٭ بقلم الحبيب بوعجيلة (كاتب وناشط سياسي) يعتبر تشكيل «المجلس الوطني لحماية الثورة» حدثا مهما في هذه المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد. فقد ولدت هذه الهيئة حاملة لقوة رمزية وفعلية من خلال الأطراف المكونة لها ومن حيث المهام التي حددتها لنفسها. لقد ضم المجلس الوطني أبرز المنظمات المهنية الممثلة لمختلف فئات المجتمع فإلى جانب الاتحاد العام التونسي للشغل وهيئة المحامين نجد كلا من جمعية القضاة ونقابة الصحفيين واتحاد الطلبة بالإضافة إلى عدد من الجمعيات الحقوقية ذات الاختصاصات المتنوعة. أما على صعيد التمثيل السياسي فقد حضرت في تركيبة المجلس مختلف الأطراف السياسية والحساسيات الفكرية المنتصرة للثورة التونسية والمدافعة عن استحقاقاتها في مواجهة مناورات الالتفاف ومؤامرات الإجهاض التي تهدد انتصار الشعب الثائر منذ سقوط رأس منظومة الفساد والاستبداد يوم 14 جانفي المجيد. لقد اقتضى الطابع الخصوصي للثورة التونسية ابتداع صيغة تستجيب إلى مقتضيات الشرعية الثورية الدافعة نحوالقطع مع النظام البائد وتتجنب الفراغ بالاشتغال ضمن مؤسسات الدولة. ولقد مثل الاحتكام إلى الفصل 57 من الدستور مخرجا مقبولا رغم طعون عدد من فقهاء القانون الدستوري. ولكن مجريات الأحداث قد سارت في اتجاهات غامضة توحي بمخاطر الالتفاف وإجهاض المسار الثوري. إذ تبين أن الحكومة الأولى والثانية لم تكونا حكومتي تصريف أعمال ولا وحدة وطنية بقدر ما كانتا «تحالفا» بين عدد من الفرقاء السياسيين والشخصيات التي لا يخفى على احد استغلالها اليومي لمواقعها الحكومية في الدعاية الخاصة لبناء مستقبلها الحزبي والشخصي. وفي سياق متصل كان التفويض الذي حصل عليه «الرئيس المؤقت» من مجلسي «النواب» و«المستشارين» مثيرا للتوجس والخوف من استعادة عهد الحكم الفردي بصيغ جديدة لا يمكن الثقة تماما في سلامتها الدستورية. يجب أن يكون واضحا للجميع أن الحكومة الانتقالية تعيش أزمة ثقة سياسية بالأساس وانه لا سبيل إلى استعادة الدورة العادية للحياة بضمان الاستقرار الأمني إلا باطمئنان المواطنين على المصير السياسي للبلاد وتعميق الثقة بالهيئات المسيرة لهذه المرحلة الانتقالية. من هذا المنطلق يمكن للمجلس الوطني لحماية الثورة أن يضطلع بدور الرقابة على عمل «الحكومة المؤقتة» مثلما يمكن أن يكون قوة اقتراح ترشد عملها ويزكي قراراتها وهوما يمنحها قدرا من الشرعية السياسية في غياب برلمان منتخب. من ناحية أخرى فان اللجان الفرعية التي تشكلت على هامش «الحكومة المؤقتة» تواجه انتقادات «سياسية» و«إجرائية» عديدة كما إن مهامها وتركيباتها تبدوغامضة. تحتاج لجنتا التحقيق في الفساد والأحداث إلى مراجعات جذرية في «أعضائها» وصلاحياتها وهو ما يمكن أن يتكفل به «المجلس الوطني لحماية الثورة» الذي يضم ممثلين عن القضاة والمحامين وهم الأجدر اختصاصا في اقتراح الصيغة المثلى لتشكيل هاتين اللجنتين. أما اللجنة المكلفة بإعداد النصوص والتشريعات المنظمة للحياة السياسية فإنها تبدوفاقدة للمعنى باعتبار أن تقرير مصير المستقبل السياسي للبلاد يجب أن يكون موضوع تفاوض وطني بين جميع الأطراف والهيئات ومن هذا المنطلق يمكن أن يكون «المجلس الوطني لحماية الثورة» هوالإطار الشرعي الوحيد لهذا التفاوض باعتبار تركيبته التي تبدو أكثر قدرة على ادعاء التمثيل الشعبي الحقيقي خصوصا بعد أن يتوسع المجلس إلى الجهات والمنظمات الممثلة لباقي الأطراف الاجتماعية باستثناء رموز الفساد والاستبداد من العهد البائد. إن تحويل «المجلس الوطني لحماية الثورة» إلى هيئة رسمية بموجب «مرسوم» يصدره الرئيس المؤقت هوسبيل توافقي لتجاوز حالة الغموض الدستوري التي تلف وضعية استفراد الفريق الحاكم ولجانه بإدارة المرحلة الانتقالية كما إن القبول بالتعاطي مع الحكومة والرئيس المؤقتين يعبر عن عقلانية الأطراف المكونة للمجلس واستعدادها لتجنب الحلول التي تحيل إلى الفراغ. ولذلك فان القبول بالصفة القانونية لهذا المجلس سيكون اسلم الحلول لمواجهة أزمة الثقة التي تطبع علاقات الأطراف السياسية والمدنية والشعبية بالفريق الحاكم. وبناء على ما سبق نعتبر أن رفض بعض الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة لتقنين عمل «المجلس الوطني لحماية الثورة» هو دليل واضح على رغبة «هذا البعض» وخصوصا من الوافدين «الجدد» على الحكم في الاستفراد بالقرار في هذه المرحلة الانتقالية كما إن طعن هذا البعض في الشرعية الشعبية لهذا المجلس ونقد «وصايته» على الثورة فاقد للمعنى باعتبار أن لا احد يملك إثباتات «شعبية» أو «ثورية» لشرعية تواجده في الحكومة المؤقتة وادعاء «وصايته» على مطالب الثورة في «التنمية» أوغيرها. وبعيدا عن الانخراط في الجدل العقيم نؤكد بثقة تامة أن تأمين الانتقال السليم نحوالديمقراطية لتحقيق المطالب الشاملة للثورة يقتضي الاقتناع بأن رسم ملامح مستقبل البلاد يجب أن يتم في كنف الشراكة والوحدة الوطنية وإن كل انزياح عن مسارات التوافق سيدفع إلى تجاذبات الضغط والضغط المقابل وهوما يحمل الفريق الحاكم مسؤولية تأبيد وضع الهشاشة الأمنية والسياسية الذي تعاني منه البلاد. إن ولادة «المجلس الوطني لحماية الثورة» هودليل على نضج القوى الحية واستعدادها للدفاع عن مكاسب الشعب التونسي وحقه في تقرير مصير البلاد بعيدا عن صيغ الالتفاف والمناورة وما على «الفريق الحاكم» اليوم إلا التعاطي مع هذه الخطوة بجدية ومسؤولية دون استماع إلى مخاوف المهرولين الراغبين في الاستفراد بالقرار الوطني