بنزرت: تحديد تاريخ 28 أكتوبر الجاري لانطلاق موسم جني الزيتون وإقرار إجراءات جهوية ومحلية مشتركة لانجاحه    السطو على اللوفر.. المحققون الفرنسيون يعثرون على خوذة دراجة نارية وقفاز    عاجل/ اعصار يضرب هذه المنطقة في فرنسا..وهذه حصيلة الضحايا..    بالفيديو: النائب بلال المشري: صلوحية وحدات المجمع الكيميائي بقابس انتهت مثل الحكومة تماما    مع الشروق :خطة ترامب ... سلام حقيقي أم تسوية مؤقتة؟    الأسير الفلسطيني المحرر علاء دنديس في حوار خاص ل«الشروق» .. عشنا الأهوال... في سجون الاحتلال    الصندوق العالمي للطبيعة: الطاقة المتجددة أصبحت المصدر الرئيسي للكهرباء على مستوى العالم    عاجل/ إيران تعلن إلغاء إتفاق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    الغرفة النقابية الوطنية لأصحاب المعاصر توضح السعر المرجعي لرحي زيت الزيتون    إضراب جهوي للمحامين بقابس غدًا احتجاجًا على التلوث الصناعي    مستخدمي المترو 3 و5...تنجموا ترجعوا تستعملوا الخطوط بصفة طبيعية    عاجل : كتلة الخط الوطني السيادي تنسحب من جلسة مناقشة الوضع في قابس    شركة نقل تونس: اصابة عون التأمين وحالات هلع في اصطدام بين عربتي مترو... ولجنة للتحقيق في الحادث    وكالة النهوض بالصّناعة والتجديد تفتح مناظرة خارجية بالاختبارات لانتداب 14 إطار    ايمان الشريف تقدم جديدها الفني    مواطنة من أمريكا تعلن إسلامها اليوم بمكتب مفتي الجمهورية!    بعد الأربعين: 4 فحوصات دمّ هامة تنقذ حياتك    الرابطة الثانية: جمعية مقرين تستقر على بديل خالد المليتي    بطولة بريست للتنس: التونسي معز الشرقي يستهل مشواره غدا بملاقاة الفرنسي بوكيي ارتور    بطولة كرة اليد: برنامج مباريات الجولة العاشرة ذهابا    عاجل/ العاصمة: انقطاع المياه بهذه المناطق نتيجة عطب فجئي    وزير التجهيز يعلن عن الانطلاق الفوري في استكمال مشاريع بيئية كبرى بقابس بقيمة تتجاوز 200 مليون دينار    بعد أكثر من شهرين: ما الجديد في قضية اختفاء طفلة ال15 سنة أسماء الفايدي..؟    شبهة تدليس عقد عمل بمندوبية التربية بالكاف    الدورة الرابعة لملتقى محجوب العياري للكتاب والآداب تحتفي بالكاتبة حياة الرايس من 24 إلى 26 أكتوبر 2025    وزير الصحة: خطة حكومية على المدى القريب والمتوسط لتأهيل المجمع الكيميائي والحد من الانبعاثات الغازية في قابس    لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب تشرع بداية من الغد الثلاثاء في النظر في مشروعي قانون المالية والميزان الاقتصادي 2026    تغيير في القناة الناقلة: الكأس 1 تبث مباراة الإفريقي والمنستير بدلاً من الكأس 2!    عاجل: في تونس...تلميذ على 3 يعانون من قصر النظر    هل تساعد هذه الأقراص على النوم فعلًا؟ دراسة تكشف الحقيقية    ينشطون في شبكة لقرصنة البطاقات البنكية: القضاء يصدر أحكامه ضد هؤلاء..#خبر_عاجل    محرز الغنوشي: ''اواخر اكتوبر فيها بشائر ومؤشرات إيجابية ''    بطولة الرابطة المحترفة الثانية: برنامج مباريات الجولة السادسة    سوسة: مقتل "تيكتوكر" معروف بطعنات سكين !    في حركة إنسانية نبيلة: تمكين طفلين قاصرين من لقاء والديهما بعد سنوات من الانقطاع عن رؤيتهما    الكندي ألياسيم يتوج بلقب بطولة بروكسل للتنس    الصناعات الكهربائية والميكانيكية في تونس تتحسن استثمارا وتصديرا    عاجل/ أحداث قابس: هذه آخر المستجدات بخصوص الموقوفين..    مسرح أوبرا تونس يكرّم الفنانة سُلاف في عرض "عين المحبة"    عاجل/ قتلى في حادث اصطدام طائرة بسيارة في هذا المطار..    أجواء ربيعية خلال ''الويكاند''    عاجل: النشاط الزلزالي يضرب تونس والجزائر.. شوف التفاصيل!    عاجل: تذاكر ماتش تونس والبرازيل تتباع على هذا الموقع    خطير/ دراسة تكشف: تلوث الهواء يبطئ نمو دماغ الأطفال حديثي الولادة..!    عاجل/ حجز أكثر من 29 طنا من المواد الفاسدة.. هيئة السلامة الصحية تكشف التفاصيل..    في بلاغ رسمي: الداخلية تعلن ايقاف هؤلاء..#خبر_عاجل    الملك محمد السادس يهنئ منتخب المغرب الفائز بمونديال الشباب    ترامب يقرر فرض رسوم جمركية إضافية على كولومبيا    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    المهرجان الجهوي للمسرح بتطاوين.. دار الثقافة بذهيبة تتويجات بالجملة    في افتتاح «أكتوبر الموسيقي» بحمام سوسة: توزيع أركسترالي جيّد لأغاني عبد الحليم    دراسة علمية تربط بين تربية القطط وارتفاع مستوى التعاطف والحنان لدى النساء    لا تدعها تستنزفك.. أفضل طريقة للتعامل مع الشخصيات السامة    يوم مفتوح للتقصّي المُبكّر لارتفاع ضغط الدم ومرض السكري بمعهد الأعصاب..    التوأمة الرقمية: إعادة تشكيل الذات والهوية في زمن التحول الرقمي وإحتضار العقل العربي    عاجل: الكاتب التونسي عمر الجملي يفوز بجائزة كتارا للرواية العربية 2025    لطفي بوشناق في رمضان 2026...التوانسة بإنتظاره    خطبة الجمعة .. إن الحسود لا يسود ولا يبلغ المقصود    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتب لا يخاف الرقابة بقدر ما يخاف ردود فعل المشاهد
السيناريست الطاهر الفازع في حديث خاص ل«الصباح»:
نشر في الصباح يوم 26 - 08 - 2009


«مكتوب» نسيج لأحاسيس شبابية معاصرة
ضمن خارطة كتاب المسلسلات يحتل الطاهر الفازع مكانة خاصة منذ دخوله عالم الكتابة الدرامية هذه المكانة تقوم على مناخ شبابي متشبع بما ينجز خارج حدودنا، قائم على نكهة من "الضمار" التي طالما يبحث عنها المشاهد ويمكن ان يصطدم بالرقابة طالما انه يفتح مجالات قيل انها محظورة.
