لا يمكن لعاقل أن يقبل بما احتواه المرسوم الخاص بالمجلس التأسيسي من تنصيص على حرمان كل من تحمل مسؤولية في الحكومة أو في الحزب الحاكم خلال العشر سنوات الأخيرة من الترشح أو الانتخاب لما في الأمر من حيف وظلم واستغلال أيضا. أمّا الحيف فيتمثل في تصنيف التونسيين وتمييز بعضهم عن البعض الآخر. وأما الظلم ففي حرمان التونسيين من حقوق مدنية مشروعه. وأمّا الاستغلال فهو ثابت في باطن الغاية السياسة من النص المذكور وهي غاية لا تتعدى «حسبة» إلغاء البعض لكي يتعبّد طريق المجلس أمام البعض الآخر علما أنّ هذه النية في حدّ ذاتها لا تخلو من قصور في الحسابات وأهم قصور فيها هو تعبيد الطريق فعلا، لكن لقوى قد لا تروق في المستقبل الى هؤلاء الذين يريدون تطبيق هذا النص وعندها يكون السحر قد انقلب فعلا على الساحر. كل هذا اضافة الى أن الحكومة خلال العقدين الفارطين وليس العشر سنوات الفارطة فقط قد احتوت في تركيبتها دائما على وجوه وطنية كانت غايتها خدمة بلادها وصيانة مكتسباتها والذود عن مصالحها على أساس أنه يمكن تمرير اصلاحات حتى داخل نظام سياسي فاسد ومستبد، أو على الأقل التخفيف من وطأة الاعوجاجات وإن كانت طبيعة النظام معوجّة من الأصل. أمّا الحزب الحاكم، فلم تخل تركيبته أيضا من وجوه نزيهة ومن شخصيات لم تتلوث البتّة لا ماديا، ولا سياسيا، بل إن بعضها كان ضحية لسياسات «أوليقوسيا» الحزب وكانت في معاناتها لا تختلف عن بقية التونسيين. لذلك كله، فإن الطرف الوحيد المؤهل لحرمان هذا أو ذاك من حقوقه هو القضاء النزيه والمستقل وليست التخميرات الثورية الطفولية، ولا أيضا تلك الاندفاعية السياسية العمياء التي لا يعلم مآلاتها إلاّ العقلاء، الذين يحسبون كل خطوة بما ينتج عنها في الواقع، لا بما تتمناه أوهام الموتورين. إنّ مستقبل تونس وصيانة ثورتها والتأسيس لغدها المشرق تحتاج الى وئام وطني حقيقي وإلى وفاق سياسي يضرب به المثل. لكن مثل هذه الشطحات قد تجعلنا مضربا للأمثال السيئة لا للشعوب التي تصنع التاريخ فيحتذى بها.