وزيرة الاقتصاد والتخطيط تترأس الوفد التونسي في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية    بوعرقوب: رئيس اتحاد الفلاحة يستنكر عدم اتّخاذ قرارات فعّالة للحد من انتشار الحشرة القرمزية    جامعة كرة السلة تهنئ الترجي الرياضي بلوغ نهائي أبطال إفريقيا والتأهل لكأس العالم للأندية    ملامحها "الفاتنة" أثارت الشكوك.. ستينيّة تفوز بلقب ملكة جمال    توقيع اتفاق بين الحكومة التونسية ونظيرتها البحرينية بشأن تبادل قطعتيْ أرض مُعدّتيْن لبناء مقرّين جديدين لسفارتيهما    فاطمة المسدي تطالب بترحيل الأفارقة.    هوغربيتس يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة.. ويكشف عن مكانه    فرنسا تعتزم المشاركة في مشروع مغربي للطاقة في الصحراء    وزيرة التربية تطلع خلال زيارة بمعهد المكفوفين ببئر القصعة على ظروف إقامة التلاميذ    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي البنزرتي في مواجهة نجم المتلوي    رابطة الابطال الافريقية لكرة القدم - الاهلي المصري الى النهائي    دورة اتحاد شمال افريقيا لمنتخبات مواليد 2007-2008- المنتخب المصري يتوج بالبطولة    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    سيدي بوزيد: المجلس المحلي بسيدي علي بن عون يطالب السلطات بحل نهائي لإشكالية انقطاع التيار الكهربائي    سيدي بوزيد: انطلاق فعاليات الاحتفال بالدورة 33 لشهر التراث بفقرات ومعارض متنوعة    مسابقة أكاديمية الشّرق الأوسط للأطبّاء الشّبان بدبي: الدكتورة التونسية مريم بن عياد تفوز بالجائزة الأولى في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم السبت 27 أفريل    بنزرت: الافراج عن 23 شخصا محتفظ بهم في قضيّة الفولاذ    الرابطة الأولى: تشكيلة الإتحاد المنستيري في مواجهة الملعب التونسي    الناطق باسم محكمة تونس يوضح أسباب فتح تحقيق ضد الصحفية خلود مبروك    خبير تركي يتوقع زلازل مدمرة في إسطنبول    استشهاد شابين فلسطينيين وإصابة اثنين آخرين بنيران الاحتلال الصهيوني غربي "جنين"..#خبر_عاجل    عاجل/ الحوثيون يطلقون صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر..    عاجل تلاميذ منطقة الحاج قاسم 2يستغيثون للمرة الثانية في نفس الأسبوع..الحافلة معطلة    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    مذكّرات سياسي في «الشروق» (5) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم الصادقية حاضنة المعرفة والعمل الوطني...!    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    تنديد بمحتوى ''سين وجيم الجنسانية''    "حماس" تعلن تسلمها رد الاحتلال حول مقترحاتها لصفقة تبادل الأسرى ووقف النار بغزة    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    رقم قياسي جديد ينتظر الترجي في صورة الفوز على صن داونز    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    تقلص العجز التجاري الشهري    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رشائيات: رد على رسالة صديقي رؤوف الباسطي
نشر في الشروق يوم 27 - 05 - 2011

عرفت رؤوف الباسطي منذ ثمانينات القرن الماضي، وأعتقد أنني عرفته جيداً، ورغم فتور العلاقة في السنوات الأخيرة بسبب حساسية مسؤوليته وتفاقم استقلاليتي التي تعتبر معارضة واضحة لنظام يسعى إلى احتواء الفكر والقلب والأنفاس، بقيت أكن لرؤوف كل الحب والاحترام، وكصديقة انزعجت عندما دخل رؤوف الباسطي ضمن تركيبة سياسية كنت متأكدة أنه لن يتمكن من التأقلم معها حسب مبادئه وأخلاقياته، فالسياسة لا تتجاور مع النزاهة ورؤوف رغم كل المواقف كان وسيبقى نزيهاً.
قرأت منذ مدة الاتهامات الموجهة اليه وانزعجت لنتائج ثورة تتعامل مع الابتذال على أنه حرية، لكن لم أعطها أهمية فهي من تجار فن وعملاء فنانين، ثم قرأت رسالة اعتذار صديقي شعرت بألم وغضب شديد، لقد أمضى هذا الرجل عمره في خدمة بلاده، حتى أخطاءه كانت عن حب واقتناع، ربما لن أتمكن من سرد كل ما أعرفه لكن هذه بعض المحطات .
