وزارتا النقل والسياحة تتفقان على تكوين فريق عمل لايجاد حلول للاشكاليات التي تعيق فتح خطوط جوية جديدة    مهرجان الفستق بماجل بلعباس ..تثمين ل«الذهب الأخضر»    الفنانة أنغام تعود إلى منزلها بعد فترة علاج في ألمانيا    تاريخ الخيانات السياسية (57) .. .الخليفة الطائع من القصر إلى الحجر    رغم كثرة الغيابات في رحلة بنزرت ...الإفريقي يريد الانتصار ومصالحة الجمهور    في الطريق الرابطة بين جندوبة وفرنانة ... 3 وفيات و 6 جرحى في حادث تصادم بين «لواج» وسيارة عائلية    بعد سرقة السيارات وتفكيكها...شبكة إجرامية تعربد بين تونس والجزائر    الانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة دقاش حامة الجريد..المصادقة على رزنامة الدور الثاني    الأمم المتحدة تدين قصف إسرائيل لمجمع ناصر الطبي في غزة    عاجل: أريانة: مواطن يعتدي على أعوان ديوان التطهير خلال تدخل ميداني    الطقس غدًا: تقلبات في هذه الولايات وأمطار رعدية في الأفق    شبيبة القيروان - زين الدين كادا يعزز الصفوف    تركيا: وزير النقل يسابق الريح... والشرطة توقفه بغرامة    بورصة تونس: "توننداكس" يستهل معاملات الاسبوع على ارتفاع بنسبة 1ر0 بالمائة    معهد الصحافة وعلوم الإخبار ينعي الصحفي الفلسطيني أحمد أبو عزيز خرّيج المعهد    إطلاق أول مسابقة وطنية لفيلم الذكاء الاصطناعي    فتح جسر على مستوى الطريق الجهوية رقم 22 يربط مستشفى الحروق البليغة ببن عروس بمداخل المروج    عاجل/ دراسة تكشف عن مشكلة خفيّة في أجساد النساء خلّفها فيروس كورونا    للتسجيل الجامعي عن بعد: البريد التونسي يكشف عن آلية جديدة للدفع    عاجل/ نحو توزيع الكتب المدرسية على التلاميذ من أبناء العائلات المعوزة    عاجل/ من السعودية: تونس تدعو لتكثيف الجهود لوقف الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني    يأكل اللحم: تسجيل اول إصابة بالدودة الحلزونية في امريكا.. #خبر_عاجل    عاجل/ تسجيل تراجع في أسعار الذهب    بهاء الكافي: عودة قوية ب"الرد الطبيعي" بعد غياب    نقابات التعليم الأساسي والثانوي بتونس الكبرى تقرّ تعبئة هياكلها استعداداً لاحتجاج 28 أوت الجاري..    توريد كميات هامة من لحوم الضأن وهذا سعر بيعها للعموم.. #خبر_عاجل    قابس : برنامج ثقافي ثري للدورة السابعة لتظاهرة " أثر الفراشة "    ''كارثة صحية'' تهدد نصف سكان العالم!    من بينها تونس: 7 دول عربية تشملها فرص الأمطار الصيفية    اتحاد بن قردان يعزز صفوفه بلاعب الوسط وائل الصالحي    شكري حمودة يوضح: التنسيق مع المصانع المحلية والدولية يحمي المخزون ويواجه النقص الظرفي    كيفاش نحضر صغيري نفسيا لدخول المدرسة لأول مرة؟    بشرى سارة: تقنية جديدة لتصحيح النظر بدون ليزر.. ومدتها دقيقة واحدة..    افروبسكيت 2025 - انغولا تفوز على مالي 70-43 وتحرز اللقب القاري للمرة الثانية عشرة عي تاريخها    لقاء اعلامي للصحفيين المهتمين بالشأن الثقافي بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات    عدسات العالم تسلّط الضوء على الوعي الثقافي: المهرجان الدولي للفيديوهات التوعوية في دورته الخامسة    نتنياهو يحدد شروط الانسحاب من لبنان..    وزير الخارجية يلتقي عددا من التونسيين المقيمين بالسعودية    اصدار طابع بريدي حول موضوع الطائرات الورقية    الرابطة الأولى: برنامج مواجهات الجولة الرابعة ذهابا    أمل حمام سوسة يكشف عن خامس إنتداباته    الحماية المدنية: 113 تدخلاً لإطفاء حرائق خلال ال24 ساعة الماضية..    عاجل/ من بينهم 3 توفوا في نفس اليوم: جريمة قتل 5 أشقاء تبوح بأسرارها..