لا بدّ وأنك حينما تتجول في شوارع العاصمة تصطدم بأكداس القمامة تملأ كل الزوايا وتسد أنفك رائحتها الشيطانية، وقد فكّرت في الكتابة حول هذه المسألة التي توشك ان تتحول الى كارثة صحية، فداهمتني أفكار متناثرة عن قصيدة شعرية رائعة ل«بودلير» لم أعد أذكر غير بعض صورها. كان عنوان تلك القصيدة «النتن» وتدور حول وصف الشاعر حيوانا ميتا وكان «بودلير» بتطويعه الأخاذ للغة يوغل في وصف التفاصيل الدقيقة المشمئزة لذلك المشهد حتى كاد تطويعه للغة يحدث غثيانا لدى القارئ، وهي عظيمة لا يقدر عليها غير أمثال هذا الرجل.. المهم ان فكرة الكتابة عن «زبلة» العاصمة التي لم ترفع منذ أيام بدت لي غير أنيقة رغم خطورة مشاهد النشاز التي اكتسحت العاصمة. ففي مدينة غدت متسخة أكثر من اللزوم قد لا يجد بعض الناس ضيرا في اطالة لحاهم وارتداء أكثر الثياب رداءة وأقلها أناقة تماهيا مع مشهد عام اختفت منه الأناقة بعد اضراب عمال البلدية. حتى أناقة الفكر وتألقه سينفطئ بريقها في محيط متسخ لا يليق بعاصمتنا الجميلة. المهم أنني عدلت عن هذه الفكرة وبدأت أبحث عن شيء نظيف أكتب عنه ولم أجد في الحقيقة غير ضاحية سكرة التي ظلت كعادتها متألقة نظيفة، أنيقة الأنهج خالية من مظاهر فوضى الأكداس السوداء، تشع أنوار زهورها مفاخرة بنظافتها عن باقي الأحياء. سألت نفسي مرارا هل هي الصدفة؟ هل للأمر علاقة باجتهاد جميع سكّان الجهة وحرصهم على النظافة رغم اضراب عمالها؟ أم للأمر علاقة بإقامة رئيس الحكومة بضاحية سكرة حيث تجتهد بلدية المكان في إتباع سياسة «كل شيء عال العال، وحجب المعلومة عن المسؤول الاول كطريقة للتعتيم عن الجوانب السلبية في مختلف مناحي الحياة». ولنا أن نسأل في الختام إن كانت هذه النظافة من باب الصدفة فلتحيا الصدف الجميلة وإن كان المقصود به اقتصار النظافة على الأحياء التي يقيم بها المسؤولون الكبار فإننا ندعو السيد الباجي قايد السبسي الى تغيير مقر اقامته أسبوعيا حتى يتم تنظيف مختلف أحياء العاصمة في أوقات قياسية. قد يكون هذا الحل طريفا ربما... ولكن من باب الجدية أيضا أن نكرم عمال البلدية الذين ظلّوا عشرات السنين يرفعون أوساخنا.