فيما يلي صورة تخطيطية للطاهر الفازع واليكم الحوار التالي:
الطاهر الفازع، يبث حاليا على القناة التونسية "تونس 7" الجزء الثاني من "مكتوب" وهو ليس أول مسلسل تضعه. ما هي الفوارق القائمة بين ما كتبت في السابق من مسلسلات ومسلسل "مكتوب" في صيغتيه الأولى والثانية؟
الفرق يكمن أولا في الكم. في المسلسلات الأخرى، كل مسلسل يقوم على 15 حلقة كما كان معمولا به حينها... اليوم لا نجد هذه النوعية إلا في تونس. في الخارج، أقصر مسلسل يقوم على 30 حلقة وذلك لأسباب تجارية. فقناة «ام.بي.سي» أو «ال.بي.سي» مثلاً من مصلحتها أن يكون لها مسلسل من 60 أو 120 حلقة تعمل على بثه طيلة السنة... في تونس، يجب ان نمر إلى مثل هذه النوعية أو إلى مسلسلات المواسم، أي 30 و30 و30 إن كنا نمتلك النفس لذلك طبعا... على مستوى الكيف الآن، الفارق هو أن المسلسلات التي ألفت من قبل والتي هي "حبوني وادللت" في العام 1989 و"الايام كيف الريح" ثم تجربة السيتكوم مع "اضحك للدنيا 1" و"اضحك للدنيا 2" ثم "أولاد اليوم"... هذه المسلسلات أنجزت مع مؤسسة التلفزة وبطلب منها. لم أقدم المشاريع، بل إدارة التلفزة هي التي طلبتها مني. قبل العام 1987، كنت ممنوعا من التلفزة ومن الإذاعة. لماذا؟ (يضحك)، لأسباب معروفة لدى الجميع في تلك الفترة... كنت صحفيا في أسبوعيتي "تونيس هبدو" و"الرأي"، فقيل أني من اليسار... واليسار المتطرف... والذين كانوا في صفي كانوا ممنوعين هم كذلك من التلفزة والإذاعة... لم يفتح الباب إلا بعد 87، وأول مسلسل كان في العام 89 كما ذكرت...
وكيف تم التعامل معك بعد 1987؟
كان هناك مدير إسمه توفيق بسباس وكان يقرأ مقالاتي في "تونيس هبدو". قال لي: كتاباتك بها قدر كبير من "الضمار" ولا نعرف من يكتب السيناريوهات، فلماذا لا نقوم بتجربة مع بعضنا البعض؟ فكان مسلسل "حبوني وإدللت" ونجح لأنه كان أول تجربة مع مخرج شاب آنذاك هو صلاح الصيد الذي تعرف صولاته وجولاته آخرها الجزء الرابع من "شوفلي حل"... أثار المسلسل الإعجاب في الجزائر وموريتانيا وبث مرارا على الفضائيات... أتت حينها المسلسلات التونسية مع المنصف ذويب (الناس حكاية) وغيره وانطلقت العجلة ولكن في نطاق الحلقات ال15 وإنتاج المؤسسة دون وجود الخواص الذين بإمكانهم ولوج عالم الإنتاج التلفزي... ماذا يمنع الخواص من دخول عالم الإنتاج؟ أظن أنها الأسباب المادية أساسا حتى وإن قالوا أن الأبواب كانت موصدة في وجوههم. ما أعرفه، وقد عاينت ذلك في "وكالة النهوض بالإنتاج السمعي بصري"، أنه حينما يكون هناك منتج خاص، تراه يتقدم كمنتج منفذ وليس كمنتج يستثمر ماله الخاص في الإنتاج... وهذه الظاهرة موجودة حتى يومنا هذا... قليلون هم المنتجون الذين يعملون بأموالهم الخاصة مثل مؤسسة "كاكتوس"... ولا نعرف كيف ستتطور الأمور لأن مؤسسة "كاكتوس" ستفتح لها تلفزة خاصة بها وهي الآن بصدد تجهيز الأمور التقنية لمشروعها... لقد تطور المشهد بنسبة كبيرة في السنين الأخيرة مع وجود "حنبعل" و"نسمة" وعودة "قناة 21"... هناك إنتاج مكثف لهذه السنة، أما بالنسبة للقيمة، فليس بإمكاننا تقييمه الأن...
ألا ترى بأن كثرة الإنتاج تقلل من التكلفة؟ نحن ننتج رمق العينين وهو ما لا يقلل من التكلفة ولا يعزز الحضور التونسي لا سيما والمسؤولين عن الترويج لا يبحثون عن الأسواق وتوزيع الإنتاج...
