عقب الضربات الأمريكية على المنشآت الإيرانية.. طهران تلوح بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي    نفوق الاسماك بخليج المنستير يعود الى انخفاض الاكسجين الذائب في مياه البحر (وزارة الفلاحة)    انتحاري يفجر نفسه داخل كنيسة في دمشق    النجم الساحلي :ضبط القائمة النهائية للإطار الفني لفريق أكابر كرة القدم    تصفيات بطولة ويمبلدون - عزيز دوقاز يواجه الياباني شو شيمانوكورو    في اختتام الموسم الثقافي... أمسية تونسية في باريس    ضخ كميات إضافية من مادة الفارينة المدعمة لمجابهة الطلب في الصيف (وزارة التجارة)    الهيئة الوطنية للسلامة الصحية تدعو سكان المناطق الساحلية الى عدم استهلاك الأسماك النافقة لخطورتها على الصحة    مونديال كرة اليد تحت 21 عاما - المنتخب التونسي يواجه غدا نظيره البحريني    مواعيد مباريات اليوم في كأس العالم للأندية 2025    فوندروسوفا تحقق لقب بطولة برلين المفتوحة للتنس بفوز صعب على وانغ    يوفنتوس يُلحق بالوداد هزيمته الثانية و يتصدر مجموعته    معهد 9 أفريل للمكفوفين بضفاقس يحقق نسبة نجاح ب100 بالمائة في الدورة الرئيسية للباكالوريا 2025    آية برهومي الأولى وطنيا في شعبة التقنية: تميز توج 13 سنة من العمل والمثابرة    واشنطن تحث بكين على ثني طهران عن إغلاق مضيق هرمز    مدينة قليبية تعيش على وقع الدورة 38 لفيلم الهواة من 16 إلى 23 أوت 2025    وليد الصالحي :" نشكر الله"    باجة : حرائق بمزارع الحبوب.. و مندوبية الفلاحة تتخد جملة من الإجراءات العاجلة [فيديو]    صفاقس الأولى وطنياً في باكالوريا 2025: نسبة نجاح تتجاوز 55%    تحذير صحي عاجل: ''لا تستهلكوا الأسماك النافقة بسواحل المنستير''    من منوبة: توأم يحصد المجد في باكالوريا 2025    في مسابقة دولية بلشبونة: تتويج التونسية ملاك العبيدي بجائزة أفضل مؤلف عن الطبخ في العالم    دعوة سُكّان المناطق الساحلية إلى عدم استهلاك الأسماك النافقة لخطورتها على الصحة    إحباط تهريب أكثر من 22 ألف حبة "إكستازي" و2.2 كلغ من الكوكايين بمعبر رأس جدير    بنزرت: اختتام الدورة الأولى لمعرض الورود ومنتجات النحل بمعتمدية تينجة    قرى الأطفال "أس و أس": 21 ناجحا في الدورة الرئيسية للبكالوريا..    عاجل/ إيران تهدّد ب "رد بلا حدود" في حال استهداف المرشد الإيراني على خامنئي..    مبابي يغيب مجددًا عن ريال مدريد    تركيز رادارات جديدة في النقاط السوداء بولاية تونس للحد من الحوادث    لقاءات للشراكات التضامنية بين ناشرين مستقلين من العالم العربي والفضاء الفرنكفوني يوم الإثنين بتونس العاصمة    الحرس الديواني يحجز بضائع مهربة بقيمة تتجاوز 900 ألف دينار    مدنين: من أرض عطشى شابة تقطر زيوت الأعشاب لتروي بشرة الإنسان    بداية من غرة جويلية القادم تطبيق العقوبات الخاصة بنظام الفوترة الالكترونية    عاجل: دليل التوجيه الجامعي 2025 متاح الآن.. وكلمة العبور بداية من هذا التاريخ    توقعات بصمود الصين أمام الصدمات التجارية العالمية    ارتفاع طفيف في درجات الحرارة الأحد لتتراوح بين 29 و38 درجة    إيران تستخدم صاروخ "خيبر" لأول مرة في ضرب إسرائيل    بلدية مدينة تونس: تواصل اشغال الصيانة بعديد المناطق التابعة لها    عاجل: ترامب يعلن ضرب 3 منشآت نووية إيرانية ويهدد بالمزيد    كأس العالم للاندية.. فلومينينسي البرازيلي ينتصر على أولسان الكوري الجنوبي    التلفزيون الإيراني: تم إخلاء المنشآت النووية الثلاث في نطنز وفوردو وأصفهان منذ فترة    بعد إطلاق سراحه من سجن أمريكي.. الناشط محمود خليل يتعهد باستئناف تأييده للفلسطينيين    صيحة فزع    رانيا التوكابري تتوّج بجائزة ''النجاح النسائي'' في مجلس الشيوخ الفرنسي    عاجل/ نفوق أسماك بشواطئ المنستير.. ووزارة الفلاحة تدعو إلى الحذر..    