الاتجاه الثاني: عدم سقوط الدستور بصفة تلقائية: يرى أصحاب هذا الاتجاه، أن سقوط الدستور بعد قيام الثورة لا يعتبر أمرا حتميا وليس لزاما أن يترتب عن نجاح الثورة سقوط الدستور، فقد يكون هدف الثورة المحافظة على الدستور وحمايته من عبث الحكام وقد يحتاج الأمر الى الابقاء على الدستور فترة من الزمن ثم تعلن الثورة بعد ذلك عن سقوطه ويرتب هؤلاء الفقهاء على ذلك أن الاعلان عن سقوط الدستور يضع الأمور في نصابها الصحيح ويبرز أهداف الثورة والقول بأن هذا الاعلان مقرّر لحالة حدثت غداة الثورة وليس منشئا لوضع جديد محل نظر والتمسك به غير منتج وفي داخل هذا الاتجاه ظهرت عدّة آراء فقهية تهدف الى تحديد الحالات التي يسقط فيها الدستور والحالات الأخرى التي لا يسقط فيها. 1 فذهب رأي أن الثورة التي يسقط الدستور فيها من تلقاء نفسه هي الثورة التي تهدف الى احلال فكرة قانونية جديدة مكان أخرى باعتبارها موجهة ضد نظام الحكم. أما الثورة التي تكون موجهة ضد فساد أداة الحكم فحسب لا تنتج ذلك الأثر الفوري باسقاط الدستور ولا يسقط الدستور في هذه الحالة إلا بعد أن تتطور الثورة من ثورة ضد فساد الحكم الى ثورة ضد نظام الحكم. بينما برز رأي آخر يفرق بين فرضين الأول منهما حالة كون حكومة الثورة حكومة دستورية أي تم تشكيلها طبقا لأحكام الدستور القائم، والفرض الثاني عندما تكون حكومة الثورة حكومة واقعية أي أنها تشكلت دون احترام الأحكام الدستورية القائمة، فإذا كانت حكومة الثورة حكومة دستورية، فإن هذا يعني أنها قبلت الدستور القxائم ولو بصفة مؤقتة وفي هذه الحالة لا يمكن القول بأن الدستور قد سقط بمجرد نجاح الثورة وإنما لا بدّ من صدور قرار صريح فيها بذل. أما إذا كانت حكومة الثورة حكومة واقعية، فإن ذلك يعني أن الثورة لم تحترم أحكام الدستور القائم وأن حكومتها قامت دون الاستناد إليه وهنا يمكن القول بسقوط هذا الدستور بمجرد نجاح الثورة. الاتجاه الثالث: توقف سقوط الدستور على طبيعة أهداف الثورة يذهب هذا الاتجاه الفقهي أن سقوط الدستور من عدمه يتوقف على طبيعة الأهداف التي قامت الثورة من أجل تحقيقها. وعلى هذا الأساس يفرق هذا الاتجاه بين ثلاث حالات محدّدة، الحالة الأولى هي حالة الثورة الشاملة تعبيرا عن رفض الشعب رفضا كاملا لكل القيم التي كانت موجودة قبل الثورة سواء كانت قيما اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية وفي هذه الحالة يؤدي قيام الثورة ونجاحها الى سقوط الدستور. والحالة الثانية تكون عندما تقوم الثورة كرد فعل ضد اساءة الحكام للدستور وكتعبير عن رغبة الشعب في المحافظة على الدستور وهنا لا تؤدي الثورة الى اسقاط الدستور وإنما تعتبر ضمانة من ضمانات احترام الدستور. والحالة الأخيرة لا يكون قيام الثورة تعبيرا عن الرفض الكامل لكل ما كان سائدا قبلها ولكنه لبعض الأمور فقط مما يترتب عنه مجرد تعديل الدستور. ويرى هذا الاتجاه أن البداية تكون هكذا ولكن استمرار الثورة يجعلها تضيق بالثوب القانوني القديم وتسعى الى احلال آخر محله. وبالتالي لا يمكن الجزم برأي محدّد بشأن أثر الثورة على الدستور القائم طالما أن المسألة مسألة ظروف وأوضاع تختلف من ثورة الى أخرى. فقد يجد رجال الثورة أن مصلحة البلاد تقتضي اسقاط الدستور القائم فور قيام الثورة والعمل مباشرة في وضع دستور جديد يترجم الأهداف التي قامت الثورة من أجل تحقيقها. وقد يتريث قادة الثورة في الاعلان عن سقوط الدستور حتى تتهيأ الظروف لذلك وحتى يتمكنوا من فرض سيطرتهم الفعلية على أنحاء البلاد. ٭ بقلم القاضي: يعقوب قوادر (الوكيل بمحكمة الاستئناف بقفصة وحاصل على الأستاذية في اللغة والآداب الانقليزية)