موضوع توزيع المسلسلات موضوع كبير وشائك... مشكلتنا ليست التكلفة وقد تكون التكلفة عالية إن تمكننا من تسويق الأعمال كما هو معمول به في سوريا ولبنان ومصر، وإن أظهرت مصر بعض بوادر الإرهاق لوجود أسواق جديدة مثل تركيا والمسلسلات المدبلجة... نحن نعاني من الإشكال الدائم وهو اللهجة... شيء غريب أن يقول أهل المشرق أنهم لا يفهمون لهجتنا في حين نفهم كل اللهجات المشرقية... هذا إشكال قديم ولم يحل حتى اليوم. هناك محاولة "نسمة" بسوقها المغاربية والتي قالت ان لغتنا هي ال"فرانكوعربية". أنا لا اعتقد بأنها لغة ولا أرى بأن لها مستقبلا في الإنتاج السمعي بصري. تبقى إمكانية دبلجة المسلسلات التونسية باللهجة المشرقية، أساسا باللهجة اللبنانية أ والشامية. وبالتالي، على المسلسل أن يكون في المستوى من ناحية السيناريو ومن ناحية التجارة... نحن نصنع المسلسلات بصفة "رعوانية" في آخر لحظة و"كيما جا جا"... مسلسلا "شوفلي حل" ومسلسل ل21 لم يكتملا بعد ورمضان قد حل ركبه... لحد هذه الساعة، لا أرى أن هناك سياسة إنتاج وتسويق، بل نعمل دائما على نفس الوتيرة... كذلك، تجد في موسم مسلسل رديء وفي موسم آخر مسلسل يشد الانتباه وفي الثالث مسلسلا جيد، أقول ذلك وهذا تقييمي الخاص! إن توصلنا إلى مستوى معين، لا يجب أن ننزل دونه وعلينا المحافظة عليه أو أن نتخطاه... ما ألاحظه هو أنه بإمكاننا أن نتراجع دون أي إشكال، أن نعود إلى الستينات بكل رحابة صدر... السبب؟ المشكل بالنسبة للتلفزة التونسية، ولأنها هي المنتج الرئيسي والوحيد، أن كل مرة يأتي على رأسها مدير جديد. ما يقوم به هذا المدير الجديد هو مسح ما جاء من قبله ويعمل مع أناس آخرين... في الإثناء، يخلع عن منصبه ويأتي مكانه مدير آخر يفعل فعله... سأبرهن على هذا بمثال بسيط... مسلسل "الأيام كيف الريح" طلبه مني السيد مختار الرصاع. كتبته وقدمت النص... في الحين، جاء مدير جديد، قرأ السيناريو وقال إنه رديء جدا ولا يصلح لأي شيء "والله يهدي سي الرصاع الذي بذر الأموال العمومية" وبالتالي أمر بأن يوضع السيناريو وفي الأرشيف... بقي العمل سنة كاملة في الأرشيف... جاءت شركة إبن خلدون التونسية-الليبية (والتي حلت فيما بعد) وكان مديرها السيد توفيق بسباس... طلب نصوصا من التلفزة، قيل له لا توجد نصوص جيدة إلا هذا النص... أعطوه إياه، قرأه فاستخلص أنه نص ممتاز وأمر بإنتاجه ضمن شركته... وهكذا، تسنى للمسلسل أن يرى النور. كذلك بالنسبة لأول سيتكوم وهو "اضحك للدنيا1". فبعد أن تم تصوير المسلسل، جاء لرئيس المدير العام الجديد للمؤسسة، وهو السيد فتحي الهويدي، شاهد التوليف الأول فوجد صورة بها مكان مكتوب عليه "مقهى الشباب"، فأرغى وأزبد قائلا "أحنا عنا شباب يراود المقاهي؟ مستحيل، نحيو علي هذايا"... تابع المشاهد فوجد منزلا تباع به بضاعة مستوردة من تركيا، فقال "تي ها وتهريب... أحنا ما عناش ناس تمشي لتركيا وتجيب الدبش تبيعو بالدرفة" وأمر بمنع المسلسل رغم أن المؤسسة أعلنت عن بثه ورسمته في الشبكة. صرفت عليه ما يقارب 600 ألف دينار، وركن المسلسل على الرفوف. جاء مهرجان القاهرة وحينما قدموا الإنتاج التونسي للمسابقة، "يدفهم ربي"، فاقترحوا المسلسل الذي لم يبث. وفي القاهرة، حصل على الميدالية البرونزية... استيقظت الصحافة التونسية وتساءلت عن هذا المسلسل الذي لا تعرفه... سئل المسؤول، أجاب أنه مسلسل لا قيمة له. طلب للمشاهدة، فوجدوا أن له قيمة فنية... وبما أن الجزء الأول أثار ضجة صحفية، جاء مدير جديد فقال ان المسلسل أعجبه للمناخ الشبابي الذي يتضمنه، فلماذا لا ننجز الجزء الثاني؟ كتبت السيناريو... حينها، جاء مدير جديد، قرأ وقال: لا، هذا سيناري و"ماضي ياسر ماناش باش نصوروه"... وبما أني تسلمت مستحقاتي كاملة، رمي السيناريو وفي سلة المنسيات لمدة سنة... ثم جاء من اقترح على المدير: نحن لدينا في المؤسسة من يقوم بالرقابة، فلنعطهم السيناريو ولمراجعته وتنظيفه. أجاب : والله هذه فكرة طيبة. لماذا لا نقوم بالرقابة على السيناريو؟ على الضالين آمين...
