أجرى الحوار : عبد الحليم المسعودي المنصف الفهري (مواليد عام 1943) مصور فونغرافي محترف منذ ستينات القرن الماضي، أعرف أعماله الفوتوغرافية التي تعد نوادر على الأقل بالنسبة للذاكرة المسرحية الوطنية عندما كان رفيقا للمخرج المسرحي الكبير علي بن عياد وهو في نفس الوقت يتمتع بتجربة مهمّة في التصوير السينمائي وله تجربة كبيرة مع كبار مديري التصوير العالميين كفراكو دي جاكمو وبسكوليني دي ساتوس وغيرهم، وإلى جانب هذا النشاط السينمائي فالمنصف الفهري ينحدر من عائلة نقابية وطنية عريقة، فقد اشتغل مصورا في جريدة الشعب وأنجز شريطا وثائقيا حول أحداث 26 جانفي 1976، وكان من رفاق سينمائيين تونسيين قد تم تجاهلهم لكنهم من رواد السينما الوطنية التونسية كعبد الجليل الباهي و حاتم بن ميلاد وحمودة بن حليمة وميكا بن ميلاد. .. المنصف الفهري نقابي فصيح تربى على يد زعماء الإتحاد العام التونسي للشغل وعلى رأسهم الحبيب عاشور والده سالم الفهري... ولأنه كل ذلك وخاصة موقعه ككاتب عام للنقابة الأساسية لتقنيي السينما والسمعي البصري وتزامنا مع المزايدات التي يقوم بها بعض السينمائيين من منتجين خاصة وبعض المخرجين أردنا معه هذا الحديث لنلقي مزيدا من الضوء على واقع السينما التونسية المتردي كما يجمع الكثيرون. ... فهذا شيء من حديثنا معه. نشهد منذ أيام جدلا واسعا حول ملف السينما التونسية الذي تناوب على فتحه أطراف عدة ممثلة للقطاع سواء من خلال الاجتماعات و البيانات أو الردود التي نقرؤها في الإعلام حول حجم الأزمة التي تعيشها السينما التونسية، غير أننا لم نستمع إلى الذين يمثلون هذا القطاع أي القطاع السينمائي والسمعي البصري من زاوية المطالبة بالاستحقاقات المهنية، كيف تنظرون من زاوية موقعكم النقابي لهذا الوضع؟ في البداية لا بد من الإشارة أن القطاع السينمائي والسمعي البصري لم يساهم طيلة عقود في النهوض بالمسألة الثقافية والفكرية والجمالية والرمزية للمواطن التونسي، وأعتقد أنه حان الوقت بعد إنجاز الثورة المباركة أن نعيد الاعتبار إلى دور السينما التونسية تخلفت كثيرا على موعدها التاريخي تجاه الثورة، وظلت تحت احتكار قلة من الأفراد الذين يدّعون الإنتاج السينمائي الوطني وهم في الحقيقة لم يخدموا غير مصالحهم الضيقة وضمن آليات متشعبة تحكمها العلاقات الشّخصية زد على ذلك فإنهم قد ساهموا بشكل مباشر و غير مباشر في تقديم صورة تونسية لا ترقى للحقيقة ولا لرضا الجماهير، وأعتقد أن هؤلاء الناس المتلهفين الآن على تلميع صورتهم عليهم بقليل من الصّمت وترك المجال لطاقات سينمائية جديدة لهذا الشباب التونسي الذي صنع الثورة، ولا أعتقد شخصيا كما ورد في اجتماعاتهم وبياناتهم خاصة غرفة منتجي الأفلام أنهم قادرون على بلورة مشروع سينمائي تونسي وطني حقيقي ناجع للمستقبل، فهؤلاء قد استنفدوا طاقاتهم في خدمة مصالحهم الشخصية و برزوا على الساحة بتلك الصورة الرديئة لسينما لم تكن وطنية و لا ناجحة و لا مشرفة. وإني من موقعي ككاتب عام للنقابة الوطنية الأساسية لتقنيي السينما و السمعي البصري أنتهز هذه الفرصة في جريدة الشروق الوطنية لتقديم باسمي و باسم العاملين و الكادحين في القطاع السينمائي لأترحّم على أرواح الشّهداء الذين أهرقوا دماءهم من أجل عزّة و كرامة هذا الوطن. من بين أهم الأطراف الممثلة لقطاع السينما هي غرفة منتجي السينما، وهي الغرفة التي تنضوي تحت نقابة الأعراف أو ما يعرف بالإتحاد التونسي للصناعة و التجارة، حيث أن هذه الغرفة اجتمعت مؤخرا و صاغت بيانا نشر في الصحافة حول مشروع إصلاح لهذا القطاع في حين نلمس غياب أصوات أولائك المعنيين فعلا و بشكل وظيفي بصناعة الشريط التونسي و على رأسهم المهنيين، كيف تنظرون لهذا الأمر؟ فوجئت ببيان صدر عن ثلة من المنتجين كنجيب عياد وحسن دلدول ولطفي العيوني ونوفل صاحب الطابع رغم تغيب - مع الأسف الشديد رئيسهم خالد العقربي بوصفه زعيمهم في الغرفة ( غرفة منتجي الأفلام التابعة لإتحاد الصناعة والتجارة الغائب تماما عن حراك الثورة المجيدة )، فما هي هذه الوطنية التي يتحدثون من خلالها و التي سمحت لهم حسب خواطرهم الانضمام والانخراط في نضال الشعب التونسي من أجل الاقتناع بالحرية والعدالة. هل هي تلك الوطنية التي كانوا خاضعين فيها للجنرال المخلوع بن علي وحاشيته وأعمدة نظامه فحسب، بل كانوا والجميع يعرف ذلك أنهم كانوا من حراس كراسيه والمحافظين على مصالحه والمروجين لأكاذيبه والعاملين تحت إمرته كمخبرين محترفين. هل هي تلك الوطنية التي تسمح لهم أن ينهبوا الأموال العمومية عندما يتداولون على لجنة الدعم بوزارة الثقافة لينتجوا بتلك الأموال أفلاما قذرة يخجل منها الشعب التونسي بنخبه وقواعده؟. هل هي تلك الوطنية التي استلهموها من عشرتهم مع أقطاب النظام البائد أمثال عبد الوهاب عبد الله وعبد العزيز بن ضياء أو سليم شيبوب و السرياطي أو حتى زوجة الرئيس المخلوع ليلى الطرابلسي. لا داعي أن نشير إلى هؤلاء بأسمائهم و بتفاصيل علاقاتهم المخزية، فهم يعرفون أنفسهم جيدا، لكن الآن وبعد ما حققه الشعب التونسي من حرية و كرامة تقود العالم اليوم فلن نسمح لهم بالالتفاف على هذا الإنجاز العظيم الذي حققه أبناء الوطن الشرفاء بفضل نضالاتهم وتضحياتهم بأرواحهم، فبأيّ حقّ ومن أيّ موقع خفيّ أو ظاهر يعبرون عن تخوفهم من الالتفاف على هذه الثورة بينما هم الذين يسعون بهذه الطرق الملتوية للقيام بهذه المغالطة بكل وقاحة و بكل قدرة على استغباء الناس. إن هؤلاء يريدون في الحقيقة استبلاه الناس و مغالطة الرأي العام و خاصة الشباب السينمائي التونسي المحروم من فرص العمل والإبداع ليواصلوا نهبهم للأموال العمومية بشكل مافيوي، والكل يعرف مدى تمكن هؤلاء طوال عقود من السيطرة المطلقة على لجنة الدعم السينمائي وتقاسم أموالها كالكعكة، إن غرفة منتجي السينما ليست إلا ناد مافياوي مغلق. هل يعني كلامك أن المنتجين السينمائيين هم جزء من المشكل الذي تتخبط فيه السينما التونسية منذ عقود؟ أجل، إن هؤلاء الذين يدعون اليوم إلى إصلاح الشأن السينمائي و يزعمون قدرتهم على بلورة مشروع سينمائي هم في الحقيقة كاذبون لأنهم قد قاموا باستغلال العاملين في القطاع السينمائي و خاصة التقنيين السينمائيين لمدة أربعين عاما من خلال أجور هابطة و إجبارهم على العمل أكثر من 14 ساعة في اليوم بدون أن يتقاضى هؤلاء العاملين ثمنها. .. هؤلاء أنفسهم يحسنون الالتفاف والمراوغة و هم أنفسهم الذين حوّلوا الاستشارة المنبثقة عن اللجنة الاستشارية الوطنية لتأهيل وتنمية القطاع السينمائي والسمعي البصري في تونس إلى مجرد صياغة مرتجلة تنأى عن المشاكل الحقيقية للقطاع السينمائي ودوره الفكري والجمالي ضمن مشروع ثقافي واضح ليصبّ في وثيقة لا تخلو من مزيد من آليات الابتزاز لأموال العمومية، و الذي يطلع على هذا التقرير تقرير الاستشارة سيدرك خواءه من كل تصوّر إصلاحي أو إستراتيجي يخدم القطاع والبلد... أقول لك الحقّ أن هؤلاء أرادوا من كتابة