سجون... مناف... بطالة... فقر... حرمان... جوع.... طبقية... عروشية.. انتماء عائلي... ضغط نفسي... كبت للحريّات... قمع للمنظمات والحراك المدني والسياسي... تجاوز لدستور البلاد... تسلّط على القضاء... تملك لكل أجهزة الدولة ثمّ ثورة... اغتصاب للممتلكات الخاصة والعامة فثورة شعب ثورة الكرامة والحرية والانعتاق من أجل القطع مع كلّ هذا الماضي المقيت والممارسات البوليسية التي جعلت الفردَ غريبًا في موطنه لا يشدّه إليه سوى وثيقة المولد وعنوان السكن في حين غادر البعض موطنه معرضا نفسه للموت المحقق بين الأمواج المتلاطمة فر?را من جحيم الحيف والظلم.. ثار الشباب المتعلّم لأنّه لم يعد يتحمّل سنوات البطالة التي هي في استمرار متواصل لا نهاية لها... ثار الشباب المعطّل لأنّه فقد الأمل في الوعود الكاذبة التي أصبحت عملة متداولة بين الجميع.. ثار لاشباب من أجل كلمة حق اغتصبت من أفواه الناس كان لابد ان تقال بحرية لا بقيود معلنة وغير معلنة... ثار الشباب لأجل حرية الرأي والصحافة والتعبير والتنظم السياسي والاجتماعي والمدني.. ثار الشباب من أجل برامج تعليمية تفضي بمن يختمها لعمل لائق يكفيه مؤونة السؤال... ثار الشباب لأجل القطع مع التفاوت الجه?ي في التنمية وفرص العمل... ثار الشباب لأجل ان تعود خيرات الجهة بالنفع على متساكنيها علما أنّ كل جهة تزخر بخيرات طبيعية وفلاحية وصناعية جمة... ثار الشباب حتى لا يهان أحد في هذا البلد من أجل لقمة عيش كريمة وعمل لائق وخدمة صحية وادارية ينالها بشرف لا أن يدفع لأجلها الرشوة تحت سياط المحسوبية... ثار الشباب لأجل أن لا يحتسب عليه اي كان في وطنه أنفاسه ويقيد عليه تنقلاته.. ثار الشباب ليعود أبناء الوطن من المنافي ويسرح سياسييه وطلبته المعتقلين في السجون من أجل كلمة حق قيلت في موضع ما لم يعجب من هم في سدة الحكم.. ثار الشباب لنجد أنفسنا اليوم أمام أكثر من مائة حزب سياسي وأكثر من منظمة نقابية.. ثار الشباب ليسترجع الحقوقيون منظمتهم والمحامون والمهندسون والقضاة والصحافيون حتى رجال الأمن حققوا مكسبهم الاجتماعي بتكوين نقابتهم الخاصة بهم.. ثار الشباب من أجل مجلة للصحافة تكون منطلقا للكفاءات والطاقات الخلاقة ل?ساهم كسلطة رابعة في تقويم كل اعوجاج في هيكل الوطن هذا الوطن الذي ثار فيه الشباب من أجل القطع مع السمسرة باليد العاملة ومساومة المرأة العاملة في ميدان التنظيف على شرفها من أجل لقمة العيش وثار الشباب ومن ورائهم كهول هذا الوطن وشيوخه الذين هرموا لأجل مثل يوم 14 جانفي الخالد الذي سوف لن تمحوه السنون مهما طالت هذا اليوم الذي انتفض فيه الجميع وسقط الشهداء الذين روّت دماؤهم أرض الوطن وصاحبهم الجرحى بأعداد كبيرة طابت جراح بعضهم ومازالت أخرى نازفة وأعضاء مكسورة وقوائم مبتورة وأجساد مشلولة بلا حراك تاركين وراءَهم ل?عضنا فرحة ولبعضنا الآخر ألمًا وأسى لا يمكن تقديرهما بأي ميزان أمّا الألم والأسى فهو للثكالى واليتامى وللأمهات اللاتي تكاد قلوبهن تنفطر لما لحق بفلذات أكبادهن وما ألحق كلّ ذلك المجموعة الوطنية من خسائر مادية ومعنوية لا تقدر بثمن انّها محطّة تاريخية سوف تخلد نضالات هذا الشعب الأبي ونقطة تحوّل نوعية في حياة الوطن والمواطنين انّها لحظات المصالحة مع الديمقراطية ومبارزة من سبقونا في هذا الميدان الذي كنّا ننظر إليه نظرة حالم بأمل بعيد المدى صعب المنال استسلم لعدم قدومه العدد الكبير منّا الاّ النزر القليل من الذين?آمنوا بأنّ الشعوب لن تموت وان ارادتها لا تقهر وانّ الكرامة مهما عمل الطغاة على إذلالها فإنّها ترفض الانحناء وان مالت بها النوائب نحو الأرض ذاك هو الشعب التونسي الذي سوف يصطف يوم 23 أكتوبر 2011 طوابير طويلة في ما لا نهاية له ولا مثيل له في حياة الجمهورية التونسية ليس من أجل الأحزاب وبعض رموزها على اختلاف وضعياتهم السياسية ودرجة نضاليتهم من أجل الحرية والانعتاق وكذلك ليس من أجل مبادئ ايديولوجية أو عقائدية أو سياسية نؤمن بها انّما فقط يجب ان يكون اصطفافنا جميعا لأجل الحرية والانعتاق لأجل الكرامة والعزة لأجل أ? يكون الفرد معتزا بالانتماء لهذا الوطن ويشعر أنّه ذا شأن فيه وأنّ صوته يمكن ان يغيّر من مسار التاريخ ويتخلص من عقلية انه رقم يمكن تجاوزه في أي لحظة وأنّ رأيه ثانوي وان كان صائبا وأن شغله هو مكرمة من أصحاب الشأن عليه وان حريته منة من حاكم البلاد وحزبه وهي تبدأ وتنتهي في نفس الموضع الذي اختير له وان كرامته مرهونة في رغيف العيش الذي يأكله ملطخا بكثير من الذلة والمهانة يجب ان يكون اصطفافنا جميعا لأجل حرية الصحفي الذي تفرض عليه رقابة ذاتية ورقابة من دوائر الوزارة ولأجل الأكاديمي الذي كثيرا ما تموت المشاريع والب?امج التنموية أو البحوث العلمية في فكره أو داخل ادراج مكتبه لأنّ فكره لا يتماشى مع ما يريده المخططون الذي يدبرون أمر البلاد من زاوية مصلحة الفرد الحاكم يجب ان يكون اصطفافنا جميعا لأجل المواطنة الحقيقية التي لابد ان يتعلمها الطفل في مدارج المدرسة وبين أترابه في الساحة وفي الكلية وهو شاب يافع وفي المصنع والمخبر والموقع وهو وعامل مقبل على الحياة لبناء وطنه حبّا واخلاصا نريدها بداية المصالحة مع الحياة الكريمة والديمقراطية المتطورة نريدها مصالحة مع كل قيمنا الوطنية والأخلاقية نريدها مصالحة مع تراثنا الفكري والش?ب نريدها مصالحة مع دم الشهداء نريدها نقطة النهاية لكل آلامنا ومتاعبنا ولحظات انتشاء لكل الشباب الذين خاطروا بأنفسهم وأجسادهم لأجل مثل هذه اللحظة التاريخية فإنّنا نرفض ان يفسد أي كان علينا فرحتنا التي انتظرنا وانتظرها معنا العالم بأسره فلابد ان ننجح هذا الحدث الذي صنعته صنعته الثورة ثورة الكرامة والعزة.