بعد ثورة 14 جانفي التي كشفت المستور وفجرت المسكوت عنه وأزاحت اللثام عن حقائق كانت الى وقت قريب ممنوعة من البوح كان على المخرج علي منصور أن يكشف هو الآخر عدة خفايا كانت جاثمة على قلبه لسنوات طويلة. مخرج صيد الريح وصاحب الجوائز العديدة أثقل كاهله التهميش والإقصاء في العهد السابق ففتح ل«الشروق» في تصريح هو الأول له بعد ثورة الحرية والكرامة فكان حديث نبش في الماضي تطلع الى المستقبل: كنت دائما تلتقي مع جمهورك خلال شهر رمضان لكن هذه السنة سوف نستقبل هذا الشهر المبارك دون مسلسلات كيف تفاعلتم مع قرار التلفزة التونسية؟ باستياء وأسف كبيرين نحن لا نشتغل طوال السنة ودائما كنا ننتظر شهر الصيام لنشاهد ثمرة جهودنا لكن نتمنى ألا يتواصل هذا الاستثناء فشخصيا التقيت بالرئيس المدير العام للتلفزة التونسية وأخبرنا أن الأزمة المالية التي تمر بها التلفزة وضيق الوقت يحولان دون انجاز مسلسلات هذه السنة. لكن هناك حديثا عن مسلسلات هزلية (السيتكوم)؟ قدمت السيناريو ومازلت الى حد اللحظة أنتظر الرد وحتى بالنسبة ل«السيتكوم» لم يعد هناك متسع من الوقت كنت أنتظر ردهم حتى أشرع في العمل لكن للأسف مازالت الأمور غامضة أخشى أن تتعامل الإدارة بنفس الأسلوب القديم المتمثل في الاقصاء والتهميش وهذا ما أعاني منه من زمان . لو توضح أكثر؟ كنت دائما أعاني الاقصاء والتهميش من الإدارة سواء في التلفزة أو السينما طوال حياتي كنت محاصرا...أقدم مشاريعي تقبل ولا يجيبونني لا بالرفض ولا بالقبول.. انها قمة الإقصاء على طريقة دهاء النظام. ما تفسير هذا الاقصاء حسب رأيك؟ حاربوني من أجل أفكاري... أنا فنان أتحدث باسم الشعب...أعالج قضايا الضعفاء العاجزين عن تبليغ أصواتهم... لذلك كانت أعمالي كلها معرضة «للصنصرة» حتى أصدقائي أصبحوا يسمونني «علي سو نسير» سنة 75 أنتجت التلفزة مسلسل «حتى تشرق الشمس» من اخراجي هذا العمل تعرض للصنصرة بطريقة فظيعة ثم أعدم تماما وتم حرقه وإتلافه...لا لشيء الا لأنه يدافع عن المظلوم..صدقيني وصلت الى درجة اليأس وأصبح أملي في الحياة إنجاز أعمال تلفزية وسينمائية تحمل أفكاري وتعبر عن الاخر بكل أمانة وحرية... هذا ما يفسر قلة أعمالك رغم نجاحها؟ في العهد السابق اتصلت بمدير سابق للتلفزة عشرات المرات وبقيت أنتظر لقاءه سنة كاملة...لهذه الأسباب أعمالي لا ترى النور وكنت حينها أود عرض مشروعي «فرسان الضباب» يتحدث عن مشاكل الشباب من الجيل الثاني وصعوبة الاندماج ومشاكل الشباب التونسي و البطالة وأسباب الحرقة وعند اطلاع مديرة التلفزة على السيناريو قالت لي «الحرقة لا والبطالة لا ...وكل المشاكل لا» عندها قررت سحب السيناريو. تعرضت الى مظلمة إذن في العهد السابق؟ مظلمة كبيرة...مشاريعي كانت دائما مراقبة... الصنصرة ثم التهميش والاقصاء...رغم عطائي الذي لا يقل عن 42 سنة وتخرجت على يدي أجيال مثل حمادي عرافة وصلاح الدين الصيد وحبيب المسلماني وسلمى بكار... وعملت بجهد بأظافري وبعصارة نخاعي ورغم ذلك لم أوسم في حياتي ولو مرة واحدة فخيرت العمل في صمت وحملت دائي في أحشائي. لكن صيد الريم أخذ أكثر من جائزة؟ للأسف لم أتسلم جائزتي المسلسل في مناسبتين بل تسلمها حمادي عرافة في القاهرة وفي مهرجان الانتاج التلفزي والإذاعي «ASBU» رغم احتجاجي في المرة الأولى لكن دهاء وحسد هذا الأخير سمحا له باستلام الجائزة رغم حضوري وتعلل بحجة أن المهرجان لا يستضيف المخرجين...هذا الرجل الذي كان في يوم ما مساعدي وتلميذي. ورغم نجاح «صيد الريم» و«طيّن الأجبال» وصلاة الملائكة ...