والتحقيقات تفجر مفاجأة..!    الأبراج ليوم 25 أوت 2025: يوم تحت شعار الخيارات الحاسمة    كرة القدم العالمية : على أي القنوات يمكنك مشاهدة مباريات اليوم الإثنين ؟    اليوم: انطلاق بيع اشتراكات النقل المدرسية والجامعية    ارتفاع طفيف في الحرارة مع ظهور الشهيلي محلياً    العودة المدرسية 2025: كلفة تجهيز التلميذ الواحد تصل إلى 800 دينار!    ترامب يدعو إلى سحب تراخيص بعض القنوات التلفزيونية الأمريكية    سوسة: مهاجر إفريقي يُقتل طعناً بسكين على يد أصدقائه    متابعة: إعصار سيدي بوزيد يخلف أضرارا مادية دون إصابات بشرية    تاريخ الخيانات السياسية (56) .. أفتكين و بختيار وسطوة الترك    وفاة مفاجئة لفنان مصري.. سقط أثناء مشاركته بمباراة كرة قدم    هام/ كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية..    طبرقة تستعيد بريقها: عودة مهرجان "موسيقى العالم" بعد 20 سنة من الغياب    طقس اليوم: درجات الحرارة تصل إلى 41 درجة بتوزر    أولا وأخيرا .. هاجر النحل وتعفن العسل    موعدُ رصد هلال شهر ربيع الأوّل..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من نافذتي: أنا...أو لا أحد
نشر في الشروق يوم 26 - 02 - 2011

ظنّ كثير من أهل تونس الطيّبين أن قرار تجميد نشاط التجمّع الدستوري، وإغلاق مكاتبه، سينهي القضيّة مع هذا الحزب المتغوّل، وأنّ أثره الكبير في حياة كل تونسي قد دخل التاريخ بمجرّد تسليم مفاتيح عمارته إلى البوّاب. وهنا يخطىء الجاهلون بتاريخ هذا الحزب، الذي لا أظنّه سيلقي السلاح بسهولة، ولا أن دوره سينتهي بمجرّد تخلّيه عن مبناه الشامخ في شارع محمد الخامس، وعودة موظّفيه إلى مكاتبهم الإدارية الأصليّة، ومعهم السيارات والآلات المستعارة هي أيضا. لأنّ قوّة حزب الدّستور ليست في الأموال والمباني التي يملكها اليوم، وإنما في ثقافة نضالية وروح وطنيّة قاوم بها الاستعمار في أوائل عهده، أيام كان اسمه حين ظهوره الأوّل مرادفا للنّضاليّة والنّزاهة، وعلوّ الأخلاق، كما نرى ذلك في ملزومة للشاعر الشعبي عبد الرّحمان الكافي :
الدّستور موش تدجيل تقفيف كذب وتضليل
تعصيص وبرشة نقرطبل الحقّ ثابت في عقوده
ولكنّ الشواهد التاريخية أثبتت للأسف أنّ حزب الدّستور حوّل وجهة تلك الثقافة في ما بعد نحو حبّ التسلّط، وأبدل مشاعر البذل النّضالي لدى أتباعه إلى نرجسية أقنعتهم بأنهم أفضل من الجميع، وبأن البلاد لهم وحدهم، وأنّ الحقيقة ملكهم، وما على غيرهم إلاّ اتّباع ما به يشيرون. ألم يقل «الزعيم بورقيبة» يوما: «لم يكن شعب تونس قبلي سوى حفنة غبار». وفي نفس السّياق يقول أحد مؤرّخينا إنّ الحزب « نشر في المشهد السياسي المعاصر عددا من المفاهيم والممارسات والتصوّرات أسّست لانتشار ثقافة سياسية ذات منحى شمولي، يطغى عليه طابع المركزيّة والأحاديّة والدّولتيّة، وانبنت في جوهرها على مبدإ أوّليّة وعلويّة الفاعل السّياسيّ – مجسّدا كان في الجهاز الحزبي أو الدّولويّ، أو في كليهما معا – وأهليّته وحده دون غيره في صنع التاريخ وتحقيق الرغائب». (1)
كان انبعاث حزب الدّستور من مبدإ سام وشريف هو حبّ الوطن، ولكنه صار بعد تسعين عاما ناشرا للطّغيان، مستقطبا للمتكالبين على المصالح والمناصب. وما كان لأموره أن تتدهور إلى هذا الدّرك، ولا كان لقيمه أن تتفسّخ وتتحلّل، لولا ما أشاعه لدى أتباعه بأنه وحده، لا شريك له، محرّر البلاد، وباني الدولة، وحاميها، والحاكم بأمره فيها . فهوجمت بدافع من هذا المعتقد كل الأحزاب الأخرى، وصودرت التيّارات الفكرية والثقافية والعقديّة جميعا، إما بدعوى الحفاظ على الوحدة القوميّة، أو بدعوى كونها تحمل مبادىء هدّامة مستوردة.
