بعد غياب 15 سنة: استئناف جراحة العيون بمستشفى زغوان    تونس: تسليم 41 حافلة طبية و12 شاحنة مبردة و133 سيارة خدمات لمؤسسات صحية عمومية    الليلة: الحرارة تتراوح بين 17 و29 درجة    النفطي يشارك في القاهرة في اجتماع تشاوري حول ليبيا بحضور نظيريه المصري والجزائري    تحسن سعر صرف الدينار مقابل الدولار بنسبة 14ر4 بالمائة    السلطات الامريكية تعتقل متخصصا في تكنولوجيا المعلومات لتعامله مع حكومة أجنبية    هبوط اضطراري لطائرة بريطانية بسبب''حفلة عزوبية فوضوية''    النجم الساحلي: تأجيل الجلسة العامة الانتخابية    تدشين خط جوي مباشر يربط مطار الحبيب بورقيبة الدولي بمطار العاصمة السويسريّة    كيف يؤثر تناول السكر على معدة فارغة على صحتك؟ نصائح مهمة للتونسيين    انطلاق فعاليات الدورة الرابعة لمختبر السينماء بمركز التخييم والتربصات بدوز    وزارات المالية وأملاك الدولة والفلاحة تعلن عن امكانية تقسيط الدين المتخلّد بذمّة مستغلي أملاك الدولة    دعاء الجمعة الأولى من ذي الحجة    مودريتش يقترب من وداع ريال مدريد... وجهته المقبلة قد تكون مفاجئة!    مائدة حوارية تسلط الضوء على سبل الحد من التدخين في تونس    حماية للأطفال: فرنسا تمنع التدخين في جميع الأماكن العامة    الغضب خطر صامت على الصحة: تعرّف على طرق الوقاية منه بخطوات بسيطة    حشيش داخل حلوى: شركة حلويات معروفة تسحب منتجاتها من السوق    117 كاتبا و 22 طفلا يتنافسون على الجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل    لجنة المالية تستمع إلى ممثل عن الديوان الوطني للحماية المدنية وممثلين عن وزارة الاقتصاد والتخطيط    سيدي بوزيد: تخصيص 4 مراكز لتجميع الحبوب بطاقة تخزين جملية تناهز 73500 قنطار    الخطوط التونسية تطلق عرضًا استثنائيًا نحو إسطنبول    تونس: 5تلاميذ من أطفال القمر يجتازون امتحانات الباكالوريا    توصيات هامّة من الحماية المدنية من اجل سباحة آمنة.. #خبر_عاجل    العاصمة: الإطاحة ب4 أطفال سرقوا تجهيزات من مدرسة ابتدائية    يوم 4 جوان.. لقاء حواريّ حول التّغطية الاجتماعيّة للفنّانين والمبدعين    الكاف.. انطلاق تظاهرة ثقافية في فن التصوير على مائدة يوغرطة    صادرات تونس نحو البرازيل تزيد وتصل قيمتها إلى 137 مليون دينار في 2024    رسميا: آرنولد في ريال مدريد لست سنوات    أكثر من 64 ألف تلميذ يترشحون لمناظرة "السيزيام" لسنة 2025    بكالوريا 2025: شعبة الاقتصاد والتصرف تستحوذ على أعلى نسبة من المترشحين    غزوة السفارة: أحكام سجنية ب 8 سنوات في حق 20 متهما مع النفاذ    هام/ انطلاق بيع أضاحي العيد بنقطة البيع المنظمة بالميزان بهذه الجهة..    ملتقى الحرية للسباحة بفرنسا: جميلة بولكباش تفوز بذهبية سباق 1500 متر سباحة حرة وتحطم الرقم القياسي الوطني    تجهيز ملاجئ ومستشفيات.. إسرائيل تتأهب للحرب مع إيران    التعاملات المالية اليومية بتونس: 24 مليار دينار ''كاش'' يهدد الاقتصاد    عاجل/ متحور جديد من كورونا ينتشر في بعض دول العالم.. والصحة العالمية تحذر..    