سايتو جون السفير الياباني الجديد يوجه هذه الرسالة بمناسبة وصوله إلى تونس    موزّعو قوارير الغاز المنزلي بالجملة يعلّقون نشاطهم يومي 12 و13 جانفي 2026    عاجل/ مصدر مأذون من رئاسة الجمهورية: سيتمّ اتّخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضدّ هؤلاء..    قفصة: حجز كميات من لحوم الدواجن في مخازن عشوائية قبل رأس السنة    وداعًا لأسطورة الكوميديا الأمريكية بات فين    رياضة : فخر الدين قلبي مدربا جديدا لجندوبة الرياضية    البطولة الوطنية المحترفة لكرة السلة: برنامج مباريات الجولة العاشرة    مدرب منتخب الكاميرون: "حققنا الفوز بفضل القوة الذهنية والانضباط التكتيكي"    عاجل: هذا ما تقرر في قضية المجمع الكيميائي التونسي..    الدورة العاشرة من المهرجان الدولي للابداع الثقافي من 26 الى 28 ديسمبر الجاري    مع Moulin d'Or : قصّ ولصّق وشارك...1000 كادو يستناك!    السجن لطالب بتهمة ترويج المخدرات بالوسط الجامعي..#خبر_عاجل    عاجل/ انتشال جثامين 14 شهيدا فلسطينيا من تحت الأنقاض في خان يونس..    كأس أمم إفريقيا: برنامج مقابلات يوم غد    صامويل تشوكويزي: كأس افريقيا يجب أن تحظى بنفس درجة إحترام كأس العالم    عاجل: عاصفة مطرية وثلوج تتجه نحو برشا دُول عربية    هذه أقوى عملة سنة 2025    كيفاش نقول للآخر ''هذا الّي قلّقني منّك'' من غير ما نتعاركوا    تحذير خطير للتوانسة : ''القفالة'' بلا ورقة المراقبة يتسببلك في شلل و نسيان    عاجل/ كأس أمم أفريقيا: الاعلان عن اجراء جديد يهم جميع المباريات..    الاتحاد الإنقليزي يتهم روميرو بسوء التصرف بعد طرده أمام ليفربول    سهرة رأس العام 2026.. تفاصيل حفل إليسا وتامر حسني في هذه الدولة    عاجل/ تركيا ترسل الصندوق الأسود لطائرة الحداد إلى دولة محايدة..    بداية من من غدوة في اللّيل.. تقلبات جوية وبرد شديد في تونس    عاجل: تقلبات جوية مرتقبة بداية من هذا التاريخ    ينشط بين رواد والسيجومي: محاصرة بارون ترويج المخدرات    نيجيريا: قتلى وجرحى في هجوم على مسجد    بداية من اليوم: تحويل حركة المرور في اتّجاه المروج والحمامات    صحفي قناة الحوار التونسي يوضح للمغاربة حقيقة تصريحاته السابقة    نانسي عجرم ووائل كفوري ونجوى كرم يحضروا سهرية رأس السنة    قرار لم يكن صدفة: لماذا اختار لوكا زيدان اللعب للجزائر؟    