دعا إليها رئيس الجمهورية خلال لقائه بوزير الشؤون الاجتماعية... مراجعة جذرية لدور الصناديق الاجتماعية    مشروع قانون في البرلمان    بعد حجز 700 طن من المواد الفاسدة: محتكرون ومهرّبون متورّطون في الإرهاب الغذائي    القصرين: إخماد حريق اندلع بجبل عبد العظيم    المعلّم الثائر الذي لاحق الاحتلال الصهيوني في كلّ مكان: جورج عبد الله حرّ... بعد 40 عاما    بعد 65 عاما من الهيمنة: قوات فرنسا تغادر السنغال    وزير التعليم العالي .. زيادة عدد الناجحين    الهوارية... شاب ينقذ امرأتين من الغرق    وصفتها بأنها معلّمتها الأولى ..وفاة والدة الفنانة هند صبري    اسألوني: يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة: موقف الإسلام من الإسراف والتبذير: حسن ترشيد استهلاك الماء    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب ديني واجتماعي    عاجل: الجامعة التونسية لكرة القدم تكشف عن رزنامة الموسم الرياضي 2025-2026    العودة للعمل بعد الإجازة صعبة؟ إليك 5 طرق لتجاوز الاكتئاب    البيت الأبيض: ترامب منح سوريا "فرصة لتحقيق الازدهار" عبر رفع العقوبات    المهرجان الصيفي منوبة الدندان يفتتح المهرجانات الصيفية بالجهة    كدمات على يد ترامب.. البيت الأبيض يكشف السبب ويكشف الحالة الصحية للرئيس    جلسة صلحية مرتقبة غدا في صفاقس للإعلان عن إلغاء إضراب أعوان شركة "سونوتراك"    بي هاش بنك يقدّم تقريره الأوّل للاستدامة    وزير السياحة يكشف عن التوجه لإحداث منصة وطنية لهيكلة وتنظيم السياحة البديلة في تونس    الترجي يخوض تربّصه التحضيري بعين دراهم استعدادًا لانطلاق الموسم الجديد    المندوبية الجهوية للثقافة بسليانة تعلن عن برمجة مهرجان سليانة الدولي    جوان المنقضي أشد حرارة من المعتاد: تقرير مفصّل من الرصد الجوي.. #خبر_عاجل    عاجل/ الناتو ينقل أنظمة باتريوت الى اوكرانيا وروسيا تستعد لحرب شاملة    تغيرات الطقس تهاجم الرئتين بصمت... كيف تحمي نفسك؟    عاجل/ هذا ما قرّرته دائرة الإتهام في حق أحمد صواب    حرمت 20 عائلة من الماء: انتشال شاة نافقة من منشأة مائية بهذه الجهة    عاجل: بسبب قناة صرف مياه منهارة... أشغال مستعجلة تُغلق شارعًا رئيسيًا بسكرة    حالة الطقس هذه الليلة    أنس جابر: "أعتقد أن الوقت قد حان لأخذ خطوة للوراء ومنح الأولوية لنفسي "    نقابة المهن التمثيلية تنعى والدة هند صبري...وهذا موعد الجنازة في تونس والعزاء بالقاهرة لاحقًا    قابس: وفاة شخص وإصابة 4 آخرين في حادث مرور بالعمارات بالمطوية    عاجل/ "إنتشار مرض السيدا في قفصة": مسؤول بالصحة الأساسية يرُد ويوضّح    الفنون الدرامية والركحية بالمهدية: مهرجان مسارات ..قريبا    ندوة صحفية يوم الاثنين المقبل للاعلان عن برنامج الدورة ال30 للمهرجان المغاربي للفروسية ببوحجلة    مباراة ودية: تركيبة طاقم تحكيم مواجهة الترجي الرياضي ومستقبل المرسى    ارتفاع حصيلة ضحايا حريق مول تجاري جنوب بغداد..#خبر_عاجل    هام/ انجاز طبي نوعي بقسم الأنف والأذن والحنجرة بالمستشفى الجامعي بقابس..    مدرب الحراس التونسي مجدي مناصرية يلتحق بنادي يانغ افريكانز التنزاني    بعثة الأهلي تطير إلي تونس صباح الجمعة لاجراء تربص تحضيري    مطار جربة جرجيس يستقبل أكثر من 5700رحلة جوية من 17 دولة    آخر مستجدات مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة..#خبر_عاجل    مهرجان الحمامات الدولي: مسرحية "ام البلدان" تستعير الماضي لتتحدث عن الحاضر وعن بناء تونس بالأمس واليوم    ''ننّي ننّي جاك النوم''... الغناية اللي رقدنا عليها صغار...أوّل مرّة بش تقراها كاملة    خدمة إلكترونية تحلّك مشكل زحمة ال'' Péage''وتربحك وقت    "كريم الفيتوري يدعو إلى تحالفات بين علامات تونسية لاكتساح أسواق زيت الزيتون العالمية"    نقطة تحول في مسيرة العلامة التجارية/ "أودي" طلق سيارتها الجديدة "Q6 e-tron": أنور بن عمار يكشف السعر وموعد انطلاق التسويق..    بعد الآلة الذكية لكشف نسبة الكحول للسواق...رُد بالك تفوت النسبة هذي    تحذير: موجة حرّ خانقة تضرب تونس...وذروتها يوم الإثنين!    كيفاش يتحسب السكور وانت ناجح من دورة المراقبة 2025؟    