٭ من مبعوثنا الخاص الحبيب الميساوي ٭ الذهيبة «الشروق»: يخيّم هدوء حذر منذ يومين على الحدود التونسية الليبية في مستوى نقطة العبور وازن الذهيبة وحتى الساعة الثانية ظهرا من يوم الأمس نسي الناس هنا الحرب والقصف وسقوط القذائف ليعبروا عن بعض الاستياء من المداخلة التلفزية للوزير الأول في الحكومة المؤقتة بسبب ما وصفوه بالتجاهل لأوضاعهم وعدم اتخاذ إجراءات عملية لحمايتهم وحماية ممتلكاتهم جراء ما تتعرض له المنطقة من سقوط للقذائف دفعت بهم إلى مغادرة أراضيهم التي تمثل مصدر رزقهم الوحيد. توقع المواطنون في الذهيبة أن يعلن الوزير الأول عن إحداث صندوق يساعدهم على تجاوز الأوضاع الصعبة التي يعيشونها منذ بداية الحرب في ليبيا. وقد بات مؤكدا أن هذا الهدوء مردّه ما تعرضت له كتائب القذافي من خسائر طيلة الأيام الأخيرة خاصة في مدينة الزنتان حيث دارت معارك ضارية بينهم وبين الثوار انتهت بتراجع الكتائب نحو عشرة كيلومترات باتجاه طرابلس بعد تحطيم أكثر من دبابة وتعطيل ما يقارب العشرين عربة تحمل على متنها راجمات صواريخ غراد ومدفعية ثقيلة من نوع هاون. وأكد لنا المتحدث الرسمي باسم الثوار أن رفاقه أسروا خمسين عنصرا من كتائب القذافي وقتلوا عشرة آخرين. أما في نالوت التي تبعد ثمانين كيلومترا عن الحدود التونسية فقد أجبر الثوار عناصر الكتائب على الفرار والتراجع إلى جبل نافوسة بعد أن أسروا العديد منهم. ولا يزال الثوار يسيطرون على معبر وازن الذهيبة في حين تستعمل كتائب القذافي دروعا بشرية لحمايتهم داخل مدينة الغزاية الواقعة على بعد 18 كلم من الحدود التونسية. وفي حين عادت الحياة تدريجيا إلى طبيعتها في مدينة الذهيبة وفتحت المدارس والمعاهد أبوابها يتواصل تدفق اللاجئين الليبيين على الأراضي التونسية هروبا من جحيم الحرب في ليبيا ومنهم الرضيعان عبد اللّه وعبد الرحمان البالغان من العمر شهرين ونصفا واللذان قدما رفقة أمهما إلى تونس للبحث عن والدهما علي الذي جرح في إحدى المعارك ضد كتائب القذافي. وينتمي علي وشقيقه مصطفى إلى إحدى مجموعات الثوار المتمركزة في تخوم الزنتان المدينة التي تبعد عن الذهيبة 270 كلم. كان الثوار يتوقعون هجوما للكتائب على مدينة الزنتان خصوصا أن تعزيزات هامة قد وصلت إليهم وتمثلت في دبابات وعتاد عسكري. لذلك قاموا بتحرك استباقي ونفذوا هجوما على إحدى الكتائب التي كانت تتأهب لقصف المدينة... أفاق عليّ بعد يومين ليجد نفسه على أحد الأسرّة في مستشفى الزنتان وقد أصيبت ساقه اليمنى بجروح خطيرة. ونظرا إلى حالته الخطيرة تم نقله على جناح السرعة إلى مستشفى الذهيبة ومنه إلى مستشفى تطاوين لاجراء عملية جراحية. أما أخوه فلقد لقي حتفه في اشتباكات عنيفة مع كتائب القذافي. وفي الأثناء فقدت زوجته كل اتصال به وهي التي كانت قد أنجبت له طفلين توأمين منذ شهرين ونصف. عبد اللّه وعبد الرحمان رضيعا الشهرين والنصف قدما إلى تونس للبحث عن أبيهما. وقد قطعا مسافة 300 كلم للوصول إلى الحدود وكانا في حضن أمهما لا يفهمان ما يحدث لهما. لكن الأم كانت قد قررت القدوم بهما إلى تونس بعد أن بلغها خبر وجود زوجها في أحد المستشفيات التونسية. كانت عزيمتها أكبر من مصاعب الطريق. ولا هدف لها سوى رؤية زوجها والاطمئنان على مصيره. والحقيقة أن الأطفال الليبيين يعانون الأمرّين هنا في المخيّمات فالكثير منهم فقدوا آباءهم حتى أنهم يتطلعون إلى أيّ سيارة تدخل المخيم لعلّهم يعثرون على آبائهم. أما النساء فسؤالهن في المستشفى المحلي بالذهيبة لا ينتهي يبحثن عن أي خبر يأتي من الجبهة ويتطلعن إلى الجرحى فقد تحمل سيارات الإسعاف قريبا لهم أو زوجا أو أبا... هذه هي تبعات الحرب على المدنيين: تهجير ويتم وبؤس وفقر وضياع.