مصر.. دار الإفتاء تحسم الجدل حول حكم تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد    عاجل : اليوم نشر القائمة الاسمية لرخص'' التاكسي '' بأريانة بعد شهور انتظار    النوبة القلبية في الصباح: علامات تحذيرية لازم ما تتجاهلهاش    عاجل: توافد حالات على قسم الإنعاش بسبب ال GRIPPE    بعد حادثة ريهام عبد الغفور.. نقابة المهن التمثيلية تعلن الحرب على مستهدفي نجوم مصر    ويتكوف يكشف موعد المرحلة الثانية من اتفاق غزة    رئيس الجمهوريّة يؤكد على ضرورة المرور إلى السرعة القصوى في كافّة المجالات    ترامب مهاجما معارضيه في التهنئة: عيد ميلاد سعيد للجميع بما في ذلك حثالة اليسار    كوريا الشمالية تندد بدخول غواصة نووية أمريكية إلى كوريا الجنوبية    اليوم العالمي للغة العربية ... الاحتفاء بلغة الضاد ضرورة وطنية وقومية لحماية الهوية الثقافية    فوز المرشح المدعوم من ترامب بالانتخابات الرئاسية في هندوراس    تحت شعار «إهدي تونسي» 50 حرفيّا يؤثّثون أروقة معرض هدايا آخر السنة    نجاح عمليات الأولى من نوعها في تونس لجراحة الكُلى والبروستاتا بالروبوت    الليلة: الحرارة تترواح بين 4 و12 درجة    هيئة السلامة الصحية تحجز حوالي 21 طنا من المواد غير الآمنة وتغلق 8 محلات خلال حملات بمناسبة رأس السنة الميلادية    تونس 2026: خطوات عملية لتعزيز السيادة الطاقية مع الحفاظ على الأمان الاجتماعي    اتصالات تونس تطلق حملتها المؤسساتية الوطنية " تبرّع المشجعين"    الديوانة تكشف عن حصيلة المحجوز من المخدرات خلال شهري نوفمبر وديسمبر    القصور: انطلاق المهرجان الجهوي للحكواتي في دورته الثانية    تزامنا مع العطلة المدرسية: سلسلة من الفعاليات الثقافية والعروض المسرحية بعدد من القاعات    عاجل/ بعد وصول سلالة جديدة من "القريب" إلى تونس: خبير فيروسات يحذر التونسيين وينبه..    حليب تونس يرجع: ألبان سيدي بوعلي تعود للنشاط قريبًا!    تونس: حين تحدّد الدولة سعر زيت الزيتون وتضحّي بالفلاحين    صفاقس: تركيز محطة لشحن السيارات الكهربائية بالمعهد العالي للتصرف الصناعي    مع بداية العام الجديد.. 6عادات يومية بسيطة تجعلك أكثر نجاحا    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عبد اللّطيف الحناشي (أستاذ التاريخ المعاصر والآنيّ): دور «التجمّع» انتهى منذ مؤتمر المثابرة (أوت 1993) وأصبح جزءا من الدولة الأمنية
نشر في الشروق يوم 02 - 10 - 2011

لماذا أصرّ الشعب التونسي على كتابة شهادة وفاة حزب حكم البلاد من 1956 إلى سنة 2011 بخطّ يده يوم 14 جانفي 2011 ؟ وكيف انهار هذا الحزب في لحظة سقوط مدوّية.
يشرح الدكتور عبد اللطيف الحناشي أستاذ التاريخ المعاصر والآنيّ بكلية الآداب والفنون والإنسانيات جامعة منوبة الأسباب التاريخية والسياسية التي أسقطت الحزب الحاكم في دائرة الصراعات والدكتاتورية المقيتة التي حوّلته إلى ما يشبه الدولة الأمنية الضّاربة في أعماق المجتمع التونسي...بل تغوّل إلى حدّ التداخل مع الدولة وأصبح ذراعا لها.
