عاجل/بعد التحقيق معهما: هذا ما تقرر في حق الصحفية خلود المبروك والممثل القانوني ل"IFM"..    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    ماذا يحدث في حركة الطيران بفرنسا ؟    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    شهداء وجرحى في قصف صهيوني على مدينة رفح جنوب قطاع غزة..#خبر_عاجل    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    الترجي يطالب إدارة صن داونز بالترفيع في عدد التذاكر المخصصة لجماهيره    كأس ايطاليا: أتلانتا يتغلب على فيورينتينا ويضرب موعدا مع جوفنتوس في النهائي    اليوم: عودة الهدوء بعد تقلّبات جوّية    شهادة ملكية لدارك المسجّلة في دفتر خانة ضاعتلك...شنوا تعمل ؟    قفصة: تورط طفل قاصر في نشل هاتف جوال لتلميذ    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لهذه الأمراض بسبب لسعة بعوض.. علماء يحذرون    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    خلال لقائه الحشاني/ سعيد يفجرها: "نحن مدعوون اليوم لاتخاذ قرارات مصيرية لا تحتمل التردّد"    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    "تيك توك" تتعهد بالطعن على قانون أميركي يهدد بحظرها    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس    قفصة: عمّال بشركة نقل المواد المنجمية يعلقون إضراب الجوع    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    سعيد: لا أحد فوق القانون والذين يدّعون بأنهم ضحايا لغياب الحرية هم من أشدّ أعدائها    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    هام/ الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة بداية من الغد    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    عاجل/ الاحتفاظ بأحد الاطراف الرئيسية الضالعة في احداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    رئيس الحكومة يدعو لمتابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    السيطرة على إصابات مرض الجرب المسجلة في صفوف تلامذة المدرسة الإعدادية الفجوح والمدرسة الابتدائية ام البشنة بمعتمدية فرنانة    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صراعات إيديولوجية جوفاء.. والثورة في عاصفة هوجاء
ملف: حضرت "البروبقندا"..وغابت البدائل
نشر في الصباح يوم 06 - 06 - 2011

منية العرفاوي الانتقال الديمقراطي في الأدبيات السياسية ولئن كان حالة مؤقتة وجسرعبور من نظام حكم سلطوي الى انتقال تدريجي وبشكل سلمي الى تجربة جديدة تتسم ببناء منظومة حكم اكثر ديمقراطية؛
فان هذا الانتقال يتطلّب آليات و»أخلاقيات» معينة لينجح ويطرح ثماره..غير أن أغلب المتتبعين للشأن السياسي التونسي يؤكّدون أن «فسيفسائنا» الحزبية حادت عن نواميس العمل السياسي المتعارف عليه.. التجربة البرتغالية التي شكّلت مرجعا ونموذجا في ميدان الانتقال الديمقراطي نموذجها مثالي و ذو طابع حقوقي وأحادي، فقد عكست هذه التجربة نموذجا للعديد من الأنظمة التي تزايدت فيها الانقلابات العسكرية وسيطرة نظام الحزب السياسي الواحد على الحكم والتي أفضت الى بلورة مشروع الحزب الاشتراكي الذي تميّز بانفتاحه على الكنيسة الكاثوليكية بشكل إيجابي رغم تبنيه للعلمانية وبالتالي لم يحصل تشاحن عقائدي..وعملت الأطراف المجتمعية والسياسية على تقوية الحريات ومن ضمنها حرية الصحافة..كما سادت سياسة الاعتدال في أوساط المؤسسة العسكرية.وخارجيا اهتمت أوربا بعد 1974 بالتحول الديمقراطي في البرتغال، وعملت علىدعم وتثبيت هذا المسارواستقراره.
