تونس (الشروق): بحسب متابعين للشأن السياسي الوطني فإن المنظومة السياسية الحالية تتجه لإعادة استنساخ نفس المنظومة التي كانت عليها البلاد قبل ثورة 14 جانفي الفارط. بسرعة وبنسق فيه الكثير من الغرابة انبنى «مشهد ما بعد الثورة» على ثنائية الحكم والمعارضة البعض يرى أن هذا الأساس الجديد تعمق بعد في الخطابات التي يروج لها كلا الطرفين أي الحكومة المؤقتة ومناهضيها ويبدو ومن خلال النقاشات والملفات الحوارية والبلاغات والبيانات أن لغة تصعيدية ومرات تكاد تكون عنيفة ومشطة وتتجه الى ما يشبه البحث عن الفضيحة وتصفية حسابات لصراعات وخلافات حكمت مختلف الأطراف والتيارات طيلة حكم الرئيس المخلوع صورة المشهد الجديد لا وحدة فيه، بل ربما سمح هامش الحرية الذي وفرته تضحيات الشهداء والمصابين والجرحى في مزيد تشتيت وتشظي الفعل السياسي والحزبي كما تعكس ذلك فورة تشكيل الأحزاب السياسية والتي من المتوقع أن تستقر قريبا في حدود الستين حزبا من اليمين الى اليسار الى الوسط، ومن مختلف الألوان السياسية والمرجعيات الايديولوجية المتعارف عليها. توتر وصدام وربما باستثناء المقابلة الموجودة حاليا بين الحكومة المؤقتة والأطراف المشكلة لها (الحزب الحاكم سابقا وحركة التجديد والحزب الديمقراطي التقدمي) وما عرف ب «مجلس حماية الثورة» (16 حزبا وتيارا و 12 جمعية ومنظمة) هذه المقابلة التي تزداد توترا وصداما فان التساؤل الأبرز اليوم هو عجز السياسيين والنخب عن تحقيق توافقات حزبية وتنظيمية متلائمة مع المرجعية الايديولوجية الواحدة (اسلامية، ليبرالية، اشتراكية، شيوعية، بعثية، قومية) اذ برز للعيان حالة توالد وتجزئة مرعبة ومفزعة يذهب عديدون الى أنها لن تؤدي الى مسار تعددي وديمقراطي سليم يوفر توازنات وكتل سياسية قوية ومتماسكة قادرة على التأثير واقامة جسور لحراك سياسي وحزبي بالفاعلية والجدوى المرجوتين. قوة التأثير الماسكون بسلطة «الحكومة المؤقتة» ومعارضوهم افتقدوا الى حد اللحظة قوة التأثير في الشارع فلا منهجية عمل الحكومة المؤقتة وما صدر عنها من قرارات واجراءات أعطت عنصر الثقة والارتياح لدى المواطنين، فالارتجال والضبابية والتردد ماتزال سمات الفعل الحكومي الراهن، ولا «مجلس حماية الثورة» أمكن له الحراك الايجابي لتوضيح رؤاه وتصوراته في علاقة بالتواصل مع رجل الشارع والمواطنين من مختلف الفئات والجهات. وفي ظل غياب منطق المحاججة وفضاءات للحوار العلني والصريح والهادف والمسؤول بين الدفتين أي وبمنطق الحالة الراهنة «الحكم والمعارضة» فان الأوضاع السياسية لا تتجدد نحو محاكمة عوامل التحول الايجابي نحو افق ديمقراطي نزيه وشفاف بل تؤشر الى لحظات أخرى من التعقيد وربما التأزم. أمر واقع وتهديدات وبين فرض الأمر الواقع كما تراه الحكومة المؤقتة و«تخوفات الردة والانزلاق» بحسب ما تذهب اليه قوى المعارضة» يبقى الشارع التونسي في مهب انتظارات قد يبدو البعض منها في غاية الخطورة والاهتزاز. انتظارات ربما تطيح بتطلعات الثورة وشعاراتها في الديمقراطية والشفافية والعدالة. ان التنحي عن المنطق الضيق والشعارية الحزبية والنظر الى حقيقة ما تعرفه البلاد من لحظة تاريخية متميزة وفارقة وفي غاية الدقة وفتح جسور الحوار البناء بين مختلف الأطراف السياسية والنخب يبقى المدخل الأساسي لتوفير أجندة وطنية موحدة لهذه الفترة الانتقالية تقطع مع ما كانت عليه الحياة السياسية قبل ثورة 14 جانفي.