تقرير الاستشارة (وهو نفس التقرير التأليفي الذي أعادوا قراءته في اجتماعهم الأخير في غرفة منتجي الأفلام ) تقديمه كهدية تزلف للجنرال المخلوع من أجل المزيد من التظليل وتمديد النفوذ، نفوذهم على قطاع السينما والسيطرة على العاملين فيه. كما أنهم الآن يحاولون الظهور بمظهر المدافعين عن قطاع السينما و مظهر مناصري الثورة حتى يكون نشاطهم هذا مسوّغا لتظليل الحق العام من محاسبتهم. ماذا عن العلاقة بين هؤلاء المخرجين المنتجين بالمهنيين على المستوى المهني والأخلاقي، فهل هنالك تجاوزات سجلتموها من خلال عمل النقابة؟ من موقعي كنقابي فقد حان الوقت الآن لمراجعة أخلاقيات المهنة إذ لا مهنة بلا أخلاق، وأقصد هنا أنه لابد أن يعتذر هؤلاء للعاملين في القطاع عن أهانتهم المتكررة لهم، ومن هنا فصاعدا فلن نسمح لهم كنقابة على التطاول وإهانة العاملين في القطاع، وأذكر مثالا على ذلك وهو أمر معيب لتونس ولكرامة العاملين التونسيين، فثمة واحد من المخرجين المنتجين المعروفين على الساحة والمحسبين على القصر الرئاسي و المعروفين كذلك بإنتاج أشرطة وثائقية تلفزيونية حول الجنرال بن علي بتوصية من عبد الوهاب عبد الله أنه كان يتوجه للطقم التقني العامل عنده بالعبارات النابية و الإهانة و سب الأعراض و غيرها من مظاهر المس بالكرامة الدنيا للفرد مذكرا أيّاهم كل مرة أنه مسند من طرف القصر الرئاسي وأنه فوق كل محاسبة. كما قام هذا الأخير بإهانة طلابه في المعهد العالي للسمعي البصري بقمرت عبر ترديده لعبارة مستفزة ومهينة مفادها أن السينما ليست للفقراء وإنما خلقت للأغنياء فلا يتعلمها ولا يصنعها إلا الأغنياء. مع العلم أن هذا المخرج المنتج يمضي السّاعات المخصصة لتدريس الطلاب للحديث عن نفسه بنرجسية مرضية وبلغة احتقار والإهانة، وبين هؤلاء أيضا وهو رئيس غرفة المنتجين من من كان يردّد على الملإ أنه مجرد كلب لبن علي. هؤلاء المخرجون المنتجون جعلوا من علاقتهم بوزارة الثقافة و إدارة السينما مطية طوال العام كله للتجوال في المهرجانات السينمائية العالمية خاصة مهرجان كان ومهرجان البندقية بدون أفلام ولا يعودون إلا وفي حقائبهم المزدحمة بأنواع الخمور الفاخرة بعد أن قضوا أياما في التسكّع بين أروقة هذه المهرجانات و إهدار الوقت في السّياحة والتسوق. هذا إلى جانب أن هؤلاء المخرجين المنتجين قد تحوّلوا إلى مصاصي دماء المخرجين الشباب الذين يتولون احتضان مشاريعهم واستغلال ذلك في الحصول على الأموال من وزارة الثقافة وحتى من الهيئات الأجنبية خاصة الفرنسية فيكون مجرد وسيط للإنتاج مع الاحتفاظ بالنصيب الأوفر من هذا الدّعم بعد أن يرموا ببعض الفتات من الأموال لهذا السينمائي الشاب أو ذاك لينجز عمله (إذا تمكن من ذلك طبعا ) في ظروف صعبة تكون نتائجها في العمل المنجز كارثية وهزيلة، ومن هذا المنطلق فإنني أطالب التخلي عن هذه الوساطات التي يقوم بها هؤلاء السماسرة من المخرجين المنتجين و أن يقدّم هؤلاء الشباب مشاريعهم إلى الوزارة مباشرة مع خلق آليات جديدة تضمن الشفافية و المحاسبة، فلا مجال اليوم إلى سلك الطرق الملتوية. ونحن من موقعنا قد سبق وأن طالبنا بطريقة سليمة و نزيهة للإصلاح هذا الفساد و ذلك من خلال تمكّن المخرج الشّاب المتحصّل على الدّعم أن يختار منتجه وأن يتمكن من مناقشة شروط عقده معه لا أن يكون المنتج هو صاحب القول الأول و الأخير لأن العمل الفني مهما كانت طبيعته هو منتسب للمخرج بوصفه مؤلفا. ومن هذا المنطلق فإني أؤكد