كيف تاسس الحزب الدستوري؟وما هي اهم ملامح البرنامج الذي صاغه؟
يعتبر الحزب الحرّ الدستوري التونسي من أقدم الأحزاب الوطنية التي برزت في العالم العربي، وهو إلى جانب قيادته للحركة الوطنية التي حرّرت البلاد من الاستعمار الفرنسي (1881-1956) يعتبر ايضا أول حزب في العالم العربي الذي مكث في السلطة لمدة 55 سنة ..ومنذ تأسيسه حتى حلّه عن طريق القضاء التونسي بعد الثورة عرف هذا الحزب الكثير من التحولات مست بنيته واختياراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية. كما عرف العديد من الانشقاقات وقام بتغيير اسمه في العديد من المحطات سواء في مرحلة التحرر الوطني او بعد الاستقلال. تأسس الحزب بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى في اجتماع ضمّ عدد من افراد «حركة الشباب التونسي» ربيع سنة 1919 و ذلك للبحث عن اطار يجمعهم وبرنامج يلبي تطلعات الشعب التونسي في تلك المرحلة. فتمّ الاتفاق على تاسيس حزب وطني اطلق عليه في البداية اسم «الحزب الحرّ التونسي» ثمّ و باشارة من الشيخ عبد العزيز الثعالبي(الذي كان مُبعدا) في باريس اضيف للاسم صفة الدستوري نسبة الى الدستور التونسي الذي صدر سنة 1861 وكان الهدف من ذلك، ابراز تعلّق التونيسيين بالدستور بما يتضمن ذلك من أبعاد سياسية و خاصة اعطاء الشرعية التاريخية لحزبهم ولنضالهم..ومنذ ربيع سنة 1920(التاريخ الفعلي لتاسيس الحزب) اصبح اسمه «الحزب الحرّ الدستوري التونسي» و توسع شاطه ليشمل مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية ..أكد برنامج الحزب في صيغته الاولى على ضرورة تأسيس مجلس يتكون من أعضاء تونسيين وفرنسيين منتخبين بالاقتراع العام و يتمتع بالسيادة الكاملة في وضع برنامج أعماله وله اختصاصات واسعة فيما يخص الميزانية ومن مهامه ايضا و تأسيس حكومة مسؤولة أمام هذا المجلس كما طالب الحزب في برنامجه بالفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية و بتنظيم بلديات منتخبة بالاقتراع العام في جميع أنحاء المملكة و بحرية الصحافة والاجتماع و تأسيس الجمعيات و بإجبارية التعليم... كما تميّز نظامه الداخلي باعتماده المبادئ الديمقراطية في التسيير، بغض النظر عن الممارسة التي لم تكن كذلك بالضرورة. وكان الحزب بذلك وطنيا وديمقراطيا سعى إلى تأطير التونسيين في صفوفه بغض النظر عن ديانتهم(يهود ومسلمين) اذ ترك الحزب للنخبة اليهودية عدة مناصب في قيادة الحزب(اللجنة التنفيذية 3 مناصب، واللجنة التشريعية منصبين واللجنة المالية منصب واحد) كما خصصت قيادة الحزب التوراة للاعضاء من الاقلية اليهودية حتى يتسنى لهم أداء قسم اليمين ولكن،ورغم ذلك لم يلتحق احد من هؤلاء بالحزب .كما ضمّ الحزب عناصر غير تونسية وخاصة من الجزائريين. ..كما توخى الحزب اسلوب المطلبية في نضاله ونبذ العنف تجاه إدارة الحماية و أجهزتها المختلفة ورغم كل ذلك لم تعترف ادارة الحماية بوجوده القانوني...