الجامعة التونسية لكرة القدم تصدر بلاغ هام..#خبر_عاجل    هل الضوء في الصيف يزيد من حرارة المنزل؟ الحقيقة العلمية!    البطولة الافريقية لالعاب القوى للشبان : التونسية فريال شنيبة تحرز برونزية مسابقة الوثب الثلاثي    قيس سعيّد: مؤسسات بلا جدوى ونصوص تستنزف أموال الشعب    "تعبت".. تدوينة مؤثرة ترافق استقالة مفاجئة للنائبة سيرين مرابط وتثير تفاعلاً واسعًا    التفويت بالدينار الرمزي لفائدة مؤسسة مدينة الأغالبة الطبية بالقيروان    لحظة مذهلة في مكة: تعامد الشمس على الكعبة وتحديد دقيق للقبلة    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رشائيات: رد على رسالة صديقي رؤوف الباسطي
نشر في الشروق يوم 27 - 05 - 2011

عرفت رؤوف الباسطي منذ ثمانينات القرن الماضي، وأعتقد أنني عرفته جيداً، ورغم فتور العلاقة في السنوات الأخيرة بسبب حساسية مسؤوليته وتفاقم استقلاليتي التي تعتبر معارضة واضحة لنظام يسعى إلى احتواء الفكر والقلب والأنفاس، بقيت أكن لرؤوف كل الحب والاحترام، وكصديقة انزعجت عندما دخل رؤوف الباسطي ضمن تركيبة سياسية كنت متأكدة أنه لن يتمكن من التأقلم معها حسب مبادئه وأخلاقياته، فالسياسة لا تتجاور مع النزاهة ورؤوف رغم كل المواقف كان وسيبقى نزيهاً.
قرأت منذ مدة الاتهامات الموجهة اليه وانزعجت لنتائج ثورة تتعامل مع الابتذال على أنه حرية، لكن لم أعطها أهمية فهي من تجار فن وعملاء فنانين، ثم قرأت رسالة اعتذار صديقي شعرت بألم وغضب شديد، لقد أمضى هذا الرجل عمره في خدمة بلاده، حتى أخطاءه كانت عن حب واقتناع، ربما لن أتمكن من سرد كل ما أعرفه لكن هذه بعض المحطات .
هو أيقونة جيل الستينات، بدأت مسيرته الابداعية في المسرح منذ أيام الدراسة في معهد الصادقية، وتابع في المسرح الجامعي رفقة المجموعة المبدعة الموجودة اليوم على الساحة، ورفيقة دربه وزوجته حياة، تخرج أستاذ لغة عربية وعشق المتنبي،شغل منصب «إدارة المسرح» خلال وزارة اليعلاوي وقدم الكثير للمسرح التونسي بعد الاستقلال، كان مدير مهرجان قرطاج أواخر السبعينات وهو من تجرأ وأقام حفلاً للفنان سيد مكاوي الذي غنى بمفرده ولأول مرة على مسرح قرطاج، وحدثني سيد مكاوي شخصياً أنه قدم الى تونس بدعوة من «الشاب اللطيف الجميل» لاقامة حفل وكان المبلغ المادي المرصود ضئيلاً جداً وعند نجاح الحفل بصورة غير متوقعة ضاعف «الشاب اللطيف» المبلغ احتراماً وتقديراً للفنان وفنه، المهرجان الذي أداره رؤوف الباسطي يعتبر من أرقى الدورات نوعاً وفناً وفكراً، ثم تولى ادارة مهرجان المنستير وطلب من أصدقائه سمير عيادي ومنصف السويسي تحضير الافتتاح فكانت الرائعة المسرحية «عطشان يا صبايا» ثم أدار مهرجان الحمامات وكان الافتتاح بالمسرحية الساخنة «التحقيق» للمسرح الجديد، مسرحية من الصعب تقديمها اليوم، تولى رؤوف ادارة التلفزة الوطنية في الثمانيات وغير الشكل والمضمون، وهو أول من فكر في الانتاج الوطني للأطفال الذي كان مهمشاً تماماً، وتحت ادارته سجلت رغم كل الصعوبات مسرحية «غسالة النوادر» الذي كان على يقين أنها ستكون سبب اقالته، وفضل أن يترك وراءه أثرا وان وضعوا الأعمال في المنسيات سيأتي يوم وتخرج للنور، بعد اقالته من التلفزة بقي مدة طويلة دون عمل مغضوب عليه من طرف حكومة المزالي، وكانت الفرصة الرائعة لتحقيق جانباً من حلمه في انتاج عمل مسرحي «التربيع والتدوير» نص للجاحظ واقتباس عز الدين المدني واخراج رؤوف الباسطي وتمثيل نور الدين عزيزة، عمل رؤوف في ظروف مادية وفنية صعبة، لكنه قدم عملاً رائعاً متكاملاً وراقياً،نال العمل العديد من الجوائز عبر الوطن العربي، وأذكر أن العرض الأول كان في قاعة يحيى بالعاصمة خلال أيام مهرجان قرطاج المسرحية، لم يحضر رؤوف العرض داخل القاعة، بقي في الخارج وكنت أخرج من حين لآخر لأطمئنه عن رد فعل الجمهور المتحمس، لم يكن يوماً مغروراً أو مفاخراً، ثم عمل كمدير انتاج في اتحاد اذاعات الدول العربية وتم انتخابه لرئاسة الاتحاد لدورتين بالاجماع، ساهم في تقدم وحداثة التلفزات العربية بقوانينها وبرامجها، عمل ليلاً نهاراً رغم الآلام في ظهره والتي تفترض عدم الحركة والتنقل لكنه رجل واجب والتزام، كان يعمل وهو شبه مشلول من الألم .
