كانت بواعث ثورة تونس عجيبة وكانت نتائجها نموذجية تُحتذى، ومثالا يُقتدى به، وشرارة ألهبت حريقا في مصر، ولولاها لظلت دار لقمان على حالها، ولبقي الظلم والظلام مخيميْن على «الخضراء»، (وهي من أسماء تونس)، وعلى أرض الكنانة، (وهي من أسماء مصر)، ولظلت الحالة على ما كانت عليه قبل اندلاع هذه الثورة التي كانت عُود ثقاب سَرى وقوده في هشيم جميع ربوع الوطن، ولَما سرى إلى خارجه كما تسري النار في البنزين وبلغ الأهرام والنيل، وقضى على أبي الهول، ولصاح الناس في الشرق والغرب: «يا للهول»! لا أستطيع أن أقول إن الثورة المصرية ضد رئيسها نسخة مطابقة للأصل من الثورة التونسية ضد رئيسها، فهذا أمر نتركه للمؤرخين والمحللين والمختصين، ولكني أريد أن أشير إلى وجوه الشبه بينهما: 1 تشبث الرئيسين بالرئاسة وتمطيط مدتها القانونية في القطرين بطرق يزعم الساهرون عليها أنها استجابة لرغبة الشعب. 2 رفض الجموع الشعبية لهذا التمديد وتحوير القانون في كلا القطرين، وزعمهم أنها إرادة الشعب. 3 انطلاق المسيرات الشعبية والمظاهرات الشبابية احتجاجا على الذين ابتزوا أموال الدولة والشعب من قبل رئيسي البلدين وزبانيتها في كل من القطرين التونسي والمصري. 4 مرابطة المتظاهرين التونسيين في شارع الحبيب بورقيبة مطالبة بتنحي رئيس بلادهم ...ومرابطة المتظاهرين المصريين في ميدان التحرير مطالبين بنفس الشيء. 5 مهاجمة زبانية حكام تونس المعتصمين ومحاولة طردهم وإخماد ثورتهم، ومطاردة أنصار الرئيس المصريين المتظاهرين في ميدان التحرير بالقاهرة، بطرق فلكلورية مضحكة ذكرتني بقول المتنبي: وكم ذا بمصرَ من المضحكاتِ ولكنه ضحك كالبكا وذلك عندما رأيت بعيني رأسي في القاهرة عاصمة مصر الخيول والجِمال تطارد المعتصمين وتجري وراء الناس جريا عشوائيا بدعوى أن أصحابها من أنصار رئيسهم الذي يرغب الشعب في خلعه وطرده ويريد هم مناصرته وإبقاءه، وأنا شخصيا قد عشت فيها بضعة أعوام وزرتها بعد ذلك العديد من المرات، ولكني لم أشاهد في شوارعها أو ميادينها حصانا أو بعيرا أو حتى حمارا، فمن أين جاء هؤلاء الأنصار بالخيول والجمال التي تبدو مدربة على مطاردة الناس، وهذا يدل على أن أصحابها من البوليس والشرطة... وليسوا من أنصاره أو حزبه المهزوم. 6 والأغرب من كل ذلك أن الرئيسين التونسي والمصري قد كانا يستجيبان لمناشدة مجموعات قليلة مأجورة مشبوهة الأغراض... من أفراد شعبيهما المناشدين لهما في قبول إعادة ترشحهما للمدة إثر المدة قابلة للتمديد والتمطيط، وهذا قد يكون معقولا بحجة (رغبة الشعب) ولكنهم صاروا يَضربون عرض الحائط برغبة الملايين من المتظاهرين والمرابطين والمتجمعين في ساحات تونس ومصر، ويظلون يراوغون ويداورون ويُمهلون ويهملون ويتحدثون عن حبهم للشعب وتفانيهم في خدمته ويتشدقون بكلام مليء بالأخطاء النحوية واللغوية المخجلة التي لا يرتكبها أبناؤهم في مدارسهم الابتدائية التي ذكرتني بطرفة عربية قديمة مفادها أن نحويا رأى في إحدى الأسواق كيسا كُتب عليه: «بضاعة لأبو فلان» (عوض لأبي فلان) فقال: قاتلهم الله يَلْحنون ويربحون). أي لعنهم الله يخطئون في النحو ولا يعرفون أن الأسماء الخمسة تُجرُّ بالياء لا بالواو. فهل كان نائب الرئيس مقتنعا بأن كلام رئيسه أقنع المتجمعين ورضوا به حلا لمطلبهم الرئيسي الذي رابطوا من أجله، فقال لهم في خطابه إثر تفويضه من قِبل الرئيس: (يا شباب مصر وأبطالُها، عودوا إلى ديارُكمْ وأعمالُكم، فالوطن يحتاج إلى سواعدُكم...)الخ من الفضائح التي لا يرتكبها أبناؤهم في التعليم الإبتدائي. عندما وصلت إلى هذا الحد من هذه الكلمة سمعت بتخلّي الرئيس المصري عن الحكم، مساء يوم 11/02/2011 لذلك كففت عن المواصلة وسارعت بإرسالها إلى (الشروق) وأرجو أن أعود إلى مواصلة التعليق على ثورة تونس وثورة مصر في الأيام القليلة القادمة. مع أصدق التهاني للشعب المصري الشقيق وأرجو لهم الغد المشرق في ظل حاكم عادل تحت إرادة الشعب وإرادةُ الشعب من إرادةِ الله وإرادةُ الله لا تُقاوَم.