3 درجات بهذه المناطق..طقس بارد الليلة..#خبر_عاجل    هذه الدولة العربية تسجّل أعلى أسعار السيارات الجديدة    عاجل: الافريقي يفوز بإثارته ضد الترجي الرياضي التونسي    شكونوا المالي تراوري حكم مباراة تونس و نيجيريا في كان 2025 ؟    وزير الدّفاع يؤدي زيارة ميدانية إلى القاعدة البحرية بمنزل بورقيبة    محرز الغنوشي: الغيث النافع قادم والوضعية قد تتطور الى انذارية بهذه المناطق    ابدأ رجب بالدعاء...اليك ما تقول    منع بيع مشروبات الطاقة لمن هم دون 18 عاما..ما القصة..؟    زغوان: مجمع الصيانة والتصرف بالمنطقة الصناعية جبل الوسط بئر مشارقة يعلن عن إحداث حقل لانتاج الطاقة الفوطوضوئية    شركة الخطوط الجوية التونسية تكشف عن عرضها الترويجي 'سحر نهاية العام'    خبير يوّضح: العفو الجبائي على العقارات المبنية مهم للمواطن وللبلديات..هاو علاش    ماذا في اجتماع وزير التجارة برؤساء غرف التجارة والصناعة؟    يتميّز بسرعة الانتشار والعدوى/ رياض دغفوس يحذر من المتحور "k" ويدعو..    زيت الزيتون ب10 دنانير:فلاحو تونس غاضبون    تعرّف على عدد ساعات صيام رمضان 2026    عاجل: تهنئة المسيحيين بالكريسماس حلال ام حرام؟...الافتاء المصرية تحسُم    وليد الركراكي: التتويج باللقب القاري سيكون الأصعب في تاريخ المسابقة    وفاة ممرضة أثناء مباشرة عملها بمستشفى الرديف...والأهالي ينفذون مسيرة غضب    فضاء لبيع التمور من المنتج إلى المستهلك من 22 إلى 28 ديسمبر بهذه الجهة..#خبر_عاجل    11 مليون عمرة في شهر واحد... أرقام قياسية من الحرمين    موسكو تدعو مواطنيها إلى الامتناع عن السفر إلى ألمانيا لهذه الأسباب    أبطال إفريقيا: الكاف يسلط عقوبة الويكلو على أحد الأندية المغربية    ما ترميش قشور الموز: حيلة بسيطة تفوح دارك وتنفع نباتاتك    افتتاح الدورة 57 للمهرجان الدولي للصحراء بدوز    مسؤولة بوزارة الشؤون الاجتماعية: نحو تعميم المنصة الرقمية لإسناد بطاقة اعاقة في غضون سنة 2026    المعهد العالي للتصرف الصناعي بصفاقس أوّل مؤسسة جامعية عمومية في تونس تقوم بتركيز محطة لشحن السيارات الكهربائية    اسكندر القصري ينسحب من تدريب مستقبل قابس    بداية من اليوم..دخول فترة الليالي البيض..    أنشطة متنوعة خلال الدورة الأولى من تظاهرة "مهرجان الحكاية" بالمركب الثقافي بسيدي علي بن عون    التمديد في المعرض الفني المقام بالمعلم التاريخي "دار الباي" بسوسة الى غاية منتصف جانفي 2026    موزّعو قوارير الغاز المنزلي بالجملة يعلّقون نشاطهم يومي 12 و13 جانفي 2026    وداعًا لأسطورة الكوميديا الأمريكية بات فين    عاجل: هذا ما تقرر في قضية المجمع الكيميائي التونسي..    رياضة : فخر الدين قلبي مدربا جديدا لجندوبة الرياضية    مع Moulin d'Or : قصّ ولصّق وشارك...1000 كادو يستناك!    السجن لطالب بتهمة ترويج المخدرات بالوسط الجامعي..#خبر_عاجل    كأس أمم إفريقيا: برنامج مقابلات يوم غد    عاجل: عاصفة مطرية وثلوج تتجه نحو برشا دُول عربية    هذه أقوى عملة سنة 2025    تحذير خطير للتوانسة : ''القفالة'' بلا ورقة المراقبة يتسببلك في شلل و نسيان    سهرة رأس العام 2026.. تفاصيل حفل إليسا وتامر حسني في هذه الدولة    عاجل/ كأس أمم أفريقيا: الاعلان عن اجراء جديد يهم جميع المباريات..    