نفى السيد مهدي مبروك مختص في علم الاجتماع وجود سجناء فارين خطرين من ضمن الأدفاق الهجرية المكثفة التي اندلعت خلال شهر فيفري 2011 انطلاقا من السواحل التونسية وخصوصا من سواحل جرجيس، وقدر عدد المهاجرين بطريقة غير شرعية بحوالي 5600، من بينهم مائة امرأة وعشرة معوقين تقريبا. وقال السيد مبروك خلال الندوة التي انعقدت صباح أمس بمقر الرابطة التونسية لحقوق الإنسان أن " الشبكات التي سهرت على تنظيم هذه العمليات بمختلف حلقاتها هي محلية ولا تتجاوز منطقة الجنوب التونسي، لعبت الظروف الاقتصادية والاجتماعية من بطالة وتهميش دورا هاما في تكوينها، وقد شكل الانفلات الأمني الذي عرفته البلاد فرصة سانحة استغلتها مختلف الأطراف من شبان ومنظمين وعائلات على الإقدام على الهجرة بشكل غير قانوني". وتوصلت لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان بالتعاون مع الرابطة التونسية لحقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى تحديد الملامح الاقتصادية والاجتماعية للمهاجرين قصد معرفة أسباب هجرتهم الحقيقية ومدى ارتباطها بالسياسة، وتحديد دور الشبكات المنظمة للهجرة، ومعرفة الملابسات التي حثت بغرق بعض الشبان ما سيمكن من تحديد المسؤوليات. وذلك بعد ما روجته بعض الصحف الأجنبية من أن هذه الأدفاق الهجرية المكثفة هي نتيجة للخيبة المبكرة من الثورة التي لم تستطع كبح الهجرة السرية ولم تعط مشروع أمل للشباب. وقال السيد خميس كسيلة (كاتب عام الرابطة التونسية لحقوق الإنسان) في هذا الصدد أن "الدوافع الأساسية التي كانت وراء تكوين هذه اللجنة هي التحقيق في مدى صحة ما تداولته بعض الجهات الإعلامية وغيرها المتسرعة من وجود أياد خفية مرتبطة بدول الجوار وراء اندلاع الأدفاق الهجرية، واحتمال تسرب مساجين فارين إلى هذه الدفعة من المهاجرين بصفة غير شرعية " واستنكر الكاتب العام للرابطة ما روجته بعض الصحف الغربية التي فسرت هذه الهجرة بمحاولة هروب المهاجرين من تونس فور الثورة. تنظيم محلي وعن نتائج التحقيقات التي قامت بها هذه اللجنة في كل من الجنوب التونسي وايطاليا، أورد السيد مهدي مبروك أن " التحقيقات أثبتت أن جل المهاجرين ينتمون إلى فئات اجتماعية هشة وهي نفس الأسباب التي كانت تقف وراء الموجات السابقة بما فيها قبل الثورة وعلى امتداد العشريتين الفارطتين." وأوضح أنه " بعد الزيارات الميدانية والتحريات التي أجرتها اللجنة مع مختلف الأطراف من شبان وعائلات الضحايا وسلطات عمومية ومنظمات المجتمع المدني في كل من تونس وايطاليا، تم التوصل الى أن الموجات الهجرية المنطلقة من سواحل الجنوب التونسي وخصوصا مدينة جرجيس ظاهرة محلية ولا تقف وراءها أية أياد أجنبية، وهي مجموعة من الشبان من جرجيس وبعض المناطق المجاورة كتطاوين وقابس ومدنين، وقلة قليلة من الوسط التونسي " وأشار السيد مهدي بن مبروك إلى عسر الحصول على المعلومة من السلطات العمومية التونسية ومن المنظمات العمومية على حد السواء، مؤكدا أن بعض الحوادث لا يزال يكتنفها اللبس والغموض, وبين أن " المنظمين لعمليات الهجرة غير الشرعية هم من أبناء منطقة جرجيس, مؤكدا أن علاقات الجوار والصداقة لعبت دورا هاما جدا في التنظيم والانتداب والتمويل". اللجوء السياسي؟؟ وأورد السيد عبد الجليل البدوي (جامعي وباحث في الاقتصاد والاجتماع) الذي توجه إلى ايطاليا للتحقيق على عين المكان، أن "السلطات الايطالية عرضت على المهاجرين بطريقة غير شرعية والمحتجزين في عدد من المراكز المخصصة لاستقبالهم اللجوء السياسي لتمكنهم في المقابل من حرية التنقل وفرصة البحث عن عمل ومأوى، خلال الستة أشهر التي تسبق قرار الموافقة على اللجوء السياسي، وهو ما أغرى ثلث المهاجرين يعني حوالي 1900 بالموافقة على طلب اللجوء السياسي". وقال البدوي أن ذلك جاء بعد أن أنكر جميع المهاجرين تعرضهم إلى مضايقات من أي نوع في تونس، سيما بعد ثورة 14 جانفي. وتوجهت اللجنة بدرجة أولى إلى من أخفقوا في الهجرة وتم استيقافهم لأسباب متعددة، واتضح أنهم على علم بتفاصيل التنظيم، كما توجهت إلى عائلات الغرقى والمجاريح والمفقودين، وتوجهت في مرحلة ثالثة إلى المجتمع المدني على غرار الاتحاد التونسي للشغل وبعض الجمعيات المحلية، والسلطات الأمنية المحلية و"خوافر" السواحل البحرية التونسية, ثم توجهت في مرحلة أخيرة إلى المنظمة العالمية للهجرة والصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر التونسي، للتمكن من جمع أكثر ما يمكن من المعلومات.