الحركة لم تكن عادية بسرعة وفي أيّام قصيرة وبشكل يُشبه الطوفان غزا أكثر من 5600 من التونسيين السواحل الإيطاليّة القريبة (جزيرة لامبادوزا)، وكثُرت الأحاديث والتعاليق وتباينت التحاليل والمقاربات حول حقيقة ما جرى، بدا للبعض وكأنّ أياد خفيّة حرّكت شباب الجنوب التونسي لركوب القوارب وساعدتهم على الوصول إلى البرّ الإيطالي ، وبدا للبعض الآخر أنّ هاربين من السجون من المحكومين في قضايا خطيرة أو من الجماعة الجهاديّة قد نظّموا أنفسهم واختاروا الهروب الجماعي بعيدا عن التراب التونسي، وآخرين روّجوا أنّ حالة من اليأس السياسي بعد الثورة أفزعت الناس والعائلات وحرّكتهم لطلب الهجرة... وأسئلة أخرى رافقت هذا الحدث الّذي احتلّ مساحات كبيرة من الإعلام المحلّي والدولي. أدوار المجتمع المدني في كشف جزء من حقيقة ما جرى مؤخرا انطلاقا من سواحل مدينة جرجيس كان أمس محور ندوة صحفيّة انتظمت في مقر الرابطة التونسيّة لحقوق الإنسان ، حضرها خميّس قسيلة (الكاتب العام للرابطة) ومهدي مبروك أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسيّة والمختص في قضايا الهجرة وعبد الجليل البدوي أستاذ الاقتصاد والباحث الأكاديمي المعروف. في مداخلته التقديميّة قال قسيلة إنّ الشبكة الأورو متوسطيّة لحقوق الإنسان بالتعاون مع الرابطة التونسيّة لحقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة (رأى النور بعد ثورة 14 جانفي) شكّلت لجنة لتقصّي الحقائق تهدف إلى كشف الحقيقة للرأي العام الوطني والمحلّي وقد امتّدت أعمالها من 18 إلى 24 فيفري الفارط بكلّ من تونس (مدينة جرجيس) وإيطاليا (مراكز الإيواء). وأضاف قسيلة أنّ من أبرز الأهداف المستهدفة كانت تحديد دور الشبكات المنظمة للهجرة ومعرفة الملابسات التي حثّت بغرق بعض الشبان وتحديد المسؤوليات في ذلك. ولاحظ المتحدّث أنّ التعاطي الإعلامي الغربي مع ما حدث كان سيّئا وغير سليم ممّا أوجد شعورا بتشويه ثورة تونس نظرا لتزامن هجرة ما يزيد عن 5601 مهاجر في فترة أعقبت مباشرة سقوط النظام السابق. وفي بيان تمّ توزيعه بالمناسبة طالبت لجنة تقصّي الحقائق بفتح تحقيق قضائي في ملابسات حوادث الغرق التي ذهب ضحيتها بعض الشبان إنصافا للحقيقة وتحديدا للمسؤوليات وطالبت السلطات التونسيّة بمراجعة تشريعاتها المتعلّقة بالهجرة والاتفاقيات التي أمضت عليها بما من شأنه أن يكفل حريّة التنقّل ويحترم كرامة المهاجرين مهما كانت وضعياتهم. كما طالبت اللجنة السلطات الإيطاليّة والأوروبيّة عموما باستبعاد المقاربات الأمنيّة استبعادا مطلقا وتفعيل آليات جديدة تعطي الأولويّة لمقتضيات حسن الجوار والتنمية خصوصا في سياقات الانتقال الديمقراطي الذي تشهده دول الجوار قد يدفع بمزيد من الأدفاق في الأشهر القادمة، كما دعت اللجنة المنظمات الدوليّة للقيام بواجبها الإنساني والأخلاقي تجاه المهاجرين واللاجئين في ظرف إقليمي صعب.