منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في البحرين مطالبة بإصلاحات سياسية لم تخف إيران قلقها وانشغالها، ولم تتوان في حصر ما يجري هناك في خانة الصراع المذهبي بين أقلية سنية حاكمة مستبدّة وأغلبية شيعية مضطهدة. هذه الرؤية للوضع لم تكن خافية في الخطاب الايراني، حيث ندّدت طهران مرارا بما سمّته «المجزرة» المرتكبة بحق الشعب الايراني وأبدت انزعاجا كبيرا خصوصا منذ دخول قوات «درع الجزيرة» الى البحرين، والتي تقول سلطات المنامة أنه تحرّك لا يخرج عن مجالات صلاحيات مجلس التعاون الخليجي وعن سياق العمل الخليجي المشترك. وبدا واضحا أن الانزعاج الايراني مردّه مخاوف من أن تفقد طهران جانبا من نفوذها في بلد، وإن صغر حجمه فإنه يمثل امتدادا طبيعيا لمناطق نفوذ طهران كقوة إقليمية (وفق التصوّر الايراني) بما يمثله ذلك من بقاء البحرين ضمن محيطها العربي الخليجي، وما يعنيه من تعزيز لمجلس التعاون، القوة الاقليمية المنافسة لطهران. وضمن هذه الرؤية صاغت إيران مواقفها وذهبت في أحدث تصريحات لكبار مسؤوليها، الى حدّ القول ان الدفاع عن البحرين واجبها وإنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما تعتبره قمعا تمارسه المنامة على شعبها، بل ان إيران ندّدت بازدواجية المكاييل التي يعتمدها المجتمع الدولي في التعاطي مع قضية البحرين ودعت الى تدخل أممي لوقف ما سمّته القمع المرتكب بحق الشعب البحريني. وهذه الدعوة بلا شكّ غريبة عن طبيعة الدولة الايرانية وعن أدبيات ديبلوماسيتها التي غالبا ما تقع في صدام مع الأممالمتحدة ولا تثق بمؤسساتها (خصوصا في ما يتعلق بمعالجة المنظمة الدولية للملف النووي الايراني)، وقد ندّد الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد مرارا بمجلس الأمن الدولي واعتبره فاقدا للشرعية بوصفه مؤسسة تدافع عن الطغاة وعن القوى الكبرى وتشرّع لهذه القوى ضرب الدول الناشئة التي تسعى الى أن تشكّل قوة إقليمية في محيطها (مثل ايران). فالخطاب الايراني إزاء ما يجري في البحرين هو إذن متعدّد المنطلقات والأوجه، وهو بذلك لا يمثل موقفا محدّدا وحاسما بل متذبذبا بين التنديد بتدخل خارجي (خليجي) والدعوة الى تدخل أجنبي (أممي) وحتى التشريع لتدخّل إيراني باسم «الواجب».. وهو ينمّ عن قلق بالغ تشعر به طهران وعن خشية من تداعيات ما يحدث. والغريب أن طهران كثيرا ما تذكّر في خطابها الرسمي بأن سياستها الخارجية قائمة على مبدإ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار وغيرها، ولكن يبدو أن المصالح الاستراتيجية والحيوية وخصوصا النزعة المذهبية في توصيف النزاعات وحتى في تحديد أسس العلاقات مع دول الجوار تجعل الديبلوماسية الايرانية تخرج أحيانا عن محدّدات هذا المبدأ واستحقاقاته وتذهب الى حدّ ممارسة دور الوصيّ على دولة أخرى، وهذا ما لن تقبله البحرين، أو يُفترض ألاّ نقبله سواء تعلّق الأمر بإيران أو بغيرها.