لا يمكن تفسير هذا الصدى الكبير الذي وجدته ثورة مصر العظيمة ومثلها ثورة تونس، التي استلهمها شباب مصر، في النفوس العربية على امتداد الوطن العربي، إلا بوجود المشاعر القومية المتأججة التي تربط بين الجماهير العربية في مختلف أقطارها.. والحقيقة ان المشاعر القومية كانت دائما حيّة ينبض بها قلب الأمة. ويزخر التاريخ بأدلة وشواهد كثيرة على تفاعل تلك الجماهير تفاعلا عفويا قويا مع تلك القضايا التي كانت فلسطين دائما في مقدمتها. ولم يقف هذا التفاعل عند حدود التضامن المعنوي بل تجاوزه الى مختلف الأشكال العملية بما فيها الانخراط في القتال الى جانب الفلسطينيين. ولا يمكن تفسير ذهاب عدد كبير من المقاتلين العرب من مختلف الأقطار العربية الى العراق للدفاع عنه في مواجهة الغزو العسكري الأمريكي عام 2003 الا بقوة المشاعر القومية العربية التي تجسّد الإيمان بوحدة الانتماء كما بوحدة المصير. ولقد كانت محاربة هذا الشعور القومي العربي هدفا استراتيجيا من أهداف التحالف الأمبريالي الصهيوني. وشكل احتلال العراق محطة خطيرة في محاولة تحقيق هذا الهدف، فقد أريد منه تصفية الفكرة القومية العربية والقضاء على العروبة. ووفّر هذا الاحتلال المناخ الانهزامي الملائم لبروز بعض التيارات السياسية والثقافية والفكرية المعادية للعروبة، والتي كانت صدى للاحتلال الأمريكي بشكل خاص وللمشروع الامبريالي الصهيوني التفتيتي عموما.. وإذ ظن أعداء العروبة بمن فيهم ذيول الداخل من أنظمة الاستبداد والفساد والتبعية وجوقاتها الاعلامية والثقافية أن العروبة قد دخلت مرحلة الاحتضار جاءت ثورتا تونس ومصر لتقولا بصوت مزلزل إن المشاعر القومية العربية ليست مستمرة فقط ولكنها تدخل مرحلة تاريخية ستغيّر وجه الوطن العربي الى الأبد لأنها اليوم مشاعر شعبية ثورية لا ترضى بأقل من تحرير الانسان العربي تمهيدا لتحرير أرضه وتحقيق مشروعه القومي النهضوي.