وبالاضافة الى التجربة البرتغالية تبين التجربة البرازيلية أهمية الأحزاب السياسية وبالأخص الحركة الديمقراطية البرازيلية، حيث أصبحت هذه الحركة بمفردها تشكل المعارضة الأساسية داخل الدولة، وتصرفت هذه الحركة بذكاء حيث إنها احتفظت بثقة المؤسسة العسكرية مع عملها في اتجاه دمقرطة الدولة. وتدريجيا ومع تغييرظرفية الدولة تغيرت ظرفية هذه الحركة.ومن اجل تشغيل الطريق نحو الديمقراطية وافقت الحكومة العسكرية على قوانين العفو وغيرت النظام الانتخابي لإقرارالتعددية الحزبية بدل الثنائية وقد قبلت المعارضة بهذه القوانين أوعلى الأقل لم تجعل منها مشكلا كبيرا. كما فتحت تجارب دولية أخرى كجنوب إفريقيا، والشيلي نقاشا قويا حول حقوق الإنسان فنشأت لجان للبحث عن الحقيقة، من خلال المساءلة للوصول إلى هدف أكبر وهو المصالحة ..والغية من استعراض هذه التجارب هومعرفة موقعنا من مسألة الانتقال الديمقراطي. فهل نحن مازلنا على صراط مستقيم أم أضعنا بوصلة الاتجاه الصحيح وسقطنا في عشوائية المنظّم وفلسفة الإفلاس أوأصبحنا على وشك هدر مكتسبات الثورة..

فتحي بالحاج يحي:مررنا من تجربة الحزب الواحد إلى مرحلة «حزب ليا وحدي»
كل يوم حزب جديد ولما نبلغ الستين حزبا نقرأ الفاتحة على الثورة
يجب الكف عن الحديث عن المواطن وكأنه قاصر..
رغم ما تثيره الساحة السياسية اليوم من تجاذبات إيديولوجية تنأى بالأحزاب عن النواميس المتعارف عليها والتي تقوم على بدائل وبرامج واضحة في الصراع السياسي فإن أغلب المتتبعين والمثقفين يرون ان العشوائية الحزبية اليوم ستفرز لوحدها واقعا جديدا في قادم الأيام..»الأسبوعي» اتصلت بفتحي بالحاج يحي الناشط السياسي اليساري والكاتب والمفكّر الذي طرح وجهة نظره فيما يتعلّق بالمشهد السياسي الحالي بكل مسؤولية وتجرّد وبعيدا عن المزايدات والكلمات المنمقة من خلال الحوارالتالي..
مثلت هيئة 18 أكتوبر لبنة تحالف عدة قوى تختلف مشاربها ومرجعياتها الأيديولوجية لكن ورغم اختلاف المعطيات الواقعية فإن أصدقاء الأمس باتوا اليوم فرقاء وظلّ صراعهم محصورا في الأيديولوجيا دون البدائل والبرامج فكيف تقيّم أنت هذا الوضع ؟
- ربّما وجب التذكير بشيء من التاريخ القريب لفهم نشوء ائتلاف الثامن عشر من أكتوبر. فهو حدث مَثَّل محطّة سياسية هامّة في مسيرة مقاومة نظام بن علي على أنّ ذلك لا يقلّل في شيء من نضالات الأطراف الأخرى المعارضة التي رفضت الانضمام إلى هذا الحلف. فالزّمن كان وقتها زمن الخرس، والخوف، وفضائح القصر، واستكمال النظام لوجهه المافيوزي، وإلهاء النّاس بكرة القدم والمسلسلات التلفزيونة وسراب السيارة الشعبية والقروض البنكية لمن استطاع إليها سبيلا، والتعتيم الإعلامي على الجهات المنسية وغير المنسية، والتلاعب بالإحصائيات لخلق واقع افتراضي يعيشه الناس كحقيقة وتُخصى فيهم أدنى مقومات الكرامة وعزّة النّفس. فأن تقوم مجموعة قليلة من المناضلين بإضراب جوع يحاول اختراق الحجب الإعلامي لتقول إنّ المرحلة تقتضي حشد كلّ ما أمكن من الطاقات، على قلتها، لمواجهة النّظام والخروج عن روتينية