فلذات الكبد عزيزة كما الروح... فالآباء كانوا واعين بالقانون وتطبيق حظر التجوّل، لذلك دفعهم الخوف الى مغادرة المنازل والبحث عن الأبناء... فتلك امرأة تمسك هاتفها الجوال وهي في حالة ارتباك تناشد ابنها وذلك شيخ يقف أمام المقهى بحثا عن إبنه لمطالبته بالعودة فورا... لكن في المقابل كانت فئة من الشباب غير مبالين لما يحدث فقد احتلوا المقاهي لمواصلة السهر شأنهم شأن بعض المحلات التجارية والأكشاك. كان هذا أبرز ما شد الانتباه أثناء قيامنا بجولة صحبة عديد الوحدات الأمنية المشتركة ورجال الجيش في مدينة سيدي حسين السيجومي والضواحي المتاخمة لها. الساعة كانت تشير الى حدود الثامنة والنصف من مساء يوم أول أمس حيث تمركزت عديد الوحدات الأمنية المختصة صحبة مجموعة من رجال الجيش للقيام بعمليات أمنية وفي المقابل بدأت الحركة تخف... مواطنون يسرعون في مشيتهم للالتحاق بمنازلهم قبل الوقت المحدّد لتطبيق فرض حظر التجول الذي يبدأ مع التاسعة ليلا وسيارات تمر بسرعة لكن عديد المقاهي ظلت تعج بالزبائن وخاصة من الفئة الشبابية الذين بدت على ملامحهم علامات الامتعاض من العودة المبكرة الى منازلهم والتي لم يتعودوها ليتجاهل أو يتناسى العديد من أصحاب المحلات والأكشاك غلقها... وبمرور الوقت شرعت الوحدات الأمنية في تحركها لتمشيط مدينة سيدي حسين والأحياء المجاورة ليقوم الأعوان باشعار المواطنين بأن التوقيت حان للعودة الى المنازل، لكن عديد الشبان والذين تراوحت أعمارهم بين سن السادسة عشرة والعشرين (جلهم ذكور) تمركزوا في زوايا الأنهج ولسان حالهم يقول: «نرفض فرض حظر التجوّل»... في تلك الأثناء سألني الشاب «منعم» عون في الشرطة العدلية عما يخامر ذهني، فكانت إجابتي بأن الأمر يعتبر عاديا وأن جلّ المواطنين يودون العيش في سلام بعيدا عن الضغوطات، لكنه قاطعني ليخبرني بأني سأرى العجب العجاب وأيد حديثه كل من زملائه حسن ومنعم ووليد الذي كان مصابا في يده اليمنى من طرف شاب هاجمه بسيف... وبالفعل فقد صدق قول الأعوان فقد شرع البعض في تكديس الحجارة وسد الطرق بالعجلات المطاطيّة قصد تنفيذ عملياتهم الاجرامية لتتم المطاردة والملاحقة من نهج الى نهج حيث تمكن الأعوان من ايقاف عديد المشتبه بهم ونقلهم الى المقر الأمني ليتم التنسيق من جديد للقيام بحملات أمنية أخرى وبمرور الوقت تقلص عديد المتواجدين في الأنهج حتى أن الفضوليين أغلقوا نوافذ منازلهم للخلود للنوم... الساعة أشارت الى منتصف الليل حينها حاولت الاستفسار، هل أن الوضع أصبح آمنا الآن، فكانت إجابة عون الأمن منعم بأني سأشاهد أشياء لم أعهدها لتتحرك جميع الفرق من جديد ويتم تعزيزها بفرقة وحدات الأنياب مدججين بكلاب مدربة تحت امرة ناظر الأمن الأول سمير الخليفي الذي أفاد بأن الكلاب ستساعد الأعوان في عديد العمليات في الأوقات المتأخرة من الليل... وفي الأثناء وردت على الأعوان بأن بعض الشبان ينوون مهاجمة المركز الأمني بمدينة عمر المختار يقودهم أحد الشبان المعروفين بعملياتهم الاجرامية ليتم التحرك على الفور وبسرعة فائقة تمّ افشال مخطط حرق المركز وإلقاء ا لقبض على مدبر العملية. ورغم حالة الارهاق والتعب إلاّ أن ملامح الفرحة بدت على وجوه الأعوان ورجال الجيش على إثر العملية الناجحة... لكن لم يدم وقت طويل حتى نشبت معركة بحي المستيري استعملت فيها السيوف وكانت النتيجة أن تعرض شاب يدعى «أيمن» لضربات سيف تكاد تكون قاتلة في أنحاء متفرقة من جسده ليفر المظنون فيه، لكنه وقع في قبضة الأعوان مع حجز السلاح الأبيض. وأثناء نقله الى المقر الأمني وفي أحد الأركان المظلمة ركن شاب سيارته ليشرع في شرب الخمر صحبة فتاتين وبحكم حالة الانتشاء لم يبالوا بما يسمى بحظر التجوّل ممضين وقتا حميميا أفسده عليهم أعوان الأمن بعد أن ضبطوهم في وضع مشبوه. شأن الشاب والفتاتين لم يختلف عن عديد الشبان الآخرين الذين كانوا في حالة انتشاء لشربهم الخمر مما جعلهم يتجاوزون الوقت المسموح به للتجوّل بساعات وكانت إجابتهم يلوح عليها الاستغراب بأنهم لا يعلمون بقانون فرض حظر التجوّل... لكن القانون لا يحمي الغافلين ليتم نقلهم الى المقرّ الأمني الراجع بالنظر وإيداعهم رهن الايقاف. الساعة أشارت الى الثانية فجرا من يوم أمس حيث شلت الحركة تماما باستثناء بعض السيارات المارة أو الوحدات الأمنية التي ظلت تمشط الأماكن المشبوهة والتي عادة ما تكون وكرا للمارقين عن القانون ورغم حالة الارهاق والتعب التي بدت على وجوه الجميع، فقد كانت الأجواء بين أعوان الأمن والجيش الوطني جد مريحة تجمعهم حب المغامرة والوطنية الصادقة... والمخاطرة بحياتهم.