الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    المسرحيون يودعون انور الشعافي    أولا وأخيرا: أم القضايا    بنزرت: إيقاف شبان من بينهم 3 قصّر نفذوا 'براكاج' لحافلة نقل مدرسي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    نابل.. وفاة طالب غرقا    مدنين: انطلاق نشاط شركتين اهليتين ستوفران اكثر من 100 موطن شغل    كاس امم افريقيا تحت 20 عاما: المنتخب ينهزم امام نظيره النيجيري    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    منتخب أقل من 20 سنة: تونس تواجه نيجيريا في مستهل مشوارها بكأس أمم إفريقيا    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    الطبوبي: المفاوضات الاجتماعية حقّ وليست منّة ويجب فتحها في أقرب الآجال    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    عيد الشغل.. مجلس نواب الشعب يؤكد "ما توليه تونس من أهمية للطبقة الشغيلة وللعمل"..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    كأس أمم افريقيا لكرة لقدم تحت 20 عاما: فوز سيراليون وجنوب إفريقيا على مصر وتنزانيا    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    ترامب يرد على "السؤال الأصعب" ويعد ب"انتصارات اقتصادية ضخمة"    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    كرة اليد: الافريقي ينهي البطولة في المركز الثالث    Bâtisseurs – دولة و بناوها: فيلم وثائقي يخلّد رموزًا وطنية    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    عاجل/ اندلاع حريق ضخم بجبال القدس وحكومة الاحتلال تستنجد    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    تعرف على المشروب الأول للقضاء على الكرش..    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور الهادي السعيدي الحاصل على أرفع وسام فرنسي يتحدث ل «الشروق»: أسعى الى إنصاف التونسيين الذين حرروا فرنسا من النازية
نشر في الشروق يوم 21 - 04 - 2010

لست ادري كيف اقدم ضيفي الذي ألّف 8 كتب بالتمام والكمال في التاريخ وعلم الاجتماع حول المهاجرين التونسيين والعرب بصفة عامة فاهتمامه بالهجرة اهله للحصول على دكتوراه اولى ثم دكتوراه ثانية من الجامعات الفرنسية مما جعله محل اهتمام كبار الفلاسفة والمؤرخين الغربيين. قدم لكتبه «بنجمين ستورا» و«البار ميمي» و«جانين بونتي» وغيرهم من كبار المفكرين والمؤرخين... مما يفسر سر تسابق دور النشر الغربية للظفر بمؤلفاته... هو يحاضر ايضا في أكبر الجامعات الاروبية اضافة الى نشاطه الجمعياتي المكثف فهو مدير لمهرجان في شمال فرنسا ضد العنصرية والمواطنة الجديدة بعد ان شغل ايضا خطة مدير مهرجان ثقافي «من قرطاج الى باريس من سنة 1996 الى سنة 2002...».
«الشروق» التقته في هذا الحوار الخاص والممتع:
فرصة لنتعرف عليك خاصة وانه اول حوار لصحيفة ولوسيلة اعلام عربية؟