أشكال المعارضة كما تمّت إلى حدّ وقتها، ففي الأمر بعض وجاهة لا يمكن إسقاطها لا سيّما أنّ الطّرف الرافض للتحالف مع الإسلاميين، رغم ترجيحي لوجاهة رأيه من النّاحية الفكرية المبدئية، لم يبد من الجرأة السياسية في صنع الحدث ما يجعله قادرا على إقناع اليساريين والديمقراطيين الأكتوبريين بتقديم بديل نضالي يتحمّل نسبة من المخاطرة. وبعبارة أخرى : حلف أكتوبر حدّد المرحلة على إنّها سياسية بالدّرجة الأولى وتقتضي إرجاء المسائل «الخلافية» إلى حين، بينما رأت أطراف بقية أشهر السنة إنّ المسائل «الخلافية» مصيرية بالدّرجة الأولى إذ تمسّ من قضية المرأة ومكاسب الحداثة وكلّ ما يمتّ بصلة إلى التصوّر المجتمعي لمستقبل البلاد وكأنّي بهم يقولون : بن علي خطر سياسي آني، والإسلاميون تهديد مستقبلي لا ريب فيه لأسباب تتجاوز تصريحات قيادييه أو النّضج السياسي لبعض قياديهم لتمسّ جانب تحريكهم للمخزون الديني الشعبي البدائي ولآليات الفحولة والمعتقدات السائدة في مفاهيم الآخرية أو الغيرية وميل العامّة إلى الارتياح للآخر الذي ترى صورتها فيه ويزعجها اختلافه باسم الإجماع والأمّة وهلمّ جرّا.
وقد يكون ثمّة سبب آخر لم يُفصح عنه في التقاء بعض اليساريين بالإسلاميين وهو انّ الإثنين قاسا محنة السجون والتعذيب ومحلاّت سلامة أمن الدّولة، والذي مرّ بالسّجن تتولّد فيه وشائج ودّ ونوع من الحسّ الخفّي في احترام زميله في «القاميلة» والزنزانة. فعندما كان اليساريون في السّجون كانت الحركة الإسلامية في بدايات نشوئها بمساعدة من حزب بورقيبة وإيعاز من محمد الصياح، على ما يبدو وفي انتظارفتح ملفّات التاريخ، ويوم دارت الدّائرة على الإسلاميين تطلبّ الأمر بعض الوقت لدى اليساريين لفرزأفكارهم حول مساندة ضحية قمع لا نشاطربتاتا أفكارها بل ربّما فيها ما يرشّحنا لأن نكون ضحيتها الأولى في يوم ما وفي المثال الإيراني ما يغني عن التطويل.
لماذ تغيب في اعتقادكم اليوم عن الصراع الحزبي السياسي البرامج والأهداف الواضحة وتحضر الإيديولوجيا التي لم يستوعبها بعد المواطن التونسي البسيط ؟
- لا أعتقد بأنّ البرامج والأهداف غائبة لدى الأحزاب السياسية. يكفي مراجعة تاريخ الأحزاب التي كانت قائمة زمن ما قبل 14 أكتوبر للوقوف على عديد النصوص والبرامج التي قدمتها تشكيلات مثل حركة التجديد، والتكتل من أجل الحريات والحزب الديمقراطي التقدمي وكذلك الورقات التي انبثقت عن هيئة 18 أكتوبر. صحيح إنّها بقيت ضمن التوجّهات العامّة والشعارات الكبرى ولذلك أسباب عدّة منها ما هو داخلي كعدم توصّل هذه الأحزاب إلى جلب المثقفين من شتّى الاختصاصات والمعارف إلى صفوفها للرّفع من رصيدها المعرفي سواء في مجال الاقتصاد أو السوسيولوجيا أو الفنون أو علم النّفس الجماعي، مثلا، لرصد حركة المجتمع وفهم آليات اشتغاله وتوليد ما يتناسب مع انتظاراته. فهذه الأحزاب ظلّت محكومة بعقلية تقليدية لمفهوم الحزب والتحزّب وما ينجرّ عنه من انزواء عن نفسها حفاظا على كيانها من التيارات الهوائية التي قد تضرّ بصحتها وصحّة قيادييها بشكل خاصّ.
