.. طفلة احتلت عناوين الصحف، واستأثرت بحيز كبير من اهتمام وسائل الإعلام، وشغلت الرأي العام التونسي، ليس لنبوغ مبكر أو لنجاح دراسي لافت للأنظار أو لموهبة خارقة للعادة، فقط لأنها دفعت فاتورة "الإرهاب الرياضي" في يوم قد ينساه الجميع، لكن من الصعب أن تنساه عائلتها التي لم تكن لتتصور حجم الفاجعة التي ألمت بها بعد أن طالت يد العنف فلذة كبدها في ختام يوم كان من المفترض أن يكون عاديا. نزهة... نقمة تفاصيل اليوم الأسود، اكتشفها الملايين من خلال شهادات عائلة ، التي حلت بها الفاجعة دون مقدمات، هو القدر الذي جعل نزهة عائلية تتحول إلى نقمة على الرياضة وأهلها، عائلة كانت تسلك طريقا خاليه آمنة لكنها وجدت نفسها في قلب معركة حامية الوطيس بين مجموعة من جماهير الترجي الرياضي العائدة إلى العاصمة بعد ملاقاة الاتحاد المنستيري ومجموعة من جماهير النجم الساحلي العائدة من المرسى في طريقها إلى سوسة بعد خوض مباراة أمام نجم حلق الوادي والكرم، معركة "هوليغانز تونس" استعملت فيها الحجارة والعصي... والنتيجة سيارات مهشمة، ونفوس مرتعدة وعدد من الجرحى بعضهم مثل ذنبهم الوحيد أنهم سلكوا الطريق السريعة تونسسوسة. الأولى.. الأخيرة "معركة هرقلة" ليست الأولى في السجلات السوداء للرياضة التونسية... ويبدو أنها لن تكون الأخيرة... ليست الأولى لأن الذاكرة تحتفظ بالعديد من المشاهد التي اختلطت فيها ألوان الفرق بلون الدم، ولعل أحداث باجة قبل سنوات ما تزال عالقة في الأذهان.. "معركة هرقلة" قد لا تكون الأخيرة لأن التعامل مع العنف كظاهرة لا كنتيجة ظل على استحياء دون بحث في الأسباب واستئصال للجذور، فسرطان العنف الذي استشرى في جسد الرياضة التونسية لا يكاد يختفي حتى يعود للظهور من جديد، وكأن نهاية كل موسم رياضي باتت بداية لموسم جديد للمواجهات الدامية. منحرفون.. محترفون التصدي لغول العنف وإن بدا مطلبا أساسيا، فإن البحث في هوية صانعيه ضرورة ملحة للقضاء عليه، والتساؤل عن دوافع أقدام شبان من المفترض أن يدخلوا الملاعب لتشجيع فرقهم المفضلة على دخول عالم الجريمة قد يكشف جوهر القضية، فجزء هام من هذه الفئة التي عادة ما توصف بالضالة تعاني من مشاكل اجتماعية وعقد نفسية، أهمها البطالة والمستوى التعليمي المتدني والتهميش من مجتمع يرفض التعاطي مع مطالبها، فتجد الملاذ في أندية رياضية هي أشبه بوعاء يلم شملها ويمنحها فرصة الشعور بالانتماء، فتتحول المباريات إلى استحقاقات جماعية والملاعب إلى ساحات للدفاع عن الهوية، أما الجزء الآخر من هذه الفئة فهي مجموعة من المنحرفين الذين يجدون في التجمعات ستارا لممارسة هوياتهم في استعمال العنف بكل أشكاله اللفظي منه والجسدي. مسؤولية.. جماعية المهمشون والمنحرفون هم الوجه الأول لعملة العنف، أما الوجه الثاني فتتقاسمه العديد من الهياكل المسؤولة عن تفشي الظاهرة، أولها الهيكل الأمني الذي يفترض أن يحول دون دخول منحرفين باتوا من أصحاب السوابق في عالم "العنف الرياضي" إلى الملاعب والتجارب الأوروبية مع ما يعرف بال"هوليغانز" أثبتت جدواها في هذا المجال، أما المسؤول الثاني فهو جامعة كرة القدم التي تفتقد قراراتها التأديبية إلى الصرامة الكافية في التعاطي مع الظاهرة! وقراراتها الأخيرة عقب ما عرف باليوم الأسود لكرة القدم التونسية خير دليل , إضافة إلى ضرورة فتحها لملف التحكيم المثير للجدل، ومن جانبها تتحمل وسائل الإعلام جزء من المسؤولية بعد أن تحولت في الكثير من المناسبات إلى منبر لتبادل التهم والتشكيك في نزاهة الحكام والتلميح والتصريح بالتلاعب بالنتائج لمن يفترض أن يكونوا مسؤولين في الأندية. ألم.. أمل بعد مرور عاصفة "معركة هرقلة" وبعد انكباب الجميع على البحث عن الأسباب واستخلاص العبر، فإن الأمل لابد أن يأخذ طريقه إلى النفوس بعد الألم .. ألم أصاب عائلة والعائلة الرياضية وكل العائلات التونسية التي هزتها صور العنف، ويبقى الأمل في انتهاز الفرصة للتعامل بجدية مع هذا الملف امنيا واجتماعيا ورياضيا لتبقى الملاعب فضاءات للتنافس النزيه ومرآة تعكس مبدأ التنوع والتعدد في أبهى معانيه. نقل عن مجلة البلاد الشقيقة