فعلا هذا اول لقاء لي بوسيلة اعلامية عربية رغم ظهوري في عدة وسائل اعلام غربية ما يمكن ان اقوله عن نفسي اني من مواليد 1957 بمدينة النفيضة مقيم بفرنسا ومتزوج بفرنسية لي 3 ابناء . متحصل على دكتوراه في التاريخ من جامعة ليل 3 سنة 1998ثم نلت دكتوراه ثانية في علم الاجتماع من جامعة باريس 8 بملاحظة مشرف جدا تحت اشراف الكاتب والمؤرخ الكبير بنجامين ستورا وهي تتمحور حول العلاقات الاجتماعية والثقافية بين المستعمر والمستعمر في تونس من سنة 1881 حتى سنة 1919 ادرس حاليا بالمعاهد والجامعات الفرنسية والقي المحاضرات في عدة جامعات فرنسية وأوروبية وقد خصصت كل بحوثي ودراساتي تقريبا لدراسة شؤون المهاجرين التونسيين خاصة وأن هناك تقصير كبير في دراسة وضعية المهاجرين التونسيين.. هناك فراغ حتى في الاحصائيات لا توجد أرقام صحيحة.... أنا بصفتي «مهاجرا» تونسيا مقيما بفرنسا عشت وعايشت أوضاع المهاجرين وما يتعرض اليه العرب والتونسيون بصفة خاصة من صعوبات ومن مشاكل في المهجر أردت ان اتخصص في شؤون المهاجرين وقد ألّفت 8 كتب هي:
العلاقات بين المستعمر والمستعمر 18801919 مثال النفيضة وهذا الكتاب طبع في تونس سنة 2003 وقد قدمه المؤرخ الكبير بنجامين ستورا
الهجرة والعنصرية طبع بفرنسا سنة 2005 عن دار صوت الشمال
العنصرية والذاكرة ...اي تاريخ؟ طبع بفرنسا سنة 2006 تقديم الفيلسوف الكبير البار ميمي
ذاكرة الهجرة والتاريخ الاستعماري طبع بفرنسا سنة 2007 تقديم المؤرخة الفرنسية من اصل بولوني جانين بونتي
الاجانب في فرنسا والارث الاستعماري طبع بفرنسا سنة 2007 وهو كتاب مشترك مع مجموعة من الباحثين والمؤرخين وقد كنت المشرف عن هذا الكتاب الذي قدمه المؤرخ الفرنسي كلود ليوزي
صفحات منسية من تاريخ الهجرة التونسية والاستعمار
الطائفية في العلاقات الاجتماعية طبع بفرنسا سنة 2009 تقديم جيل منصيرون
«المعهد...الاحياء...التاريخ» وهو كتاب جاهز سيصدر قريبا في فرنسا تحدثت فيه عن الاحياء الشعبية التي يقطن فيها المهاجرون وسلطت الضوء عن البرامج الدراسية.
لو تحدثنا اولا عن مسيرتك الدراسية؟
في الحقيقة لم اكن طفلا ناجحا في البداية او منضبطا جدا فقد تحصلت على الباك سنة 1978 من معهد حر بسوسة بعد ان تم طردي من المعهد الحكومي بسبب تعلقي الشديد بالرياضة التي اخذت جانبا كبيرا من حياتي حينها ثم بعدها درست بالجامعة التونسية اختصاص تاريخ وجغرافيا لمدة 3 سنوات ولم انجح او لم اواصل ثم في سنة 1981 قررت الهجرة الى فرنسا .وقد ذهبت حينها ناضجا فكريا لاني عرفت اخطائي ...كانت لدي ارادة وتعلق غريب بالدراسة لم استسلم ولم اغير مساري فقد التحقت باحدى الجامعات الفرنسية وقد كنت اشتغل في نفس الوقت نظرا لظروفنا الاجتماعية المتردية .وقد رسبت في السنة الاولى 3 مرات ثم رسبت في السنة الثانية مرتين ...لكني لم استسلم ولم أيأس.
لو تحدثنا عن طفولتك وظروف دراستك؟
والدي كان عاملا بسيطا بالجسور والطرقات كانت ظروفنا قاسية جدا في تلك الحقبة كنا عائلة تتركب من 9 أفراد لكن رغم ذلك فقد راهن والدي علي خاصة وان جميع اخوتي لم يدرسوا نظرا للظروف الاجتماعية الصعبة لذا لم يكن من السهل علي النجاح كنت ادرس مع ابناء الأثرياء وكنت اتنقل يوميا في الحافلة منذ الساعة السادسة صباحا وفي جيبي بعض الملاليم ..كنت امقت نظرات الاحتقار التي اراها في عيون بعض الزملاء....الاحتقارة او بلغتنا الدارجة «الحقرة» هذه المفردة صدقني لم اجد لها مرادفا في اللغة الفرنسية يشفي الغليل ...المعاناة الاخرى كانت خلال اخر الشهر كان الخوف كل الخوف من راس الشهر حين ياتي القيم ليخرج من لم يدفع معلوم الشهر الدراسي وكنت دوما في المقدمة احمل ادواتي ولا ادري متى اعود؟ لكن رغم كل هذا كنت دوما مؤمنا بالنجاح...ويمكنني القول ان الفقر والفشل الدراسي كانا من الدوافع القوية التي حفزتني للمواصلة والمثابرة والنجاح.