كيف بدأ الصراع داخلى الحزب الحرّ الدستوري بين بورقيبة والثعالبي ثم بين بورقيبة وصالح بن يوسف وما هي أسبابه؟
بداية لا بد من الاشارة إلى ان الحزب الحرّ الدستوري قد عرف بعد تاسيسه عدة انشقاقات في صفوفه،قبل انضمام الحبيب بورقيبة اليه. اذ خرج عنه حسن القلاتي واسس الحزب الإصلاحي(1921) ثم خرج فرحات بن عياد واسس الحزب الحر المستقل (1922) غير ان تلك الانشقاقات لم تؤثر في حجم الحزب ولا في قاعدته الاجتماعية او توجهاته السياسية مقارنة بالانشقاق الذي قاده الحبيب بورقيبة وجماعة العمل التونسي. انضم الحبيب بورقيبة للحزب في 12 ماي 1933 وقدم استقالته 9 سبتمبر 1933 أي أن بقاءه لم يستمر أكثر من 4 أشهر ورغم ان اغلب المؤرخين يرون ان اسباب انشقاق بورقيبة عن الحزب هي ذات طبيعة موضوعية كاختلاف المرجعيات الثقافية والانتماءات الاجتماعية و التباين في اعتماد طرق العمل بين الاعضاء المؤسسين وجماعة العمل التونسي برئاسة الحبيب بورقيبه. غير ان هؤلاء لايهتمون بعوامل اخرى نرى انها اساسية منها العوامل الذاتية، خاصة اذا تعلّق الامر بشخصية مثل شخصية الحبيب بورقيبة الذي عُرف بنرجسيته المطلقة...لا شك أن وحدة الحزب على مستوى القيادة كانت هشة بطبيعتها، وذلك نتيجة اختلاف التكوين الثقافي والانتماء الاجتماعي وقد لعب عنصر عدم الثقة بين العناصر القديمة والجديدة دورا متميزا في تصعيد الخلاف..غير ان ما يجب الاشارة اليه وفحصه بدقة هو مدى قناعة بورقيبة بالممارسة الديمقراطية. و السؤال ايضا عن اسباب انفصال بورقيبة بسرعة ؟وكيف اطلق وردد تهما جاهزة ضد القيادة كتهمة «الاستبداد بالرأي» و»سوء التصرف المالي» و»التزلف للحكومة»، وهي ممارسات كانت معلومة لديه ، حتى قبل انتمائه لذلك يجب السؤال عن الاسباب التي دفعت ببورقيبة للانضمام للحزب؟ولماذا لم يؤسس حزبا مستقلا منذ البداية؟ وهل أن مدة أربعة أشهر بيّنت له عدم إمكانية تغيير الحزب من الداخل كما كان يريد؟ مما دفعه لعقد مؤتمر استثنائي للحزب يوم2 مارس1934 بقصر هلال والتركيز في لوائحه على التنديد بزعامة الحزب، التي وصفها ب«العجز عن الدفاع عن مطالب الشعب»، في حين كان يؤكد على ضرورة «وحدة القيادة كضمان لوحدة الحزب والجماهير». ؟ وهو الحزب الذي وصفه، قبيل الانشقاق بايام بأنه «عظيم بما لديه من نظام عتيد يجمع النزاعات الوطنية التونسية ويوحّدها «. و كيف يفرّط مثقف من طراز رفيع وصاحب «تجربة سياسية متميزة» في موقعه التنظيمي المتقدم داخل الحزب، فهل كان بورقيبة يبحث،بانتماءه للحزب عن امتلاك شرعية معينة للعبور إلى مواقع ثانية؟ ومهما يكن من أمر فقد حصل الانشقاق مع الاحتفاظ بالاسم القديم للحزب والاعتماد أيضا على نفس البرنامج وإطلاق اسم «الديوان السياسي» على قيادة الحزب العليا.وخاض هذا الحزب بقيادة بورقيبة نضالات وطنية عديدة اتخذت عدة اشكال...ونال جراء ذلك عقوبات بالسجن تارة والابعاد تارة اخرى..