كيف كان موقفك أمام الرقابة المسبقة على النص؟
المشكلة أنه مع التلفزة العمومية التونسية حينها، العقود هي أحادية ومن نوع "شرط العازب عالهجالة"... ليس هناك اتفاق على البنود. يقولون لك ها هو العقد وهاهي البنود ولك أن تمضيها "وإلا طير فرنك". نجد في العقد أن من صلاحية المؤسسة تغيير النص كما يحل ولها... أما فيما يخص التسويق، أحلم أن تضع التلفزة بنودا تجبرها على التسويق...
عرضت للمواضيع ذات "الضمار" والنكهة الشبابية في أعمالك مع مؤسسة التلفزة العمومية وهو أسلوبك في كتاباتك أيضا... ماذا تغير بالنسبة لمسلسل "مكتوب" وكيف تم الاتصال بك لكتابة السيناريو؟
حينما أراد سامي الفهري خوض غمار المسلسلات، التقى بكل كتاب السيناريو والموجودين في بلادنا... طلب منهم أن يقدموا له مواضيع درامية. امتثلوا وكل ما قدم إليه، لم يعجبه. سأل من يكتب كذلك المسلسلات، قيل له: هناك فلان الذي كتب في السابق... لم يكن سامي الفهري يعرف عني شيئا... إنه من جيل ليست له دراية بما أكتب وكان صغيرا حينها ولم يتفطن للمسلسلات التي كتبت... قيل له: لا تهتم، فهو كبير السن، متقاعد، راكن إلى منزله، لا يعرف الشارع والشباب واجتازته الأحداث ومن المؤكد أنه مصاب بمرض "الألزيهايمر" وأنه كتب بعض الأشياء معظمها تافه... قال لي سامي الفهري، من كثرة "ما عفسوا فيك، حبيت نشوفك" ونشوف الرداءة المتنقلة" (يضحك بمتعة ظاهرة). إلتقيته، قال لي: هل لك شيئا ما؟ قلت: نعم وقدمت له المشروع بمتطلباته... وكما يقال بالفصحى القحة "أعجب أيما إعجاب"... قرأ وقال لي: هذا سأصوره، "ماش نحط عليه الباكو... وها والعقد متاعك حاضر" لإمضائه وأعطاني معه ولأول مرة في حياتي، قدم لي منتج تونسي صكا بعشرة ألاف دينار قبل أن أمضي العقد أو أكتب أي حرف من المسلسل. قلت له: ما هذا؟ قال: لا شيء... قلت: وإذا لم يعجبك السيناريو؟ أجاب: أنا "ماخو الريسك"، اراهن عليك، عشرة ملايين "مشا وولا جاو، موش مشكلة". والفارق بين هذا العقد وعقود المؤسسة العمومية هو أني انا الذي كتبت العقد مع "كاكتوس" بعد إن اتفقنا على بنوده... أما في كتابة السيناريو، سامي الفهري كان وما يزال أكثر تشددا في مطالبه لأنه منتج خاص يعتني بأمواله التي سيستثمرها في المسلسل... كنا نحلس لبعضنا البعض، يطلب مني إصلاح الموضوع الفلاني والتدقيق في الموضوع العلاني... نتناقش وأدافع عن أفكاري بصفة مستميتة... وبما أنه سيقوم بالإخراج، فإنه يدقق الرؤية و..
