افتخر القواد بأنه: «مع بن علي ضد الحكومة والشعب»، واليوم أصبح مفتيا للثورة في القنوات التلفزية الآن فقط أيتها السيدات والسادة، يمكن لنا أن نكتب عن الزميل «السيد القواد» الذي كان يخوفنا بتقاريره التي يكتبها عنا في شكل «استفدنا أن...»، بعد الدوي الكوني الذي خلفه هروب سيده الجنرال المسمى خطأ زين العابدين بن علي، الرقيب الركن، الذي كان اسمه يكفي لإقناع عبيده من القاوقجية٭ في الصحافة الوطنية بأن اليوم السابع من شهر نوفمبر ليس سوى «مجرد ترتيب فلكي قررته الأقدار الأزلية للوطن» قصد إبراز المواهب الفذة لسيدنا الجنرال. في أول الأيام التي تلت هروب «الجنرال الرقيب الركن»، كنا ننتظر من القاوقجية والقوادين أن يصمتوا على الأقل، من باب الخجل الوطني، بعد أن نالوا الكثير من خيرات الوطن بلا وجه حق: بساتين ومزارع في الممتلكات الحكومية، شقق وعقارات من الملك العام، منح مالية وخيرات وهبات عينية في المناسبات الدينية والوطنية، وأشياء أخرى يضيق بها الحصر لم يكن ينقصها سوى العبارة التاريخية: «أعطه ألف دينار وجارية». بعد ثورة شباب تونس، كنا نظن أن «السيد القواد» قد أصبح وحيدا، مثله مثل سيد الفرامانات٭ في الصحافة الوطنية المدعو عبد الوهاب عبد الله، بعد أن تخلت عنه سيدة قراره، السيدة الأولى للوطن وحافظة تاريخ أمجاده، بجمعياتها الخرافية للتمعش من معاقين بلا إعاقة وبأمجاد أخرى مماثلة لا تتجاوز في الواقع حجم أمجاد وإنجازات أشقائها المنحرفين غير القابلين للحصر سواء كانوا أشقاء من الأب أو الأم أو أبناء الأخوة والأخوات أو من أي شيء آخر. «السيد القواد» من باب الحذر اللغوي لا غير، إذا اتفق أن أحد أشقائنا في المشرق قرأ هذا المقال، فيجب أن نوضح له أننا نحن في تونس، لأسباب تاريخية معقدة نخلط صفة الواشي، متملق السلطان الذي تحول في المؤسسة الأمنية الحديثة إلى ما يسمى «المخبر»، نحن نسميه في تونس «القواد»، وهو لغة، ذلك الذي يقود الرجال إلى النساء في الحرام، ربما ذلك عائد إلى الخزي الذي يربط بين الشخصيتين أو إلى الكره التونسي العميق لشخصية الواشي. أما أنا فلا أجد مشقة في الجمع بينهما مثل أي تونسي عندما يشتم عدوا فيقول له: «يا قواد». على مدى عقود لم تفعل الدولة شيئا غير تعزيز دور القواد بكل صيغه، وتعزيز العلاقة العمودية وغير الشرعية بين الحاكم والمحكوم. تطورت مواهب القواد إلى حد اختلاق تهمة الخيانة الوطنية حين لا تكون موجودة وحتى حين لا يفعل الناس شيئا ويفقدون قدرتهم على الاحتجاج على الحاكم. وهكذا كان يبدو لنا أن أي شكل من أشكال النجاح والتقدم الاجتماعي كان يرتبط وجوبا بالمرور بمباركة السيد القواد والحصول على رضاه. هذا الرضاء الذي يجب أن نعترف أنه كان يعني أساسا: «المساهمة في القوادة بكتابة التقارير عن الزملاء وممارسة كل أشكال القوادة الأخلاقية والأمنية ومدح سيدي الجنرال وشتم أعدائه». في وقت ما من القمع الأسطوري الذي عاشه الإعلام في تونس، كان السيد القواد يقول لنا مازحا: «أنا مع بن علي ضد الحكومة والشعب». وحين تشتد الاحتجاجات ضد حكم قضائي يصدره «سيدي الجنرال» ضد أحد أبطال المعارضة أو الاحتجاج، كان يقول لنا: «نحن لسنا ضد القانون، بل مع حسن تطبيقه» الذي يعني العبث به وفقا لأهواء وعداءات سيدي الجنرال في البداية، ثم سيدته وعشيقته الشرعية الوحيدة. تأريخ للحظة اليوم، تسمح لي دماء الشهداء بالقول إن ما أكتبه الآن ليس وشاية أو قوادة، بل شهادة للتاريخ، للتنديد بكل أشكال الوشاية للنظام ولمن في الحكم، أكتب هذا بصفته مقالا عاما عموميا موجها إلى الشعب التونسي لفضح القوادة التي جعلت الكثير من قطاع الطرق والذين لم يفلحوا في دراستهم يصبحون شخصيات وطنية. نكتب عن السيد القواد لفضحه لدى الشعب التونسي، مفتخرين بأننا لم نساهم بأي شكل من الأشكال في مدح سيده الجنرال، أو في شتم أعدائه ولم نحصل بالتالي على أي شكل من أشكال المنافع من «دولة القوادين»، سواء في شكل أوسمة السابع من نوفمبر أو الثقافة أو جوائز الهادي العبيدي للصحافة الوطنية، الذي لا شك أنه يتقلب في قبره ألما وهو يرى لصوص الآفاق يصبحون أبطال صحافة باسمه. لذلك، يحق لي أن أقول مثل أي شخص في سيدي بوزيد، إن الصمت على «السيد القواد» وأمثاله من قطاع الطرق واللصوص هي جريمة أيضا في حق شهداء الوطن، وفي حق التاريخ بالنظر إلى مقولة ألبير كامي: «الصحفي هو مؤرخ اللحظة». نكتب عن القوادة في تونس، خوفا منهم بالنظر إلى مواهبهم التاريخية في الانقلاب على القيم، ولأننا تعلمنا بعد أن تعذبنا بتحول أحلامنا في الحرية إلى حلم مزعج عندما سرق القوادون والمتملقون نشيد الثورة وحولوه إلى نشيد حكومي ينشده اللصوص والقوادون، سرقوا أيضا تاريخ الوطن ليحولوه إلى فقرة في البرنامج الانتخابي الأزلي للسيد الأوحد، كما سرقوا تاريخ أبطال الوطن ومواسم المطر والخير وسهول الشمال الغربي، وما تحت الأرض من الآثار وها هم اليوم يظهرون دون أي خجل في صفحات صحفنا وقنوات التلفزة ليقدموا لنا دروسا في الثورة. لذلك من حقنا أن نكتب لهم، إلى زعيمهم الرمزي «السيد القواد»، مستندين إلى الدماء الطاهرة للشهداء، معولين على ذكاء الشباب التونسي حتى لا يعيد علينا القوادون واللصوص وقطاع الطرق مسرحيتهم التاريخية وحتى لا يتجاوز العمر الافتراضي للقواد حقيقة عمر نظام سيدهم الجنرال الهارب. ٭ القاوقجية: كلمة تركية في صيغة الجمع، مفردها قاوقجي، وتعني في اللغة التركية ذلك الذي يحدث ضجيجا للإعلان عن حضور الحاكم أو السيد الحاكم. ٭ الفرامانات: جمع فرمان، كلمة تركية تعني القرارات التي كانت تصدر عن الخليفة العثماني في تعيين البايات وتسيير شؤون الحكم.