مرة أخرى ينزل الدكتور اللاعب السابق للنادي البنزرتي والمحاضر بالليسيسكو والمختص في علوم التربية والعلوم السياسية والاجتماعية شكري الحمروني ضيفا على «الشروق». هذه المرة حاورناه حول ظاهرة العنف في الملاعب وتواصل وجودها حتى بعد الثورة والطرق الكفيلة باستئصالها نهائيا. ٭ لو نعود الى جذور العنف كظاهرة حتى نفهمها كيف تحللها؟ جذور العنف تعود الى نشأة الانسان لأنه يحملها في ذاته والانتصار للذات وحب التفوق على الخصوم والمنافسات الرياضية اليوم عوّضت المنافسات الدامية التي كانت تحدث في مسارح روما وتغيّرت الأسلحة لكن بقيت المنافسة وظهرت قواعد لعبة جديدة والجماهير التي كانت تتفوّق لهذا وذاك هي نفس الجماهير التي تشجّع هذا ضد ذاك اليوم ولما غابت القوانين والتأطير عاد الانسان الى نزعاته العنيفة وحب السيطرة وفي ظل غياب القوّة الرادعة والأمن مثل التأطير عاد الانسان الى نزعاته العنيفة وحب السيطرة وفي ظل غياب القوة الرادعة والأمن مثل التأطير عادت الميولات العنيفة وشاهدنا ما حصل في بعض الملاعب مثل باجة وبنزرت وبن قردان وبني خلاد وغيرها. ٭ بعد الجذور، ما هي أسباب عودة العنف بعد الثورة؟ أسباب العنف منها ما هو سابق للثورة ومنها ما هو راجع الى ما بعدها. أما السابق لها فمن بين أسبابه عنف الدولة الذي قابله عنف من نوع آخر فالناس على دين ملوكهم والدولة التي كانت تمارس العنف والضغط و«الارهاب» على مواطنيها تدفعهم الى مثل ما شهدناه كذلك قمع أرباب العمل للعمال والآباء لأبنائهم والأطفال لأقرانهم فالعنف يولّد العنف والعنف في المجال الرياضي كان وسيلة للتعبير بعد الحصار الذي كان مفروضا على المجتمع للأسف في شتى المجالات. زد على ذلك المشاكل اليومية من بطالة واكتظاظ تجعل من العنف وسيلة تفريغ لدى عامة الناس. أما العنف الذي هو من افرازات الثورة فيتعلق أساسا بعجز النظام الحاكم عن حماية الناس وهذا ناجم عن تراجع الأمن وتدني صورة عون الامن الذي أصبح غير قادر على السيطرة بعد ان أصبح متهما وهو في حدّ ذاته يحتاج الى الأمن كي يقوم بدوره. العنف اليوم أصبح خيارا ممكنا لتحقيق أهداف معيّنة لا يمنعه القانون وزيادة الجرأة والاندفاع لدى الفرد الذي تنتفي شخصيته ضمن «سيكولوجيا الجماعات» فحين يجد نفسه وسط مجموعة يتحرّك في إطارها ولا يجد فرصة للتفكير والتحليل وهذا أشرنا إليه في حوار سابق على أعمدة جريدتكم وهذا ما وقع في بعض الملاعب. ٭ ألا تعتقد ان الثورة لم تكتسح مجال الرياضة بعد؟ هذا غير صحيح والدليل يتمثل في الانسحابات والاستقالات التلقائية داخل الهياكل والنوادي الرياضية هناك انتخابات جديدة وشعارات رفعت في بعض الملاعب مثلما حدث في مدرّجات ملعب سوسة حين رفع الجمهور شعارات مستوحاة من الثورة وكانت منضبطا حتى عند الهزيمة. كذلك عدد من الفنيين انتقلوا لممارسات جديدة ثورية لكن هذا لا ينفي ان بعض التحاليل والممارسات لم تتغيّر مثل هيمنة المال عند البعض وغياب القيم وبذخ اللاعبين وعدم اهتمامهم بمفاهيم الاحتراف وتواصل تواجد المتمعشين حول النوادي والهياكل. ٭ كيف ترى الإعلام الرياضي بعد الثورة؟ الاعلام بصفة عامة لم يقم بثورته بعد لكن الاعلام الرياضي لم تكتمل ثورته رغم انه كان سبّاقا قبل 14 جانفي في فتح الملفات الحساسة لكن اليوم لم يغيّر من نسقه ولم يواكب عمل الثورة «فالروبورتاجات» التي شاهدناها قبل 14 جانفي تقريبا هي نفسها، استجوابات تنسى ان الثورة مرّت من هنا برامج طويلة تستهلك وقت التونسي مازالت تقوم بدور التخدير بدل التأطير والتوعية للاسف. ٭ أي دور للهياكل بعد الثورة؟ يجب ان تستجيب لمتطلبات اللحظة وتكون أكثر حرفية ومهنية وتبتعد على الارتجال ويقوم عليها مختصون لا متطفلون لأن التونسي أثبت انه واع ولا يمكن «استبلاهه». ٭ تعليقك على إضراب الحكام؟ هي حركة في محلّها ومن حقهم المطالبة بالأمن لأن الشعور بالامن مقدّمة لاتخاذ قرارات ثابتة غير ان حديث بعضهم عن ممارسة هواية لا أوافق عليه لأن التحكيم عمل يتقاضون عليه أجرا ويفتح امام البعض آفاقا كبيرة لا علاقة لها بالهواية وكل ما نرجوه هو ان يعي الحكم ان المشهد تغيّر ويقوم بدوره المطلوب منه على الميدان دون خوف الا من ضميره ويقطع البعض منهم مع سلبيات الماضي ونتمنى أن يكون تحكيمهم أخلاقيا. ٭ هل لديك مقترح لمقاومة العنف في الملاعب؟ في السابق قدّمت برنامجا كاملا لسمير العبيدي يتضمن حملة وطنية لكن للأسف التفّ عليه وأخذ منه بعض النقاط أثث بها ندوة محتشمة مما يعني ان الرغبة في مقاومة العنف واجتثاثه لم تكن موجودة عند النظام السابق أو لنقل لم يعطها الحجم الذي تستحقه. البرنامج الذي تقدمت به كان يرمي اولا الى تحسين المستوى الفني للاعب ولكرة القدم التونسية عموما التي فقدت بريقها وتحسين المستوى على الميدان ينعكس ايجابيا على السلوك في المدارج بعودة اللوحات الفنية واللعب الجميل ولا ننسى ان تدني مستوى كرتنا في الفترة الأخيرة يعود الى أن هدف الجمعيات كان عدم الانهزام وليس الرغبة في التفوّق وتطوير البناء. ٭ هل من حلّ عملي لقطع دابر العنف؟ أولا العنف كظاهرة لا يمكن معالجته في إطار واحد فكل السلط يجب ان تنخرط في الحملة فالشاب الذي يمارس العنف في الملعب هو نفسه الطالب وهو التلميذ وهو الموظف وبالتالي معالجة العنف تكون في كل الفضاءات وفي جميع المواقع وكل طرف عليه ان يتحمل مسؤوليته حتى تتمكن الرياضة من أداء دورها التربوي.