لنقل إنّ في الأمر خلاص فاتورة قديمة وتفويت فرصة تاريخية جاءت للمعارضة مع السابع من نوفمبرفلم نجد سوى شخص واحد تجرّأ على ترشيح نفسه مقابل بن علي للانتخابات الأولى سنة 89 رغم إنّه ليس سياسيا من العيارالثقيل بل مجرّد تونسي له حسّ مواطني، فعزالدين الحزقي أراد وقتها أن يشير إلى خطر تكرار الزعيم الأوحد في حين نادت الأغلبية العظمى للتشكيلات السياسية بانتخاب بن علي. أعتقد إنّه من يومها انكسر شيء ما في إمكانية التأسيس لمعارضة قادرة على النّفاذ إلى أعماق المجتمع.
هذا تفسير ممكن لكنّه غير كاف بعد أن استرجعت المعارضة همتها ورفعت التحدي لتبقى وحيدة ومعزولة تقاوم الطاغية وهنا لا بدّ من الإشارة أيضا إلى مسؤولية المثقفين الذين فضلوا، في أغلبيتهم الساحقة، النّأي بأنفسهم عن الشّأن السياسي بدواع كثيرة كعدم إشعاع المعارضة السياسية على أنّ هذا الأمر يخفي أيضا خوفهم من تحمّل تبعات المواجهة، وانخراطهم في آليات الاستلاب التي وضعها النّظام تحت عنوان توسيع الطبقة الوسطى، وميلهم إلى البحث عن أمانهم الشخصي والعائلي تاركين الفئة القليلة وما تيسّر من الفنّانين والمثقفين تقاوم وحدها في زمن القحط.
فالأسباب عديدة ومتعدّدة ويصعب حصرها في بعض فقرات.
صحيح إنّ الوضع تغيّر اليوم وسنرى كيف ستسير هذه المعادلة لكنّ الأهمّ هو الكفّ عن الحديث عن المواطن وكأنّه قاصر وجب أن نستدرجه «بالتلحليح» (عيشك إيجا شارك في صناعة مستقبل بلادك)، عليه أن يُجهد نفسه في الفهم والبحث والمشاركة الإيجابية إذا ما أردنا الإنهاء مع مفهوم المهدي المنتظر.
هل تعتقدون أن الأحزاب أقنعت اليوم الناخب بوجودها وأهميتها ؟
أعتقد أوّلا بأنّ السياسة ضرورة وليست إقناعا بالمعنى الملائكي للكلمة. سبق أن كتبت على حائطي في اليوم العاشر أو الحادي عشر بعد 14 جانفي «كلّ يوم حزب جديد ويوم نبلغ الستين حزبا نقرأ الفاتحة على الثّورة». لم أفهم يومها تكالب بعض السياسيين وغير السياسيين الذين أصابتهم حمّى الشجاعة بعد انتهاء اللّعبة وسهولة الكلام والغليان، وبعد أن كنّا نستجديهم ليقول كلّ واحد منهم كلمة يتيمة نتكفّل بِجَمعها لنكوّن منها جملة مفيدة معارضة زمن البكم، ولكن مع مرور الوقت لا مناص من التسليم بأنّ في الوضع ما يفسّر هذا التضخّم إذ يتحدّثون اليوم عن أكثر من ثمانين حزبا مرخّصا له ومائتي وثلاثين طلبا في أدراج الداخلية. ليس سيئا أن يرى كلّ تونسي في نفسه القدرة على أن يكون حزبا بذاته. نكون مررنا بسرعة البرق من الحزب الواحد إلى «حزب لِيَّا وحدي» في انتظار أن نصفّي حساباتنا مع أنفسنا ونتجاوز عقد الذّنب وأن نفتح ملفّ المسؤولية الجماعية ونسأل : هل ثمّة طاغية في التاريخ وُجد دون شعب يحكمه وهل يدوم طاغية دون شعب يحكّمه في نفسه. نحن اليوم ما زلنا أمام تحديات صعبة آنية وسيأتي الوقت الذي سينزل فيه العقل إلى ميدان المعركة، فلنا في تونس من المثقفين القادرين على تفكيك الأوهام ومصارحة شعبهم والتعامل مع المواطن كراشد قادر على تقبّل الجدل والحقيقة ولو كانت على نفسه لأنّ المطلوب بالأساس هو بناء الذّات الفردية والجماعية، والذّات لا تبنى دون مواجهة نفسها. فيما يخصّ الأحزاب فكثيرها سيزول بزوال الطّفرة بعد أن يُنفّل أصحابها من مال بيت الشعب ولن يبقى منها سوى ما تقتضيه الأحوال.