مدنين: 56 مريضا ينتفعون من عمليات استئصال الماء الابيض من العيون في اليوم الاول لصحة العيون    قبلي: اجراء 37 عملية جراحية مجانية لازالة الماء الابيض في اطار اليوم الوطني الاول لصحة العيون    تعمّيم منصة التسجيل عن بعد في 41 مكتبا للتشغيل بكامل تراب الجمهورية    الكاف: لأول مرة.. 20 عملية جراحية لمرضى العيون مجانا    وزير السياحة: التكوين في المهن السياحية يشهد إقبالاً متزايداً    اليوم: أطول نهار وأقصر ليل في السنة    الزيت البيولوجي التونسي ينفذ إلى السوق الأمريكية والفرنسية بعلامة محلية من جرجيس    الفنان أحمد سعد يتعرض لحادث سير برفقة أولاده وزوجته    اليوم: الإنقلاب الصيفي...ماذا يعني ذلك في تونس؟    الانقلاب الصيفي يحل اليوم السبت 21 جوان 2025 في النصف الشمالي للكرة الأرضية    الأحد: فتح المتاحف العسكرية الأربعة مجانا للعموم بمناسبة الذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنات أفكار: في سياسة الجموع وتدبيرها
نشر في الشروق يوم 05 - 04 - 2011

ذاع بين القرّاء، أخيرا، نصّ منسوب إلى عالم اللّسان والمفكّر الأمريكيّ نعوم شومسكي بعنوان : الاستراتيجيّات العشر في سياسة الجموع (Les dix stratégies de manipulation de masses). وما كان أسرع المواقع والمدوّنات إليه، فنسبة نصّ إلى مؤلّف / سلطة فضلا عن خطر المحتوى في حدّ ذاته ممّا يرغّب فيه، ويزيد الثقة به، حتّى صار تداول هذه الاستراتيجيّات أمرا ملحوظا. وكنت قد نفيت في غير هذا الموضع نسبة النصّ إلى شومسكي، وبالرغم من ذلك، مازلت أجد، إلى اليوم، الكثير وممّن يفترض انّه من النخبة أيضا يعرض هذا الدليل منسوبا إلى شومسكي في إصرار عجيب، لم يقطعه نفي المفكّر الأمريكيّ ذاته نسبة النصّ إليه، وإنْ كان يرجّح أن يكون أحدهم قد صاغ تلك النقاط العشر استلهاما من أفكاره ومؤلّفاته.
النصّ عبارة عن دليل يجمل استراتيجيّات التحكّم في الجموع وتوجيهها في استراتيجيّات عشر أقدّر أنّنا جميعا بحاجة لأخذها بعين الاعتبار، والوعي بأهمّيتها حتى لا تكون أسلحة صامتة تُخاض بها ضدّنا حروب هادئة!
أوّل هذه الاستراتيجيّات استراتيجية الإلهاء والتسلية. فالرّقابة على المجتمع تتحقّق وتتأكّد عبر إغراق الناس في سيل من موادّ الترفيه، وتحويل انتباه الرأي العامّ عن المعلومات الضروريّة لمزيد فهم قضاياه المهمّة. ثانيتها اختلاق الأزمات، ثمّ التصدّي لها بالحلول. يُبدأ بخلق مشكلة عبر افتعال وضع مخصوص تتدافع الجماهير متفاعلة معه، ليصير مطلبها حلّ المشكل الطارئ. حينها، يقع التدخّل باقتراح حلول مبرمجة مسبقا، لتخدم أهدافا بعينها. يعطي الدليلُ مثالَ التغاضي عن مظاهر العنف والهجمات الإرهابيّة، ليقع التدخّل في ما بعد باتّجاه مزيد التضييق من الحرّيات والحقوق الاجتماعيّة لتسويغه لدى الرأي العامّ. ثالثة الاستراتيجيّات سمّاها الدليل استراتيجيّة التدرّج. فسياسة المراحل في تمرير مشروع ما هي أجدى وأقوم من سياسة الفرض الفوريّ، لأنّ ما لا يقبله الناس دفعة واحدة، يقبلونه على جرعات، وخطوات محسوبة المراحل. الاستراتيجيّة الرابعة سمّيت استراتيجيّة التأجيل عبر الاعتراف بأنّ قرارا ما شرّ لا بدّ منه، وأنّه أحلى الأمرّين الذي علينا تجرّعه، ولو بالاستعداد له في المستقبل. ويفترض الدليل أنّ الناس يقبلون التضحية إذا كانت معقودة على المستقبل، وينفرون منها إن كانت مطلوبة للفور. وسيتكفّل الوقت بمصالحة الجموع مع ما كانت تتخوّف من وقوعه، حتّى إذا وقع، يوما، كان أمرا مألوفا. استراتيجية الاستغفال هي خامس الاستراتيجيات. أن تخاطب الجمهور على أنّه حصيلة أفراد