صحفي قناة الحوار التونسي يوضح للمغاربة حقيقة تصريحاته السابقة    عاجل : اليوم نشر القائمة الاسمية لرخص'' التاكسي '' بأريانة بعد شهور انتظار    بداية من من غدوة في اللّيل.. تقلبات جوية وبرد شديد في تونس    ينشط بين رواد والسيجومي: محاصرة بارون ترويج المخدرات    نانسي عجرم ووائل كفوري ونجوى كرم يحضروا سهرية رأس السنة    عاجل/ تركيا ترسل الصندوق الأسود لطائرة الحداد إلى دولة محايدة..    النوبة القلبية في الصباح: علامات تحذيرية لازم ما تتجاهلهاش    رئيس الجمهوريّة يؤكد على ضرورة المرور إلى السرعة القصوى في كافّة المجالات    ويتكوف يكشف موعد المرحلة الثانية من اتفاق غزة    ترامب مهاجما معارضيه في التهنئة: عيد ميلاد سعيد للجميع بما في ذلك حثالة اليسار    كوريا الشمالية تندد بدخول غواصة نووية أمريكية إلى كوريا الجنوبية    فوز المرشح المدعوم من ترامب بالانتخابات الرئاسية في هندوراس    اليوم العالمي للغة العربية ... الاحتفاء بلغة الضاد ضرورة وطنية وقومية لحماية الهوية الثقافية    تزامنا مع العطلة: سلسلة الأنشطة الثقافية والترفيهية الموجهة لمختلف الفئات العمرية    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأسطرلاب: الثورة التونسية والأعضاء الاصطناعية
نشر في الشروق يوم 06 - 06 - 2011


(1)
يؤسفني أن يخمد صوت الفكر وأن يدوم موات العقل في الثورة التونسية, ويؤسفني أن يعلوصوت الجموع والغوغاء بجبّة الفقيه الديني , وفي لبوس الفقيه القانوني, وزيّ المناضل الطبقي المحترف على الطريقة التونسية, ومن خلال أقنعة المتسللين إلى بازار السّياسة السّياسوية وسوق المضاربة الحزبية ... يؤسفني هذا الجهد الفكري الغائب الذي لا حماية للثورة وتحقيق أهدافها إلا من خلاله... يؤسفني أن يجتمع خمسة أنفار في دار الثقافة ابن خلدون مساء يوم الجمعة الماضي ليستمعوا ويناقشوا الكتاب الأخير للمفكر التونسي والأكاديمي البارز فتحي بن سلامة الصادر كتابه:
Soudain la Révolution ,Géopsychanalyse d'un soulèvement
تؤسفني هذه اللامبالاة تجاه الفكر وهذه العطالة الفكرية والمعرفية والثقافية, والتسليم المطلق بأن رجل الفقه الديني والمتحزب المحترف ورجل القانون ومن هب ودب من غبار الجموع بإمكانهم إنجاح الثورة وحمايتها وتحقيق أهدافها ... إن هذا الموات الفكري الذي نعيشه في تونس الآن سندفع ثمنه غاليا ما لم نتدارك الوقت , وما لم ندرك الإيقاع الحقيقي لمسار الثورة والتي جاءت فقط لإعطاء معنى جديدا للكائن التونسي وكرامته.
(2)
لا شكّ أن الثورة التونسية ثورة 14 جانفي تعدّ أول ثورة في القرن الحادي والعشرين, أي في الألفية الثالثة ما بعد نهاية التاريخ القديم. وهي الثورة التي فاجأت الجميع ولم تستشر محامل العولمة التي جاءت تتويجا لما بعد الحداثة لكي تصدر نفسها خارج الحدود, لا بالمعنى التقليدي لتصدير الثورة بوساطة الأيديولوجيا والتعليمات الجاهزة والعقيدة التي هي الوجه الآخر للحقيقة القاتلة, بل أنها ثورة قد تمّ الإمتثال إليها كقدر تاريخي في بقية العالم المقهور من باب نفس مبدإ العدوى, عدوى الفرجة التي يشير إليها عمانويل كانط E. Kant عندما شاهد الثورة الفرنسية كفرجة أوروبية بربرية أعادت للإنسان حقه في دائرة الأنوار , وقد نبّه كانط في ذلك إلى أن من يشاهد الثورة كفرجة يصاب بعدواها لا محالة متنبئا بذلك بما سيحدث في أوروبا الملكيات المطلقة الحاكمة بالنيابة عن الله ... والثورة التونسية ثورة مذهلة لا لأنها سوف تكون بداية للإعادة توزيع مناطق النفوذ الجيو– إستراتيجية في العالم, بل لأنها ستغير مستقبلا مفاصل الترسانة الفكرية والإبستيمبة والنظرية للعالم المهيمن على العالم بالعقل والحديد.
