في الذكرى الثانية لرحيل عميد «دار الأنوار» المغفور له الأستاذ صلاح الدين العامري كتب الزميل والأخ العزيز فيصل البعطوط كلمة معبّرة ومؤثرة من باب الوفاء والذكرى. كلما غارت الذكرى في الزمان، كلما زاد توهج حضور «الأستاذ» في المكان.. اليوم، وبعد ثلاث سنوات من الغياب المادي، تطوف روحك على الوجدان وكأنك لم تمض إلى مكان مبهم.. بعيد.. واليوم، ينزاح النظري عن العملي، تماما كما ينفض الصدأ عن المعدن الثمين فالأفكار «القديمة» تتنزل على الأرض وكذلك كنت تراها رؤية العين عندما كان كثيرون لا يبصرونها، والواقع العربي الذي كنت مهموما به يتجلى كما رقبته وكما استشرفته.. يوم كان المداد سلاحك الوحيد الذي تمتشقه في شرح ما كان يستعصي عن الشرح لذلك لم تكن صفة «الأستاذ» مجازا، ولا حرقا لبخور في غير مكانه.. ولذلك صمد تلاميذك أمام تحولات زمن اعصار.. يا من رأيت الاعصار وهو يتهيأ للانقضاض، ويا من فاضت روحك إلى بارئها وأنت تنتبه له وتنبه منه من احتظ بالاقتراب منك. أخذتنا الطرق شتى، وفينا من بقي وفينا من ابتعد، لكننا جميعا على العهد بقينا ننثر في الطرق الريفية الوعرة زهورا نراها تنبت فينا ومن حولنا، وعلى قبرك.. يا لسخرية القدر من أمانينا. لست منكرا للموت، فهو حق ولو كره المحبون، ولو عاند العلماء، لكنه الحقيقة النائية عن الفهم عندما تتوالى حياة الميت، فترسم بصمات الحياة بقوة وبتصميم في الأروقة التي مشيت فيها، وفي الأوراق المرتوية من حبرك، وفي المهج الضمآى إلى فكرك.. وكأنك لازلت هنا، لم تفارق هذه الديار أبدا. عزاؤنا القرب من روحك، وجسدك بعيد في ظلال النعيم.. وعزاؤنا عينك التي ترقبنا وما نامت، فقد شبه لهم تحدب على الصغار الذين أصبحوا كبارا ليلة نامت عينك أستاذنا البعيد القريب، إليك هذه الدمعة السائلة كنجمة تحمل أمنية باللقاء العصي.. وما حاجتنا بلقاء الأوادم ونحن في لقاء سرمدي لعل اللّه ابتدعه ليخفف وطأة الموت، ليعطي معنى للحياة المتجددة أبدا، في أفق غير أفق الزمان الغائر وغير الديار المتحولة.. فالحب يظل للحبيب الأول.. والنبع لا يجف حتى إذا قررت الجداول تعديل خطوط مسيرها.