شماريخ وزغاريد وورود وهتاف لتونس وللحرية كانت تلك ابرز ملامح ما حدث مساء اول أمس الثلاثاء في بهو المحطة الثانية لمطار تونسقرطاج الدولي... حيث كان من المنتظر وصول طاقم السفينة حنبعل 2 المفرج عنهم الاسبوع الماضي في الصومال بعد اختطافهم من قبل قراصنة في شهر نوفمبر الماضي.. مشهد احتفالي لم ترهقه ساعات الانتظار المطولة التي قضتها عائلات الرهائن... فأغلبهم كان يغني ويبتسم ويرقص ويعانق بعضهم البعض ويقول ما إن بادره صحفي بالسؤال: «فلتصل الطائرة متى تشاء... ولتتأخر متى تشاء... يكفينا فقط اليقين بأنهم في الطريق إلينا». ظهروا أسرة واحدة في تلك الأمسية... فالكل يتحدث الى الكل بحميمية... والكل يستقبل بذات الحميمية كل وافد جديد من عائلات المخطوفين. وحّدتهم الأزمة كما يقولون وجمعت أصواتهم المتباعدة في صوت واحد ينادي باطلاق سراح أبنائهم. تآزر «كان علينا ان نتآزر ونتحرّك بخطوة واحدة لمواجهة الأزمة» هكذا قالت منى الزواري شقيقة المفرج عنه أيمن الزواري اصيل مدينة قليبية والبالغ من العمر 27 سنة ... مشيرة الى أن أشهر الاختطاف مرّت على العائلات وكأنها سنين... وهم يعايشون حادثة ظلّت لسنوات مجرد قصص تروى للأطفال تقول ان القراصنة هم مجرمون محترفون يسكنون عرض البحر. «ظل أيمن طيلة اشهر الاختطاف يهاتفني مرة واحدة في الشهر لمدة لا تتجاوز 5 دقائق يخبرني فيها أنه مايزال على قيد الحياة وأنهم انتزعوا منه كل ما هو ثمين حتى حذاء» هكذا تروي والدته غزالة النمر ما حدث خلال أشهر الاختطاف. وأضافت ل «الشروق» ان الخوف تملّكها بعد 14 جانفي اذ هاتفها أيمن بصوت متلعثم وقال لها كلاما لم تفهمه... يومها أمضت ليلتها في «السانية» دون ان تفهم ما قد يحصل على حد قولها. رسائل مشفرة «شكرا للإذاعة الوطنية» هذا ما كان يقوله الجميع... فالعائلات استطاعت التواصل مع المخطوفين في الصومال بتمرير رسائل مشفّرة... كانوا يتوجهون بالقول الى الربّان فوزي فرادي بالقول: «نحن بخير يا فوزي وغدا سيكون لنا «ماتش» في الساعة الثالثة وسنفوز وسنحاول الاتصال» وهي كلمات مشفّرة تعني انه لنا لقاء جديد مع مسؤولين في الخارجية حول تقدم المفاوضات وحول الاتصال بنا»... كل هذا كان يتم عبر موجات الإذاعة الوطنية. مراوغة تعترف أسماء أنه لولا ثورة 14 جانفي ما كان ليطلق سراح شقيقها وبقية المختطفين... إذ «أن المفاوضات كانت متوقفة من الجانب التونسي وهذا ما أكده لنا المختطفون أنفسهم، حسب قول أسماء إذ يقولون انه ليس هناك اي تفاوض وحين نتصل بالسيد فريد عبّاس يقول لنا انهم تحت الضغط لذلك مجبرون على القول بأنه ليس هناك اي تفاوض... لكن المخطوفين كانوا يؤكدون في كل اتصال ان مفاوض القراصنة لم يستطع الاتصال بالجانب التونسي». وتضيف أسماء انه كان من الممكن ان تتم التضحية بالمخطوفين لولا الثورة وضغط وسائل الاعلام. كما صرّحت أسماء ان تونسالجديدة بلد تعامل علنا مع القراصنة فقط من أجل أبنائه لتثبت أن مواطنيها أغلى من أي ثمن. عروس وسط ذلك المشهد الاحتفالي الذي ميّز بهو المحطة 2 اين كان من المتوقع وصول الطائرة القادمة من دجيبوتي وعلى متنها المفرج عنهم وعلى الساعة السابعة مساء ظهرت عروس استقبلها كل من تواجد في المطار بالزغاريد والغناء. كانت رشيدة الخرداني زوجة المفرج عنه محمد علي بونوّارة أصيل منطقة قربة والبالغ من العمر 27 سنة... والتي غاب عنها زوجها بعد مضي حوالي شهر ونصف عن زواجهما. تزوّجا يوم 