رحيل مفاجئ للفنانة المعتزلة سارة الغامدي    جامعة النزل:ملتزمون بتطبيق قانون الشغل الجديد    أسماء أولاد وبنات عذبة بمعاني السعادة والفرح: دليلك لاختيار اسم يُشع بهجة لحياة طفلك    مهرجان دقة الدولي يعلن عن تنظيم الدورة 49 من 28 جوان إلى 8 جويلية    الجامعة التونسية لكرة القدم: 18 جويلية جلسة عامة عادية واخرى لانتخاب اللجان المستقلة    زلزال بقوة 4.8 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    حكم ابتدائي ب 8 سنوات سجنا ضد ثمانية متهمين في قضية "الغرفة السوداء"    فخر الدين بن يوسف ينهي رحلته مع المصري البورسعيدي    رويترز: السعودية حذرت إيران.. "إما الاتفاق مع ترامب وإما الحرب مع إسرائيل"    السعودية تطلق ''منصة بيانات الحج'' الرقمية لتعزيز متابعة وتنظيم موسم الحج    السوشيال ميديا والحياة الحقيقية: كيف تفرّق بينهما؟    جوان رولينغ توافق على الممثلين الرئيسيين لمسلسل "هاري بوتر" الجديد    النقابة التونسية للفلاحين توضح أسباب اختلاف أسعار اللحوم بين السوق والتسعيرة الرسمية    رولان غاروس : ديوكوفيتش يفوز على موتيه ليواصل مشواره نحو رقم قياسي في البطولات الكبرى    المدرب جلال القادري يقود الحزم الى الصعود الى بطولة الدرجة الممتازة السعودية لكرة القدم    وزير الشؤون الدينية: الحجيج التونسيون يؤدون مناسكهم على أحسن وجه    تحذير من ارتفاع مفاجئ في درجات الحرارة خلال عطلة العيد    قيس سعيد يدعو إلى التقليص من عدد المؤسسات التي استنزفت أموال المجموعة الوطنية    خطبة الجمعة .. من معاني شهر ذي الحجة.. قصة إبراهيم وابنه    منبر الجمعة ..لبيك اللهم لبيك (3) خلاصة أعمال الحج والعمرة    ملف الأسبوع ...العشر الأوائل من شهر ذي الحجة .. اغتنموا هذه الأَيَّامَ المباركة    









الشاعر كمال بوعجيلة ل «الشروق»: اتحاد الكتاب أجبرني على الهجرة والبوليس الثقافي حاصرني
نشر في الشروق يوم 02 - 04 - 2011

هاجر الشاعر كمال بوعجيلة قبل خمسة عشر عاما الى فرنسا بعد ان «عز العيش» في تونس كما قال، هذه الهجرة فتحت له أبوابا جديدة لاكتشاف الثقافة الانسانية وتعميق تجربته.
كيف يرى تونس اليوم؟ وكيف ينظر الى المستقبل؟
«الشروق» التقته في هذا الحوار.
حوار: نورالدين بالطيب
عدت بعد 14 جانفي الى تونس، ليست المرّة الاولى طبعا، لكنها المرّة الاولى التي ترى فيها تونس بصورة أخرى، بماذا شعرت بدءا من المطار؟
أريد أن أشير أولا الى أن الشعور القوي بأن شيئا ما خطير وجديد يحدث في تونس انتابني منذ انطلاق الشرارة الاولى للانتفاضة بسيدي بوزيد... هناك شعور ينتاب الانسان يصعب كثيرا وصفه أو الحديث عنه، شيء ما يهزك من الاعماق تدرك من خلاله أن شيئا لن يكون كما كان.وقد كتبت نصا في هذا الشأن في تلك الايام ونحن نؤسس لجنة مساندة انتفاضة الشعب التونسي، مجموعة صغيرة من المناضلين التونسيين تدعمنا عناصر من قوى سياسية ونقابية تقدمية فرنسية، نعيش ليلا نهارا على وقع المسيرات والاعتصامات والمظاهرات التي نظمتها اللجنة مساندة ودعما لشعبنا الثائر. ونحن كنّا دائما نساهم بما أمكن لنا في دعم تحركات الشعب التونسي... وأذكر هنا بالمناسبة «احتجاجات الحوض المنجمي... وانتفاضات بعض المدن... والاعتصامات واضرابات الجوع...» كنا دائما على موعد مع الحدث... ولكن ثمة فعلا اضافة هذه المرّة وهو أن عدد المتظاهرين والمنضمين الى اللجنة كان يكبر ويزيد يوما بعد آخر...حتى كان اجتماع «بورصة الشغل» يوم 13 جانفي غير مسبوق من ناحية العدد الضخم والحماس واندفاع المتجمعين...