هل كنت تشعر في مناقشاتك بأنه هو الذي سيخرج المسلسل؟
نعم، شعرت بذلك منذ أول لقاء عمل بيننا. يبدو لي أنه كان يرغب في ذلك قبل حتى مجيء المخرج نعيم بالرحومة... لم يتفق مع نعيم بالرحومة وليس لهما أن يتفقا رؤية كل منهما للأحداث مغايرة تماما... نعيم بالرحومة لم يعمل إلا على التقطيع ويعد يومين أ وثلاثة من بداية التصوير، أخذ سامي الفهري زمام الأمور... خاض الفهري التجربة بسلبياتها وإيجابياتها وسنرى في الجزء الثاني تحسنا ملحوضا في التناول الإخراجي...
بمعزل عن تطور سامي الفهري في إدارة الممثل والكادرات وزوايا التصوير، المخرج عادة ما يتدخل في التطور الدرامي للشخصيات... ما هي التطورات التي أضافها سامي الفهري في الجزء الثاني الذي يبث حاليا وأنت لست متفقا عليها؟
لم يفرض أي شيء... بل تناقشنا بصفة حادة في بعض الأحيان... في اية زاوية؟ (يفكر) مثلا "هند صبري انتحار"؟ لقد استبقت الأحداث ومن المفترض الا نعرض لها حتى لا نكشف الأمر للمشاهد... لا علينا. بالنسبة لتلك الشخصية بالذات، تخاصمنا طويلا وثبت على موقفي ؟؟ أني بنيت الشخصية على الانتحار أساسا... في ذهني، قصتها تبدأ بالانتحار ولا تنتهي به. سامي الفهري يراها على صيغة أخرى فيما أنا أراها شخصية "تراجيدية"، فإن لم تنتحر، تهوى كل القصة... وسامي أصر على ألا تنتحر. ممكن يكون ذلك لأسباب إنتاجية حتى تكون هند صبري شخصية الجزء الثالث من "مكتوب".
هناك من كتاب السيناريو ومن يتدخل في الزوايا وفي "التايمينغ" ولا سيما في الكاستينغ... وسامي الفهري "نوفي" في هذا وهو منتج ومخرج في آن، كيف كان التعامل وهل تأخذ بعين الاعتبار هذه النواحي؟
(صمت)... نعم بالنسبة للتوليف والإيقاع... إن لم تكن تمتلك حاسة الإيقاع، لا يمكن ان تكون كاتب سيناريو... الأمريكيون فرضوا إيقاعا معينا قصير جدا أسميه "إيقاع الفيسبوك"، مقاطع لا تتعدى ثلاثة دقائق. تقطع الأحداث ثم تعود إليها وأعرف جيدا أن الدقيقة الواحدة هي صفحة مما أكتب... ولا أتصور ابدا مشهدا في أكثر من صفحتين ونصف الصفحة. ليس للمخرج أن يتعدى على الإيقاع الذي تصورت، فإنه يكسره بإعادة ترتيب الأحداث... علما باننا نعرض الاحاسيس والاحاسيس لاتقطع التعامل مع سامي الفهري بالنسبة للجزء الأول كان صعبا أما في الثاني، فقد ألفنا بعضنا البعض... وهو بنفسه، اكتشف أخطاءه في إدارة الممثلين، في الإيقاع، في التصوير... قام بعديد المراجعات مع طاقمه الفني... وكنت أؤكد له شيئين اثنين في تعاملي معه وهما الإيقاع وثانيا تسلسل الأحداث... من الأشياء الإيجابية عند سامي الفهري أنه أشركني في اختيار كل ممثلي شخصيات المسلسل... إني أرسم الشخصيات بدقة ويبد وانه يفهمني من الوهلة الأولى... وأعترف ان الأمر الذي جمعنا أكثر من الأمور الأخرى هو إختيار الممثلين. يبقي ان مسلسل "مكتوب" يمثل نقلة نوعية فيما يخص المواضيع والإمكانيات واختيار الممثلين...
