كان الطريق، الذي يربط بين بغداد والنجف، ضاجا بالحركة، حين توجهنا إلى منطقة اللطيفية، بغية الوقوف على حقيقة ما يجري هناك. حركة السيارات المسرعة كانت تنبئ بأن الطريق غير آمنة، وكثرة الدوريات الأمريكية على الطريق، هي الأخرى إشارة إلى وجود خطر على الطريق. وتعد المنطقة الواقعة جنوب العاصمة العراقية بغداد، إلى حدود مدينة النجف، واحدة من أكثر المناطق خطورة في العراق. ليس لوجود عصابات السلب والنهب، أو الإجرام، ولكن لكونها تحولت، بين ليلة وضحاها، إلى منطقة مواجهات مسلحة، لا تهدأ. هذه المنطقة تمتد من ضواحي مدينة اللطيفية شمالا، إلى الضواحي الجنوبية لمنطقة الوند. وقد شهدت هذه المنطقة مواجهات مسلحة ضد الشرطة العراقية، وقوات الاحتلال، امتازت في الفترة الماضية بأنها منطقة اغتيالات. ومن النادر أن ينجو منها مسؤول عراقي أو شخصية معروفة بتعاونها مع الاحتلال. ويقول «سعد. ع» لمراسل وكالة»قدس برس» إن اللطيفية والمحمودية تعدان الآن مناطق خارج سيطرة الدولة. فالعمليات التي شهدتها مؤخرا كانت من الضراوة بمكان، بحيث أدت إلى انسحاب كافة عناصر الشرطة العراقية من مراكزهم. ويضيف أن دخول أو حتى مرور القوات الأمريكية على الطريق العام يعني حصول مواجهات لا محالة. وكانت آخر عملية قامت بها الشرطة العراقية والقوات الأمريكية، من أجل إعادة فرض السيطرة على المدينة، منيت بفشل ذريع. فقد دخلت الشرطة العراقية إلى المنطقة مصحوبة بغطاء جوي أمريكي. وكان المقاومون هناك على علم بوجود قوات تحاول أن تدخل المدينة، لبسط السيطرة عليها، لذلك طلبوا من أهالي المنازل القريبة من الشارع العام إخلائها، وفعلا دخلت 200 سيارة شرطة، في أوسع عملية تقوم بها الشرطة العراقية. عند ذلك طوق المقاومون السيارات الداخلة من أكثر من جانب. ودارت مواجهات عنيفة، أدت في النهاية إلى فرار قسم كبير من الشرطة العراقية، التي لم تجد لها قبلا بهذه النيران، التي انصبت عليها من الجهات الأربع. وفشل الطيران الأمريكي في الاشتراك في تلك العملية، لكون أغلب المناطق التي تحيط بالمدينة، هي مناطق زراعية، حيث كان يتحصن المقاتلون. ورغم ذلك قصفت مروحيات الاحتلال الأمريكيةالمدينة بطريقة عشوائية، مما أدى إلى تدمير عدد من المنازل، كما قال. العدو... جاء بنفسه ويصف المواطن سعد اللطيفية بأنها منطقة عشائر عربية معروفة، «فأغلب سكانها من عشائر الجنابيين، والعبيد، والغريرات، والدليم، وزوبع، وهي عشائر معروفة بتدينها، منذ زمن صدام حسين. كما إنها معروفة بمناهضتها للاحتلال الأمريكي. وقد وفرت أحداث النجف لتلك المناطق فرصة التصدي للقوات الأمريكية. وكانت هذه القوات من النادر أن تتوجه إلى جنوب العراق، لكون هذه المناطق كانت تعد مناطق هادئة نسبيا. ويمضي إلى القول إن المقاومين كانوا يتوجهون في السابق إلى بغداد لتنفيذ عمليات ضد قوات الاحتلال، وأثناء أحداث النجف حصل التحول الكبير في عمليات المقاومة