أردت بهذه المقدمة أن أقول لك: إنني لم أفاجأ وأنا أعود بهذا المناخ الجديد الذي يبشّر بأن الاشياء فعلا ستسير نحو الأفضل... وذلك منذ اللحظة الاولى وأنا أحط رجلي على أرض تونس... لم نر في باب الطائرة تلك الوجوه الكئيبة التي تستقبلنا بنظراتها المتجهّمة وفحصها لنا كأننا مشبوهون... ولعلك عرفت ما أقصد... ثم لم تكن هناك عند اجتياز حاجز الأمن... تلك الأسئلة التي لا معنى لها سوى ارادة اذلال واهانة المواطن واشعاره بأنه تحت المراقبة الدائمة... حتى لا يقترف ذنب التفكير بأي أمر كان... ثم ماذا؟ ليس هناك حسب رأيي ما هو أجمل من الشعور بالحرية... الحرية التي لا ثمن لها... ولذلك فالشعوب مهما طال صمتها وانكفاؤها لابد أن يأتي اليوم الذي تنفض فيه غبار الخوف وتكون مستعدة لدفع ضريبة الدم لأجل هذه الحرية... لقد كانت دائما المطلب الاساسي والجوهري في كل الثورات والانتفاضات... وأظن أن هذا هو أهم ما شعرت به في هذه الزيارة... تونس بدأت تتنفّس نسائم الحرية... هناك انشراح كبير، هناك تفاؤل في عيون الرجال والنساء والأطفال... هناك رغبة حقيقية في عدم التفريط في هذه الحرية التي انتزعوها بالروح وبالدم «كما يقال»...
توجد النقاشات المتواصلة حول كل المسائل بدون «تابوات» وممنوعات وخطوط حمراء... وهناك محاولات جادّة لتلمس الطريق نحو مجتمع ديمقراطي حداثي متطور... طبعا الطريق ليست مفروشة بالورود... ولكن إرادة الشعب حسب رأيي ستنتصر... ورغم كل الملابسات، والاشكاليات والمشاكل فإن الوضع أفضل ويسير نحو الأفضل،، هذا ما أحسّه وأنا أتجوّل في شوارع وأزقّة تونس وكأنني أكتشفها من جديد... هناك رائحة أمل لا أتصوّر انها تخون.
أكثر من 15 عاما في باريس... لماذا هاجرت... وماذا أضافت إليك التجربة الفرنسية؟
هاجرت عندما ضاقت بي السبل وعزّ العيش في بلادي... قاومت لسنين عديدة... وحين تمّت الدائرة وأحسست بالاختناق واستحالة الحياة في تلك الظروف البائسة التي قد تدفع الى الجنون أو الانتحار... قرّرت الرحيل... دون تحديد الوجهة ولا الهدف... المهم أن أنتهي مع الوضع الذي لا يطاق فعلا... تركت العائلة وإبنيّ اللذين كبرا في غيابي وذهبت... ولن أزعجك بالتفاصيل وانت تعرف الكثير منها... أما تجربة الرحيل فقد كانت ثرية جدا بكل الأحوال... المحطة الاولى كانت ايطاليا لمدّة أشهر... ثم أقمت بباريس... وهناك تمكّنت من الترسيم بالجامعة حيث درست في قسمي العربية والفلسفة... وكانت عاصمة الثقافة العالمية فرصتي الرائعة لأطلع على آخر ابداعات الفكر الانساني في كل المجالات من أدب وفن وفلسفة وثقافة بصفة عامة، باريس مدينة مغرية... وغريبة وشيقة... ومتعبة... لا توجد في العالم مدن كثيرة تشبهها... فيها وبكل صراحة عرفت وأدركت أن الانسان مهما أبدع ومهما أنتج ومهما بلغت عبقريته فإنه قطرة في محيط، ومن ثمة علّمتني هذه المدينة الرائعة معنى التواضع... والبساطة... ووقوف المرء عند حجمه الحقيقي... إن الآفة التي يجب الآن ان نهزمها خاصة بعد نجاح الثورة هي هذا الانتفاخ الطاووسي لدى الكثير من الأدباء والفنانين، إن هذا المرض هو مظهر من مظاهر فترة الاستبداد والاقصاء والتخلف، وكلما ازدادت انتشارا وتفشّت أكثر كلما قلّ الابداع وجفّت ينابيع الخيال والخلق... وعلت الفقاقيع... وطفحت القشور على السطح... هذا ما تعلّمته وأنا أجاور وأحاور وأصغي الى الفلاسفة والكتاب والشعراء ممن أثروا الفضاء الفكري العالمي دون ضجيج ولا إثارة... وهذا ما أودّ أن ينتبه إليه رهط من كتابنا وفنانينا... للارتفاع بانتاجنا الادبي والفني والمساهمة الحقيقية والفاعلة في الفكر الانساني... هذا لا ينفي أن لنا في تونس الكثير ممن نفتخر بهم... ولك أن تلاحظ أن أولى الصفات التي يمتازون بها هي تواضعهم الذي يزداد كلما ازدادت ابداعاتهم... هذا هو ما نريده في تونس الثورة.