قاصرين، وتتوسّل إلى ذلك بخطاب تضليليّ، فكلّ ذلك يجعل المخاطَب يذهل عن حقيقة نفسه، فعلا، ويصير كما شاء له ذلك الخطاب. ولأنّ حالة الذهول موصولة بالباتوس ( Pathos) ، فإنّ دغدغة العواطف بدل مخاطبة العقل تكون سادس الاستراتيجيات المرصودة في الدليل، ذلك أنّه بقدر ما يزداد التركيز على العواطف، تضمر ملكة العقل والنقد والوعي والتفكير، وتنحصر طاقات الجمهور في مجال الرغبات والانفعالات والمحاذير والهواجس والأطماع والآمال. غير أنّ إحكام الطوق على أعناق الجمهور يستلزم سياسةَ تجهيل ممنهجة تحافظ بل تزيد في الفجوة بين النخب وبين الجموع. سياسة تدعو إليها الاستراتيجية السابعة، وتحرص فيها على عدم إتاحة أيّ من المعلومات بخصوص أسباب تلك الفجوة ولا بكيفيّات الخروج منها أو تذليلها. على هذه النقطة تترتّب الاستراتيجيّة الثامنة. استراتيجيّة هدفها جعلُ الناس يستحسنون الغباء والغفلة، ولمَ لا الاحتجاج لهما بضروب من الحجج، كالتساؤل عن جدوى الذكاء والترقّي، ووجاهة العلم والتعلّم. إنّه لا يبقى للأفراد، داخل المجتمع، من شعور واع بأسباب ما هم فيه من بؤس أو شقاء، فيعتقد الواحد منهم أنّه المسؤول الوحيد عن التعاسة التي يحيا فيها، ويعيش على الشعور بالذنب لأنّه محدود الذكاء والقدرات والكفاءة. ويرى الدليل أنّ مشاعر الإثم والذنب تحبط العزائم وتعيقها عن رفض الواقع المفروض وعن التوق إلى واقع بديل. ولذلك، جعل من إشاعتها مناط الاستراتيجيّة التاسعة. وآخر الاستراتيجيات العشر المرصودة في هذا الدليل المثير، حَمْلُ الجمهور على التسليم بأنّ النخب الحاكمة أعلم بالأفراد من أنفسهما! ليس ذلك العلم لدُنّيا، على كلّ حال، بقدر ما هو مستند إلى ما تتيحه، يوما بعد يوم، المعارف العضوية والنفسيّة والعصبيّة الحديثة لمديري المنظومة الاجتماعيّة من أدوات السيطرة على خوالج الناس، وما توفّره لهم من وسائل التحكّم في أهواء الناس ورغائبهم.
صحيح أنّ الأفكار الواردة في هذا النصّ الدليل تتصادى مع كثير من أفكار شومسكي وأطاريحه المبثوثة في كتبه ومقالاته، ولعلّ هذا ما منع القرّاء من الشكّ، أصلا، في نسبة النصّ. ولقد ثبت لي أنّ تلك الاستراتيجيّات العشر المنسوبة خطأ إلى شومسكي صِيغتْ من وثيقة مرجعيّة تصنّف على أنّها «سريّة للغاية»، وتحمل عنوانا مثيرا «أسلحة صامتة لخوض حروب هادئة» Armes silencieuses pour guerres tranquilles. يعود تاريخ هذه الوثيقة إلى ماي 1979، وإنْ تمّ العثور عليها سنة 1986 عن طريق الصدفة عالقة في آلة ناسخة. ويقف وراء نشرها واستخلاص استراتيجياتها رجل آخر أسقطته النُّقول، وأغفلته عَجَلةُ «الرواة» اسمه سيلفان تيمسيت (Sylvain Timsit) .
هذه الوثيقة (الاطلاع عليها هنا http://www.syti.net/SilentWeapons.html) عبارة عن دليل للتحكّم في البشر وتدجين المجتمعات والسيطرة على المقدّرات عبر وسائل الإعلام بالتحديد. ويرجّح تيمسيت أن تكون الوثيقة صنيعة دوائر التفكير صلب القرار الاقتصادي والسياسي في العالم، كما ترك إمكانية أن تكون ضربا من «الخيال العلميّ» أنشأه مؤلّف موهوب، أو أن يكون قد صاغها كاتب صحفي مقتدر.
على أنّ المسحة القدريّة التي تطبع تلك الوثيقة بما تشيعه من انطباع بالعجز والسلبية والانفعال، وبأنّ الجموع طوع بنان وأفكار أرباب الإعلام والاقتصاد في النظام العالمي الجديد ليست إلاّ النصف الفارغ من الكأس. النصف الآخر دافع عنه لفيف من المختصّين في الاتّصالات والمستقبليّات ليعيدوا النظر في طبيعة العلاقة الهرميّة بين أرباب الإعلام والجموع، وفي اشتغال التكنولوجيّات الحديثة على كسر تلك الهرميّة، وتحويل نمط العلاقة إيذانا بمولد «الغوغاء الذكيّة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.