في اللطيفية والمحمودية، إذ جاءهم «العدو» الذي كانوا يسافرون إليه، قريبا من ديارهم، فصار استهداف الأمريكان أثناء توجههم إلى النجف أمرا ميسورا بالنسبة للمقاومين، فالمنطقة الزراعية وفرت لهم غطاء جيدا، كما إن أغلبهم من العناصر، التي كانت ضمن صفوف الجيش العراقي السابق، مما وفر لهم إمكانات قتالية فائقة، كما يضيف. بعد أن فشلنا في الوصول إلى اللطيفية، بسبب اندلاع الاشتباكات، قررنا أن نتجه إلى أحد البيوت القريبة، التي أخبرني رفيق السفرة بأن صاحبها يملك معلومات وافية عن الطيفية والمقاومة هناك. وفعلا توجهنا إليه في ناحية الرشيد، جنوب العاصمة بغداد، والتقينا بالشيخ أبو رعد، الذي بات يقيم عند أحد أقربائه، بعد أن ترك منزله في اللطيفية، بسبب اشتداد المعارك. يقول أبو رعد «اللطيفية والمحمودية تقعان الآن تحت سيطرة المقاومة العراقية، وهؤلاء مقاومون شرعيون، وليسوا إرهابيين، كما تصفهم بعض الصحف المحلية في العراق». ويضيف بعد برهة من الصمت «هم لم يستهدفوا الأبرياء، وإنما استهدفوا قوات الاحتلال الأمريكي. كما إنهم لم يستهدفوا رجال الشرطة، إلا بعد أن قام هؤلاء باستهداف رجال المقاومة هناك». أما بالنسبة للاغتيالات، كما يضيف الشيخ أبو الرعد، فإنها «اغتيالات لشخصيات معروفة بولائها لقوات الاحتلال. وإذا ما جرى استهداف عدد من الأبرياء، فإن ذلك ليس من صنع المقاومة.. المقاومة العراقية تسيطر تماما على اللطيفية، لذلك تجد أن المدينة هادئة تماما. وليس هناك فقدان للأمن، كما يحصل في العاصمة بغداد. أما الاشتباكات فإنها كانت في الأيام الماضية، بسبب المحاولات الأمريكية لدخول المدينة واعتقال أبنائها». مثلث برمودا وتشتهر تلك الجماعات بالشدة والشراسة في القتال ضد القوات الأمريكية أو الشرطة العراقية التي تعتبرها الجماعات المسلحة هناك عناصر من العملاء والخونة. (الذي يبتلع كل السفن المارة منه) هكذا وصف السياسي العراقي المقرب من قوات الاحتلال، أحمد الجلبي، تلك المنطقة، التي تقع اللطيفية ضمنها، بعد نجاته من محاولة اغتيال، تعرض لها على يد المقاومة هناك. وربما كان وصف الجلبي دقيقا إلى حد كبير، وهو الذي عاش لحظات المواجهة المرة مع الموت. فهذه المنطقة التي أصبحت تشهد اشتباكات شبه يومية، مع قوات الاحتلال الأمريكي، والشرطة العراقية، والحرس الوطني، يرى فيها العديد من المراقبين فلوجة ثانية. غير أنها تختلف في طبيعة العمليات التي تنفذها. فهي لا تستثنى قوات الشرطة العراقية، أو الحرس الوطني، كما إنها لا تستثني رجالات الحكم والسياسة العراقيين. وتبقى مدن العراق كلها مرشحة لكي تكون فلوجاتة أخرى. فتل عفر، وسامراء، وشارع حيفا، ومدينة الصدر، والخالدية، واللطيفية، وغيرها من المدن بدأت تسير على نهج الفلوجة، وهي مدن باتت تطالب بأن لا يدخلها الجنود الأمريكيون، وأبدى المقاومون فيها شراسة وقوة لا تخطئها العين في مواجهات محاولات قوات الاحتلال دخولها.