خصص السيد عبيد البريكي الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل حيزا كبيرا من لقائه أمس السبت برواد مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات لتوضيح رؤى وأفكار ومواقف الاتحاد من عدة قضايا جوهرية ذات أبعاد سياسية واجتماعية وتنموية ومستقبلية نذكر منها دور الاتحاد في المرحلة الراهنة ومدى اسهامه في الاطاحة بالرئيس المخلوع، وقضايا الخوصصة والتنمية بمختلف أبعادها، والموقف من الحكومة المؤقتة فضلا عن التطرق لمسائل مصيرية في حياة الاتحاد مثل التعددية النقابية وامكانية ظهور حزب عمالي منبثق من الاتحاد نفسه ودور الاتحاد في المجلس التأسيسي القادم. الأستاذ عبيد البريكي أكد في مجمل تدخلاته انه لا يجب ايهام الشباب بأن كل شيء سيتغير بعد انجاز الثورة في ظرف قياسي ووجيز، فالمرحلة الآن تتطلب التفكير بعمق في كل الجوانب السياسية والاجتماعية والتنموية في علاقتها بعملية التحول نحو الديمقراطية والتعددية داخل المجتمع التونسي. منوال جديد للتنمية ففي المجال التنموي والاقتصادي أشار السيد عبيد البريكي الى ان الاتحاد يدعو الى التنمية المتوازنة من خلال تنمية الثروة والحفاظ على المكاسب الاجتماعية واقتسام الثروات بين جميع الفئات في مسار سيقود بالضرورة الى تكريس الديمقراطية وتعميق روح المواطنة لدى التونسي بعيدا عن منوال للتنمية يعتمد بالأساس على تنمية الثروة والاقتصاد مع تغييب الجانب الاجتماعي (مثال بلدان شرق آسيا) وهذا المنوال لا يناسب الوضع في تونس ومخاطره كبيرة، وأضاف المتحدث في نفس السياق: اقتصادنا ليس مبنيا فقط على النسيج والسياحة فلدينا العديد من القطاعات الواعدة ويجب التركيز على كل القطاعات وتنمية الجهات بشكل متوازن ومدروس. ونحن في الاتحاد مع انماء الطلب الخارجي والتصدير لكن دون نسيان انماء الطلب الداخلي من خلال تحسين القدرة الشرائية للمواطن التونسي. أما المنوال السابق للتنمية فقد أثبت فشله حيث لم تتحقق التنمية المرجوة ولم يقع تقليص نسب البطالة». أما في ما يتعلق بقضية المفاوضات الاجتماعية والزيادة في الاجور فقد شدد السيد عبيد البريكي على ضرورة التفاوض بهدف زيادة الاجور مع مراعاة الوضع الحالي مؤكدا انه من غير المعقول التفكير في تجميد الأجور وتعليق المطالب الاجتماعية بحجة دقة وصعوبة الظروف التي تمر بها البلاد بعد الثورة، فالاتحاد كما قال السيد عبيد البريكي يعمل دائما على مراعاة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والذي تعيشه البلاد والدليل انه يساند فكرة التفاوض لسنة واحة عوضا عن ثلاث سنوات كما جرت به العادة في السابق لأن الاوضاع تتغير باستمرار ويجب أخذ هذه المتغيرات بعين الاعتبار عند التفاوض». الديون والخوصصة وأكد المتحدث أن الاتحاد يسعى بما يملكه من علاقات إلى إلغاء ديون تونس لدى الدوائر الخارجية وقد لمس في هذا الصدد تجاوبا كبيرا من «السيزل» ومن منظمة العمل الدولية وبدأت بالفعل حملة دولية لإلغاء هذه الديون في أقرب الآجال حيث ان هذا الإلغاء إذا ما كتب له ان يتم سيعفي تونس من طلب القروض والمساعدات من الخارج. كما تحدث السيد عبيد البريكي بكل صراحة عن موقف الاتحاد من الخوصصة مؤكدا ان الخوصصة في تونس لم تحقق الأهداف المرسومة لها (نسبة نمو مرتفعة خلق مواطن شغل) بل تمت بطريقة خطيرة أدت الى التفويت في مؤسسات كبيرة بأسعار زهيدة ولا يجب ان ننسى هنا ان محمد الغنوشي الوزير الأول السابق هو من أمضى على هذه الصفقات كما ان لوزير التنمية والتعاون الدولي محمد النوري الجويني ووزير الصناعة دورا كبيرا في إقرار عمليات التفويت في المؤسسات الكبرى التي كانت تشرف عليها الدولة لفائدة الخواص لذا يجب على الجميع الاعتراف بالمسؤولية قبل الحديث عن التسامح مشيرا الى أن الاتحاد سينشر قريبا قائمة تبيّن حجم التفويت الذي قامت به الحكومة سابقا. كما ان الاتحاد يدعو الى مراجعة وضعية هذه المؤسسات التي بيعت بطرق مشبوهة وإعادتها الى الدولة. فالقضية الأساسية تتعلق بالتسيير وليس بمن يشرف على هذه المؤسسات سواء أكانت الدولة أم الخواص. مراقبة وهنا يؤكد السيد عبيد البريكي الأهمية القصوى لمراقبة عمل الحكومة من خلال الهيئة العليا للاصلاح السياسي، فالاتحاد يرى أن المراقبة ضرورية الآن نظرا الى أن الحكومة غير منتخبة لكن بمجرد انتخاب الحكومة سيعود الاتحاد الى دوره العادي في الدفاع عن مصالح العمال والشغالين. لكن ما هو موقف الاتحاد عموما من فكرة إنشاء حزب عمالي ومن المشاركة في المجلس التأسيسي وما يسمى بالعقد الاجتماعي؟ يقول السيد عبيد البريكي تعقيبا على هذه الأسئلة الجوهرية ان فكرة الحزب العمالي موجودة فعلا لدى فصائل داخل الاتحاد لكنه شخصيا يرى أن هذه الفكرة تضرّ بالاتحاد العام التونسي للشغل الذي يستمد قوته من تواجد الأحزاب والتيارات السياسية داخله. وأضاف في مسألتي العقد الاجتماعي والمجلس التأسيسي ان الاتحاد يعتقد ان الوقت مناسب للتفكير في عقد اجتماعي بين كل مكوّنات المجتمع يضمن الحريات النقابية والسياسية وتقاسم التضحيات بين جميع الأطراف مع تحقيق نسب نمو جيدة والوصول بالبلاد الى وضع تنموي ممتاز. أما بالنسبة الى قضية المجلس التأسيسي فقد كشف السيد عبيد البريكي ان الاتحاد سينظم بداية من يوم الاثنين القادم ندوة سيخصصها لتحديد ملامح موقف الاتحاد من هذا المجلس لكنه شخصيا يفكّر بجدية في الانتقال الى منظمة العمل الدولية ويبقى الموقف النهائي رهين رأي الاتحاد. دور رائد وتطرّق السيد عبيد البريكي الى عدة مسائل أخرى كاشفا ان الأسماء التي اقترحها الاتحاد على الحكومة لم تكن تسعى الى استثناء أي طرف سواء كانت حركة النهضة أو حزب العمل الشيوعي أو غيرهما من الأحزاب بل كانت أسماء نقابية صرفة بينما دعا الاتحاد في ما يتعلق بتعيين الولاة والمعتمدين بتحديد المواصفات الضرورية قبل صدور قرارات التعيين رافضا تقديم أسماء أو اقتراحات معينة حتى لا يحاسب الاتحاد بعد ذلك على ممارسات أي كان، ويرى السيد عبيد البريكي أن دور الاتحاد كان ولا يزال رائدا في دعم التوجهات الاجتماعية والسياسية المفيدة لتطور المجتمع التونسي بعيدا عن الوصاية والاحتكار والانفراد بالرأي. وشدّد السيد عبيد البريكي علي أهمية التنمية الجهوية في المرحلة الانتقالية الحالية مع وجوب السعي الي انشاء صندوق للبطالة مع استعداد الاتحاد للمساهمة في تمويله صحبة بقية المكونات والمنظمات ثم لماذا لا يقع الترفيع في المنحة المخصصة لأصحاب الشهائد العليا من 200 الى 300 دينار بشرط تمكينهم من العمل لنصف الوقت حتى يضمن كل واحد منهم نوعا من الاستقرار والتغطية الاجتماعية طبقا للقوانين السائدة. وردّا على جملة من الاسئلة أكد السيد عبيد البريكي أن ما يسمى بالثورة المضادة كانت من صنع عناصر من التجمّع الدستوري الديمقراطي المنحل وقد قدمنا قوائم في هذا الباب وتمّ القبض على المشبوهين ليتبيّن في النهاية أن أبناء الاتحاد براء من هذه الممارسات، أما بالنسبة للمحاسبة والوضع الداخلي في الاتحاد فقد أكد المتحدث أنه مع تشكيل لجنة للمراقبة المالية داخل الاتحاد ويأتي أعضاء هذه اللجنة للقيام بكل المراجعات الضرورية، وإذا لم يسمح لهم بذلك كما قال فهو مستعد لتقديم استقالته فورا من الاتحاد فضلا عن أن المؤتمر القادم سيكون مناسبة للمحاسبة والمراقبة دون استثناء أو تمييز. ودافع السيد عبيد البريكي عن الأمين العام للاتحاد السيد عبد السلام جراد متسائلا لماذا لا أدافع عنه بصرف النظر عن علاقته به داعيا الى تجنب التشخيص والمطالبة برحيله وقال بالحرف الواحد: «أنا أستاذ أول وأصبحت منذ فترة قصيرة أستاذا فوق الرتبة لكن بعد 30 سنة من العمل وأملك منزلا في الكبارية اشتريته بقرض بنكي أما السيد عبد السلام جراد فمن حقه أن يشتري أرضا وهذه الأرض اشتراها بقروض بنكية صحبة زوجته وأبنائه، وهذه المعلومات معروفة ومكشوفة لذا وجب الحذر والابتعاد عن تبادل التهم وتشخيص القضايا والأوضاع التي تمرّ بها البلاد.