طبعا أودّ أن يتغيّر الكثير من الأشياء في أحزابنا على بكرة أبيها بداية من وعيها بأنّ الثقافة والفنون والتعليم والمعرفة هي باب الدّخول إلى المواطنة والسياسة وأنّ دور النّموذج الجديد للحزب ليس في مسايرة مشاعر النّاس وتقديس فكرة «الشعب» وإعادة إنتاج البنية اللغوية القديمة بمفردات مغايرة من قبيل «الثّورة المباركة» والمتاجرة ب»أرواح الشهداء» والتباري في «حبّ الوطن» ألخ...

زهير مخلوف: الأحزاب ما زالت في مرحلة «الجنينية» السياسية..
ونحن نعيش لحظة اليوم اللحظة التاريخية الفارقة والحاسمة والمشحونة بكل الافتراضات والفرضيات التي تقف بنا على عتبة مجلس تأسيسي دون أن نؤمّن مسلكا امنا اليه ودون أن نتفق على موعد وطريقة، نحتاج بالتأكيد لقراءات مختلفة للمشهد السياسي خاصّة الذي يبدو أنه بات يتحكّم في قواعد اللعبة دون أن يبذل مجهودا يذكر فيشكر..»الأسبوعي «التقت بزهير مخلوف عضو الهيئة العليا لحماية أهداف الثورة وحاورته في العديد من المسائل التي تشغل الرأي العام.. عن الواقع الحزبي ما بعد الثورة في تونس يقول زهير مخلوف «بعد الثورة انتظمت تشكيلات كثيرة وشعبنا التونسي سعى بكل نسائه ورجاله وشبابه وأطفاله وكلّ أطياف الشعب التونسي وكل لفيفه للانخرط في منظومة التعاطي السياسي في إطار أحزاب سياسية وأنا أرى أن هذا التعاطي ايجابي وصحّي..وبعد هذه الصحوة يمكننا القول أن المجتمع استعاد دوره من خلال جمعياته وأحزابه حتّى وان بلغ عدد الأحزاب هذا الكم الهائل من العدد وإذا كنت أرى فيه اليوم عنصرا ايجابيا لأن كل الثورات أعقبها كم هائل من الأحزاب كالكاميرون واسبانيا وحتى البرتغال فان الثورة التونسية ككل الثورات السابقة ستستنفذ تشكيلاتها ولن يبقى في الأخير الاّ ثلاث أو أربع أقطاب فالأحزاب التي لن تجد حظوتها في انتخابات المجلس التأسيسي ستذوب في الكتل السياسية والإيديولوجية الكبرى وبالتالي ستنصهر في منظومة ايجابية..