لمن انت مدين بهذا النجاح؟
أنا مدين لامي وابي خاصة و ايضا لزوجتي التي شجعتني كثيرا وثبتت عزيمتي وامنت بنجاحي اذ كانت تسهر الليل لمراجعة كتبي واخطائي اللغوية وابداء رايها في بعض العبارات والخطابات الفرنسية.
وجهت كل اختصاصك لدراسة تاريخ المهاجرين واوضاعهم الاجتماعية بادق تفاصيلها لماذا؟
اهتممت بالمهاجر لاني اولا انا مهاجر ثانيا انا اعتقد ان البحوث والدراسات قد اهملت المهاجر.. حيث لا توجد لدينا بحوث مختصة في تاريخ المهاجرين ودراسة اوضاعهم الاجتماعية بل لا توجد حتى ارقام ثابتة فمثلما هناك اختصاص ب «جانين بونتي» في دراسة المهاجرين البولونيين ومثلما اختص «ستورا» في دراسة المهاجرين الجزائريين احاول انا كتونسي ان اختص في تاريخ المهاجريين التونسيين لان الهجرة لم تعد موضوعا منسيا او مهمشا كل الاسر التونسية صار يشملها الآن موضوع الهجرة ان لم يكن لها ابن مقيم في الخارج فلديها اقرباء واصدقاء وبالتالي فتاريخ المهاجر التونسي يستحق الاهتمام والبحث الاكاديمي خاصة وان المهاجرلم يعد مهاجرا بعد ان مكث وصار مقيما هناك وانجب ابناء واحفادا وبالتالي اضحت له مطالب شرعية. المهاجرون التونسيون لم يعودوا ارقاما بل هم اشخاص بعد ان صاروا مقيمين وبالتالي يحق لهم الانخراط في المجتمعات الغربية التي اختاروا الاقامة بينها . فالدول الاروبية كانت تعتقد ان المهاجرين هم وقتيون وسيأتي اليوم الذي يغادرون فيه البلاد لكن عليها الان ان تعيد النظر في سياستها تجاه المهاجرين وفي مقاييسها التي اعتمدتها.
انت كباحث ومفكر وكذلك مدير لمهرجان ضد العنصرية ما الذي يغذي معاناة المهاجرين وصعوبة اندماجهم هناك؟
من اكثر الاشياء التي تقلقني واشعر انها فعلا تزيد في معاناة وتهميش المهاجرين المصطلحات الخاطئة التي يتداولها البعض كلما تحدث عن الهجرة وموضوع المهاجرين لماذا نقول مثلا «فرنسي من اصول اجنبية» اليس هذا تكريس للعنصرية والخطير اننا نحن ايضا صرنا نردد هذا . ماذا نعني ايضا حين نقول اندماج المهاجرين؟ماذا نقصد بالضبط بالاندماج ؟ثم كيف نقول لمن ولد هناك وتحصل على الجنسية الاوروبية مهاجر هو ليس مهاجر ثم ماذا نقصد بالاندماج هل لان اسمي عربي لا اعتبر مندمجا؟ هل لاني لا آكل لحم الخنزير ولا تحتسي ابنتي الخمر أنا غير مندمج ؟.ثم لماذا يعينون فئة ما ويشيرون اليها باصبع الاتهام وكانه اقرار ضمني بان هذه الفئة او المجموعة غير مندمجة . مقاييس الاندماج من حددها ؟هم حددوها اي الغرب قبل ان اكون انا موجودا الآن انا هنا موجود اذن تعالوا نحدد مقاييس اخرى جديدة ثم يمكنكم محاسبتي بعد ذلك. من جهة اخرى فإن المهاجر مازال يعاني من أخطر أنواع العنصرية.