7 نوفمبر ككل الشباب الذين حملوا أملاً بعد الاستقلال وخاب ظنهم، استيقظ الأمل واعتقد رؤوف كجل الشعب التونسي أن ذلك الرجل سيحاول أن ينهض بتونس لتواكب الأمم المتقدمة، فقرر أن يخدم الوطن لا النظام، عين سفيراً في الأردن ولبنان وكان نعم السفير لتونس، عرف بحسه المرهف أن الديبلوماسية لم تعد ترتكز على السياسة بل على الحضارة والثقافة فرفع رايتها عالياً، وعندما طلب منه العودة الى تونس ليستلم رئاسة مؤسسة الاذاعة والتلفزة تردد ثم اضطر للقبول على أمل أن يضيف شيئاً في مجال مارسه طويلاً، لكن المكان لم يكن نفس المكان والزمان ليس نفس الزمان، رؤوف يعطي الثقة لمن يتعامل معهم وحرية التصرف معتمداً على معرفتهم للمهنة ونزاهتهم، ومن عيوبه أنه ليس قاطعاً حين يكتشف الخطأ، لكن الخطأ تفاقم من كل الجهات والضغوطات أيضاً من الأعلى ومن الداخل، وغادر رؤوف ذلك الصندوق العجيب وعمل في وزارة الخارجية ثم وزير ثقافة، وللمرة الأولى سررت لتوليه منصب وزاري ففي الثقافة مكانه، حاول العمل جاهداً لاخراج الثقافة ووزارتها من الجمود التي كانت تعاني منه سنوات طويلة، وأعتقد أنه نجح في ذلك، وبالنسبة إلى الاتهامات أنه تلاعب بأموال الدولة، فذلك أبعد من المستحيل، لم أعرف في حياتي رجلاً أكثر نزاهة رغم توليه عدة مناصب، بقي سنوات طويلة يسكن في منزل بسيط ملك أهل زوجته، ثم اقتنى أرضاً من تعاضدية التلفزة وبنى منزلاً جميلاً دون غرور أو ادعاء، لم يتوسط أبداً لأهله وأصدقائه، سنة 83 رفض التدخل لابن أخته نبيل الباسطي لأنه يحمل نفس الاسم للعمل في الفريق الصيفي رغم أن المدير صديقه سمير عيادي، وأنا التي دعوت نبيل للعمل معي في مكتب الاعلام وهاهو اليوم مسؤولاً عن المكتب بفضل عمله واستقامته، يمكنني أن أشك في نفسي ولا أشك في رؤوف الباسطي، وقد تألمت كثيراً عندما قرأت رسالة الاعتذار، هو لا يستحق ذلك فهو أسمى من أن يعتذر لأنه لم يخطئ إلاّ في حق نفسه، كان يجب أن ينسحب من الساحة منذ فترة طويلة ويتفرغ للكتابة فلديه الكثير مما يكتبه ومما يتوق تحقيقه من أحلام.
ومن ثوابت رؤوف الباسطي ايمانه العميق الصادق والمؤمن لا يخون الأمانة، وحبه لعائلته ومن المستحيل أن يخدش صورة الرمز في عيون زوجته وأطفاله، فالى كل هؤلاء الذين يتهجمون على رؤوف الباسطي اتقوا الله في عباده واتقوا الوطن في رجاله، لقد عمل هذا الرجل صادقاً «ومن عمل عملاً فأصاب فله أجران، واذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.