غيابك عن تونس تزامن مع غياب عن المشهد الأدبي أيضا... لماذا هذا الغياب؟ هل كان موقفا؟
في هذه الفترة التي قضيتها في فرنسا، أصدرت 3 مجموعات شعرية، وشاركت في عدّة أنشطة ثقافية في فرنسا، أما غيابي عن المشهد في تونس، فلا يمكن أن نقول إنه موقف فأنا من الحريصين على المشاركة في تونس ولم أشعر يوما بأنني انقطعت عنها معنويا وروحيا، أما الغياب الذي تحدّثت عنه، فهو ممارسة ضدّي قام بها مجموعة ممن لا يروقهم موقفي الحرّ، واستماتتي ونضالي من أجل أن أظل دوما شاعر الكلمة الصادقة، وانسانا مبدئيا لا أحيد عن مواقفي مهما كانت التضحية، وأستطيع أن أعطيك مثالا على سبيل الذكر لا الحصر، لمعرفة سطوة هؤلاء الذين يعرفهم كل من يتابع الفعل الثقافي في البلاد، أنا من بين الشعراء التونسيين القلائل الذي لم يُدع الى ندوات الشعر في معرض الكتاب في تونس» رغم زيارتي له في كل الدورات وأكاد أقول إنني الوحيد على الأقل في جيلي الذي لم يُدع... هذا هو موقفهم من الكلمة الحرة... فماذا تريد.. أرجو لأجل تونس أن تنتهي هذه الممارسات... والتي أعرف أنها متفشية في كل المجالات وليس في المجال الثقافي فقط... لقد خسرت البلاد كثيرا بمثل هذه التصرفات... أمّا في وسائل الاعلام ومنها الصحف فالقليل من الأصدقاء الأوفياء من يتجرّأ على دعوتي، ولا يفوتني هنا أن أشكرهم جميعا واحدا واحدا... ولا أريد أن أذكر الأسماء هنا، مخافة أن أنسى بعضهم، لهم تحية وفاء وعرفان... إن الأيام والسنين الصعبة هي التي تمنحك فرصة معرفة الرجال والنساء الصادقين...
كيف ترى الهياكل الأدبية: اتحاد الكتاب، ونقابة الكتاب، ورابطة الكتاب؟
لن أضيف جديدا، إذا قلت إن الاتحاد هو زاوية وتكية من تكايا الحزب الذي خرّب البلاد، وهو أول من حاربني في أواسط التسعينات وساهم في ابعادي عن العاصمة وحاول كل ما في وسعه محاصرتي وابعادي عن الساحة الثقافية، رغم أن فيه بعض النزهاء الذين وقفوا الى جانبي ودافعوا عني وهنا لا بدّ من ذكر المرحوم رضوان الكوني والأستاذ جلول عزونة عندما كان في الهيئة قبل أن يغادر وكر الفساد، إنّه فعلا لأمر مخجل أن نذكر ما وصل إليه وضع الاتحاد، هل نقول الكتاب عن مجموعة تمتهن كتابة التقارير والوشاية، والاساءة الى كل ما له علاقة بالأدب والثقافة، لقد تحوّل مقرّ الاتحاد الى مقر مخابراتي يتجسّس على الكتاب ويتلصص على كل تحركاتهم ويرصد كل الحركات والاشارات لفائدة «البوليس الثقافي» الذي أصبح في سنوات الظلام الحريف الأكبر للاتحاد... والكل يعرف ذلك... ولا فائدة من ذكر الأسماء... أما الرابطة فما أعرفه عنها هو أنها انبعثت بفضل مجهود كتاب يئسوا من اصلاح الاتحاد وأدركوا أن لا مجال الى محاولة انقاذه من الداخل، ولي فيهم أصدقاء أثق بهم، وأرجو أن تقدم الرابطة للكاتب وللأدب ما نطمح إليه جميعا...