لنتحدث عن تاريخ المهاجر التونسي فمؤلفاتك عديدة في هذا المجال عمّ تنقب بالتحديد؟
انقب عن صفحات منسية من التاريخ لا يريد الغرب فتحها او يحاول ان يتناساها.
مثل ماذا؟
سأعطيك مثالا... على عكس ما يظنه البعض هجرة التونسيين الى فرنسا في البداية لم تكن بهدف العمل.. كانوا جيوشا منظمة شاركت في تحرير فرنسا. ففي الحرب العالمية الاولى ارسلت تونس 58778منهم 18358 عاملا والبقية جنود 10500ماتوا ولم يعودوا انا مثلا انقب عن هؤلاء المهاجرين الذين لم تصنفهم فرنسا كمواطنين ولا كمهاجرين لم يكن هناك قانون يدافع عنهم ....هؤلاء الجنود و العمال غير المصنفين ....هؤلاء البسطاء لم لا ندون معاناتهم والامهم وتفاصيلهم الحياتية ورسائلهم واهتماماتهم؟ الا تهمنا حياة هؤلاء؟ الا نكتب الا عن الملوك والعظماء ؟لم لا نكتب عن المواطن البسيط فانا حين اكتب عن هؤلاء الناس اشعر اني انتصر إليهم وأعيد لهم كرامتهم .
في كتابك «صفحات منسية من تاريخ الهجرة التونسية» تحدثت عن الحضور الضعيف لقضية المهاجر التونسي بالمقارنة مع المهاجر الجزائري او المغربي كيف تفسر ذلك؟
لو عدنا الى الوراء قليلا سنستنتج ان بداية الهجرة التونسية نحو أوروبا في سنوات الخمسين كانت ضعيفة ومتاخرة ولم ترتفع بصفة ملحوظة الا في سنة 70 حيث أصبحت مقننة نوعا ما فحسب دراسة قامت بها وزارة الداخلية الفرنسية حول عدد المهاجرين من شمال افريقيا سنة 1923 كان عدد التونسيين لا يتعدى بعض الاشخاص وفي أطروحة للمؤرخ ميشال شاستون كان هناك 13 تونسيا سنة 47 من جملة 7014مهاجرا من شمال افريقيا وفي سنة 1948 ارتفع العدد الى 23من جملة 9556 حسب المؤرخ جاك راجي . وفي كتابي صفحات منسية من تاريخ الهجرة التونسية أردت ان اذكر ان الكتابات عن الهجرة في فرنسا أرادت طمس تواجد التونسيين والعلاقات القديمة التي كانت تجمعهم بفرنسا والدليل غياب المهاجر التونسي عن الكتب المدرسية في فرنسا في حين يتم تخصيص مكانة هامة للمهاجر الجزائري وهنا تظهر مهمة المؤرخ لاعادة كتابة الصفحات المجهولة لكي يفهم المواطن الفرنسي ان للمهاجر التونسي دورا هاما في بناء تاريخ فرنسا فنحن لسنا دخلاء.
ماهي الرسالة التي تريد ان تبلغها من خلال اهتمامك بقضية المهاجرين التونسيين؟
اولا اريد ان اقول ان اكبر ظلم يمكن ان يتعرض اليه المهاجر التونسي هو اخراجه من الدراسات التاريخية ومن الكتب المدرسية... ثانيا اريد ان أؤكد انه لابد من تصفح الصفحات المنسية من تاريخ المهاجرين التونسيين .
