٭ من مبعوثنا الخاص: الحبيب الميساوي الذهيبة الشروق : «ماذا سيحدث لأهالي الذهيبة إن توقفت الحرب في ليبيا فنحن لم نعد قادرين على العيش دون سماع دوي المدافع وقصف الطائرات ومشاهدة الدبابات» هكذا علّق عبد ا& ذهيبي على الاوضاع السائدة هنا منذ أكثر من الشهرين. تعليق ساخر يحمل في طيّاته أكثر من معنى فالناس هنا تعوّدوا على الحرب وعزاءهم الوحيد قلوبهم الكبيرة التي اتسعت الى ذلك الحجم العظيم فتحولت مدينة الذهيبة من مدينة يعيش فيها 4500 ساكن الى مخيّم كبير يتعايش فيه أكثر من 25000 انسان بين أطفال ونساء وشيوخ ورجال كلهم من الليبيين. لكن قصف يوم الامس أذهل الجميع لكثافته واتساع رقعة سقوط القذائف على تخوم مدينة الذهيبة فعشرات القذائف والشظايا والذخيرة التي لم تنفجر سقطت على بعد مائتي متر من أول منزل بالمدينة مما دفع بصاحبه الى الفرار صحبة عائلته وقطيعه الى وسط المدينة. الى ذلك بات واضحا ان كتائب القذافي تبحث عن فتح مسالك جديدة للعبور من جبل طويل الذهيبة الى المرابح ومن ثمة الانقضاض على الثوار داخل البوابة خاصة وأن قصفا جويا للأطلسي على مواقع للكتائب بالزنتان التي تبعد 270 كلم عن تونس دفع بها الى الفرار الى الحدود التونسية مما يفسّر قيامها بهذا القصف المكثّف على مواقع الثوار بوازن أي للتحصن بالجبال المتاخمة للحدود وتجنب قصف قوات الاطلسي ذلك انهم يعلمون ان قوات التحالف لا يمكن لها القيام بعمليات قصف مخافة ان يطال ذلك الاراضي التونسية. والحقيقة ان مع عشرات القذائف التي تتهاطل على الاراضي التونسية يتواصل تدفق الجرحى على المستشفى المحلي بالذهيبة حيث وضع الاطار الطبي العسكري في حالة استنفار قصوى فالرائد سليم طبيب مبرّز جراح من الجيش الوطني لا يكاد ينزع حذاءه العسكري حتى يعود الى ربط خيوط نفس الحذاء ووضع قفّازاته الطبية البيضاء لتثبيت الحالة واستئصال الرصاص قبل ان تجهّز سيارة الاسعاف تحمل الجريح الى مستشفى تطاوين. في هذا المستشفى الصغير بالذهيبة يعيش رجال من الجيش الوطني وتحديدا من الاطار الطبي العسكري من ممرضين وسائقي سيارات اسعاف وأطباء لم يروا عائلاتهم منذ أكثر من أربعة أشهر تعوّدنا على رؤية عبد الوهاب والحبيب وبن عبد ا& وقائد المعارك الجراحية الرائد سليم كشالفي، لا يكادون يستمتعون بدقائق من الراحة حتى تأتي الاخبار عن عبور سيارات الاسعاف للمركز الحدودي فترى كل واحد منهم قد أخذ مكانه على الجبهة. جبهة مدارها الاوكسيجين والأدوية وأدوات الجراحة وأبطالها جاؤوا من فيافي تونس وقراها ومدنها كالرائد طبيب جراح سليم كشالفي والنقيب طبيب مراد قرميط والبواسل سامي التليلي وعبد الوهاب ومحسن وأحمد ومسكّن التوترات الرائد احمد بن عبد ا&، جيش لم نكن نعرفه جيدا لكنه كان قريبا منا حتى أننا نعيد بناء محبتنا له. حين تستغيث الواحة مخيّم رمادة يستقبلك بيافطة كبيرة كتب عليها مخيم الواحة برمادة يرحب بضيوفه الكرام. والضيوف هنا قدموا من الزنتان ونالوت وتيجي ووازن والغزاية وتكوت وكامل مناطق الجبل الغربي. هم اخوان لنا لم نكن نعرفهم لكنهم يحملون أسماء بمثل أسمائنا: محمد وأحمد وعلي وفاطمة وخديجة وأخرى أملتها الحداثة كصابرين ونهى وخليل وأشرف ووائل. وفي المحصلة هم عرب اختلفت جذورهم فنالوت بالأساس أمازيغ من أصل بربريّ تعرّبوا على يد المسلمين لذلك تجد بشرتهم بيضاء وعيونهم زرقاء وكذلك أهالي تيجي وتكوت، أما الزنتان فقبيلة عربية قدمت من اليمن وحملت معها الكثير من الشجاعة والنخوة الى ذلك الحد الذي دفع بالعقيد معمر القذافي الى عزلهم مخافة ان ينتفضوا، وانتفاضة الزنتان تعني سقوط نظامه. ولك أن تعلم ان مدينة الغزاية اشتهرت بجمال نسائها فهن بيض بعيون خضراء تعطي على زرقة نادرا ان تجد مثيلا لها. وحتى ظروف الحرب لم تؤثر على هذا الجمال فلقد حافظت النساء على وقارهن وحشمتهن بارتداء ثياب سوداء تغطي أجسامهن وجزءا كبيرا من وجوههنّ تجعلك تنظر اليهن بكثير من الاحترام والوقار. كلمة «مرأة» تجد كل معانيها هنا فنساء الجنوب التونسي ذوات الوقار والهيبة فتحن منازلهن لاستقبال سيدات ليبيا يخفّفن عليهن وطأة تمزّق الوطن والحقيقة ان الوطن واحد سواء كان التراب تونسيا او ليبيا. على ان ظروف الإقامة في مخيم الواحة صعبة جدا فالخيام ليست من ذلك النوع الذي يتحمّل طبيعة المناخ للجنوب التونسي ودورات المياه غير كافية لتأمين الحد الأدنى من الراحة.