شملت ظاهرة «الحرقان» أو الهجرة السرية بعد ثورة 14 جانفي المرأة التونسية فصرنا نسمع ونشاهد عبر شاشات التلفزة نساء يعبرن البحر عبر سفينة الخطر في اتجاه «لمبيدوزا» دون اعتبار سنهن فمنهن الفتاة العزباء ومنهن المرأة المتقدمة في السن التي شاركت ابنها في عملية «الحرقة». والسؤال الذي يفرض نفسه لماذا تحرق المرأة التونسية وتتحدى الموت في هذا الظرف بالذات؟ وكيف يمكن التخفيف من الرغبة في اجتياز الحدود خلسة لهذه الشريحة؟ «الشروق» سألت عن الأسباب وبحثت عن الحلول من خلال الحديث الى بعض المختصين في علم الاجتماع فأفاد الدكتور مهدي مبروك أنها لم تتحول الى ظاهرة وظلت فقط في مستوى الارتفاع النسبي حيث تم تسجيل حوالي 450 حالة من 28 ألف حالة رغبوا في الهجرة السرية. وكانت الظاهرة في حدود 28 امرأة في 2008 ولوحظ أنها كانت دائما مرافقة من أحد أفراد العائلة وقلة قليلة هاجرن بطريقة فردية وهن عادة ضحية تفكك عائلي أو طلاق أو صورة اجتماعية مهتزة لسوابق قانونية وحول الأسباب العامة قال انها تتمثل في البطالة والفقر والخصاصة وكذلك الانفلات الأمني الذي ساهم بشكل كبير في توفير الفرصة للهجرة السرية وغذى المشاريع الهجرية ووفر لها الأرضية الملائمة. وأضاف أنه للأسف الحكومة الانتقالية لم تبعث برسائل تشدهم للثورة لانتظار ثمارها تحافظ عليها وترافقها لأن الانتخابات والحراك السياسي لا يعني لهم الكثير حاليا مقارنة بالمطالب الاجتماعية خاصة توفير موارد رزق. ويفترض أن المرأة حارسة القيم وهي أخت وزوجة وأم وتقوم بدور كبير في عملية القرار وثني المهاجرين عن الاقدام. وقال: «الحلول بالنسبة لي هي في يد الحكومة من خلال توفير الشغل بالاشتراك مع المجتمع المدني بالتحسيس والتوعية والاعلام في مجال المساهمة في الحد من الظاهرة. وهناك أيضا المقاربة الأمنية التي فشلت ويجب تجاوزها لأن الكلفة البشرية باهظة جدا مع استحضار مقاربة تنموية عادلة. تنظيم واتفاقيات وأفاد الدكتور حسان القصار أستاذ وباحث جامعي في العلوم الاجتماعية والديمغرافية بجامعة تونس أن البحوث التي قمنا بها في عهد بن علي وقلنا إن نسبة مهمة جدا من النساء يهاجرن خاصة عبر تركيا واليونان وهناك من يهاجرن عبر مالطة، قوبلت بالرفض والقمع وأضاف أن نسبة مهمة من الطالبات كن يواصلن العيش بفرنسا بعد السفر للدراسة وذكر أن أشكال الهجرة متعددة بالنسبة الى المرأة من صاحبات الشهائد العليا الى العاهرات الموجودات حاليا بالخارج. وأفاد أنه مع الأسف سابقا عندما كنت أتطرق الى هذه المواضيع قام أصحاب النفوذ في العهد السابق بمجهود لطردي من العمل بسبب الكتاب الذي ساهمت فيه بمقال علمي وعنوانه «نظرة حول الهجرة التونسية» وكنت تناولت فيه هجرة المرأة فكان رد فعلهم عنيف جدا، وتدخل مستشار الرئيس السابق عبد الوهاب عبد الله شخصيا بالتعاون مع السيدة سيدة عقربي رئيسة منظمة الأمهات السابقة تدخلا عنيفا. وقال: «لولا العميل لكنت اليوم عاطلا عن العمل حيث تصدى لهم ورد عليهم بأن كل ما قام به كان في اطار عمله». الأسباب الرئيسية وحسب دراسة للوضع قال: «إن الأسباب الأساسية تتمثل في تغير بنية المجتمع التونسي والتغير في المستوى التعليمي للمرأة حيث فتح أمامها آفاقا لطلب الشغل». وأضاف أنه يوجد سبب آخر يتمثل في التأخر في سن الزواج ومع هذا يبرز انسداد في الآفاق وتترابط مع تطور المستوى التعليمي لتجعل المرأة تسعى الى الذهاب الى سوق شغل آخر وسوق الزواج ويترابط مع تغير القيم فإن المرأة نفسها تسعى الى الهجرة بكل الأشكال من منطلق أن المهاجر هو رمز ثراء. والهجرة السرية هي ظاهرة سلبية تعكس يأسا كبيرا من الشخص الذي «يحرق» تجاه الواقع الذي يعيشه لأنه معرض للموت في أي لحظة ولا يمكن التخفيف من هذه الظاهرة الا بإعادة ارتباطه ببلاده ونحن ثورتنا قامت من أجل الكرامة والوطنية وحب البلاد وبالتالي الحكومة وكل الهياكل المهتمة يجب أن تعطيها أهمية كبيرة كما يجب ايلاؤها أهمية كبرى من قبل المجتمع المدني والاعلام. ويجب أن تضطلع كذلك الأحزاب بمهامها اضافة الى أنه يجب أن نعلم أن الهجرة ظاهرة كونية لا يمكن ايقافها لا من الغرب أو من العرب ولكن الحل يكمن في تنظيم مسلك الهجرة في اطار الاتفاقيات.