سياسة بدون تجربة
وحول سؤال ما إذا كانت الأحزاب ملتزمة في الوقت الراهن بأبجديات العمل الحزبي ونواميسه المتعارف عليها من حيث التسويق الانتخابي والاهتمام بالشأن العام فقد شاهدنا كيف كانت الأزمة على تخومنا الجنوبية بدون أن يصدر أي تعليق أو بيان من طرف أحزابنا أفاد محدّثنا «بداية لا بدّ أن نشير إلى كون حق التحزّب وحق التنظّم لطالما هضم في تونس منذ أكثر من 50 سنة وكان هذا الحق غير مسموح به تقريبا وبالتالي عندما اندلعت الثورة وانتهت بهروب الطاغية ومورس حق تكوين الأحزاب فان مناضليها وشخصياتها لم يلتقوا عن تجربة فهذه الأحزاب كما شخصياتها لم تكن لها تجربة ميدانية ولم تحتك مباشرة بالجماهير ولم تدرب على التعامل مع القضايا العامة وبالتالي كانت فاقدة لابجديات هذا التعامل بكل تفاصيله.. وبعد الثورة عشنا ما يشبه مرحلة الجنينية السياسية وجعلت بالتالي هذه الأحزاب تتعاطى مع الشأن العام تعاطيا سلبيا. ومن المنطقي أن تتدرّج التجربة من مرحلة التعاطي الجنيني الى تعاطي الصبا والشباب والكهولة وهو التعاطي الناضج الذي يرتقي بالأحزاب الى مصاف الأحزاب الكبرى وعموما هذه الأحزاب اذ لم تهتم بالشأن العام وبالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فهي من الممكن أن تذوب وتتشتّت وتنحلّ وتصبح ليس لها مشروعية مجتمعية ومشروعية برامجتية.
اليسار تكتّل في مواجهة الاسلاميين..
وعن بروز التحالفات والجبهات التي يرى ملاحظون انها تقوم أساس على خلفيات ايديولوجية ومرجعيات فكرية دون البرامج والبدائل التي سيتمكّن المواطن من خلالها من ممارسة حقه الانتخابي..يقول زهير مخلوف «بعد 14 جانفي شلّ تحالف هيئة 18 اكتوبر الذي كان قائما منذ 2005 وتفتّت لاعتبارات سياسية واعتبارات ايديولوجية فقد وقع الطلاق بغير التراضي بين الديمقراطي التقدّمي والاسلاميين وحزب العمّال الشيوعي كذلك..ومع بداية اتضاح الرؤية شعر الطرف اليساري بصعود كتلة أو قطب سياسي هام الا وهو القطب الاسلامي الذي يعتقدون أنه سيأخذ مكانة الكتلة الحزبية القديمة ألا وهي التجمّع الدستوري الديمقراطي وهو ما جعل الطرف اليساري يعيد حساباته مع هذا الطرف الصاعد بصفة صاروخية وأراد تحجيمه لاعتلاء صهوة الثورة من خلال قيادته لحملة تشويهية لهذا القطب لتحجيم دوره غير أن هذه العملية لم تزد الطرف الاسلامي الاّ قوة وصلابة وأظهر قدرة كبيرة على الاحتشاد والتنظّم والتعاطف الجماهيري الكبير..وهنا لا بّد من الاشارة الى ان التكتّل الجبهوي اليساري كان بايعاز وتحريض من اليسار الفرنسي وزيارة فرانسوا هولاند الأخيرة تؤكّد ذلك..فقد اكتشف الفرنسيون أن الأمريكان بصدد سحب البساط من تحت أقدامهم وعليهم التحرّك بسرعة..أمّا بالنسبة للحزب الديمقراطي التقدّمي فانه بقي خارج التكتلاّت محاولا بدوره استقطاب الرأسمال السياسي والتجمعيين الشرفاء مع لعبه للعبة الوطنية ومحاولة تحشيد لعبة الوطنية.»
اليسار الفرنسي يراهن على جواد خاسر
وحول سؤال يتعلّق لماذا لم يدخل اليساري الراديكالي لهذا التحالف أكّد محدّثنا أن الخصومة الشخصية والتاريخية بين الزعامات اليسارية المعروفة كأحمد ابراهيم وحمة الهمامي ومحمّد الكيلاني هي التي حالت دون أن يجلس الخصوم الى طاولة الحوار والتحالف ..لكن أؤكّد أن اليسار الفرنسي يراهن في تونس على جواد خاسر..
ويبقى السؤال المهم اليوم وسط هذه الفوضى العشوائية الحزبية والتحالفية كيف يسع الناخب التونسي الاختيار والتصويت؟ وحول هذا السؤال يؤكّد محدّثنا أن الأحزاب اليوم دون برامج واشكاليتها تنظيمية تقوم على استقطاب الناخبين وليست اشكالية برامجية وحتى الطرف الاسلامي لم يقدّم برنامج اقتصادي واضح واكتفى باستلهام مشروعيته من المحنة..