غير ان الحزب ،الديوان السياسي،عرف بدوره عدة تصدّعات فبعد مرور نحو ثلاث سنوات من تأسيسه استقال رئيس الحزب،محمود الماطري ثم أحد أبرز مؤسسيه وهو الطاهر صفر. ورغم أن أسباب الاستقالة تعود إلى إختلافات في وجهات نظر هؤلاء مع بورقيبة حول بعض الممارسات النضالية فان عوامل أخرى ساعدت في تأجيجها وتطويرها ومنها طريقة التسيير غير الديمقراطي داخل الحزب وخاصة طريقة اتخاذ القرار.إذ كان بورقيبة يتخذ القرارات،عادة، دون استشارة رفاقه حتى بالنسبة إلى القرارات المصيرية وكان يُعيّن قادة الحزب الجدد مثلا دون استشارة بقية الأعضاء، مردّدا «ملزومته» الشهيرة» توسّمت في فلان الخير». وتواصل هذا السلوك طيلة الفترة الاستعمارية، بل حتى بعد الاستقلال. فبحجة الظروف الاستثنائية التي كانت تعيشها البلاد والحزب كان بورقيبة يختار قيادة الحزب من صفوف الطلبة الذين انهوا دراستهم في فرنسا دون الرجوع إلى القيادة. وبالنتيجة لم يستمر مع بورقيبة في قيادة الحزب من العناصر المؤسسة ، بعد أقل من 5 سنوات من التأسيس، أيِِّ من المؤسسين.كما عمل بورقيبة بكل الطرق لعرقلة محاولة الثعالي توحيد الحزب بعد عودته من منفاه السري سنة 1937. اما بخصوص صالح بن يوسف فان الامر يختلف عن بقية الانشقاقات،لقد كان بن يوسف شديد الاخلاص لبورقيبة منذ ان عاد من باريس وانضم الى الديوان السياسي...غير انه ومنذ الاربعينيات ونتيجة لغياب بورقيبة، منفيا او مبعدا او متجولا من اجل نشر القضية الوطنية، ازداد نفوذ بن يوسف في الحزب منذ اوسط الاربعينيات. وحتى بعد رجوع بورقيبة تمكن بن يوسف من اكتساب شعبية واسعة و ايجاد مواقع عديدة له في الساحة الوطنية كما طور علاقاته بعدة جهات في الداخل(القصر والمنظمات الوطنية) غير انه كان وفيا لبورقيبة في كل المراحل..أما عن الخلاف،الذي تطور بينهما الى اختلاف بل الى صراع دموي (كانت فرنسا طرفا فيه) فكان ذو طبيعة سياسية بخلفية فكرية ودار اساسا حول الاستقلال الداخلي الذي قبل به بورقيبة ولم يعترف به صالح بن يوسف.اعتبره الاول خطوة الى الاستقلال التام في حين اعتبره الثاني خطوة الى الوراء.. ويظهر ان قناعات صالح بن يوسف السياسية والفكرية قد تغيرت بتاثير عدة عوامل خاصة وجوده خارج البلاد(نفي قسري) وتحديدا في القاهرة التي كانت تعيش تحولات سياسية عميقة بعد ثورة عبد الناصر و احتكاكه بالعديد من قوى الثورة العالمية سواء في القاهرة او في الخارج ثم تفاعله مع قيادات الثورة الجزائرية وحضوره اشغال مؤتمر عدم الانحياز الاول في باندونغ سنة 1955 ولقائه بعدة شخصيات تحررية هناك لذلك رفض ما اقدم عليه بورقيبة كما اعتبر حصول تونس لاستقلالها هي خيانة للثورة الجزائرية ومؤامرة عليها بهدف الاستفراد بها..كما كان ينادى بتحرير كامل المغرب العربي عكس بورقيبة
هل تعتبر أن بورقيبة أفرغ الحزب من مضمونه ومناضليه الحقيقيين وطوّعه ليكون أداة طيّعة لتثبيت نظامه السياسي القائم على الانفرادية في الحكم وخنق المعارضات السياسية وضرب خصومه السياسيين خاصة في السبعينات والثمانينات؟