ما الذي يميز المهاجر التونسي عن غيره؟
تحدثت في احد كتبي عن العلاقة المميزة التي تربط تونس بفرنسا منذ سنة 1577 وازدادت متانة في القرن 19 وخاصة في الحرب العالمية الاولى والثانية حيث تألق الجيش الرابع التونسي في تحرير فرنسا.. فالتونسي يحظى اذن بسمعة جيدة وهو وريث حضارات عريقة ... وان كان يلتقي في نفس المعاناة مع بقية المهاجرين العرب والأفارقة ... نفس العنصرية ...نفس ظروف السكن ...البطالة ...الغربة ...و لكن نظرا للظروف الجغرافية في تونس فان التونسي يعود للوطن اكثر من غيره فهو ليس كالمهاجر السينغالي مثلا او غيره الذي قد يقضي 10سنوات متتالية دون اية زيارة لوطنه وهذا يساهم في تخفيف وطأة الغربة عن التونسي. ما يميز التونسي ايضا انه يحظى برعاية وعناية خاصة من طرف الدولة التونسية حتى في ديار الغربة يمكنني ان اعطيك مثالا واضحا او بليغا فالمهاجر التونسي هو الوحيد من بين بقية المهاجرين الذي تتكفل الدولة اثناء وفاته في ديار الغربة بكل المصاريف من غسله الى نقل جثمانه الى ارض الوطن وهذه اللفتة المؤثرة والبليغة نحسد عليها فحين يموت مهاجر عربي اخر او افريقي يقوم اصدقاؤه بجمع بعض التبرعات ... ما يميز التونسي ايضا عن البقية ان التونسي له نظرة تسامحية فلا ننسى ان تونس هي بلد الشمس والبحر والياسمين مما جعل الكثير من الشخصيات الفرنسية تخير الاصطياف في تونس خلال الصيف ...«فيليب سوغان»...«بارترون ديلانوي» رئيس بلدية باريس من اصل تونسي ( بنزرت)... الصحفي الكبير «بن سلامة»... الممثل اللامع «بوجناح» وغيرهم من المشاهير . من المميزات الاخرى للمهاجرين التونسيين انهم يتزاورون دوما مما ساهم في خلق روابط اجتماعية كبيرة بينهم خففت من حدة الغربة.
برأيك ما الذي تغير في المهاجر التونسي منذ الستينات والى حد الان؟
مهاجر الستينات كانت غايته العمل وقد كان يهاجر في شكل شرعي مقنن بعد ان يتحصل على عقد عمل كانت نية المهاجر جمع اكثر ما يمكن من الاموال والعودة في اقرب وقت للوطن والدليل انه كان يشيد مسكنا في تونس لكي يثبت انه عائد فعلا كما انه لم يسع للحصول على الجنسية الفرنسية كأن الامر لا يعنيه بل ان الجنسية كانت في تلك الفترة تهمة تمسه في وطنيته وجذوره العربية المسلمة لم يكن يهتم كذلك بالاحزاب والجمعيات الفرنسية كما انه لم يسع لشراء ممتلكات هناك رغم الفرص المتوفرة حينها في فرنسا وبالتالي فإن هذه النقاط تؤكد ان نية العودة لديه موجودة هو فقط كان يبحث عن الاموال يريد التحول من عامل الى عرف .
ماذا حصل بعد ذلك؟
في سنة 1990 تغيرت نوعية المهاجر حيث انه من سنة 80الى سنة 90 كان معظم المهاجرين طلبة ثم بعد التسعينات والى حد الان صاراغلبهم تقنيين واطارات وفنيين ورجال اعمال وبالتالي تبدلت الرؤية وتغير مفهوم النجاح لدى المهاجر اذ لم يعد النجاح في تونس صار النجاح في فرنسا وبات المهاجر يبحث عن شراء مسكن هناك بالخارج وتدريس اطفاله اي بدا يتحول من مهاجر الى مواطن فرنسي له مطالب دينية (بناء جوامع) مطالب ثقافية (تعليم اللغة العربية لابنائه) مطالب سياسية ايضا (ثمة من دخل المجالس البلدية الفرنسية ).
هل هناك اسباب أخرى لهذا التحول الجذري في سنوات ال 90؟
اطفال المهاجرين الذي ولدوا هناك كبروا وشبوا في الخارج واندمجوا كذلك وصاروا يحبذون البقاء هناك وبالتالي فان الولي المهاجر صار جالسا على كرسيين اصبح السؤال اذن يطرح لم الرجوع؟. العودة اذن صارت وقتية اي اقتصرت على الزيارات الصيفية ولم تعد عودة نهائية خاصة وان الام لم تعد ايضا ترغب في العودة وتريد البقاء قرب ابنائها نظرا لان السنوات العجاف قد مرت وهي تريد ان تتذوق الثمرة الآن.
