شهدت مدينة بن قردان.. صباح الأحد 27 فيفري وضعا صعبا إثر توافد آلاف المتدفقين من مختلف الجنسيات الوافدين من القطر الليبي هروبا من الوضع الصعب والمأساوي الذي تعرفه البلاد، الأهالي ولجان شعبية تشكّلت للحدث لتضرب المدينة وأهلها موعدا مع التاريخ، عبر ما تقوم به من عمل جبّار، لاستقبال وإيواء أفراد الوفود وتمكينهم من مستلزمات الاقامة المؤقتة في انتظار ترحيلهم الى بلدانهم في ظروف آمنة. دور الثقافة والشباب والمعاهد الثانوية وكل الفضاءات المتاحة تمّ تسخيرها كليا لاستيعاب ما يصعب استيعابه، أطفال ونساء وكهول، تدفقوا على النقطة الحدودية برأس جدير وبن قردان لتغصّ بهم الشوارع والأنهج والزوايا في ظروف نفسية صعبة للغاية، وقد كان للمبادرات الخاصة من مختلف جهات البلاد التي تحولت بتلقائية الى أقصى الجنوب التونسي كان لها دور في تخفيف العبء على بن قردان التي احتضنتهم بحبّ وتآزر ورحابة صدر رغم صعوبة الظرف المبادرات كانت في شكل مساعدات جاءت من عديد الجهات من قابس وصفاقس والمنستير والمهدية وسيدي بوزيد.. رحلات منظمة حمل أصحابها الأغذية والأدوية والأغطية في حركة نبيلة تنمّ عن تعاطف وتضامن كبيرين . «الشروق» كانت على عين المكان لتنقل الوضع بين جموع غفيرة من الجالية المصرية قيل أنها بلغت 12 ألف على مدى أربعة أيام عاينا منها حوالي ثلاثة آلاف صباح الأحد توزعت على مختلف الفضاءات في حين تمّ نقل البقية بوسائل نقل متطوعة الى مدنين وجربة وجرجيس.. كان المشهد مزيجا من الخوف والدهشة والعطف.. مشاعر مختلفة تنتابك وأنت ترى مجموعات من العزّل يتراصون جلوسا ووقوفا بحثا عن دفء مفقود في ليالي الشتاء الباردة.. بلا أمتعة عدا بعض الأغراض خفيفة الوزن، وقد أخذ التعب والارهاق من أغلبهم بعد ساعات الليل والنهار الطويلة.. بلا نوم، وكان لغياب وسائل اتصال بالأهل والأحباب الأثر الشديد بعد أن تمّ سلب هواتفهم الجوالة عنوة من السلطات الليبية حسب ما أفادوا به قبل دخول التراب التونسي. اللقاء الأول جمعنا بأعضاء لجنة حماية الثورة وبعض المتطوعين الآخرين الذين تجنّدوا لأيام وليال لأداء الواجب مثلما أفاد السيد عبد الستار حامد الذي يقول: «نحن مرابطون هنا لتأمين استقبال إخواننا المصريين وإيوائهم والاحاطة بهم، بن قردان لم تعد بإمكانها في قادم الأيام احتواء الأزمة في غياب تظافر جهود الجميع من مختلف الجهات وأتوجّه بجزيل الشكر للذين هبّوا بتلقائية للمساهمة والتبرّع بالمال والمواد لمساعدتنا على تجاوز النقائص الحادة في عديد الأشياء الضرورية». الجولة قادتنا الى دار الثقافة والمكتبة العمومية وساحاتها الشاسعة التي غصّت بآلاف المصريين بحراسة الجيش الوطني فكان اللقاء مع شعبان شاب مصري من الفيوم كان يستعد صحبة جمع من رفاقه لامتطاء الحافلة في اتجاه جربة ليتمكن من العودة الى مصر جوّا عبر جزيرة جربة.. تحدث الى «الشروق» بتلقائية وكان يضع علم تونس على زنده مثلما فعل المئات مثله في حركة أراد من خلالها أن يعبّر عن شكره لما لاقاه من رعاية وعناية من أهالي بن قردان وكافة الشعب التونسي.. شعبان يقول: «أنا مزارع بمنطقة الجبل الغربي، جئت فارا من الوضع الصعب بالجهة الشرقية للتراب الليبي، فكانت تونس ملاذي الوحيد لتفادي «ضرب النّار» كما عبّر عن ذلك باللهجة المصرية، كان يبتسم بصعوبة من فرط ما انتابه من إرهاق وخوف ثم أضاف «المشاهد التي رأيتها في ليبيا بالشوارع والساحات لا تزال عالقة في ذهني ولا أصدق كيف نجوت من الموت المحقّق.. محمد السيد أصيل القاهرة كان قادما من منطقة الزاوية حاملا محفظة يدوية.. هي كل ما جلبه معه بعد مدة تفوق السنة قضاها هناك يمتهن الحلاقة.. يقول: «لقد تمّ إيصالي الى الحدود الليبية التونسية بطريقة عجيبة، من طرف صديق ليبي يعمل بالجيش أمّن وصولي خوفا من مخاطر الطريق.. لم أحمل معي شيئا ولا أملك ما يوفر لي الأكل والشرب لولا أهالي بن قردان فشكرا لهم.. وشكرا لتونس.. قبل مغادرة المكان عاد أحد أعضاء لجنة الاستقبال وطلب منا بإلحاح أن نوجّه نداء الى المنظمات الأممية لتتدخل فورا من أجل إزالة المخاوف من انتشار بعض الأمراض والأوبئة، وكان محدثنا يضع واقيا على أنفه وفمه ومثله فعل الكثيرون مما توفرت لهم هذه الواقيات.. بأحد شوارع المدينة كانت سيارة ليبية راسية وبداخلها شيخ وابنه وزوجته اقتربنا منه وقبل السؤال بادرنا الشيخ قائلا: «نحن قادمون من طرابلس من أجل التداوي بصفاقس والوضع تركناه الآن مستقرا ولا يبعث على القلق؟! الأحداث هناك لم تدم أكثر من ساعات.. فالاعلام هوّل الأمور، وليبيا ستشهد استقرارا في قادم الأيام»؟! الشيخ عمران البالغ من العمر 48 سنة أقسم بأن ما يقال عن قصف الطائرات بمصراطة وبعض المدن الأخرى لم يحدث إطلاقا وكان ساعة الاعلان عن ذلك موجودا بمصراطة غير أن الاضطرابات عمّت مختلف الجهات وخلّفت ضحايا لا يبلغ عددها ما قد تمّ الاعلان عنه!؟ حالة ولادة لامرأة مصرية من بين الحالات الصحية المستعصية التي عرفتها مدينة بن قردان حالة ولادة لامرأة مصرية تمّ نقلها على جناح السرعة الى المستشفى المحلي ببن قردان وقد أنجبت في ظروف طبيعية رغم صعوبة الظرف واكتظاظ المستشفى.. المولود كان من جنس الإناث وحسب ما أكده البعض فإن العائلة المصرية كانت مصرّة على أن يطلق على المولودة إسم «تونس».