هو أيقونة جيل الستينات، بدأت مسيرته الابداعية في المسرح منذ أيام الدراسة في معهد الصادقية، وتابع في المسرح الجامعي رفقة المجموعة المبدعة الموجودة اليوم على الساحة، ورفيقة دربه وزوجته حياة، تخرج أستاذ لغة عربية وعشق المتنبي،شغل منصب «إدارة المسرح» خلال وزارة اليعلاوي وقدم الكثير للمسرح التونسي بعد الاستقلال، كان مدير مهرجان قرطاج أواخر السبعينات وهو من تجرأ وأقام حفلاً للفنان سيد مكاوي الذي غنى بمفرده ولأول مرة على مسرح قرطاج، وحدثني سيد مكاوي شخصياً أنه قدم الى تونس بدعوة من «الشاب اللطيف الجميل» لاقامة حفل وكان المبلغ المادي المرصود ضئيلاً جداً وعند نجاح الحفل بصورة غير متوقعة ضاعف «الشاب اللطيف» المبلغ احتراماً وتقديراً للفنان وفنه، المهرجان الذي أداره رؤوف الباسطي يعتبر من أرقى الدورات نوعاً وفناً وفكراً، ثم تولى ادارة مهرجان المنستير وطلب من أصدقائه سمير عيادي ومنصف السويسي تحضير الافتتاح فكانت الرائعة المسرحية «عطشان يا صبايا» ثم أدار مهرجان الحمامات وكان الافتتاح بالمسرحية الساخنة «التحقيق» للمسرح الجديد، مسرحية من الصعب تقديمها اليوم، تولى رؤوف ادارة التلفزة الوطنية في الثمانيات وغير الشكل والمضمون، وهو أول من فكر في الانتاج الوطني للأطفال الذي كان مهمشاً تماماً، وتحت ادارته سجلت رغم كل الصعوبات مسرحية «غسالة النوادر» الذي كان على يقين أنها ستكون سبب اقالته، وفضل أن يترك وراءه أثرا وان وضعوا الأعمال في المنسيات سيأتي يوم وتخرج للنور، بعد اقالته من التلفزة بقي مدة طويلة دون عمل مغضوب عليه من طرف حكومة المزالي، وكانت الفرصة الرائعة لتحقيق جانباً من حلمه في انتاج عمل مسرحي «التربيع والتدوير» نص للجاحظ واقتباس عز الدين المدني واخراج رؤوف الباسطي وتمثيل نور الدين عزيزة، عمل رؤوف في ظروف مادية وفنية صعبة، لكنه قدم عملاً رائعاً متكاملاً وراقياً،نال العمل العديد من الجوائز عبر الوطن العربي، وأذكر أن العرض الأول كان في قاعة يحيى بالعاصمة خلال أيام مهرجان قرطاج المسرحية، لم يحضر رؤوف العرض داخل القاعة، بقي في الخارج وكنت أخرج من حين لآخر لأطمئنه عن رد فعل الجمهور المتحمس، لم يكن يوماً مغروراً أو مفاخراً، ثم عمل كمدير انتاج في اتحاد اذاعات الدول العربية وتم انتخابه لرئاسة الاتحاد لدورتين بالاجماع، ساهم في تقدم وحداثة التلفزات العربية بقوانينها وبرامجها، عمل ليلاً نهاراً رغم الآلام في ظهره والتي تفترض عدم الحركة والتنقل لكنه رجل واجب والتزام، كان يعمل وهو شبه مشلول من الألم .
7 نوفمبر ككل الشباب الذين حملوا أملاً بعد الاستقلال وخاب ظنهم، استيقظ الأمل واعتقد رؤوف كجل الشعب التونسي أن ذلك الرجل سيحاول أن ينهض بتونس لتواكب الأمم المتقدمة، فقرر أن يخدم الوطن لا النظام، عين سفيراً في الأردن ولبنان وكان نعم السفير لتونس، عرف بحسه المرهف أن الديبلوماسية لم تعد ترتكز على السياسة بل على الحضارة والثقافة فرفع رايتها عالياً، وعندما طلب منه العودة الى تونس ليستلم رئاسة مؤسسة الاذاعة والتلفزة تردد ثم اضطر للقبول على أمل أن يضيف شيئاً في مجال مارسه طويلاً، لكن المكان لم يكن نفس المكان والزمان ليس نفس الزمان، رؤوف يعطي الثقة لمن يتعامل معهم وحرية التصرف معتمداً على معرفتهم للمهنة ونزاهتهم، ومن عيوبه أنه ليس قاطعاً حين يكتشف الخطأ، لكن الخطأ تفاقم من كل الجهات والضغوطات أيضاً من الأعلى ومن الداخل، وغادر رؤوف ذلك الصندوق العجيب وعمل في وزارة الخارجية ثم وزير ثقافة، وللمرة الأولى سررت لتوليه منصب وزاري ففي الثقافة مكانه، حاول العمل جاهداً لاخراج الثقافة ووزارتها من الجمود التي كانت تعاني منه سنوات طويلة، وأعتقد أنه نجح في ذلك، وبالنسبة إلى الاتهامات أنه تلاعب بأموال الدولة، فذلك أبعد من المستحيل، لم أعرف في حياتي رجلاً أكثر نزاهة رغم توليه عدة مناصب، بقي سنوات طويلة يسكن في منزل بسيط ملك أهل زوجته، ثم اقتنى أرضاً من تعاضدية التلفزة وبنى منزلاً جميلاً دون غرور أو ادعاء، لم يتوسط أبداً لأهله وأصدقائه، سنة 83 رفض التدخل لابن أخته نبيل الباسطي لأنه يحمل نفس الاسم للعمل في الفريق الصيفي رغم أن المدير صديقه سمير عيادي، وأنا التي دعوت نبيل للعمل معي في مكتب الاعلام وهاهو اليوم مسؤولاً عن المكتب بفضل عمله واستقامته، يمكنني أن أشك في نفسي ولا أشك في رؤوف الباسطي، وقد تألمت كثيراً عندما قرأت رسالة الاعتذار، هو لا يستحق ذلك فهو أسمى من أن يعتذر لأنه لم يخطئ إلاّ في حق نفسه، كان يجب أن ينسحب من الساحة منذ فترة طويلة ويتفرغ للكتابة فلديه الكثير مما يكتبه ومما يتوق تحقيقه من أحلام.
ومن ثوابت رؤوف الباسطي ايمانه العميق الصادق والمؤمن لا يخون الأمانة، وحبه لعائلته ومن المستحيل أن يخدش صورة الرمز في عيون زوجته وأطفاله، فالى كل هؤلاء الذين يتهجمون على رؤوف الباسطي اتقوا الله في عباده واتقوا الوطن في رجاله، لقد عمل هذا الرجل صادقاً «ومن عمل عملاً فأصاب فله أجران، واذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.