بعد مرور شهر على سقوط الطاغية وهروبه دون رجعة ما زالت صور الشهداء الذين رووا تراب هذه الأرض الطيبة بدمائهم الطاهرة اثر تحركات احتجاجية سلمية شعارها الحرية والكرامة والانعتاق بعد عقدين من الكبت والظلم والحرمان لذلك انخرط في ثورة الكرامة كل التونسيين بكل أطيافهم بحثا عن كرامة مهدورة وعن شغل يحفظ للفرد انسانيته، وتحولت الاحتجاجات من مطلب اجتماعي الى مطلب سياسي شعاره «خبز وماء وبن علي لا» و«الشعب يريد اسقاط النظام» ليسقط في لحظة تاريخية المستبد ولتبزغ على تونس شمس الحرية والكرامة وتطلع التونسيين الى تغير الأحوال والانطلاق في مرحلة جديدة مفعمة بالأمل والقطع مع ماض قاس ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي سفن من أشعل شرارة ثورة الكرامة حيث برزت على الساحة عديد الظواهر السلبية اذ ركب العديد من الساسة الحدث وتعددت المنابر الحوارية ورأينا وسمعنا كلا يغني على ليلاه حتى بتنا نتساءل: أين كان هؤلاء؟ وما هي برامجهم...؟ و....؟ ولكن الظاهرة الأخطر، هي هذه الاحتجاجات اليومية والاضرابات في مختلف القطاعات وخاصة القطاعات الحساسة عن العمل للمطالبة بالزيادة في الاجور حتى كدنا نخال أن ثورتنا ثورة جياع في حين أنها ثورة كرامة وحرية، ثورة لتسليط الضوء على المناطق التي عانت لعقود الحرمان واللاتوازن التنموي... ثورة للتصدي للفساد الذي عم البلاد... فنحن مع المطالبة بتسوية الوضعيات المهنية وتحسين المقدرة الشرائية وغيرها من المطالب المشروعة، ولكن قبل ذلك، لنتذكر أن الثورة قام بها شباب عانى طويلا من البطالة والتهميش وبالتالي لابد أن تمنح لهؤلاء الفرصة للعمل وخاصة من حاملي الشهائد العليا، ومن ناحية ثانية نقول لكل العاملين بالفكر والساعد من المحتجين والمعتصمين أن من يحب تونس ومن يقدس دم شهداء ثورة الكرامة، عليهم جميعا أن يعملوا بتفان وجد، عليهم أن يخلصوا في العمل وأن يعطوا مؤسساتهم التي يعملون فيها بلا حساب، ولا بأس ان يضاعفوا الجهد والبذل من أجل المصلحة العليا لتونس الثورة ووفاء لدماء الشهداء حتى لا تتحول ثورة الاحرار الى ثورة جياع، فعلى كل العاملين في مختلف القطاعات الانخراط في العمل والتصدي لقوى الجذب التي تريد ان تلتف على الثورة وتحيد بها عن الأهداف والغايات التي من أجلها اندلعت وسقط الشهداء، لأن العمل في هذه الفترة بالذات وفي مثل هذه الظروف التي تمر بها تونسنا الحبيبة هو خير تعبير عن الوطنية الصادقة وهو خير مأمن لنجاح ثورة الشباب ولتبقى هذه الثورة ثورة كرامة وليست ثورة جياع.