11 أكتوبر 2009 سافر بعدها الزوج في مهمة وظيفية على متن حنبعل 2 وعاد بعد ثلاثة أشهر... ثم غادر في مهمة جديدة استغرقت هذه المرة 9 أشهر وعاش خلالها حادثة الاختطاف. تقول رشيدة ل «الشروق» ان عريسها هاتفها قبل الحادثة بثلاثة أيام ليخبرها انه يشعر بالضيق وانه لم يخف قبل هذا اليوم وروى لها كيف تعرّضت السفينة الى عاصفة وهي في طريق العودة لتونس.. وأضافت انها طمأنته رغم انها تشاطره ذات الاحساس اذ «أنني حلمت أنني ابحث عن «حنبعل 2» في عرض البحر لكنني فقدتها». رجل البحر تحدثت بصوت مرتعش وقالت إنها تخاف وقوعها في حالة إغماء لحظة وصول الطائرة ورؤيتها لعريسها. سألناها ان كانت ستوافق على عودته للعمل مجددا في البحر... فردّت «بالنسبة اليّ يستحيل ذلك لكنني مقتنعة انه سيعود لانه رجل يحب البحر». قالت ان محمد علي التقني المختص في الميكانيك نجح مرتين في انقاذ «حنبعل 2» لأنه لا يخاف الأزمات المفاجئة في البحر.. اذ نجح ذات مرة في طلب النجدة للسفينة بعد توقفها المفاجئ عرض البحر بسبب نفاد وقودها وهي في الطريق من اسبانيا الى ليبيا... اذ استخدم حينها خطّا جوالا تونسيا في محاولة لطلب النجدة من تونس... ونجح الامر . كما نجح محمد علي مرة ثانية في اخماد حريق شبّ بشكل مفاجئ على متن «حنبعل 2». بعد اختطافهم عاشوا لحظات رعب حقيقي حسب قول رشيدة... اذ فشلوا بداية في التصدّي للقراصنة (قبل خطفهم) اذ استمرّت محاولة التصدي وطلب النجدة حوالي 30 دق قبل ان يستخدم القراصنة أسلحة خاصة ورشاشات. انتهت المغامرة بعد خطفهم استمروا في تناول وجبة واحدة في اليوم كان يقدمها لهم القراصنة وشرب مياه مخصصة لتنظيف السفن.. كما كانوا مجبرين على استخدام بيوت الراحة لمدة دقيقتين فقط في اليوم وفي مخاطبة أهاليهم في تونس مرة واحدة في الشهر لمدة لا تتجاوز 5 دقائق. وانتهت المغامرة باطلاق الرصاص ارضا على مقربة من أرجلهم كردّة فعل غاضبة على تأخر موعد تسليم الفدية. وترفض اليوم عائلات كل المخطوفين عودة أبنائها للعمل في عرض البحر.. بعد وقوعهم في قبضة قراصنة... في حادثة قد لا تمحى من ذاكرة الجميع. ٭ أسماء سحبون
تونس «الشروق»: قبل أكثر من شهر، اجتمعت عائلات بحّارة باخرة «حنبعل2»، ذات ليلة شديدة البرودة أمام وزارة النقل، غير بعيد عن مطار تونسقرطاج للتعبير عن غضبها من تأخر مفاوضات إطلاق سراح أبنائها المختطفين في السواحل الصومالية... فكان المشهد آنذاك مؤلما بكل المقاييس.. أمّا ليلة أول أمس الدافئة، فقد اجتمعت العائلات نفسها في المحطة 2 لمطار تونسقرطاج، غير بعيد عن وزارة النقل التي اجتمعت أمامها قبل شهر، لكن هذه المرة للتعبير عن فرحتها بعودة أبنائها سالمين.. فكان المشهد رائعا بكل المقاييس. وفي حدود الساعة الواحدة و10 دقائق بعد منتصف الليل، حطّت بمهبط المطار الطائرة المقلّة للبّحارة بعد أن أقلعت من مطار دجيبوتي على الساعة السادسة و20 دقيقة مساء.. أكثر من 7 ساعات مرّت على البحّارة داخل الطائرة وكأنها أشهر.. وكذلك مرّت على كل من كان ينتظرهم في المطار من أفراد عائلاتهم وأصدقائهم الذين جاؤوا الى العاصمة من مختلف أرجاء البلاد منذ الساعة الخامسة مساء. ولم تمض سوى 15 دقيقة حتى كان البحارة ال22 في البهو الداخلي لمحطة الحجيج وكان في استقبالهم السيد ياسين ابراهيم وزير النقل والتجهيز وعدد كبير من وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والبعض من أفراد العائلات