المسالة ابعد من ذك في تقديري،بعد الاستقلال اخذ الحزب وبالتالحف مع الاتحاد العام التونسي للشغل في بناء الدولة الوطنية وتحققت انجازات عديدة وهامة في جميع مجالات الحياة..كان بورقيبة محور الحياة السياسية التونسية ومحور الحزب الحر الدستوري التونسي. كان يستانس براي بعض الشخصيات ويمنح لهم هامشا من حرية التصور و الانجاز والحركة خاصة اذا كانوا اصحاب مشاريع ورؤى لكن اذا شعر بان ذلك يتجاوز شخصه او تطلّعاته السياسية فلن يتردد في القضاء عليهم خالقا جميع المبررات التي لا تستند بالضرورة الى قرائن ومعطيات ثابتة و هذا ما وقع مع البشير بن يحمد في الاعلام ومع المصمودي وثم مع احمد بن صالح.... وقد تدعّم الاتجاه اللاديمقراطي للحزب منذ مؤتمر بنزرت 1964 بعد اتخاذه اسم «الحزب الاستراكي الدستوري». والواقع ان بورقيبة لم يكن ديمقراطيا في أي لحظة من لحظات حياته لا داخل الحزب ولا خارجه اذ كان في المؤتمرات يشرف على كل شيء،عبر مدير الحزب،ويعين من يريد تماما مثلما كان يفعل ابان فترة التحرر الوطني..المشكلة ان الدستوريين كانوا يتلوّنون كما يتلون بورقيبة او يتجهون كما يتجه وكان همهم البقاء في السلطة فلا تنسى ان الحزب كان يمثل ذراع الدولة، والدولة بدورها كانت «خاضعة» للحزب وكان هذا الاخير بالاضافة،الى اتحاد الطلبة، الجهازان الاساسيان اللّذان يسمحان بوصول الافراد للمسؤوليات العليا في الدولة . اما عن المعارضة»الليبيرالية»التي برزت داخل الحزب فكانت تمثل وجهة نظر او تصورا متطورا يقطع مع «الحزب القائد» وتسعى الى اشاعة الديمقراطية داخل الحزب،غير ان الاغلبية المطلقة داخل الحزب كانت وفية لبورقيبة . كما يجب ان نلاحظ ان هذه المعارضة قد برزت في الوقت الذي اخذت فيه قدرات بورقيبة في الحكم بالتراجع نتيجة المرض اساسا وعوامل اخرى(مسالة الخلافة التي طرحت مبكرا أي منذ مرضه الاول).في اعتقادي،وهذا ما بينته في بحث مستقل، ان بورقيبة لم يكن ديمقراطيا و كان يحثّ الشعب التونسي الإقلاع عن المطالبة بالديمقراطية اذ حذّر مرار الشعب منها قائلا «:..ومن الخير لكم أن تحذروا بريق الديمقراطية المزيفة التي من شأنها أن تؤول إلى بثّ الفوضى، وخلق أسباب التنافر والتطاحن بين المواطنين ممّا قد يعيدنا إلى الوضع الذي كنّا فيه والذي قضى علينا بالوقوع في قبضة الاستعمار بينما نحن نصبو إلى الحرية ونودّ أن يكون كلّ إنسان مسؤولا وأن يرفع صوته ويبدي رأيه..» (الخطب .ج 24، ص 234، خطاب مؤرخ في مؤرخ في 17-12-1967).
هل كانت للحزب إيديولوجيا وتوجّه فكري أيام بورقيبة أم كان مجرّد آلة لتكريس الحكم والتعبئة؟
لا يوجد حزب دون ان يستند الى ايديولوجيا او منظومة فكرية وكان الحزب الدستوري في العمق حزبا ليبيراليا يمارس سياسة براغماتية حسب الظروف سواء في الداخل او في الحارج،لكنه كان حزبا غير ديمقراطي، كما تقتضي النظرية الليبيرالية في الحكم ذلك. كما دعا الى اشتراكية اطلق عليها الاشتراكية الدستورية وهي في الواقع راسمالية الدولة...وبالاضافة الى ذلك ومع ذلك كان حزب الدولة بامتياز.