نأتي إلى المواضيع... تطرق مسلسل "مكتوب" إلى مواضيع الخيانة الزوجية، إلى تهريب المخدرات إلخ من الشؤون الاجتماعية والعاطفية... وأنت تعرف جيدا أن مثل هذه المواضيع وهذه الشؤون كانت موجودة في مسلسلات القطاع العام ولكن محيت منها بتعلة أنها غير موجودة في الواقع... لماذا ما كان محرما من قبل اصبح مسموحا به اليوم؟
للحقيقة، حينما قدمت المقترحات الدرامية لسامي الفهري، سألته: ما مجال الحرية في إنتاجه؟ أجابني بصراحة: أكتب كما تتخيل... قلت: كما أحب؟ قال لي: ليس لي أي إشكال، أكتب بحقيقة وأنا أتحمل مسؤوليتي... هكذا تطرقنا إلى بعض المواضيع التي كانت محرمة في السابق. لماذا إنتاجنا الدرامي "تاعب"؟ لأن الممنوعات والمحرمات لا حدود لها وأنت تعرفها... عندنا الممنوعات السياسية والدينية والجنسية و... وذلك لا يوجد في تونس فقط ولكن في كل المسلسلات العربية... المخرجون المصريون اليوم يشتكون من قلة مساحة الحرية المسموح بها في مصر... حينما تقارن ما كان موجودا في الأفلام المصرية القديمة نسبيا من لباس نسائي، من حانات، من مشروبات من سلوكيات بما هو موجود في أفلام اليوم النظيفة وذات الأخلاق الحميدة، فإنك تفاجئ بانحسار رقعة الحرية... كل يوم تعلم بأن ممثلة ما "تابت" وتحجبت... كيف يمكن لك أن تبني قصتك في هذا الجو؟ من المستحيل أن تبني قصة على الأخلاق الحميدة؟ هناك مثل يقول أن الناس السعداء ليست لهم مشاكل... والفن لا يعيش إلا بسرد المشاكل... تصور قصة رجل "ناس ملاح"، يذهب إلى الشغل ليشتغل، يذهب إلى المسجد ليصلي ثم يعود إلى المنزل للاهتمام بأطفاله وعائلته... ما الذي سيشد المشاهد؟ بالتالي نعمل على الاجتماعيات سواء في الهزل أ وفي الجد... هذه الفتاة خرجت قليلا عن الطريق المستقيم، هذا رجل خان زوجته أ والزوجة خانت زوجها ونبقي سجناء تلك الحدوتة...
ألا ترى بأن الحكم الأخلاقوي على "الآثار الفنية" قبل النظر إلى ما يكون فنية الأثر، أصبح اليوم، في تونس وفي جميع بلدان العالم العربي سمة أساسية؟
أنت تعرف أن المشاهد لا يهتم بما يكون فنية الأثر الفني... إنه يعتقد بأن الروائي والمتخيل هما الواقع... بل أكثر من ذلك، ينفي وجود الواقع أصلا... فلا يوجد بيننا رجل يخون زوجته، ولا توجد في بلادنا امرأة تخون زوجها... لا يوجد من بيننا من يبيع المخدرات... لا يوجد كلام "قليل الأدب" في بلادنا وهو الذي يستمع إليه طيلة يومه، إلخ... المشاهد يرفض هذا عن تونس ويقبله عن الدول العربية الأخرى حتى المجاورة لنا... "التوانسة" معصومين عن الخطأ... والأنكى من ذلك أن صحافة "صفراء" هي التي تروج لهذا الخطاب وتتفنن في النقد الأخلاقوي مجاراة للشعور السائد، طبعا والذي كونته الفضائيات. بالتالي، كاتب السيناريو ولا يخاف اليوم من الرقابة ومن المسؤول، بل يخاف من ردود الفعل الشعبية. وهذا أمر جديد لم نكن تعودنا عليه من قبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.