بقلم الموسيقار: د. محمد القرفي ما أن أرخى النظام ستاره وانهار في جنح الليل حتى سارعت جحافل من الانتهازيين والباحثين عن عذرية جديدة الى أجهزة الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وكأن الذاكرة الجماعية محيت أو فقدت الصواب بفرحة النصر. وقد وصلت الجرأة ببعضهم أن انقلبوا على مواقفهم المعلنة ولم تمض بعد أربع وعشرون ساعة على استماتتهم في الدفاع عن النظام حتى آخر رمق. وقد سُمع أحدهم، وهو من الدكاترة الذين ابتليت بهم الموسيقى في تونس، يقول إنه لم ينل منصبا في نظام 7 نوفمبر ويجب ان يحصل على شيء من هذه الثورة عملا بالمثل القائل «يجب طرق الحديد ما دام سخنا» قبل فوات الاوان، وطفق يدور بين القنوات التلفزيونية والاذاعية والجرائد ويُلصق نفسه كالبقّة في كل مكان ويوزّع أفكاره الفارغة عسى أن يلتفت إليه أحد المسؤولين الجدد القدامى فيولّيه أي منصب «يمشمشه» ويزيد على بلائنا بلوى. ولا نستغرب اذا وجدناه ذات يوم يتقدم قطعان الانتهازيين ويمدّ وجهه في المحافل الثقافية فأمثاله كثيرون «صحاح الرقعة» وكانوا الى زمن قريب يحتلّون الصفوف الاولى ويتزيّنون بنياشين الافتخار. رجل آخر طلع الى التلفزيون يحكي قصة اختفائه المفاجئ من ادارة مهرجان قرطاج في صائفة 2010 بعد أن أخفقت أجهزة الاعلام المرئية خاصة أن تعرف سبب ابعاده من دائرة المسؤولية. وقد سُئل آنذاك: هل هي إقالة أم استقالة؟ لكنه كان يُجيب بتهرّب: لا تعليق، ربما خوفا من أعرافه أو تحسّبا من عواقب قد لا تكون في صالحه أو من باب ترك المجال مفتوحا للصلح وربما لمسؤوليات قادمة. مراد الصكلي انحلّت أخيرا عقدة لسانه بعد مراوغة وطلع الى التلفزيون يروي ما قال إنه الحقيقة: رفض أن يستجيب لرغبات القصر وحواشيه فاستقال علما بأن نظام بن علي لم يكن يقبل الاستقالة. والغريب أنه لما حكي قصته شكر كثيرا «جماعة الفوق» وقال بكل امتنان انهم تعاملوا معه بكامل الادب والاحترام. وكررها مرات حتى خلنا أنه سيقول: «كانوا من خيرة الناس ولا يستحقون هذا المصير الأغبر». كيف لا وقد كان ابن النظام المدلل الذي ولاّه إدارة مركز النجمة الزهراء للموسيقي المتوسطية طيلة سبع سنوات بفضل علاقاته الحميمة وهو لم يُدل بعد بدلوه في الموسيقى سواء في البحوث او في الابتكار بل كان عازف عود عاديا يفوقه زملاؤه بأشواط. وكلّف عام 2003 بافتتاح مهرجان قرطاج فقدم عملا يندرج في صلب السياسة الثقافية للنظام التي كان يدير خيوطها عبد الوهاب عبد الله وعبد الحميد سلامة بدعوى «تجذير الهويّة». كما تولى انجاز الموسيقى للعرض الافتتاحي لتظاهرة «القيروان عاصمة الثقافة الاسلامية عام 2009 والتي لم تضم هي أيضا سوى الاخيار المدللين للنظام والمقرّبين من دوائره». ونذكر في هذا السياق أن الرئيس السابق وزوجته «شرّفاه» بالحضور الى المسرح الاثري لمشاهدة حفلته «غموق الورد» وقد خرجت «الماجدة» غاضبة لأن العرض لم يعجبها إذ كان «لكلكة» لجمل من ألحان المالوف ذكّرتها دون شك بأيام الحفصية وحارة اليهود. والمعلوم أن بن علي لم يحضر مدة توليه الرئاسة حفلا عموميا سوى حفلي الصكلي وأمينة فاخت وفي ذلك دلالات كافية. رجل آخر فوجئنا بصورته تتصدّر صفحات الجرائد قدم نفسه ضحية للنظام السابق. نجيب سلامة عرفناه مديرا لمركز الطلبة الحسين بوزيان في أواسط الثمانينات وقد مكّننا مشكورا من إعداد عرض مسرحي غنائي في الفضاء الذي يديره. وسمعنا بعد مدة أنه تورّط في قضية سوء تصرّف شملت عددا من مسؤولي ديوان الشؤون الجامعية وأن القضاء قال كلمته في هذا الشأن. وفي أوائل التسعينات فوجئنا به مستشارا لوزير الثقافة المنجي بوسنينة بدعم من ابن بلدته عبد العزيز بن ضياء، وظل في هذا المنصب حتى تورّط في قضية تحيل على نسيبته التي يبدو أنه باع منزلها دون حق. ومرة أخرى خرج ليعود الى منصبه بفضل سنده الاول. كيف يسقط الاعلام في هذا الفخ وأصول المهنة تقتضي التحري وتنويع المصادر؟ رجاء كل الرجاء أن تكفوا عن هذه الخرافات التافهة وأن تشتروا عذريتكم على حساب ثورة الكرامة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.