لنتحدث عن ابناء المهاجرين ...انت كأب مهاجر ما الذي يزعجك في تربيتك لابنائك؟
أنا كأب يجرحني كثيرا السؤال لماذا ابنك لا يتكلم العربية؟ سؤال يلقيه علي البعض باستنكار وكأني خائن او كأني لا أريد تعليمهم اللغة العربية او كأني أب فاشل مثل هذه الاسئلة أراها شخصية بحتة ومحرجة للغاية. البعض أيضا يسألني هل ابناؤك يحبون الوطن او هل قمت بختانهم ...؟
وأنت الا ترى انه من واجب كل ولي مهاجر ان يعلم ابناءه اللغة العربية؟
صحيح ...جرح كبير ان لا يتكلم ابناء المهاجرين العربية ..خاصة حين يتحدثون هنا مع الاقارب والاصدقاء وامهات المهاجرين المسنين لكني احمل هنا المسؤولية للدول الغربية التي لم تدرج اللغة العربية ضمن برامجها التعليمية دون ان انفي المسؤولية تماما عن الآباء.
بقطع النظر عن موضوع اللغة كيف ترى سلوك ابناء المهاجرين ؟
هم في الحقيقة لهم طبيعة خاصة نتيجة تمازج ثقافتين مغايرتين في اذهانهم لكن هم ايضا محل فضول من الجميع حين يعودون الى ارض الوطن... هل يدرسون؟ هل يقرؤون؟ هل يتكلمون العربية؟ لكن على الجميع ان يدرك ان ابناء المهاجرين لا يختلفون كثيرا عن شباب اليوم ولان اغلبهم ابناء عملة بسطاء يعيشون ظروف عيش صعبة في الخارج يعانون من العنصرية هناك والحرمان وصرامة القوانين الاوروبية معهم ...ورفضا من المجتمعات الغربية وبالتالي يزورون تونس بقناعة ان بلدهم الام قادرة على احتضانهم والتسامح معهم و«تدليلهم» وهذا لا يعني انني اتبنى تصرفات البعض منهم كالتهور في السياقة مثلا وعدم احترامهم لبعض القوانين ...لكن لا يجب ان ننسى ان 95٪ من أبناء المهاجرين ذوي مستوى ثقافي ضعيف اغلبهم قد خير التكوين المهني وهذا قد يفسر عزوفهم عن ارتياد المتاحف والمعارض والفضاءات الثقافية .هم يفضلون السهر والعودة بسياراتهم ومنهم من يتحدون اولياءهم ليجلبوا سيارتهم الخاصة ...وهنا أدعو الأولياء الى مزيد تأطيرهم وعدم الافراط في المرونة والتسامح.
هذا بالنسبة للذكور الا تشاطرني الرأي ان بنات المهاجرين يعانين من مشاكل أخرى؟
الفتاة بنت المهاجر بصفة خاصة ايضا تعاني الكثير من الصعوبات فهي تعيش صراعا نفسيا اكبر من سنها وتشتتا او تمزقا وسؤالا كبيرا اسمه الهوية؟ ماهية هويتها؟ فهي لها هويات مختلفة هي في نفس الوقت مسلمة عربية وفرنسية وفتاة متقدمة ومتحررة لم تعد تعرف كيف ترتب هذه الهويات المختلفة هل هي مسلمة اولا ام فرنسية؟... هي تتعذب وتتمزق صديقاتها البنات في الخارج يحدثنها عن تجاربهن العاطفية والجنسية وهي لا تدري أيحق لها ان تجرب علاقة مع فرنسي الجنسية ام لا؟ هي تعيش صراعا نفسيا اكبر من سنها خاصة في فترة المراهقة والشباب.