لم أعرف إلا الإقصاء أنا أقدم من عملي ومن وقتي وجهدي وطاقتي مالا يقل عن 90 ٪ في صراع مع الحواجز لأتمكن من تمرير أعمالي بدل أن أصخر هذا الجهد في الابداع والعطاء حتى نرتقي بالدراما التونسية وهذه المسؤولية تتحملها الإدارة التي لا تتعامل سوى بمنطق الإقصاء والتهميش. هل ترى أن النظام السابق كان اليد الخفيّ وراء هذا الاقصاء والتهميش؟ طبعا لأن أفكاري كانت تتناقض وسياساتهم كانوا(إدارة التلفزة) يطلبون في تحضير عمل قبل شهر رمضان ب 4 أشهر وهذا أمر مستحيل لأنهم يعرفون جيدا أن هذه المدة غير كافية و كنت أرفض لأني أحترم جمهوري ولا أقبل بإنجاز عمل في وقت وجيز والى جانب ذلك هناك مؤسسة عانيت منها بطريقة غير مباشرة هي «كاكتوس» فعندما كانوا يرفضون لي عملا يقول لي بعض الأطراف إن هذه الشركة «لم تترك شيئا» وهذا أمر صحيح... سامي الفهري يستغل معدات التلفزة التونسية وحرمها من كل عائدات الإشهار وهو ما عمق أزمتها المادية. لكنه أحدث نقلة نوعية في برامج التلفزة التونسية؟! عن أية نقلة تتحدثين...من أين له الإخراج؟! أين درسه؟! ما قام به سامي الفهري استعراض عضلات وليس إخراجا انطلق كمنشط ثم مخرج ثم منتج ثم مخرج ومنتج ومؤلف . من أين له هذا؟! ما يحز في النفس أن أعماله لا تمر على المراقبة في حين أنه في مسلسل صيد الريم منعتني وزارة الداخلية من التصوير في مركز شرطة في نفس الوقت سخرت كل الامكانيات ل«مكتوب» الفهري سيارات شرطة وأسلحة ومخدرات ومنعوني حتى من كلمة مخدر في «صيد الريم»؟ لماذا حسب رأيك؟ لو لم يكن وراءه بلحسن الطرابلسي لما استحوذ على فضاءات التلفزة...وبأي أفكار...؟! أفكار مستوردة.... قدمت فكرة حصة ألعاب وأزيحت بسببه...استعمار أكثر من امبريالي... لوكان منافسا نزيها للقي كل الترحاب. وعن تصريحه أن برامجه تبث دون مقابل في التلفزة التونسية وأن الحلقة الواحدة تتكلف 100 مليون أقول له إن الحلقة الواحدة توفر ما لا يقل عن 300 مليون مداخيل إشهار. بعيدا عن التلفزة كيف عايشت الثورة؟ ثورتنا حضارية الى أبعد الحدود... شاركت في ثورة ماي 68 في فرنسا ولو قارنت بينها وبين ثورة تونس فأنا أجزم أن ثورتنا متحضرة أكثر منها . كيف ترى حضور المثقف في ثورة 14 جانفي؟ حضور أهل الثقافة كان محتشما في الوقت الذي كان ضروريا فهي ثورة قانون وإعلام مثقفين.، أتساءل هل هناك عناصر من أهل الثقافة يشاركون في الهيئات العليا للثورة؟! ما دور المثقف إذن؟ مجتمع دون ثقافة عبارة عن بيت دون مؤونة...هناك تغييب للمثقف ولا أدري لماذا؟ لا أشعر بوجود المثقف في هذا الحراك العام... أرى أن حضوره افتراضي...لذلك لابد من مشاركته الفعلية فلدينا من رجالات المسرح والسينما و الفنون التشكيلية والأدباء ممن لديهم رؤى مستقبلية بحكم مخزونهم الثقافي على غرار توفيق الجبالي ورجاء فرحات والجعايبي... ومن موقعك كمثقف كيف يمكنك المساهمة؟ بمخزوني الثقافي وتجاربي وأفكاري...ولو طلب مني المساهمة في الهيئة العليا لي الشرف...وكمواطن عادي كيف ترى مستقبل البلاد؟ متخوف ومتفائل مع نوع من الإحتراز...تخوفت من مواصلة العمل بالعقلية القديمة ومتفائل بقيام جمهورية ثانية وحتى نحقق ذلك لابد من التضحية والقطع مع زمن المحسوبية والرشوة والمجاملات لكن هذا يتطلب الكثير من الوقت... وهل لديك فكرة عمل تتحدث عن الثورة؟ لدي سيناريو بمشاركة عبد الحكيم العليمي شريط سينمائي بأسلوب روائي نعرج فيه على العائلة الحاكمة وكل ما وقع من تجاوزات وفساد.