وفيما يتعلّق بمصير التحالفات الحالية المعلنة والخفية أكّد محدّثنا أن هذه التحالفات مصيرها الفشل لأن القانون الانتخابي ستتكالب عليه الزعامات فكل واحد منها يريد الحضور في المجلس التأسيسي..وفي الختام أودّ أن أشير إلى كون الداعين للاستفتاء على الدستور والذين هم بعض اليساريين فان ذلك من قبيل الخوف من صعود الإسلاميين في انتخابات نزيهة وشفّافة وبالتالي طلب الاستفتاء ما هو إلا محاولة التفاف على المطالب الثورية..

العربي عزوز: التشنج والشحن الإيديولوجي قد يفيد بعض التنظيمات
ما ان سقطت الدكتاتورية حتّى استرجعت الايديولوجيا حقوقها ، بهذه الكلمات قد يكون الأستاذ العربي عزوز لخّص المشهد السياسي الراهن بنتناقظاته وتجاذباته حيث طغت الإيدولوجيا على البرامج والبدائل..»الأسبوعي اتصلت بالمحلّل الأستاذ العربي عزوزالذي استقرء واقع حياتنا السياسية من خلال ما يلي..
وحول امكانيات التوحّد في إطار التشرذم الحالي يقول الأستاذ العربي عزوز: «الوحدة ليست بالضرورة الإجماع أوالتوافق وإنما الاتفاق على مرتكزات أساسية بين عائلات فكرية متقاربة في الرؤى البعيدة تخص مفهومها للعالم وطبيعة المجتمع المزمع بناؤه، وتتعايش وجوبا مع عائلات أخرى لها رؤى مختلفة دون أن يؤدي ذلك إلى تصدع في بناء المجتمع الذي يتسع للجميع، فما الذي يمكن أن يوحد بين من يدعو إلى إقامة نظام اجتماعي ليبرالي أومجتمع شيوعي مساواتي أو مجتمع إسلامي لا ندري إلى اليوم ما هي ملامحه التونسية، مما يدفع الكثير منا إلى البحث عنها في مرجعيات الحركات الإسلامية المماثلة، فلا نكاد نعثر إلا على نماذج بائسة، قائمة على الاستبداد والفساد أو على الاستبداد والفقر. ودعك من النموذج التركي الذي يروج له هذه الأيام، إذ لا وجود له إلا في مخيلة أصحابه، فتركيا دولة لائكية بصريح دستورها، ولم يغير حزب العدالة والتنمية شيئا في هذا التوجه وليس بوسعه أن يفعل ذلك. والمرجع الروحي لتركيا الحديثة لا يزال كمال أتاتورك وليس سلاطين الدولة العثمانية. وتركيا دولة رأسمالية ليبرالية لعبت تاريخيا دورا أساسيا في محاصرة الفكرالاشتراكي الزاحف من الاتحاد السوفياتي، وهي تطمح لأن تكون سادس قوة رأسمالية عالمية، وهي عضو في حلف الناتو الذي تنصهر ضمن مخططاته العدوانية ضد المسلمين وغير المسلمين، ونحن في تونس لنا خبرة بالشركات التركية ، فهي لا تختلف في بحثها عن الربح الأقصى عن أية شركات رأسمالية وبالتالي فان المقارنة مع النموذج التركي لا تستقيم لأن مجرد الحديث عن اللائكية في تونس يثير حساسيات وردود أفعال متوترة من قبل الطرف الإسلامي.