(3)
مربكة هذه الثورة للجميع ومفاجئة إلى درجة لا تحتمل, وعصيّة عن الإدراك, ومنفلتة عن التوصيف. بل تحوّلت إلى تمرين فكري وفلسفي صعب عند المفكرين شرقا وغربا للإمساك بأسرارها الحقيقة وإستتباعاتها في الزّمان والمكان. إنها لا تشبه أي ثورة حاصلة في التاريخ, فهي ليست بالثورة الأمريكية القائمة على عقيدة التطهر من الذنوب في العالم الجديد تحت أنظار العناية الإلهية والمتوّجة بدستور كأنه ديباجة الوصايا العشر, وليست بالثورة الفرنسية القائمة على تخصيب معنى الحرية عند القيادة الفكرية وتمريرها لتشعّ عند القيادة السياسية باسم الشعب , وليست بالثورة البلشفية القائمة على نظرية فكرية وأيديولوجية تستهدف مجتمعا صناعيا فتحصل بشكل ساخر في مجتمع إقطاعي, وليست ثورة سبارتاكوسية تقوم بها البرجوازية ويقمعها بوليس البرجوازية نفسها, وليست بالثورة الإيرانية القائمة على فكرة الإمام المخلص في سبيل مجتمع التيوقراطيا, وليست, وليست, وليست... إلا ثورة عصيّة على الوصف والتوصيف. ثورة تكاد من فرط «خفة كينونتها التي لا تحتمل» أن تتحول إلى معجزة بلا نبوة, وإلى قيامة بدون علامات السّاعة وخارج ضوابط الكوسمولوجيا.
(4)
أجل إنها ثورة مربكة إلى حد الآن في ظل الغياب المطلق لفصل المقال في هذه الثورة ومعانيها ومستقبلها وما ستؤول إليه الأمور على أرض الواقع ... إنها ثورة مربكة ألمسها في العجز الكامل لمن كتب عن الثورة من المفكرين والمنظرين والفلاسفة في العالم الحر من خلال محاولاتهم المحتشمة في فهم هذه الثورة وإدراك أبعادها وإستتباعاتها . ولقد نبه المفكر التونسي فتحي بن سلامة إلى أن هذه الثورة إختبار للفكر الإنساني المعاصر في منطلقاته وثوابته ومرجعياته حين أشار إلى عدم فاعلية النظريات الفكرية الكبرى لمقاربة الواقع الإنساني مشيرا إلى أهمية التجربة الشّخصية في الإمساك بالحدث وهوحدث الثورة بما هومحمول على باب الألفة المتماهية مع النرجسية الذاتية. هذه المقاربة التي من الواجب أن تكون قائمة على التجربة الشخصية بما يعني ذالك إدراك الغربة الشخصية وتصريفها خارج حدود الذاتية والموضوعية من أجل القبض على الطاعة المبدعة الكائنة في الذات حين تكون هذه الذات قادرة على رؤية نفسها كذات أخرى... كم من الجهد الذي سوف نبذله نحن التونسيون لإدراك هذه الغربة التونسية وأكاد أقول العربية الغربية على حد عبارة السهروردي المقتول... كم من الجهد الفكري يحتاجها الكائن التونسي للتموقع عقلا وروحا في قلب هذا الحدث القيامي الذي تمثله الثورة التونسية ...
(5)
يشير فتحي بن سلامة في سياق حديثه عن الثورة التونسية وعلى مستوى الإدراك الذاتي القائمة على تجربة الغربة , أن هذه الثورة أعادت للكائن التونسي أعضاءه الشبحية قياسا على من بترت يداه أوساقه فيعوض ذلك بعضوشبح يستمر من خلاله التواصل في الفضاء الحياتي اليومي . ومن بين هذه الأعضاء الشبحية على المستوى الإستعاري الاعتقاد بأن الثورة ممكنة وهو الاعتقاد الذي تمّ بتره وخصيه كعضو حيوي في الذات التونسية ... ما أرعب هذا التعبير المعلق على هول التراجيديا , والمحمول على كرسيّ الإعاقة المتحرك للفشل ... يضع فتحي بن سلامة إصبعه على الداء الرّاقد كالسرطان في الكائن التونسي , والذي أراه إن لم يجتهد في اجتراح معاني وجوده خارج تجربته الشخصية, سيضطر إلى إبدال أعضائه الشبحية بأعضاء اصطناعية (Prothèses) لأنه لم يكن في حجم غربته الذاتية ولأنه لم يكن في حجم هذه الثورة التونسية... وفي الأثناء ستتسلل الدكتاتورية بأعضاء اصطناعية يتداول في استخدامها كل من الفقيه ورجل القانون والمناضل الطبقي... وتبقى الثورة قيامة تلد جمهورية الغوغاء والجموع.
٭ تحية للمفكر التونسي فتحي بن سلامة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.