وعلى امتداد 3 سنوات، لم تبادر تونس بتطبيق ما نصّت عليه الاتفاقية ولم تتم ملاءمة القوانين الداخلية مع ما ورد فيها، وهو ما فتح المجال واسعا أمام عائلات الرئيس السابق وأصهاره وأمام أطراف أخرى متواطئة معها لتوغل في الفساد والرشوة مما ألحق مضرّة فادحة بالاقتصاد. وقال السيد لسعد الذوادي رئيس الغرفة الوطنية للمستشارين الجبائيين في تصريح ل «الشروق» إن الحكومة المؤقتة الحالية لم تبادر الى حد الآن بتفادي أخطاء النظام السابق ومازالت هذه الاتفاقية بالتالي مجرّد حبر على ورق بالنسبة الى تونس وهو ما قد يفتح المجال مرّة أخرى لأنشطة فساد جديدة في المستقبل. هيكل نصّ الفصل 6 من الاتفاقية على إلتزام الدول المصادقة بضرورة احداث «هيئة أو هيئات» لمنع الفساد والرشوة وتمنح لها ما يلزم من الاستقلالية وما يلزم من موارد مادية وموظفين ومتخصصين ومن تدريب. غير أن تونس لم تحدث الى حدّ الآن هذا الهيكل حسب لسعد الذوادي، وحتى اللجنة التي تم احداثها مؤخرا (لجنة الفساد والرشوة) فهي حسب رأيه ليست بالمقاييس التي فرضتها اتفاقية الأممالمتحدة باعتبارها وقتيّة ومهمّتها محدّدة بالفترة الانتقالية الحالية التي تمرّ بها بلادنا، وهي أيضا محلّ جدل كبير بخصوص مهامها وتركيبتها والمدّة التي ستستغرقها ومشمولاتها. وحسب الذوادي فإنه من المفروض التعجيل بتكوين هيئة مستقلة وفقا لاتفاقية الأممالمتحدة لتحل محل هذه اللجنة الوقتية الحالية. تعاون إضافة الى ذلك، تنصّ اتفاقية الأممالمتحدة على ضرورة التعاون مع المنظمات الدولية والاقليمية الناشطة في مجال مقاومة الفساد والرشوة مثل منظّمة «الشفافية الدولية» وغيرها من المنظمات غير الحكومية التي لم يسمح لها النظام السابق ببعث فروع لها في تونس حتى لا ينكشف فساده ومن المفروض حسب لسعد الذوادي أن ترفع الحكومة الوقتية هذه القيود لتقدر هذه المنظمات على النشاط في بلادنا. وفضلا على التعاون الدولي، فإن الدول ملزمة بالتعاون أيضا مع المجتمع المدني وحتى مع المواطن ليدلّها على بؤر الفساد والرشوة (المادة 13 من الاتفاقية) ففرنسا مثلا بعثت موقعا الكترونيا ليعلم فيه المواطن عن كل ما يكشفه من أعمال فساد ورشوة. كما أن الولاياتالمتحدةالامريكية بعثت رقما هاتفيا أخضر للغرض نفسه. ملاءمة التشاريع من بين مقتضيات اتفاقية الأممالمتحدة لمقاومة الفساد والرشوة التي صادقت عليها تونس نجد ضرورة ملاءمة القوانين الداخلية مع روح الاتفاقية وذلك بتعديلها لتكون سدا منيعا أمام الفساد والرشوة. ويذكر السيد لسعد الذوادي مثلا ضرورة إدراج الرشوة والفساد في القطاع الخاص ضمن أحكام المجلة الجنائية الخاصة بالارتشاء والتي لا تهم الا القطاع العمومي. فقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن القطاع الخاص أصبح يمثل اليوم في تونس أرضية مناسبة للفساد والرشوة وهو ما كشفته التحريات (الى حد الآن) في ما قام به أفراد عائلة النظام السابق وأصهاره والمتعاونين معهم... حيث نصت اتفاقية الأممالمتحدة في المادتين 21 و22 على الرشوة وعلى اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص وعلى ضرورة مقاومتهما وهو ما لا يتوفر اليوم في التشريع التونسي. كما تحدّث رئيس غرفة المستشارين الجبائيين على «احترام السرّ المصرفي» المعمول به في تونس والذي لا يتلاءم مع روح اتفاقية الأممالمتحدة (المادة 40 من الاتفاقية) وبات من الضروري اليوم إلغاء العمل بهذا المبدإ في تونس حتى يتسنى للهيئات المختصة مراقبة كل أنشطة الفساد والرشوة وتبييض الأموال وأيضا حتى يمكن لادارة الاداءات التفطن بسهولة الى الجرائم الجبائية (التهرب الضريبي) التي عادة ما تجابه في عملها بالسرّ المصرفي. كما تنص الاتفاقية أيضا على ضرورة اعتماد التشاريع الداخلية على فترة سقوط الجرائم بمرور الزمن أطول من الفترة العادية عندما يتعلق الأمر بجرائم الفساد والرشوة ويحتاج التشريع التونسي في هذا المجال أيضا الى تعديل حتى لا يفلت الجناة من يد العدالة في صورة اختفائهم او هروبهم من أرض الوطن لمدّة معينة ثم يعودون ولا يمكن انذاك معاقبتهم. ويبقى الحل الأمثل للقضاء نهائيا على الفساد المالي والرشوة في القطاعين العام والخاص ببلادنا هو حسب لسعد الذوادي ضرورة تعجيل الحكومة المؤقتة بتفعيل اتفاقية الأممالمتحدة المذكورة في كل جوانبها حتى نقدر بصفة فعلية على «كنس وتنظيف» ما خلّفه النظام السابق من بؤر فساد مالي بالبلاد.