النقابة أيضا هي حسب رأيي ردّ فعل على التدهور والوضع الذي وصله الاتحاد، وبما أنها تابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، فهي تكتسي كنقابة جانبا مطلبيا حقوقيا، خاصة أن وضعية الكثير من الكتاب هي وضعية مزرية لا تليق بالأديب، لقد بلغ بالنظام الساقط الأمر أنه جعل من كتاب تونس، جوعى، مشردين، ومنهم من مات فعلا لسوء الحالة الصحية والمعيشية التي وصل إليها... إنّ ما حدث في السنوات الماضية هو فعلا مخجل.. أن ينجح النظام الفاسد والمستبد في جعل فئة ممن يصورون أنفسهم كتابا... مخبرين وجواسيس ينغصون حياة الكتاب الحقيقيين وأن ينجح في جعل الكتاب الفعليين منبوذين ومستبعدين ومفردين... هذا هو المحزن فعلا... لقد صبغت فترة كاملة من تاريخ البلاد بهذا الانحراف الخطير والتواطؤ اللامبرّر ضدّ الشرفاء... لعلّ الفرصة الآن سانحة. كما قلت بأن تعدّل الأمور... وتسوّى وضعيات أولئك الذين انتهكت حقوقهم.. وظلموا.. وحوربوا.. وشرّدوا.. وأهينوا.. هذا الأمر عاجل وملح... وأكيد...
كثيرون كتبوا عن الثورة، هل تعتقد أنه بالامكان الآن الكتابة عن لحظة لم تختمر بعد؟
الثورة، ستنتج أدبها لا محالة، متى وكيف؟ الزمن وحده سيجيب وسيغربل ويفصل الغث عن السمين... لكن دعني أقول لك: إنّ الكتابة هي بالأساس فعل واع لا يتم إلاّ بتفاعل شروط ما، ما مدى إدراك بعض من يكتبوا ذلك هذا هو المشكل، من الواضح أن الكثير مما يُكتب لن تحفظه إلاّ الرفوف. كما في كل حدث تاريخي كبير، ولكن من المؤكد أن أدبا مهما وعميقا سيخرج تباعا من واقع هذه الثورة، أنا أظن أن المشكلة ليست في التوقيت، وإنّما في التركيز، فقد تخرج نصوص عميقة وهامة مباشرة الآن، وكذلك سنقرأ ابداعات جيّدة في فترة قادمة بعيدة نسبيا عن الحدث. البعد أم القرب من الحدث ليس محدّدا لوحده لأهمية هذه النصوص، مع أني أشاطرك أن الكثير مما يُكتب الآن لا يرتقي الى مستوى الحدث، لأنه مستعجل وفيه الكثير من الافتعال... لننتظر وسنرى...
كيف ترى الأفق التونسي في ظل الخوف من انحسار القيم التي انبنى عليها المشروع التونسي وأعني بذلك الحداثة؟
في كل الأحوال وكما قلت في أول الحديث، أنا متفائل وتفاؤلي ليس اعتباطيا، هناك بوادر ومؤشرات تدعو الى التفاؤل أهمها أن الشعب التونسي يناضل منذ أكثر من قرن من أجل مشروع حداثي تنويري، وهناك تراكمات مهمّة جدا وقعت خلال هذه السنوات الطويلة من النضال المتواصل. بالطبع هناك قوى الشد الى الخلف، هناك محاولات مصممة على قمع طموحات المجتمع والرجوع به إلى الوراء بل الى ما أبعد من الوراء هناك أيضا جزء كبير من المجتمع لم يحسم أمره بشأن هذا الصراع الدائر بين قوى التحديث والدمقرطة والتقدم وبين قوى الارتداد والتقهقر الى الخلف.
ولكن حسب رأيي مهما احتد الصراع ومهما حاولت قوى التخلف والرجعية الوقوف ضد مشروع الحداثة والتنوير مستعملة كل وسائلها وخاصة (المالية والتضليلية)، فإن المجتمع التونسي لن يخدع مرة أخرى ولن يتنازل عن مكتسبات صاغها بدمه وآلامه وجراحاته وصموده وبطولاته... إنّ هذه المكتسبات التي أنجزت وهي بصدد الانجاز الآن، لم تكن هبة من أحد وإنما هي بفضل مجهود وتضحيات قدمها هذا الشعب جيلا بعد جيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.