الذين سمحت لهم مصالح الڤمارق بالدخول الى البهو الداخلي حتى يكونوا من أول المستقبلين. فيما كان البقية ينتظرون على أحرّ من الجمر إطلالة أبنائهم في قاعة الاستقبال الخارجية وسط الهتافات والزغاريد وطلقات الشماريخ وخاصة وسط ترديد الأغلبية لشعار «تحيا ثورة تونس» وللنشيد الرسمي «حماة الحمى». بين الماء والسماء رغم حالة الارهاق البادية على أجساد ووجوه البحارة، ورغم تحمّسهم لرؤية عائلاتهم في القاعة الخارجية، فقد قبلوا بالحديث الى وسائل الاعلام على امتداد أكثر من ساعة في البهو الداخلي للمطار.. «لم يكن من الهيّن قضاء 125 يوما وسط أجواء من الذعر والخوف والجوع والعطش وقلة الدواء والعزلة عن العالم.. قضينا 125 يوما بين السماء والماء.. ننظر الى أعلى فلا نرى غير زرقة السماء أو الغيوم.. وننظر من حولنا والى الأسفل، فلا نرى غير مياه البحر أو في أحسن الأحوال تتراءى لنا الصحراء الصومالية من بعيد..». يقول محمد علي بونوّارة (بحار ميكانيكي أصيل قربة) ل«الشروق»، وهو يحتضن زوجته أو لنقل «عروسه» رشيدة التي غادرها بعد مدة قصيرة من الزواج (منذ جوان 2010) ولم يلتقيا على امتداد أكثر من 7 أشهر! قوة الاحتضان في القاعة الخارجية، جرى البحار عبد القادر الشواشي (أصيل مجاز الباب) مباشرة عند تجاوزه مصالح الڤمارق نحو ابنه الرضيع واحتضنه بقوة.. فقد وضعت زوجته هذا الرضيع يوم 29 جانفي، عندما كان والده يعاني مع بقية البحارة ويلات الاحتجاز من القراصنة الصوماليين. ولد الرضيع وكتبت الأقدار أن لا يحضر والده الحدث السعيد، ولم يتسن له رؤيته إلاّ بعد حوالي شهرين.. احتضن عبد القادر رضيعه بقوة، لكن لم ينس احتضان زوجته وابنه الآخر وبقية أفراد العائلة في مشهد مؤثر اختلطت فيه الدموع بالزغاريد. أما بلال السوسي (أصيل تستور) فلم يتخلّ منذ مغادرة الطائرة عن احتضان والده عبد الرحمان الذي كان من ضمن المستقبلين في البهو الداخلي للمطار.. وقال بالخصوص: «رغم الأمل الذي رافقنا طوال ال125 يوما في العودة الى عائلاتنا، إلاّ أننا بلغنا في وقت من الأوقات مرحلة كبرى من اليأس خاصة ونحن نعيش تصرّفات القراصنة تجاهنا. لكن مرت الأمور بسلام ولا بدّ من التوجه بالشكر الى كل من تدخل لفكّ اختطافنا». حمل مشترك كانت مشاعر السعادة والفرح بادية على وجه مالك باخرة «حنبعل2» فريد عباس الحاضر بالمطار، والذي أكد ل«الشروق» أن عملية تحرير الرهائن تمّت بالتعاون مع كل الأطراف، لكن لم يخف أن الحمل الأكبر وقع على شركته في إشارة الى مبلغ الفدية المدفوع للقراصنة والذي ناهز 4 ملايين دولار (حوالي 6 مليارات من مليماتنا)، والذي تحمّلته على ما يبدو الشركة. غير أن السيد ياسين ابراهيم، وزير النقل والتجهيز صرّح لنا بأن الحمل وقع تقاسمه بين كل الأطراف، وأكد أن الحكومة تحمّلت خاصة الجانب اللوجيستيكي المتمثل في التعاون مع الحكومة الفرنسية لتوفير سفينة عسكرية وأيضا في الطائرة التي وقع توفيرها لنقل الطاقم من دجيبوتي لتونس... وشاطر أغلب البحارة الذين تحدثت إليهم «الشروق» رأي بلال السوسي... كما لم يخف أفراد البحارة سعادتهم بهذا الحدث السعيد، والذي احتفلوا به على طريقتهم منذ حلولهم بالمطار الى حدود الثالثة فجرا، قبل أن يغادر الجميع المكان داخل السيارات التي أطلق سواقها العنان للمنبهات الصوتية المتتالية أثناء مغادرة مأوى المطار في مشهد ذكرنا بعودة الجماهير الرياضية من المقابلات الكبرى بعد فوز فرقها...