على ضرورة إعادة الاعتبار للمخرج الذي سرق المنتج منه مكانته في صناعة الشريط. إن المنتج بالنسبة لي ليس إلا مجرد مستثمر، وفي العالم كله لا يتحدثون عن شريط منتج بل يتحدثون عن شريط مخرج. . لابد من تحرير المخرج من دكتاتورية المنتج. لكن هؤلاء المخرجون المنتجون اتفقوا في انتقادهم لطارق بن عمار الذي يعتبرون أنه استولى على مخابر قمرت وأضعف السينما التونسية . في هذه الظروف التي يحاول فيها هؤلاء المنتجون المخرجون من خلال غرفتهم توجيه الرأي العام على القضية الأساسية وهي المتمثلة كما أشرنا إلى بلورة مشروع ثقافي على قيمة الثورة التونسية المجيدة فإنهم يحولون وجهة النظر إلى قضايا جانبية يغالطون بها الرأي العام، ففي اجتماعهم الأخير إتفق هؤلاء على مهاجمة المنتج التونسي الوطني طارق بن عمار بتعلة تفويت الدولة في ظروف غامضة في مخابر قمرت وأن ذلك عاد حسب تعبيرهم بالإضرار على السينما التونسية. وهذا أمر خال من الصحة فهؤلاء منهم من شارك في صياغة التقرير التأليفي (سبتمبر 2010) للجنة الاستشارية الوطنية لتأهيل وتنمية القطاع السينمائي و السمعي البصري في تونس وقد أشاروا فيه إلى سلامة إسراف طارق بن عمار على مخابر قمرت و هم يقولون في ذلك في صفحة 24 من هذا التقرير: «...وعندها أذن سيادة الرئيس يوم 27 ماي 2003 بمناسبة اليوم الوطني للثقافة ببعث قطب تكنولوجي للصناعة السينمائية، و في إطار لزمة تعاقدت الدولة مع مؤسسة كوينتا للاتصال لإنجاز مخابر سينمائية و سمعية بصرية عصرية، علما وأن الشركة المذكورة تملك 80بالمائة من المخابر الفرنسية التي تعتبر من أهم و أحدث المخابر في العالم. ونعتقد أن المخابر أصبحت اليوم جاهزة إذ تم تركيز Haute définition صناعة الفيلم على محمل 35 مم وكذلك السلسلة الرقمية عالية التركيز، وبقيت جزئيات بسيطة بصدد الإنجاز، بالتنسيق بين شركة كوينتا والأطراف المعنية لا(وزارة الثقافة و المحافظة على التراث والغرفة النقابية الوطنية لمنتجي الأفلام وجمعية السينمائيين التونسيين، ونقابة الفنيين السينمائيين )». و يمكن كذلك العودة إلى الإمضاءات على محضر اجتماع حول المركب السينمائي بقمرت بتاريخ 14 ديسمبر 2009 و الذي تم بموجبه النظر بين وزارة الثقافة و بقية ممثلي قطاع السينما و صاحب شركة كوينتا و هذه الإمضاءات هي : طارق بن عمار مدير عام شركة كوينتا، خالد العقربي رئيس الغرفة النقابية لمنتجي الأفلام، نجيب عياد الكاتب العام للغرفة النقابية لمنتجي الأفلام، علي العبيدي رئيس جمعية السينمائيين و المنصف الفهري كانت عام لنقابة تقنيي السينما ونبيل كيلة وكيل مخابر LTC قمرت، وهذه الحملة لم تقتصر على مهاجمة مخابر قمرت بل تعدت إلى المساس بشخص طارق بن عمار والإساءة إليه وهذا مناف للقانون ولأخلاقيات ويتناسون أن الرجل عمل الكثير للسينما التونسية في سياق توفير فرص الشغل للتقنيين والممثلين وكل أصناف الاختصاصات المتعلقة بصناع السينما، علاوة على أن الرجل ماض في تنفيذ أهم مشاريعه في البلاد وعلى رأسها برنامجه في النهوض بالسينما التونسيةالشابة بوصفه منتجا. مع العلم أن طارق بن عمار وحده من العاملين التونسيين في قطاع السينما العالمية الذي يوفر للبلاد مداخيل بالعملة الصعبة لا يستهان بها وقد بلغ هذا المبلغ من سنة 2001 إلى سنة 2010 ما يفوق 80 مليون أورو دخلت للبنك المركزي التونسي... فهل يمكن أن نحارب نجاح طارق بن عمار و نكتفي بالذود على فشل هؤلاء في خلق سينما وطنية حقيقية مشرفة.