طالعت باستغراب واندهاش في الصفحة 24 من جريدة الشروق الصادرة يوم 12 مارس 2011 ما يشبه المقال الصحفي على مستوى شكله الخارجي فقط، يحمل صورة محمد الصغير بن قرفي ويحمل توقيع «الموسيقار د.محمد القرفي». ولقد استهدفني شبه المقال هذا شخصيا في فقرتيه الثانية والثالثة، بتخمينات لا تمت إلى الواقع بصلة، مما يجعلني مجبرا على الرد والتوضيح. كتب صاحب الصورة محمد الصغير بن قرفي تعليقا على مغادرتي لإدارة مهرجان قرطاج ما يلي: «رفض أن يستجيب لرغبات القصر وحواشيه فاستقال علما أن نظام بن علي لم يكن يقبل الاستقالة»، وأنا أصحح : «لقد غادر الكثيرون من أصحاب المبادئ ومن غير الجبناء مناصب مختلفة في قطاعات عدة وفي صمت. ولقد استقلت فعلا من إدارة المهرجان ويمكن أن يشهد بذلك السيد الوزير السابق للثقافة والمحافظة على التراث. ولكن هذا الأمر ليس مهما لأني كنت سأقال لا محالة بعد أيام. وأنا أتفهم ألا يتمكن أمثال صاحب الصورة محمد الصغير بن قرفي من تصديق ذلك. كتب صاحب الصورة محمد الصغير بن قرفي ما يلي : «شكر كثيرا جماعة الفوق». وأنا أعلق أني لم اشكر بتاتا هؤلاء. وبما أن تسجيل الحصة موجود، فإني أعتبر ذلك من قبيل الثلب الذي يهدف إلى تشويه صورتي أمام الرأي العام وستقول العدالة كلمتها فيه. كتب صاحب الصورة محمد الصغير بن قرفي ما يلي: «قال بكل امتنان أنهم تعاملوا معه بكامل الأدب والاحترام». ما قلته فعلا، وبدون أي امتنان، أنهم تعاملوا معي باحترام على الرغم من طلباتهم غير المقبولة والمضرة بالمهرجان، ويدخل ذلك في إطار الإدلاء بشهادة. وأجلب الانتباه هنا أنه ليس من مبادئي تغيير الحقائق وتزييفها بتغير الإطار والمناخ العام. وأنا أتفهم أن يبدو ذلك صعب الاستساغة على أمثال صاحب الصورة محمد الصغير بن قرفي. كتب صاحب الصورة محمد الصغير بن قرفي ما يلي: «خلنا أنه سيقول كانوا من خيرة الناس ولا يستحقون هذا المصير الأغبر». وأنا اعتبر أن هذا التأويل الخطير والخاطئ لآرائي أيضا من قبيل الثلب الذي يهدف إلى تشويه صورتي أمام الرأي العام وستقول العدالة أيضا كلمتها فيه. كتب صاحب الصورة محمد الصغير بن قرفي ما يلي: «كان ابن النظام المدلل الذي ولاه إدارة مركز النجمة الزهراء للموسيقى المتوسطية طيلة سبعة سنوات بفضل علاقاته الحميمة». وأنا أجيب : يعتبر محمد الصغير بن قرفي أني ابن النظام المدلل لأني توليت إدارة مركز الموسيقى العربية والمتوسطية النجمة الزهراء. من هذا المنطلق، فإن كل أطباء المستشفيات وموظفي الإدارات والبنوك من مختصين في الإدارة والتصرف والقانون والشؤون المالية وكل الصحفيين في مختلف وسائل الإعلام وكل المربين والمدرسين في قطاعات التعليم الابتدائي والثانوي والعالي وغيرهم هم جميعا من أبناء النظام المدللين ! لماذا استغرب محمد الصغير بن قرفي من تعييني على رأس المركز وأنا موسيقي تونسي وعازف قدمت أكثر من مائتي عرض موسيقي من تأليفي في تونس ومختلف بلدان العالم منذ الثمانينات بالإضافة إلى كوني متحصلا على شهادة الدكتوراه في العلوم الموسيقية منذ جانفي 1995 ؟ هل كان محمد الصغير بن قرفي ينتظر تعيين طبيب أو مهندس فلاحي أو مختص في المعلوماتية أو قاض أو أستاذ جامعي في العلوم الفيزيائية لإدارة مركز مختص في الموسيقى؟ لقد توليت إدارة مركز الموسيقى العربية والمتوسطية -النجمة الزهراء- بفضل كفاءاتي الثابتة كموسيقي وكباحث (وسأعود إلى هذه النقطة لاحقا). ولقد نال المركز تحت إشرافي جائزتين عالميتين حيث فاق عدد ساعات الموسيقى المسجلة الموثقة بقواعد بيانات مرقمنة 15 ألف ساعة مختصة في التراث الموسيقي التونسي لكافة الجهات بالإضافة إلى موسيقات عدد كبير من بلدان العالم من كافة القارات. ولقد بعث المركز تحت إشرافي أربع تظاهرات موسيقية قارة احتلت في وقت وجيز حيزا مهما في الساحة الثقافية بتونس وهي: «بارعون شبان في النجمة الزهراء وموسيقيون من تونس وألوان من الجاز وموسيقات»، فضلا عن تنظيم عدد كبير من الندوات واللقاءات العلمية والمعارض وإصدار عدد من الأقرصة الليزرية والكتب وصناعة عدد من الآلات الموسيقية التونسية المندثرة أو تلك التي في طريقها إلى الاندثار. لقد عين صاحب الصورة وشبه المقال محمد الصغير بن قرفي من قبلي كمدير للمعهد الوطني للموسيقى وفي عهد بن علي قبل أن يقع التخلي عن خدماته بعد خلافات عديدة مع إطار التدريس وأولياء التلاميذ. فما هي إنجازاته الموسيقية أو العلمية بهذه المؤسسة ؟ لقد قضيت بمركز الموسيقى العربية والمتوسطية سبع سنوات ونصف دون أن أنظم ولو في مناسبة واحدة حملة جمع تبرعات لفائدة صندوق 26 26 (على الرغم من الاستقلالية الإدارية والمالية للمركز ووجود قرابة الستين موظفا وعاملا). ولقد قدم المركز خلال هذه الفترة ما يزيد عن ثلاثمائة عرض موسيقي دون وضع أي صورة لبن علي فوق الركح. بينما لم يترك محمد الصغير بن قرفي الفرصة تمر دون أن يتحفنا ببعث فضاء 7 نوفمبر بلوحته الشهيرة داخل فضاء المعهد الوطني للموسيقى على الرغم من قصر المدة التي قضاها في إدارته، مما أثار استياء عدد كبير من الأساتذة. فهل يستطيع أن ينكر ذلك ؟ وهل كان ذلك من باب «القفة» والانتهازية أو من باب الاقتناع؟ نفى عني صاحب شبه المقال محمد الصغير بن قرفي كافة كفاءاتي الموسيقية والعلمية حيث كتب: «وهو لم يدل بعد بدلوه في الموسيقى سواء في البحوث أو في الابتكار بل كان عازف عود عاديا يفوقه زملاؤه بأشواط». أجيب أني من أبرز عازفي العود في جيلي إلى جانب آخرين، حيث أني تتلمذت على يد المرحوم أحمد القلعي لمدة أربع سنوات ثم على يد الأستاذ خالد بسة لمدة ثلاث سنوات. ولقد اختارني الدكتور صالح المهدي وهو أستاذ محمد الصغير بن قرفي وأستاذي ومربي الأجيال لأقدم عزفا منفردا على هذه الآلة لمدة 30د قبل العرض الموسيقي لفرقة المعهد الوطني للموسيقى في جوان 1982 ولم يكن عمري يتجاوز آنذاك 16سنة ونصف (والمقال الصحفي المصاحب يؤكد صحة كلامي). وتواصلت رحلتي مع هذه الآلة حيث قدمت ما يزيد عن 50 عرضا منفردا في تونس وأيضا بالخارج مثل عروض دار ثقافات العالم ببرلين أو مهرجان العود بتطوان الذي افتتحته سنة 2008 وغيرها. وأنا اليوم سعيد لوجود عدة عازفين ممتازين بارعين وكنت من بين الذين شجعهم على الظهور والبروز إذ نظمت لهم جميعا عروضا في العزف المنفرد كما كنت سببا مباشرا في تقديم عدد منهم لعروض بالخارج. ولكن، كيف يجرؤ محمد الصغير بن قرفي الحديث عن العازفين ومستوياتهم، هل هو عازف ؟ ما هي آلته الموسيقية ؟ هل يعرف معنى لمواجهة الجمهور بعزف منفرد ؟ متى كان ذلك ؟ وأين ؟ لقد ارتبط تاريخ كل الموسيقيين في تونس وفي العالم (حتى الملحنين من بينهم) بحد أدنى من السيطرة على الصوت البشري أو إحدى الآلات الموسيقية. ويبقى محمد الصغير بن قرفي الاستثناء الوحيد في ذلك، إذ هو موسيقي النظريات البالية! إن عرض «غموق الورد» (2003) ليس بأول عرض أقدمه في إطار مهرجان قرطاج الدولي، بل كان الثاني من نوعه بعد عرض «حكاية طويلة» (1999) الذي كان قد نال استحسان الصحافة (أنظر الملف الصحفي المصاحب). وهنا أذكر أن كافة عروضي الموسيقية التي انطلقت من فرنسا في نهاية الثمانينات تعكس نفس التوجه الموسيقي ألا وهو الانطلاق من الخصوصيات اللحنية والإيقاعية لعدد كبير من الموسيقات المكونة للتراث الموسيقي التونسي وبلورتها في إطار جمل موسيقية جديدة متشبعة بما أسميه اللهجة الموسيقية التونسية. وأنا لا استغرب أن يجد محمد الصغير بن قرفي في جملي الموسيقية تقاربا أو حتى تشابها مع جمل المالوف وهذا هو رد فعل أغلب الجاهلين لخفايا التراث الموسيقي التونسي من أمثاله. فهل ألف محمد الصغير بن قرفي جملة موسيقية واحدة في حياته اتفق الموسيقيون وأنها في اللهجة الموسيقية التونسية ؟ لا ولن يمكنه ذلك لأن فاقد الشيء لا يعطيه بما أن مرجعياته الموسيقية غير تونسية وهو حر في توجهاته. ولكن كيف يمكنه في هذه الحالة أن يحكم إن كانت أية جملة موسيقية ملحنة في اللهجة الموسيقية التونسية مبتكرة أم لا ؟ وفي الحقيقة لم يكن يجدر بمحمد الصغير بن قرفي التطرق مطلقا إلى مسألة الابتكار في صياغة الجمل الموسيقية، إذ أن مؤلفاته الموسيقية (التي لا تكاد تتعدى 10 % من محتوى عروضه منذ أمد بعيد) لا تعدو أن تكون سوى نسخ سيئة جدا لأعمال الرحابنة تصورا وصياغة، ولم تتمكن قط من سلوك نهج خاص يتفرد به ويتخلص بواسطته من جلبابهم مقارنة بموسيقيين آخرين من نفس الاتجاه تفردوا بأسلوب خاص على غرار توفيق الباشا أو عمر خيرت مثلا.