كنت في احد الايام القريبة الماضية جالسا في مقهى بشارع بورقيبة بتونس العاصمة مع بعض الاصدقاء. وكالعادة كنا نتجاذب اطراف الحديث عن كل شيء وعلى حتى شيء... وكالعادة كانت امامي على الطاولة «كدس» الجرائد التي اشتريها كل يوم وكان من بينها جريدة «الشروق» الغراء... ولفت انتباهي احد الاصدقاء الظرفاء والذي يشاكسني دائما. قائلا: شوف يا شيخ هاهم ابتدؤوا في كستينغ «استار اكاديمي»... 500 مترشح ومترشحة في اليوم الاول! ولفت انتباهي الى الصورة بالالوان التي كانت توشح في الموضوع في الصفحة الاولى من جريدتنا الحبيبة المذكورة اعلاه... قائلا: ملاّ بنيات يا شيخنا! قلت له: هل تعلم ان «ستار اكاديمي» هو أحد اسباب سقوط الدولة العباسية، فالتفت افراد «الشلة» وحتى الذين كانوا من حولنا مندهشين وبادروني بالسؤال عن علاقة برنامج «ستار اكاديمي» وولع الشباب والفتيات وتأثرهم به، وهو برنامج حديث، وبين سقوط الخلافة العباسية وهو حدث تاريخي قديم. فقلت لهم: إن فكرة البرنامج قائمة على التدريب والتعليم وهذه رسالة عظيمة ولكنها استخدمت بطريقة تجارية ولتحقيق هدف ربحي باستثمار الجنس النسائي والغناء. وإن كانت آثار البرنامج السلوكية والتربوية مدمرة بالطريقة التي عرضت فيها الا انه عمل جاد ذو اهداف تجارية، ولا يستغرب تنافس الشركات على رعاية هذا البرنامج حتى فازت احداها عندما دفعت مبلغ ستة ملايين دولار لرعايته. فالبرنامج اذن ليس تافها ولا سخيفا كما يصفه البعض، وإنما للبرنامج اهداف تعليمية وتدريبية ومالية واضحة، ولهذا اثر في نفوس الصغار والكبار. ولو رجعنا الى التاريخ لوجدنا ان الفتوحات الاسلامية ادخلت الجواري الى المجتمع الاسلامي واصبح لهن سوق تجاري يسمى بسوق النخاسين «النخاس بائع الرقيق» وكانت المتاجرة بهن تجارة رابحة لاصحابها، ومنهم «ابراهيم الموصلي وابنه اسحاق» ثم تفنن الناس في ابتداع الوسائل التي تزيدهم ربحا فبدؤوا بتعليم الجواري الغناء حتى اصبح المغنون هم تجار الجواري والمعلمون لهن حتى ارتفع سعر الجواري وارتفع مستواهن العقلي، وأصبحت لهن برامج خاصة لتدريبهن وتعليمهن ا لرقص والادب والشعر فأصبحن مغنيات مثقفات، وقد بدأ هذا المشروع في العصر الاموي، ولكن كان الخلفاء والعلماء حريصين على حفظ هوية الامة، وكانوا مدركين ان الهدف التجاري مهما كان ناجحا ينبغي ان لا يكون سببا في التدمير الاخلاقي فمنعوا تطور المشروع. ولكن في العصر العباسي فتحوا الباب مرة اخرى وشجعوه، وكان بداية السقوط ووصل الاثر الى قصور الخلافة الى درجة ان خلفاء بني العباس الستة والثلاثين الا ثلاثة منهم من اولاد الجواري، وكان تأثير الجواري سيئا تربويا على الامة وخاصة في نشر الخلاعة والمجون، الا ان مشروعهم من الناحية المالية كان مربحا، وكان هم الشباب والفتيات بل وحتى الكبار هو الذهاب الى الاسواق الخاصة بتدريب المغنيات والتنافس على شرائهن حتى اصبح في كل بيت فضائية تديره جارية مدربة على الغناء والرقص والشعر والادب كل ليل. فالتفت الحضور من حولي وقالوا لي: انها المرة الاولى التي نستمع فيها الى هذا الربط بين «ستار اكاديمي» القديم و»ستار اكاديمي» الحديث. فقلت: وأعتقد أنه سيكون لدينا في المستقبل اكثر من «ستار اكاديمي» وسيأتي تجار يطورون هذه الافكار حتى يستخرجوا من كل بيت «ستار اكاديمي» كما حدث في العصر العباسي.