كيف تفسر ظاهرة تهافت الشباب التونسي اليوم على الزواج من بنات المهاجرين ؟
إجابتي لا تخفى على احد الشاب يرى في ابنة المهاجر جسرا للسفر الى الخارج وتحقيق احلامه المادية هو يدرك ان زواجه منها سيمكنه من العيش بطريقة قانونية في الخارج . وهذه الظاهرة تكبر داخل المناطق الداخلية خاصة التي لا توجد فيها نزل لان شباب تلك المناطق ليست لديه الفرصة للتعرف على اجنبيات وبالتالي فالفتاة ابنة المهاجر بالنسبة اليهم اسهل من الوصول الى فتاة أوروبية حيث يتطلب ذلك التنقل الى المدن السياحية وارتياد الاماكن السياحية التي تتطلب مصاريف عديدة اضافة الى عائق اللغة كذلك . لذلك يلتجئ الشاب لابنة بلده المقيمة في الخارج يحاول اغراءها بكل الطرق فالبعض يعتمد على سمعة عائلته والبعض يرسل اليها البنات من صديقاته وشقيقاته . هم ايضا يتصورون ان ابنة المهاجر المتحررة سهلة اي ممكن ايضا ان يحل مشكلته الجنسية معها...البعض ايضا يدرك ان عائلة تلك الفتاة لن تخذله في الخارج بل ستسانده وتوفر له المسكن والعمل اذا ماتزوج ابنتها وتنقل معها.
لاحظنا ان بعض بنات المهاجرين لا يحسن الاختيار اذا ما تزوجن بتونسي... وقد تتعدد حالات الطلاق بعد زواج لا يستمر احيانا اكثر من شهر او شهرين؟
قلت ان الفتاة ابنة المهاجر تعيش معاناة حقيقية وخلطا في مفاهيمها فهي قد تصلها رسالة من هذا الشاب او ذاك من الذين يريدون التعرف عليها لم تقرأ مثلها ابدا في حياتها وهي قد تستمع الى كلام معسول لم تستمع مثله ابدا وهنا تكثر اخطاء الاختيار .
مارأيك في هجرة الشباب اليوم وسعيه «للحرقة» بكل الطرق غير مبال بكل المخاطر؟
في الحقيقة حين استمع الى اخبار المهاجرين اتمزق لحال الامهات والاولياء والشباب الواهم بالثروة وأتساءل في قرارة نفسي هذه الاجيال التي خسرناها كيف تفضل الهجرة والمخاطرة بارواحها فهي لا تعيش في فقر مدقع هم يظنون ان ايطاليا او فرنسا ستمنحهم الثروة والجاه وان النساء الأوروبيات ستنتظرنهم بالاحضان ليصطدموا بعد ذلك بظروف اسوأ وواقع اصعب.
حسب رأيك هل يمكن الحد من ظاهرة الهجرة السرية؟
...ليكن في علمك ان الهجرة الحالية هي هجرة معاكسة لان الشعوب الأوروبية نفسها هاجرت في ما مضى ففي اواخر القرن 19 وبداية القرن 20 هاجر الاوروبيون الى امريكا الشمالية و بلدان المستعمرات وقد تنقل قرابة 10ملايين اوروبي وسكنوا واستقروا هناك والانسان بطبعه يحب التنقل والترحال وتحسين ظروف عيشه...لذا فاني اقولها صراحة انه طالما هناك فوارق اجتماعية بين البلدان المصنعة والبلدان النامية فالهجرة السرية لن تتوقف يمكنهم ان يشيدوا اسوارا وجدرانا لايقاف الهجرة السرية لكنهم لن يقدروا على القضاء عليها نهائيا.
دكتور الهادي نشكرك على هذا الحوار المطول
...أنا سعيد بهذا اللقاء الصحفي مع اول وسيلة اعلام عربية كما اني اوجه التحية الى قراء «الشروق» وأقول للجميع انا دوما في خدمة وطني الحبيب تونس لان كلمة الوطن بالنسبة لي تضم عديد الأبعاد الفلسفية والروحية وهي تعني لي الكثير والكثير...وان شاء الله نلتقي في حفل التوسيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.