اليات الشحن الايديولوجي
وفيما يخصّ مميزات الساحة السياسية اليوم يرى الأستاذ عزوز أن «هناك ميزات عامة للبلدان التي تحدث فيها ثورات تأتي على نظام الحكم الديكتاتوري القائم فيها، وهي الانفلات الأمني والاجتماعي الذي لا توجد هياكل منيعة للسيطرة علية ، وهناك أيضا غياب للعقلانية لفترة من الزمن، حيث تعوض الأحاسيس والمواقف العاطفية التصرفات الرشيدة . ولكن بمرورالزمن يعود الناس إلى رشدهم ويشعرون بحجم التدهورالذي تؤدي إليه المواقف المتشنجة ولن يتم ذلك إلا بالإسراع بتحقيق العدل السياسي فالعدل أساس العمران. وما دام هناك فئات وأفراد يشعرون بأن الثورة لم تنصفهم من ممارسات والسلب والنهب والقمع الوحشي الذي عانوا منه في عهد الديكتاتورية فان تلك الأحاسيس تظل متأججة في صدورهم، لذلك من الضروري الإسراع بوضع آليات للعدالة الانتقالية لإنصاف الناس وتمكينهم من استرداد حقوقهم ومحاسبة من ارتكبوا جرائم في حقهم ونهب ممتلكاتهم ، ولا بد أن يعترف مرتكبو الجرائم بأفعالهم ويعتذروا لضحاياهم ويقدموا لهم التعويضات اللازمة جراء ما لحقهم من ضررمادي ومعنوي، وبعد ذلك لابد من مصالحة وطنية شاملة تنهي صفحة الديكتاتورية وتفتح صفحة جديدة قائمة على الوفاق والتعايش.
الثقة بين المواطن والأحزاب..
الأحزاب ضرورية في الحياة الديمقراطية المتطورة، على أن مفهوم التنظيم الحزبي في تونس وفي الأنظمة الكليانية تآكل. بدأت مسألة الثقة بين الأحزاب والمواطن تطرح الكثير من الاستفهامات وعن ذلك يقول الأستاذ العربي عزوز: «الممارسات الديكتاتورية وما واكبها من فساد مالي وأخلاقي وتجنيد للناس لا على أساس الكفاءة والقدرات الفكرية والسياسية وإنما على أساس الولاءات للأشخاص، لذلك ترسخ في ألأذهان أن الأحزاب هي تكتلات مصلحية تستخدم للانقضاض على السلطة والاستدامة فيها، فضعفت ثقة الناس بها وأصبحت ترى فيها مجرد أداة للديكتاتورية والتسلط. ومن ناحية أخرى برزت مع ثورة تكنولوجيا الاتصال أدوات جديدة للتعبئة والتواصل ممثلة في الشبكات الاجتماعية التي وفرت للملايين من الناس إطارا مفتوحا وسلسا للنقاش وتبادل الآراء وللتعبئة لخدمة أهداف سياسية محددة، وقد شاهدناا الدورالذي لعبه الفيسبوك في المساهمة في تأطير الثورات العربية وإسقاط الأنظمة الديكتاتورية.»
الأحزاب لم تعلن بعد عن برامجها ..
وفيما يتعلّق بنظرة الأحزاب للناس يقول الأستاذ عزوز: «هل الأحزاب واعية بهذه التحديات؟ وهل هي ملمة الماما حقيقيا بنظرة الناس لها؟ وهل تهمها بالأساس مصالح الناس بمختلف فئاتهم . الأحزاب لم تعلن بعد عن برامجها التي لا بد أن تتضمن مقترحات عملية قابلة للتنفيذ، للتجاوب مع تلك الحاجيات. إذن؛ ما الذي يميز حزبا عن الآخروما الذي يجعل هذا الحزب أقرب إلى مشاغل الناس من الآخر ؟وعلى ماذا سيصوت الناس ؟ ولماذا يختارون هذا الحزب دون غيره؟ يبدو وكأن بعض الأحزاب غير مهتمة بهذه الاشكالية ولا تبدو منزعجة من حجم التحركات الاجتماعية الفالتة من عقالها والتي تنحو أحيانا منحى سلبيا، ولا نلاحظ أي تأثير للأحزاب على مجرياتها، فكأنما الأحزاب في واد والواقع الاجتماعي المتحرك في واد آخرأو كأن الشعبوية استأثرت بالنخب السياسية فجعلتها تبارك الانفلات الاجتماعي وتتودد لأصحابه..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.