من منكم شاهد مسرحية «الليل زاهي»، مساء أول أمس بالمسرح البلدي بالعاصمة؟! من المؤكد أن أغلبكم استمتع بهذا العمل المسرحي الجديد لفرقة بلدية تونس للتمثيل.. حتما نجاح العرض الأول ل«الليل زاهي»، لم يأت من فراغ، فعندما تجتمع مجموعة من العناصر الجمالية الفنية يكون النجاح. فمخرج المسرحية فرحات الجديد، وظّف خبرته الطويلة اقتباسا وإخراجا، كما شاهدتم ليكون «الليل زاهي» اسما على مسمّى فيه تحضر الابتسامة والكوميديا بكثافة مع التعرض لبعض المظاهر الاجتماعية بطريقة ساخرة ومضحكة تؤسس لهذه النوعية المسرحية التي يطلق عليها «الفود فيل». كما لا يفوتنا التنويه بدور فرقة بلدية تونس للتمثيل باعتبارها المنتجة لهذا العمل المسرحي، ويكمن دورها الايجابي في توفير الامكانات المادية اللازمة لاعداد ذلك الديكور المتميّز والملابس الموظفة كأفضل ما يكون في «الليل زاهي». وما دمنا قد استحضرنا الديكور، من المؤكد أنكم تشاطروننا الرأي، بكونه ديكورا متميزا أو على الأقل لم نشاهد مثله منذ سنوات.. هذا الديكور، يمكن اعتباره خاصة من خاصيات المسرحيات التي تنتجها فرقة مدينة تونس كما هي معروفة، منذ نشأتها ومن منكم لا يستحضر ديكور مسرحية «الماريشال عمار» بنسختيها. لكن الديكور كما صرّح بعض من شاهد المسرحية، يعد عنصرا من عناصر الفرجة والجمالية في هذه المسرحية؟!.. حتما الأمر كذلك فأول ما يشدّ انتباهك في أي عمل مسرحي اختيار الديكور المناسب والاضاءة التي تخدم مشهدا مسرحيا ما. ومن هذا المنطلق، فإن الجانب التقني والجمالي والاخراج.. كل هذه المعطيات كانت حجر الأساس في نجاح المسرحية، لكن ما رأيكم في أداء الممثلين؟! حرفية الممثلين قد لا يتطلب هذا السؤال إجابة، فعندما يجمع عمل مسرحي ما، أسماء كمحمد السياري وأنيسة لطفي وكوثر الباردي والمنجي بن حفصية وجمال العروي وزهير الرايس وإكرام عزوز وريم الزريبي ومحمد سعيد. فإنّ انتظارات المتفرّج ستكون قطعا ايجابية. وممّا لا يدع مجالا إلا لليقين، فإنّ أداء الممثلين كان مقنعا الى حدّ كبير، وكان السياري وزملاؤه نجوما بحق في عالم التمثيل. من منكم وهو يسترجع بعض مشاهد المسرحية في ذهنه بابتسامة كلاّ من محمد السياري وإكرام عزوز وجمال العروي هؤلاء كما تابعتم، كان لهم الحظ الأوفر من النص فأبدعوا في أداء أدوارهم. بيد أنّ هذا لا ينفي اطلاقا الأداء المميّز للفنانة الكبيرة أنيسة لطفي والممثلة ريم الزريبي والممثلة كوثر الباردي، بالاضافة الى الأداء المميز للمنجي بن حفصية وزهير الرايس. الوجوه الشابة أقنعت كما أنه لا يمكن أن نتجاهل عنصرا آخر من عناصر الجمالية في مسرحية «الليل زاهي»، بل لعلّه من أبرز هذه العناصر والمقصود هنا إن كنتم تستحضرون، الموسيقى والرقص. هذه العناصر التي أثثتها وجوه شابة أقنعت بأدائها منذ الوهلة الأولى لعرض «الليل زاهي»، فأدخلت نوعا من الزهو والطرب عبر الرقص الغربي الجماعي، والرقص الشرقي المنفرد، وعبر صوت الفنانة الشابة «ليلى الهدّاجي» خاصة. كما لا ننسى الأداء المميّز للممثلين المسرحيين، منال لحمر وجميلة كامرا. قصة «الليل زاهي» دون شكّ، الحديث عن الجزئيات والتفاصيل الكثيرة في مسرحية «الليل زاهي»، يحتاج وقتا طويلا، لذلك دعونا نستحضر قصة هذه المسرحية، وكلكم يتذكر بداية العرض لما ماطل «التارزي» (إكرام عزوز) أجيريه (محمد سعيد وجمال العروي)، وصمّم على التحيّل عبر اعطاء بدلة أحد حرفائه إلى «جميل» (جمال العروي)، ليتحيّل بها في ما بعد في مطعم صاحبته ريم الزريبي، في هذا المطعم يدور الجزء الأول من أحداث «الليل زاهي»، يذهب «التارزي» و«جميل» الى المطعم هناك يتعرفان على «الفاضل» (محمد السياري) و«شاكر» (المنجي بن حفصية) و«معز» (زهير الرايس) ويوهمانهم بأن «جميل» رجل أعمال فتتطوّر الأحداث ويربح «جميل» .. «الفاضل» و«شاكر» في لعبة «البوكار». ثم تتطور الأحداث أكثر حين يدعو الفاضل «جميل» ورفيقه الى منزله ليعرض عليه مشروع نزل 5 نجوم، فيتعرف «جميل» على «درصاف» (كوثر الباردي)، ابنة «الفاضل» و«شريفة» (أنيسة لطفي)، فيعجب بها وتعجب به، وهي المخطوبة أو خطيبة «معز» (زهير الرايس)، الشيء الذي أثار حفيظة معز وجعله يكشف حقيقة تحيّل «جميل» ورفيقه التارزي، لكن العلاقة بين الخطيبين وصلت الى نهايتها لأن «معز» ليس رجل أعمال، ولا موظفا. هو فقط متحصل على شهائد عديدة، وعاطل عن العمل وفي هذا الاطار ثمّة اشارة واضحة لشرارة اندلاع الثورة التونسية. إشارة صفق لها الحاضرون في العرض الأول لمسرحية «الليل زاهي» بالمسرح البلدي بالعاصمة مساء أول أمس. وكم نحن بحاجة الى مثل هذه الأعمال المسرحية خفيفة الظل، طريفة النصّ. في هذا الظرف العصيب وفي هذه المرحلة الانتقالية التي تعيشها بلادنا.. ويعيشها شعبنا.