وسنرى كيف أن حزب الدّستور بالموازاة مع مبادئه الوطنيّة التزم طريقة احتوائيّة انقلابيّة استحواذيّة إزاء كل من يعلن استقلاله عنه، فما إن تتحرّك دائرة بجواره إلاّ سلّط عليها عوامل الجذب والاحتواء، فإذا لم تخضع له تحرّك لإزاحتها أو إزالتها. وكانت البداية مع انشقاق جماعة «الديوان السياسي» عن «اللجنة التنفيذيّة»، والتفاف بورقيبة على الحزب القديم ساحبا معه العناصر الشّابّة، ومطلقا ضدّه حملة شتائم بكونه حزب صالونات و«غرانطة»، واستمرّت المواجهة بين الفريقين حتى انحلال اللجنة التنفيذية بموت أغلب أعضائها.
بنفس أسلوب الاحتواء تمّ التّعامل مع أحد مكوّنات المجتمع، وهم الطّلبة، وفي ذلك يقول مؤرّخنا السابق الذّكر: «لم يكن (الحزب الحرّ الدّستوري) متقبّلا لأيّ شكل من أشكال المنافسة السياسية، ولم يكن يقبل بقيام أيّ سلطة بديلة، أو حتّى مضادّة، وهذا بالأساس ما سيدفعه إلى محاصرة التنظيمات الطّلاّبيّة الزّيتونيّة، وما سيدفعه كذلك بعد الاستقلال إلى انتهاج نفس المنهج تقريبا في تعامله مع الاتّحاد العامّ لطلبة تونس، بالرّغم من أنّ قياديّي ومناضلي هذا الاتّحاد كانوا يقاسمونه في العموم نفس الرّؤى والمرجعيّات الثقافية والفكريّة، وحتّى السّياسيّة». (2)
ولمّا أعلن صالح بن يوسف أمين عام الحزب أن اتّفاقيات الاستقلال الدّاخلي «خطوة إلى الوراء» دخل مع رئيسه بورقيبة في صراع شديد أدّى إلى رفت بن يوسف من الحزب، فكوّن ما دعي بالأمانة العامّة. وبعد مؤتمر صفاقس (15-19 نوفمبر 1955) «بدأ العنف يسجّل حضوره على السّاحة، كما أخذ شبح الاغتيالات البشع يهدّد البلاد والعباد، وكلّ شقّ يبرّر ما يقع بالغيرة على الوطن والذّود عن حياضه» (3). واقتتل الفريقان بشراسة إلى حدّ فرار بن يوسف إلى ليبيا، ثم اغتياله في ما بعد بألمانيا. والتفّ الحزب على نفسه بعد تخلّصه من الأمانة العامّة، وانطلق من جديد، خفيفا من كلّ معارضة.
للحديث بقيّة
٭ بقلم: عبد الواحد براهم
٭ حسين رؤوف حمزة في تقديم لكتاب محمد ضيف الله: المدرج والكرسي: بحوث حول الطّلبة التونسيين بين الخمسينات والسبعينات، 2003، مكتبة علاء الدّين، صفاقس ص 9.
٭ المصدر نفسه، ص 11.
٭ الجيلاني بن الحاج يحيى، الزّعيم الكبير صالح بن يوسف حياته ونضاله، د.ن، تونس، 2008، ص29.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.