كيف ومتى تمّ الانحراف بالحزب أو تحريف مبادئه في عهد بورقيبة ومن كان وراء هذا الانحراف وماهي نتائجه على الوضع السياسي العام بالبلاد؟
أعتقد ان الحزب الدستوري اخذ يترنّح منذ محاكمة احمد بن صالح وجماعته ثم تضاعف الامر بعد بروز جماعة المستيري وبعد ان تم الاعلان هن رئاسة بورقيبة للحزب والدولة مدى الحياة(1975) دخل الحزب عمليا في طور الموت البطئ..واعتقد ان شخصية بورقيبة وتشبثه بالحكم كانا وراء كل المصائب التي عرفتها البلاد...وانا لا اوافق على مصطلح»الانحراف»الذي تتحدث عنه. لقد ولد الحزب من اجل مهمة اساسية وهي تحرير البلاد ثم اضطلع بمهمة البناء لكن دون فتح المجال للقوى الوطنية الاخرى للقيام بهذا الدور وكان ذلك مباشرة بعد القضاء على الحركة اليوسفية بكل عنف ثم منع الحزب الشيوعي سنة 1963 ثم قمع المعارضة الماركسية والقومية منذ اواخر الستينيات و بداية السبعينيات لينتهي بضرب حركة الاتجاه الاسلامي...لم يكن هناك انحراف داخل الحزب بل كانت تلك طبيعته اذ مارس نوعا من الآَبويّة على المجتمع التونسي على خلفية الشرعية التي اكتسبها زمن النضال ضدّ الاستعمار...واستمر يجكم بها الى ان تمّ حلّه بعد الثورة
كيف تحوّل الحزب في عهد بن علي إلى مجرد آلة للتعبئة الانتخابية وكيف تمّ تطويعه ليصبح أداة لقمع المعارضة السياسية وسلطة تكاد تضاهي سلطة الدولة بل متداخلا معها حتى لم يعد ممكنا الفصل بين الحزب والدولة؟
ككل حزب، يقود الدولة في اطار غير ديمقراطي يمارس هذا الدور بالضرورة وبامتياز..تغير اسم الحزب سنة 1988 الى تجمع دستوري و تجددت دماءه على مستوى الاطارات الوسطى والعليا ولكن ظلت اغلب الاطارات القديمة تعمل في داخل الحزب والدولة. هناك رموز تم ابعادها واخرى اقتنعت بضرورة الابتعاد...الحزب كان ومنذ «صباط الظلام»اداة في يد الدولة لقمع المعارضين ولم يتخلى عن مهمته تلك بل ان دوره تراخى كاداة قمع نسبيا بعد تاسيس الدولة الامنية. لقد هُمّش دوره الامني الا عند الضرورة. اما وجود اطارات امنية وعسكرية من المتقاعدين في ادارة الحزب فكان دورها لتهميش الحزب ولا تنسى كيف كانت الانتخابات تجري داخل الحزب على مستوى اختيار القيادات(الديوان السياسي واللجنة المركزية والشعب).لقد اصبح دور الحزب الاساسي هو الخروج للتصفيق للرئيس المخلوع في مناسبات معينة وكان العنصر الحزبي الاكثر ارتباطا بالجهاز الامني هو الاكثر حظا في المناصب والامتيازا...بالنهاية لقد انتهى دور الحزب منذ مؤتمر المثابرة (28 جويلية– 1 أوت 1993)واصبح جزءا من الدولة الامنية ومختلف اجهزتها..ولذلك انهار الحزب بسرعة وهو امر طبيعي جدا اذ ان اغلب المنتمين اليه لم يكونوا على قناعة بتفكيره ولا بسلوكه السياسي...يذكرني هذا الامر عند عزل بورقيبة وكيف صمت المخلصون له اما خوفا او طمعا والاغلبية ادراكا منهم بان مصالحهم ستتواصل مع وجود «النظام الجديد»، وهل سمعت ان دستوريا بورقيبيا ناضل ضد سياسة المخلوع او قد سُجن من اجل افكاره او توجهاته السياسية؟و حتى القلة القليلة من المسؤولين الذين تركوا،هربا البلاد من البطش سريعا ما تصالحوا مع الدولة الامنية .....الا القلة القلية التي لا يتجاوز عددها اصابع اليد الواحدة
