أشار مهدي مبروك أنّ نتائج العمل الميداني المجرى بمدينة جرجيس والّذي شمل الأهالي وبعض الناجين أو الذين فشلوا في الوصول إلى لامبادوزا إضافة إلى اتصالات مع فعاليات مدنيّة ومنظمات محليّة ودوليّة مهتمّة بالهجرة واللاجئين والسلط الأمنيّة والجيش، قد أفرز حديثا عن أنّ موجة الهجرة الأخيرة قد تكون بدأت منذ نهاية شهر جانفي الأخير وليس فقط بداية من يوم 7 فيفري مُلاحظا أنّ فريق العمل قد استجمع كلّ الفرضيات التي كانت موجودة ومتداولة مؤكّدا على صعوبات حقيقيّة في الحصول على المعلومة. وأضاف مبروك أنّ القناعة حصلت بعد التقصّي أنّ الظاهرة كانت ظاهرة محليّة بامتياز ذلك أنّ الشباب المهاجر كان في غالبيته القصوى من مدينة جرجيس وبعض المدن المجاورة وهي أساسا مدنين وتطاوين وقابس، كما أنّ المنظمين وبمختلف حلقاتهم (المنتدبون، الممولون، أصحاب القوارب) جلّهم من أبناء جرجيس وقد قامت العملية في جلّها على علاقات الجوار والصداقات وكذلك العلاقات الأسريّة إذ لعبت العائلات دورا مهمّا في التشجيع على الهجرة في ذلك الوقت وخاصة الجاليات المهاجرة من ذلك أنّ هناك من عاد من الخارج ليُبحر رفقة أبنائه خلسة أو موّلوا هجرتهم. وحول ملامح المهاجرين قال المبروك إنّها الملامح الكلاسيكيّة المعروفة مع وجود تعديلات خفيفة، فمعدّل أعمار المبحرين هو بين 15 إلى 30-35 سنة وجلّهم من الذكور (وجود 100 امرأة) مع نسب ضئيلة من الأطفال ممّن غادروا مقاعد الدراسة، كما أنّ جلّ المهاجرين هم من الطبقات الهشّة التي تُعاني من الخصاصة يُضاف إليهم أساسا أعداد من المشتغلين في القطاع السياحي الموسمي وعدد من سائقي التاكسيات وبعض التجار الصغار والحرفيين. أمّا عن المستويات التعليميّة فجلّهم من مستويات التعليمين الابتدائي والثانوي وقلّة قليلة جدّا من أصحاب الشهائد الجامعيّة العليا، واستخلص الباحث أنّه ربّما كان هناك شعور بأنّ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس ظلّت كما هي قبل ثورة 14 جانفي، مُضيفا: «ربّما كان هناك اخفاق كبير من الحكومة المؤقتة والمجتمع المدني في إرسال رسائل طمأنة توطّن الناس وذلك يكون عادة بسياسة تواصليّة تُعطي الأمل للناس». وذكر المبروك أنّ البحث الميداني فنّد فرضية أن يكون المهاجرون من المساجين الهاربين أو من السلفيّة الجهاديّة وقال هذه فرضيّة مُنعدمة كما أنّ فرضية أن تكون هناك أياد خفيّة قد حرّكت عبر التمويل أو الإبحار هذه الموجة من الهجرة هي كذلك فرضية منعدمة تماما ولا أساس لصحّتها على الإطلاق، مشيرا إلى أنّ البحث توصّل إلاّ أنّه لم تكن هناك مؤامرة على الثورة بما حدث. وبخصوص حادثة التصادم بين الخافرة البحرية وأحد قوارب المهاجرين والذي كان على متنه 115 راكبا بقيت ملابساتها غامضة ولكن واستنادا إلى شهود عيان وعائلات الضحايا فإنّ العمل ربّما كان فيه إرادة مُسبقة في اعتراض القارب، في حين تذهب مصادر رسميّة إلى تغليب حالة الانفلات ووقوع خطإ تقني من الوحدات البحريّة، وقال المبروك: «لا بدّ من فتح تحقيق ولا بدّ من خبرة فنيّة لمعرفة حقيقة ما جرى».