نقول في عاميتنا لمن يتسرع «محروقة بصلتك» وتذكرتها بمرارة حينما استعملها الرائع دوما والمرحوم محمود درويش في افتتاحيته لجريدة المعركة سنة 1982 وهي جريدة كان يصدرها الاتحاد العام للكتّاب الفلسطينيين، استعملها ساخرا من القادة العرب الذين تقاعسوا عن وقفة انسانية ووطنية إبان حصار بيروت... قائلا «لماذا تحرقون بصلكم وثومكم يا أصحاب قمة الحضيض العربي؟ أليس في الوقت متسع للمزيد من ابتلاع الارض والناس...» واليوم أقول لفلول الردة من لكل انتهازي بصمته او عفنه او نفاقه والتوصيفات لا تحصى، أقول ان هذه «ثورة شعب» لا ثورة السرياطي كما يُروّج لها حتى بين أشباه المثقفين... احرقوا بصلكم وثومكم فلن تجدي توصيفاتكم وقراءاتكم الغبية بل الخائنة والحقيرة ايديولوجيا في تحقير ما انجزه هذا الشعب بشبابه الذي تحبطونه اليوم في المعاهد والمدارس والكليات... مراهنين على وهن تعودون من خلاله لاختراق ضمائر الشرفاء أينما كانوا في مواقعهم وضرب الثورة. أعتبر التشكيك في الثورة خيانة عظمى وكل من يسكت عن ذلك خائن. اليوم يعيش شبابنا «اغتصابا» ايديولوجيا ونفسيا، بعدما استعاد وعيه وثقته بنفسه وهو الذي خدره حاكم/حزب ديكتاتور طوال عقدين بتحويله الى مجرد «جمهور ملاعب» عنيف لغويا وماديا وانقلب السحر على الساحر «فعنفه» «شباب الكرة»، وهذا العنف موقف واع مسؤول ومطلوب... عنف الثورة. لقد كنا دوما عرضة كطلبة في الثمانينات للقمع وكم رددنا: «التعسف باش يزيد والعزيمة من حديد» وآمنا بقيم الثورة، كل على طريقته ومرجعيته بحسب ثورته، ثم درسنا فمررنا قيم الثورة بتفاوت: بعضنا بصوت عال وآخر بصوت خافت الا الخونة والانتهازيين فلقد بقوا صامتين عن كل شيء، والصمت موقف... أليس الصمت عن بناء المستوطنات في فلسطين الحبيبة هو بناء مستوطنات في تونس؟ ولم أذكر يوما قلت فيه «سيدي الرئيس» أو حتى «السيد الرئيس»، امتنعت حتى عن قولها في داخلي لأنني لم اعترف به يوما رئيسا مع أنني خضعت الى حكمه مثل الجميع. امتنعت عن قولها حين كررها الآلاف من مغتصبي العقول وهم معروفون. ولكوني مدرسة فلسفة فلقد أوجدت ما يمنحني غطاء قانونيا هو بعض حكمة ورثناها عن سقراط لتكريس شرعية الثورة: كل ثورة على الظلم في كل مكان وزمان بتمييز بين حد الثورة وحد الثورجية. ان المفارقة هي أن أزلام وأدوات الحاكم الفار عنفونا لأننا مع الثورة على ظلم واليوم يعنفنا الانتهازيون لأننا مع الثورة. والمؤلم هو عنفهم لأنه خيانة عظمى في تقديري للشعب والحق والتاريخ. هي مفارقة نفهمها فلسفيا ونحن نتوجع من أثر العنف لأن كل ممارسة لا تتحرر الا بفهم هذه المفارقات والتناقضات ولذلك فاعتداؤهم علي وعلى غيري حررنا أكثر: من نفاق ايدولوجي أسمعه كثيرا... «حق الاختلاف»، «حق التعبير» ولم يبق سوى القول حق البوكس الضرب. هو نفاق لأنه في زمن الثورات يجب أن نقطع بوضوح مع كل ممارسات هجينة ولقيطة وخطيرة تكرس لكل ردة سياسية وأخلاقية... لا حياء مع من لا يستحي في طعنه لخاصرة الثورة. لذلك أقول علينا ان نستمر في الثورة الحقيقية والصعبة، لأن الفعل السياسي المنجز للثورات هو الأيسر وثمنه واضح يمكن تقديره مسبقا. أما الثورة التي يجب أن تستمر فهي اجتثاث فكر الانتهازية بكل وجوهها: مع الثورة وعليها. علينا أن نستمر في رفع شعار ثورة الشباب العفوي «ديغاج»: «ديغاج» للخوف، للثلب «للقوادة عذرا لا توصيف آخر لها.... ليبحث كل منا في داخله عن بقايا الديكتاتور والانتهازي ليقول لكل وجه خلفه بن علي والبنعليين: «ديغاج». نحن مازلنا ثائرين بهذا المعنى فلماذا هذا «اللطف» بالتحول الى عبارة «ألتزم» بدل «ارحل». كيف نلتزم وفي بقايا الذات الاجتماعية: رقيب فاسد ومدرس فاسد يمتص دم التلاميذ بدروس خصوصية بدل حصص تدارك لكل الفقراء، وأستثني كل شريف متعفف ومناضل من أجل العقل كما الوطن، وبالمثل كل عامل فاسد ينام بدل العمل ومثقف فاسد يبرر الانبطاح الأخلاقي والايديولوجي الى حد الانحطاط باسم الحريات، ليضرب كل هوية انسانية حقيقية او مواطنة فعلية. لا لحريات أفرزها فشل العقل الأوروبي ويستنكرها اليوم شرفاء أوروبا. نريد مدنية ولائكية ولكن غير مفرغة من الهوية ومن الروح... فلائكية الغرب انتقدها فلاسفته لأنها انحرفت وأفرغت من كل روح. فليمح هؤلاء الانتهازيين أميتهم بالعودة للفيلسوف الألماني كانت وللانتروبولوجي تايلور ولادوارد سعيد ولشومسكي... ولغيرهم من شرفاء الانسانية الذين لم ينبطحوا ولم يجبنوا عن نقد ما تراجع في العقل الغربي والانساني. أهلا بالحرية نعم لكن بعد أن «يديغاجي» عفن الانتهازيين في كل موقع. عاشت الثورة وعاش الشعب وسنعيش بقدر ما يمكن لنا أن نعيش شرفاء دوما ندافع عن العقل والوطن.