كيف ترى الفسيفساء الحزبية التي تأسست على أنقاض الحركة الدستورية؟
أعتقد ان الاحزاب الدستورية في البلاد التي يزيد عددها، حسب بعض الملاحظين عن ثلاثين حزبا او اكثر، لا مستقبل لها سواء منها التجمعية او التي تدّعي البورقيبية.بل ان وجودها بهذا الحجم العددي لا معنى له. ثم أن حزب الدستور في حدّ ذاته قد تجاوزته الاحداث ولم يعُدْ يلبي تطلّعات الشعب التونسي.لقد ساهم الحزب الدستوري مساهمة نوعية في معركة التحرر الوطني واكتسب بذلك شرعية تاريخية ونضالية وقام بقيادة عملية بناء الدولة، مع الاتحاد العام التونسي للشغل..وخلال مسيرته تلك ارتكب اخطاء جسيمة لا تُغْتَفَرُ تجاه الشعب التونسي. كما يمكن اعتبار مرحلة ما بعد بورقيبة مرحلة او نسخة «متطورة» وان شئت «مُشوّهة لنظام بورقيبة.لقد حاول النظام الامني الذي اسسه من خلف بورقيبة ان يضحك على ذقون التونسيين باقامة نوع من الديمقراطية المغشوشة واعتماد اسلوب التحيّل والتحايل على الشعب ولكنه في الاخير فشل. بطبيعة الحال لا يمكن ان نقارن بين بورقيبة و الرئيس الهارب كما لا يمكن ان نقارن بين وزراء بورقيبة ووزراء الرئيس الهارب ولكن بالنهاية كان بورقيبة حاكما غير ديمقراطي مستبدا قد يكون اقل استبدادا ولكن اذا اخضعنا كلا التجربتين لتطور المجتمع التونسي الثقافي والذهني والمعرفي بالاضافة الى التطور التكنولوجي السمعي والبصري، فاننا سنحصل على نفس النتيجة.والسؤال هنا ماذا ستقدم الاحزاب الدستورية للشعب التونسي ما بعد الثورة افضل مما قدمه بورقيبة ومن خلفه؟ اعتقد لا شيء. فهناك عشرات الاحزاب التي ترقع نفس الشعارات كالوسطية والحداثة والتقدم والدفاع عن حقوق المراة وهي شعارات او قيم تحولت الى قاسم مشترك بين اغلب التونيسيين ولا يمكن لاحد ان يحتكرها فهي «تراث»او مكاسب مشتركة...ان المطلوب من الدستوريين اليوم ان يراجعوا بمنهجية صارمة تاريخ الحزب الدستوري في مختلف مراحله وبالتاكيد انهم سيصلون الى نتائج مهمة لعل من اهمها ان حزب الدستور قد انتهت مهمته. وان تونس دخلت مرحلة جديدة تختلف جذريا عن كل المراحل السابقة وعليهم الاقتناع بان وجود الحزب كان مرتهنا بالتصاقه بالدولة وان الناس كانت تنضم الى الحزب من اجل «الجاه» ومن اجل تحقيق مصالح خاصة واقصد هنا تحديدا النخب المثقفة والاقتصادية تحديدا.اما الان فقد دخلت البلاد مرحلة التعددية و الحرية والديمقراطية والشفافية وانتهى امر وظيفة حزب الدولة...
لا شكّ ان التاريخ سيظل يذكر بورقيبة، والرجال الذين عملوا معه، بخير دون شك ولكن التاريخ لن يغفر لبورقيبة اخطاءه و خاصة اخطاء الرئيس الهارب ومن معه من الدستوريين وهي التي تصل الى مستوى الجرائم ضد الانسانية...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.