التونسي سمح بطبعه، كيّس ومتخلّق... مداعبة خفيفة بكلمة رشيقة، أو حركة ظريفة فيبتسم لك حتى وهو تحت أحلك الظروف لإيمانه أن كل شيء يمضي ودوام الحال من المحال... الصبر والسماحة والتسامح من شيمه، وليس مزيّة منّا إذا ما عددنا فضائل أخلاقه فهو معروف بها لدى القاصي والداني عبر العالم.. تسألهم عنه فيقولون لك «مضياف وكريم». التونسي الاصيل، قد تتعسّف عليه في شيء من ماله أوحاله، كأن تنقص أو تزيد أو تسيء الأدب أو... فيجد لك عذرا و«يأخذك على قدر عقلك» فيتصرّف معك بحكمة ولباقة ويجد لك ولنفسه مخرجا.. على فكرة.. صفة «الأصيل» ذكّرتني بفنّاننا التونسي قلبا وقالبا «لطفي بوشناق» وهو يترنّم بها في احدى أغانيه الملحميّة «نحن الجود... نحن الكرم..» بصوت عذب مملوء فخامة وخيلاء لا كالأصوات، رافعا هامة التونسي فوق السحاب، ناسبا لنفسه أصالة التوانسة، حتى لكأني بها قد ولدت منه، فاستحال الى الأصل واندفعت خارجه كالفرع.. اغنيته تلك، لا تذكّر التونسي بأصله وفصله فحسب، وإنما بلحظات الأصيل قبل الغروب فوق مدنه وقراه وعلى تلال وهضاب وحقول وطنه الاخضر... تزرع فيه ألف احساس وإحساس، وتثير فيه ألف ذكرى... ذكرى أبطال شعبه ممن استشهدوا لأجل هذا الوطن ليبقى الصوت صادحا على مرّ الزمن.. وهو يسمعها، يتجدد دمه في العروق وتتحفّز عزيمته بشكل يصبح فيه اللامستحيل مستحيلا.. إن كانت تلك هي صفات التونسي الاصيل، فهذا يعني مباشرة ودون التواء انه حليم بطبعه، و«الحلم» لغة بكسر الحاء وسكون اللام هو التأني والسكون عند الغضب او المكروه مع القدرة والقوّة على الردّ.. كائن بشريّ على هذا النحو من المكارم لجدير بكل احترام وتقدير وتبجيل... يحسب له ألف حساب، ويرفع على الرقاب، ويهتف باسمه عند كل المنابر بين جميع الأقطاب.. هذا الكائن البشري، إن صادف وسلّمك زمام أمره، وأمّنك على نفسه، ورفعك تواضعا منه، وهتف باسمك عند كل منبر.. فهذا يعني ايضا اعطاؤك الثقة الكاملة دون منازع، ولكن لتعلم جيدا انه قال لك ضمنيا وفي قرارة نفسه: «لست بالخبّ ولا الخبّ يخدعني»، بعبارة أخرى «لست بالغشّاش والخدّاع، ولا الغشّاش والخداع يخدعني» ولتفهم يا صاحب الفهم، أيّا من تكون، حتى لا تقول في النهاية: «أنا فهمت... نعم، فهمت..». لتفهم أيا من تكون أنت أن للتونسي خطوطا حمرا وجب ان تقف عندها ولا تحاول اطلاقا ان تتخطاها أو تتجاوزها، فهي بالنسبة إليه معابر ذات اتجاه ممنوع، ومن يتجاسر حتى على وضع قدمه داخلها، فقد حياته ونسف هيكله: المعبر الأول يتمثل في الطريق المؤدي الى «الوطن» الذي يرتقي حبّه بالنسبة الى التونسي الى درجة الإيمان بالله... لاشيء غير الله والوطن، فمجرد التفكير في اقتحامه من طرف غريب، هو إقدام على الانتحار الواضح... المعبر الثاني يتعلق بالطريق المؤدي الى «الشرف» بما تحمل العبارة من قوة وعمق ومضامين يصعب تحديدها في مثل هذا المجال... فمن يتجاسر على مسّ شرف التونسي، يستدعي الموت الزؤام وينسى التلفظ بالشهادة قبل الإعلام.. أما المعبر الثالث والأخير فهو الطريق المؤدي الى «الحياة» بكل ما فيها من كرامة وعزة... حياة تضمن سيره عبر الفضاء طليقا، يتنفس ما وهبه الله من هواء وحرية دون المساس بغيره... حياة يجد فيها ما يوفّر له لقمة الحياة... لا يمشي صاحبها تحت ضغط كابوس ما يحدد أنفاسه ويعدّ دقات قلبه... فإذا ما كان الأمر خلاف ذلك فانتظر من التونسي الوديع الكيّس المتخلّق، باختصار شديد «انفجارا بركانيّا لا يبقي ولا يذر..». إن انفجر التونسي، فهو سيل جارف، تسونامي عارم، يحمل من تجاسر عليه وهمّ بعبور أحد المعابر، يحمله حمل المكفّن ويرمي به في قاع البحر او البرّ يكون مثواه الأخير.. ف «حذار من غضب الحليم وسخطه... إن ثار، ثار صواعق ورعودا».