علّمهم السّحر، وأطلق أيديهم ليفسدوا في الأرض كيفما شاؤوا، وكأنه يقول لهم المثل الشعبي: «الدّار دار بوكم، والناس ما يسالوكم»، أو لعله قال لهم: «هذا هنشير ورثتو عن الوالد، فاسرحوا فيه وامرحوا» ليتفصّى في آخر أيام حكمه من المسؤولية وحكم التاريخ بكلمة «غلّطوني» البسيطة، المتبرّئة من الخطإ.
أحد الذين لم يصلهم الاستهزاء بعد، ذلك الطرطور الشّابّ، صهر الرئيس الهارب، ذلك المتسلّق الشّبيه بشخصية «طرطوف» المتظاهر بالورع وهو يخدع الناس بالسبحة، على قول المثل الشعبي، أو كما في وصف الشاعر :
خرج الثعلب يوما في ثياب النّاسكينا
لقد أنشأ هذا الانتهازيّ بنكا ليغطّي سرقاته وتحيّلاته برداء اسلامي، ويغلّف «مرابحاته» الرّبويّة برداء دينيّ، و أرسل على الناس راديو «زيتونته» غير المباركة لينصح وعّاظها بسطاء القوم بالهدوء والاستكانة الى المقدّر والمكتوب، والرّضاء بالقليل (فان خير الزّاد التقوى) ولتنصحهم بالتّواكل(فمن يقرأ سورة كذا ثلاثا قبل النّوم كفاه الله شرّ الفقر الى يوم القيامة). فهل رضي هو ذاته بالقليل، ألم يلتهم كل شيء؟ لماذا لا يقرأ هو السورة قبل النّوم ويكفي النّاس شرّ نهمه المفرط ؟ لكنه كان يأمر الناس بالبرّ وينسى نفسه ، كما تقول الآية .
ما زال الناس يجهلون مصادر ثروة الصهر الملياردير، فلو عصرنا أهله عصرا لما جمعنا ربع ما صرفه يمينا وشمالا كأوراق اللعب. نعم.. يخيّل لي أحيانا أن الفتى كان يلهو ويلعب كطفل مدلّل، حتى وهو يخطب في مجلس النوّاب. وقد تألّمت لحاله لما رأيته في لقطة ساخرة يدافع عن حماه في جلسة ما قبل السقوط، ويلوك مفرداته في مأمأة وتأتأة يرثي لها القلب الرّحيم.
روى لنا أحد المدعويّن الى مأدبة ذبحت فيها الذّبائح احتفالا بدخول الصهر الظريف الى اللجنة المركزيّة للتّجمّع، أن الرّجل أراد شكر الحاضرين فلم تسعفه اللغة، ولا أطاعه اللّسان، فهبّ كبير مستشاري الرئيس المكلّف باسناد عوده الطريّ يعتذر عنه بشدّة التأثّر، ويكمل الخطاب نيابة عنه .
ستضحك الأجيال القادمة أننا سمحنا لأكذوبات كبرى أن تتمعّش من غفلتنا، وتتضخّم بامتصاص دمائنا كالعلق، وتنهب ثروات شعبنا وكدّه، دونما حياء، أو خوف من الله. بل وأحيانا باستعمال اسم الله ذاته، وصرف آياته المنزّلة في الحقّ الى تبرير الظلم والباطل .
أتذكّر أنه حين ساءت صحّة الزّعيم بورقيبة في السبعينيّات، وتكالب الطّامعون على خلافته، أصابنا خوف من مصير مجهول. و كان يكثر من التردّد على حكومتنا أيامئذ رجل عريض غليظ الرّأس (يدعى قايد أحمد فيما أذكر) هو أمين جبهة التحرير الجزائرية. وقد تقرّب من وسيلة بورقيبة، فوثقت به الى درجة أن أخذت عليه التزاما كتابيّا بأن تتدخّل الجزائر لانقاذها هي وبورقيبة اذا انقلبت الأحوال وهدّدا في حياتهما. أوردت هذا الخبر السرّيّ مجلة «جون أفريك»، فأصيب أغلب التونسيين باحباط كبير، وأحسّوا بالذّلّ والمهانة، وبأنهم جزء من «هنشير الوالد» يبيعه الورثة أو يرهنونه برغبتهم، وأنّهم ليسوا الاّ «خمّاسة» يسكنون هذا الوطن على سبيل الفضل والمعروف .
يا أهل تونس الغد، هل ترضون أن يعاد عليكم مثل هذا ؟
ان كنتم ترضون، فلستم جديرين بالحياة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.